#شؤون فلسطينية

بايدن وحاجة الفلسطينيين لاستراتيجية سياسية مدروسة

بقلم  العميد أحمد عيسى* – 15/2/2021

شهدت القضية الفلسطينية تطورات مهمة منذ بداية العام الجاري، كان أبرزها وصول الرئيس جو بايدن إلى سدة الحكم في أمريكا محمولاً على مقاربة أقل عداوةً للفلسطينيين من مقاربة سلفه الرئيس ترامب، ثم صدور قرار محكمة الجنايات الدولية الذي أكد الولاية القضائية للمحكمة على المناطق التي احتلتها إسرائيل العام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، وأخيراً اتفاق القاهرة حول الانتخابات كأول خطوة من خطوات إنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية، إلا أن عدم الشروع في التطبيق الفوري لما أثاره الدكتور رفيق الحسيني في مقالته التي حملت عنوان “نحن وأمريكا في عهد بايدن” المنشورة بتاريخ 4/ 2/ 2021، واستمرار إدارة العمل السياسي الفلسطيني اعتماداً على أفكار غير مدروسة وموجودة فقط في رأس شخص أو اثنين في دائرة صنع القرار بدل الاعتماد على التفكير والتحليل والتخطيط الاستراتيجي، يضعان كثيراً من الشكوك حول قدرة الفلسطينيين على توظيف هذه التطورات لصالح خدمة الأهداف العليا للفلسطينيين، علاوة على أنهما يضيفان قرينةً أُخرى على عدم أهلية من يتصدون لمهمة تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في هذه اللحظة من الزمن.

وكان السيد الحسيني قد تناول في مقالته المشار إليها جملة التوصيات المتضمنة في ورقة دافيد ماكوفسكي الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى التي قُدمت لإدارة الرئيس بايدن بواسطة مبعوث البيت الأبيض الأسبق للسلام في الشرق الأوسط دنيس روس في دراسة حملت عنوان “بناء جسور السلام: السياسة الأمريكية نحو الدول العربية وإسرائيل والفلسطينيين”، التي نشرها المعهد بتاريخ 26/ 1/ 2021، إذ تضمن هذه التوصيات، إذا أخذتها إدارة بايدن بعين الاعتبار، عدم المساس بالإنجازات التي حققتها إسرائيل في عهد إدارة الرئيس ترامب.

تجدر الإشارة هنا إلى قدرة معهد واشنطن على التأثير في السياسة الخارجية للإدارات الأمريكية المتعاقبة، الأمر الذي يتجلى في كثرة ظهور طاقم المعهد، خاصة مديره روبرت ساتلوف أمام لجان الاستماع التي يعقدها الكونغرس دورياً حول قضايا عدة في الشرق الأوسط كمكانة الإخوان المسلمين في النظام السياسي في منطقة الشرق الأوسط والاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغير ذلك من القضايا التي تتعلق بأمن إسرائيل.

كما تجدر الإشارة إلى أهمية الباحث ماكوفسكي نفسه في التأثير على تطوير محددات السياسة الخارجية الأمريكية التي تتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث ضمه مبعوث الرئيس أوباما للسلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل إلى فريقه في العام 2011، وذلك لخبرته في موضوع الاستيطان وتبادل الأراضي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، هذه الخبرة التي أظهرها في دراسته “تخيل الحدود: تصورات لحل الخلافات الحدودية بين إسرائيل والفلسطينيين”، التي أعدها ماكوفسكي بالتعاون مع باحثين آخرين في كانون الثاني العام 2011، ونشرها معهد واشنطن في الشهر نفسه.

في الواقع تُظهر مقارنة توصيات ماكوفسكي التي تناولها الحسيني في مقالته مشكوراً بمساهمات غيره من الباحثين اليهود، سواء داخل إسرائيل أم خارجها، أن هناك تقاطعاً وتكاملاً بين مساهمة ماكوفسكي ودينيس روس وغيرهما من الباحثين العاملين في مؤسسات بحثية أُخرى كمعهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي، ومعهد القدس للاستراتيجية والأمن، ومركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية، ومعهد بروكنجز، ومركز الأمن الأمريكي الجديد، ومركز الإمارات للسياسات، الأمر الذي يشير إلى أن مساهمة معهد واشنطن (ماكوفسكي) هي حلقة من مخطط أكبر يسعى لتطويع مقاربة إدارة بايدن للشرق الأوسط، بما بضمن عدم المساس بالإنجازات التي حققتها إسرائيل والدول الخليجية التي وقعت على معاهدة “إبراهيم” في عهد الإدارة السابقة.

وتجادل هذه المقالة أن أبرز هذه المساهمات قد تجلت في الدراسة التي وُسمت بعنوان “إعادة الاندماج في الشرق الأوسط: رؤية جديدة لسياسة الولايات المتحدة”، الصادرة عن معهد بروكنجز في نهاية العام الماضي 2020 لمجموعة من المؤلفين الذين يعتبرون من أكثر الشخصيات خبرةً في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، حيث عملوا في إدارات أمريكية مختلفة بدءاً من كلنتون حتى ترامب، كما حرر الدراسة كلٌّ من دافنا راند وروبرت ميلر اللذين عملا في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي خلال الفترة 2009-2017.

وتكونت الدراسة من مقدمة وخاتمة وثلاثة أجزاء، وضمت ثلاثة عشر فصلاً، حيث ناقشت المقدمة المصالح والمبادئ التي يجب أن تقوم عليها السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ومعيقات تنفيذ هذه السياسة، ثم تناول مؤلفو الدراسة العلاقات الأمريكية في بلدان المنطقة المتعددة كمصر والسعودية وإيران وليبيا واليمن وإسرائيل وجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من القضايا العابرة للبلدان.

وقد تناولت الدراسة حلبة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الجزء الثاني الذي حمل عنوان: إعادة تصور الشراكات الأمنية الأمريكية الأساسية، حيث خصص الفصل الخامس الذي انفرد في تأليفه السفير الأسبق لواشنطن في تل أبيب داني شابيرو، الذي يعمل حالياً كباحث زائر في معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي، وحمل هذا الفصل عنوان: العلاقة الأمريكية الإسرائيلية والساحة الفلسطينية الإسرائيلية.

وللوقوف على ما ذهب إليه السفير شابيرو هناك حاجة لفهم المصالح والمبادئ التي يجب أن تقوم عليها السياسة الخارجية كما تناولتها مقدمة الدراسة، وكذلك فهم العوائق أمام تنفيذ هذه السياسة، حيث حددت الدراسة المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط بخمس مصالح كما يلي:

• مكافحة الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية.

• حماية أمن إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، ودفع السلام الفلسطيني الإسرائيلي.

• وقف تصعيد النزاعات الإقليمية في المنطقة.

• تحقيق تحسن ملموس في مجالات الحوكمة واحترام حقوق الإنسان والمشاركة السياسية.

• الحفاظ على التدفق الحر للنفط والغاز الطبيعي.

ولكي تضمن الولايات المتحدة الأمريكية النجاح في تحقيق الأهداف الخمسة المحددة أعلاه، عليها أن تبني استراتيجيتها على المبادئ التالية:

• أن تقاد السياسة الأمريكية في المنطقة وفقاً لمصالح أمريكا، وليس وفقاً لمصالح دول أو جهات أُخرى مثل إسرائيل أو السعودية أو الإمارات، أو وفقاً للمصالح التجارية الخاصة بأُسرة الرئيس وشركائه السياسيين.

• تجنب الفصل الخاطئ بين المصالح والقيم الأمريكية.

• تبني مقاربة جديدة للشراكات الأمنية مع الفاعلين الإقليميين.

• استبدال القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة بالقوة الدبلوماسية المدنية.

وحددت المقدمة المعيقات أمام تحقيق تحديد الأهداف وفق المبادئ بالمعيقات التالية:

• معالجة القرارات الخاطئة التي اتخذتها إدارة ترامب، مثل تعليق تمويل الفلسطينيين، واحتضان خليفة حفتر في ليبيا، ومنح السعوديين والإماراتيين شيكاً مفتوحاً على بياض.

• عدم استقرار المنطقة، واستمرار الاضطرابات.

• ازدياد رغبة الرأي العام الأمريكي بعدم خوض مغامرات عسكرية في المنطقة.

• عودة المنافسة الدولية، لاسيما مع روسيا والصين.

• تقلب موقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وتضاؤل ثقة شعوب المنطقة بالسياسة الأمريكية.

وعلى ضوء ذلك، جادل شابيرو في ورقته أن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تبدأ من الصفر فيما يخص الساحة الفلسطينية الإسرائيلية، إذ لا يمكنها تجاوز موضوعة القدس ونقل السفارة، وأضاف أن هدف الإدارة الجديدة في المنطقة يجب أن يبتعد عن تحديد ماذا سيحدث، أو ماذا لن يحدث، أو ما الذي يجب أن يحدث، بل يجب أن يقوم هدفها على تحديد المصالح الأمريكية في المنطقة التي تقع في القلب منها حماية أمن إسرائيل والمحافظة على دوام الشراكة الأمريكية الإسرائيلية، سواء نجح حل الدولتين أو فشل، إذ إن لإسرائيل مكانة خاصة في ذهن دافع الضرائب الأمريكي لا يمكن أن ينافسهم عليها الفلسطينيون.

وحول حل الدولتين، يرى شابيرو أنّ على الإدارة الأمريكية الجديدة عدم التخلي مطلقاً عن هذا الحل، كونه الحل الأقل ضرراً للمصالح الإسرائيلية بعيدة المدى والأكثر نفعاً للمصالح الأمريكية في المنطقة، الأمر الذي يفرض على إدارة بايدن عدم إغماض أعينها عن البدائل المحتملة لفشل حل الدولتين.

وفي هذا الشأن، أوصى شابيرو أن تُجري الإدارة الجديدة دراسةً معمقةً حول البدائل المحتملة لعدم نجاح حل الدولتين، سواء نشرتها للعلن أم أبقت نتائجها كموجه ومحرك لصناعة السياسة الأمريكية نحو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على أن تجيب هذه الدراسة عن جملة الأسئلة التالية:

• كيف ستؤثر البدائل المحتملة لحل الدولتين على قدرة إسرائيل على حماية نفسها والدفاع عن أمنها؟

• ما هي تداعيات إقدام إسرائيل على ضم مناطق من الصفة الغربية على العلاقة الأمريكية الإسرائيلية؟

• هل سيؤدي الضم، إذا تم، إلى انهيار السلطة الفلسطينية وعودة إسرائيل إلى المناطق (A,B

• هل ستتواصل حالة الاستقرار التي تشهدها المنطقة إذا مات خيار حل الدولتين؟

• هل ستحافظ إسرائيل على شخصيتها كدولة يهودية وديمقراطية إذا أقدمت على الضم، سواء منحت الدولة جنسيتها للفلسطينيين، أم لم تفعل ذلك؟

• كيف ستشكل البدائل المحتملة لحل الدولتين التفكير السياسي للقيادة الفلسطينية التي سترث قيادة الفلسطينيين بعد الرئيس عباس؟ وأي البدائل التي ستعزز من قوة حماس وتؤدي إلى اندلاع موجات عنف في الضفة الغربية؟

• كيف ستتأثر الشراكة الأمنية الأمريكية العميقة مع إسرائيل إذا تحولت المبادئ والقيم التي تقوم عليها هذه الشراكة؟

وفي الختام، ترى هذه المقالة أن توفير إجابات عن الأسئلة التي أثارها شابيرو في دراسته، وما قد يتفرع عنها من أسئلة، يجب أن تكون أولوية المكونات السياسية الفلسطينية وما حولها من مؤسسات بحثية متخصصة، ربما بقدرٍ يفوق القدر الذي يرى شابيرو أنها من أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة، لا سيما وقد توافقوا أخيراً على التوجه إلى صناديق الاقتراع كخطوة أولى من خطوات إنهاء الانقسام، وإلا فستبقى السياسة الفلسطينية تُقاد بعقلية زورو الهزلية، كما وصفها الدكتور رفيق الحسيني في مقالته.

* المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى