ترجمات أجنبية

ايليا ج. مغناير يكتب- سَقَطَ تعديلُ مهمة قوة “اليونيفيل” ولم ينجح مشروع تحويل لبنان “دولة فاشلة”

بقلم – ايليا ج. مغناير – 25/8/2020

كانت واشنطن – التي تساهم في الميزانية السنوية لقوة “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان بمبلغ 135 مليون دولار (تمثّل 27 بالمئة من مجموع الاحتياجات السنوية لهذه القوة) – تهدّد بسحب هذا التمويل إذا لم تُعدَّل مهمة تلك القوة وتأخذ دور الباحث عن أي مستودع سلاح وقدرات عسكرية منتشرة على طول الحدود اللبنانية وخصوصاً الحافة الأمامية المجابهة لإسرائيل.

إلا أن تعديل مهمة “اليونيفيل” لم يَعُدْ مطروحاً بقوة، بل ضعفت إندفاعته بعد صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة إغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري والذي إعتبره العديد من اللبنانيين مُخَيِّباً للآمال، وخصوصاً أن الساحة اللبنانية كانت تُحضَّر لإنقلابٍ على الحكومة – التي سقطت – وعلى البرلمان لإسقاط عهد الرئيس ميشال عون. فما هو مصير “اليونيفيل” في لبنان؟

ليس هناك أدنى شك لدى العديد من المراقبين أن اغتيال الحريري أعقبه وَضْعٌ داخلي إنقلب على “محور المقاومة” وأَنْتَجَ خروجَ القوات السورية من لبنان ومهّد لحرب يوليو 2006 الثانية الإسرائيلية التي فشلتْ في تحقيق أهدافها.

وبعد فشل سحْب سلاح “حزب الله” جرت محاولةٌ أخرى لإضعافه بإغتيال قائده العسكري ونائب المجلس الجهادي العسكري العام الذي يترأسه السيد حسن نصرالله – أمين عام “حزب الله” – الحاج عماد مغنية في فبراير 2008. إلا أن إغتيال قادة التنظيمات الجهادية لم يكن يوماً طريقاً مناسباً لإضعاف “حزب الله”.

لكن المُوالين لأميركا في لبنان إتخذوا قراراً آخَر يقضي بنزْع وسائل الإتصالات الخاصة التي يستخدمها “حزب الله” والتي تمثّل عَصَبَ “القيادة والسيطرة” لكشف أسرار الحزب وإعمائه في حال نشوب حرب أخرى. وقد أثبت “حزب الله” أثناء الحرب الثانية العام 2006 قدرتَه على التواصل على الرغم من السيطرة الإسرائيلية على الإتصالات اللبنانية الخلوية ووصولها إلى التنصت على الخطوط الأرضية. وهذه السيطرة كان من شأنها أن تحدّد أماكن الإتصال وتالياً تضرب جميع مكاتب ومخازن وقادة وأفراد “حزب الله” وتقضي عليهم.

وردّ “حزب الله” في 7 مايو 2008 بإنتفاضةٍ احتلّ فيها مدينة بيروت وثبّت فيها خطوطَه الحمر بعدما كان قد حذّر من أن المساس بها يُعتبر بمثابة “إعلان حرب”، كما أظهرتْه وثائق المراسلات بين السفارة الأميركية في لبنان وواشنطن والتي كشف عنها موقع ويكيليكس.

ولم تتوقف المحاولةُ الدولية لحشْر “حزب الله” أو سحْب سلاحِه الذي تَضاعَفَتْ كميّتُه وقدرتُه الصاروخية وأصبح يمثّل خطراً حقيقياً على إسرائيل. فبدأت الحربُ السورية العام 2011 التي وَعَدَت فيها المعارضة منذ الأيام الأولى أن وجْهتهم المقبلة هي لبنان وقطْع الطريق على تمويل “حزب الله” الذي يمرّ عبر مطار ومرافئ سورية.

وكان القرار 1701 الذي صَدَرَ العام 2006 يعطي الصلاحية لـ  “اليونيفيل”، بمؤازرة الجيش اللبناني وحكومته، للإطلاع على محتويات الحاويات والشحنات التي تصل إلى لبنان للتأكد من أنها لا تحمل سلاحاً أو ذخائر لـ “حزب الله”. وتالياً لم يعد للحزب إلا تَسَلُّم دعْمه عن طريق سورية، الرئة الوحيدة المتبقية، وفَشِلَ قرارُ تحويل سورية “دولةً فاشلة”. وبالتالي لم يبقَ سوى العقوبات الإقتصادية على إيران – مصدر الدعم الرئيسي لـ “حزب الله” – وعلى لبنان لإضعافه وإتهام التنظيم بأنه السبب وراء أزمة “بلاد الأرز”. إلا أن عقوداً من الفساد والعقوبات الأميركية كشفتْ للعلن أن لبنان بحاجة إلى عشرات المليارات من الدولارات التي لم يعد يملكها ما سيؤدي به إلى أحضان التصنيف كدولة فاشلة في الأشهر أو السنة المقبلة، ما لم تتدارك الدول هذا الخطر الآتي.  فلبنان لم يعد يملك ما يكفيه من العملة الأجنبية لدعم الدواء والغذاء حتى أواخر هذه السنة ولا يستطيع دفع ديونه الخارجية ويبلغ عجزه عشرات المليارات من الدولارات.

وقد أقرّ السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان في شهادته أمام لجنة الكونغرس الأميركي العام 2010 أن دولتَه أنفقت 500 مليون دولار لضرْب صورة “حزب الله” من دون أن يؤدي ذلك إلى النتيجة المرجوّة. إلا أن الإنفاق الأميركي ودعْمه لكل مَن تطوّع بالوقوف ضد “حزب الله” في الداخل اللبناني قد أثمر بعض النتائج وأَحْدَثَ شرْخاً في لبنان لم يعُد يخفى على أحد.

وأتى إنفجار المرفأ يوم الرابع من الشهر الحالي – الذي نَتَجَ عن إهمال وتَقاذُف المسؤولية بين الأمنيين والقضاء اللبناني – ليقدّم فرصة أخرى للمعسكر الأميركي في لبنان. فتوجّهت الإتهامات إلى “حزب الله” قبل التحقيق الرسمي وذهبتْ الأمور إلى إفشال دور الحكومة اللبنانية وإحتلال وزارات الخارجية والإقتصاد والبيئة، وبدأت إستقالات بعض النواب بإظهار خطة أخرى لإسقاط مجلس النواب. وبرز “قائد الثورة” العميد المتقاعد جورج نادر الذي تلا بيانه رقم واحد من وزارة الخارجية. إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل الذريع والسريع، بعد بضع ساعات فقط، ليبقى الأمل بإسقاط لبنان على يد قوة “اليونيفيل” الدولية وتطوير مهماتها وعلى قرار المحكمة الدولية التي أرجىء حُكْمُها من 7 إلى 18 اغسطس.

إلا أن حُكْم المحكمة – التي أنفقت أقلّ من مليار دولار و15 سنة من التحقيقات – أصاب كل المعوّلين عليها بالصدمة بعدما أعطتْ البراءة لـ “حزب الله” وسورية في صفحاتها الـ 2638 واعتبرتْهم غير مسؤولين عن الجريمة. ولم تذكر المحكمة شهود الزور اللبنانيين والسوريين الخمسة عشر ولا تضليل التحقيق طوال هذه السنوات.

وحضر رئيس فرنسا ايمانويل ماكرون إلى لبنان دون تفويض – ولكن بتنسيق واضح – أميركي في محاولةٍ لمنع سقوط البلاد في يد الصين وإيران وروسيا لإعادة إعماره. واجتمع الرئيس الفرنسي – للمرة الأولى بتاريخ أي رئيس فرنسي/ اوروبي – مع رئيس كتلة “حزب الله” البرلمانية على انفراد مرتين “ليؤكد له ضرورة مشاركة الحزب بالحكومة المقبلة ومساعدة لبنان على الخروج من أزمته من خلال التعاون مع جميع الفرقاء السياسيين”، كما قالت مصادر مطلعة لـ “الراي”. إلا إن إستقالة الحكومة لن تولد حكومة أخرى بهذه السهولة ولا بحلول بداية الشهر المقبل كما تمنى ماكرون، ولكن ستزيد الشرخ بين اللبنانيين الذين يَبدون مشرذَمين أكثر من أي وقت.

وهكذا فشل الإنقلاب السياسي ولم يعد التعويل على توسيع صلاحية “اليونيفيل” كخطة بديلة ناجحة لأن هذه الصلاحية كان من المفترض أن تأتي ضمن مجموعة تدابير لإسقاط لبنان. إلا أنها كلها فشلت كما سيفشل التجديد المشروط لليونيفيل وستبقى الأمور كما هي حتى آخِر هذا الشهر، موعد التجديد لها. وإذا أرادت أميركا سحْب هذه القوة، سترفض إسرائيل ذلك وتقْنعها بعكس ذلك لأنها بحاجة إلى قوة دولية على المقلب الآخر من الحدود وبالتالي فإن بقاءها أفضل من لا شيء.

وهكذا يبقى لبنان في مهب الريح ينتظر خطوات أخرى لنزْع الأكثرية البرلمانية عن “محور المقاومة” وحلفائه ليصار إلى إتخاذ خطوات أخرى من شأنها قلب الطاولة لمصلحة أميركا. إلا أن المقلب الآخَر المعادي لأميركا من الصعب أن يقف متفرّجاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى