ترجمات عبرية

اودي سيغال يكتب – العقول المتوازية

معاريف – بقلم  اودي سيغال  – 15/2/2019

ثمة شيء مشجع في قرار المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت الا يوصي برفع لائحة اتهام ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل الانتخابات. ينبغي التوجه الى الانتخابات بينما رئيس الوزراء هو مثابة بريء. مثل كل مشبوه، مثل كل متهم، مثل كل مجرم، مثل كل مواطن علق في ورطة – نتنياهو هو بريء الى ان تثبت تهمته.

اذا ما تعاملنا معه حقا كبريء، فان الامر سيؤكد ما نراه ونتلقاه منه في هذه الفترة  ما قبل الانتخابات. مثل الاشرطة التي ينشرها أو محاولته الفاسدة لمهاجمة وتسخيف أجهزة كاملة، بما فيها الشرطة، النيابة العامة والصحافة. اذا تصر نتنياهو كبريء، فانه سيجد صعوبة في أن يشرح الاقوال القاسية والمهينة ضد اجهزة سلطة القانون، حين تكون تتضارب كالمعتاد مع كل ما يقوله عنها في فترات اخرى.

فلا يحتمل أن يكون في الوقت الذي تتهم فيه الشرطة افيغدور ليبرمان يعرب عن ثقته الكاملة بجهاز انفاذ القانون وفجأة تكون “مخيطة” لملفات ضده. فلا يمكن أن نأخذ على محمل الجد رئيس وزراء لدولة اسرائيل يكرر اقوال ابنه البكر يئير الذي وصف قنوات التلفزيون بانها “قنوات الدعاية اليسارية” والذي يهزأ ببعض من المراسلين ويقول ان القنوات لا تروي الحقيقة.

اذا كان الحديث يدور عن مجرم يحاول الافلات من المحاكمة، فان هذه الاقوال مفهومة. اما اذا كان الحديث يدور عن بريء، فهذا لا يغتفر. هذا سيء لرئيس الوزراء، مثل أن تقول ان كل الليكوديين مشبوهون بالرشوة مع ان هذا هو أنت فقط. هذا كأن تقول ان كل اليمينيين يشجعون العنصرية رغم أن هذا مرة اخرى هو  فعلك انت فقط. هذا كأن تقول ان كل كبار الحكومة لا يمكنهم أن يتحدثوا عن الولاء لانهم خانوا زوجاتهم وركضوا ليرووا القصة للتلفزيون رغم أن هذا لم يحصل مرة اخرى الا في حالة واحدة: حالتك.

ان الهجوم الشامل على قنوات الاعلام، النيابة العامة والشرطة ليس فقط نزوة من نتنياهو بل هي جزء من خطة. فهو يريد أن نخرج عن اطوارنا. يريد أن نهاجمه بغضب شديد، يريد أن يرى الناس الزبد على الشفاه، يريد أن نبدو نحن كمن ندير ضده حربا شخصية. وعندها يمكنه أن يفعل أمرين: يقول للجميع ان ها هو يتبين أن ما ادعاه  على مدى السنين صحيح، واضافة الى ذلك يمكنه أن يشجع مخلصي الليكود لان يتجندوا من أجله وينقذوا شرف اليمين.

زعيم بلا قيود

نتنياهو قد يكون بريئا. ولكنه ايضا بريء في هذه اللحظة من قواعد السلوك الاساسية للزعيم أو لمنتخب الجمهور. فهو بريء من الاداب مثلا تجاه المخلصين له دافيد بيتان وميكي زوهر، اللذين اكتشفا فجأة ان نتنياهو لا يهتم بهما. وهو بريء من كل لجام في الهجوم على خصومه. فهو يتهم بني غانتس بكونه يسارا ضعيفا بينما هو نفسه اتخذ عدة قرارات “يسارية ضعيفة”. يحاول ان يبتعد عنها والتنكر لها.

فنتنياهو هو الذي تبنى مبدأ اتفاق اوسلو في 1996. قاد باتجاه اتفاق واي (الذي تراجع عنه بعد ذلك)، اجرى اتصالات على انسحاب من الجولان، وفي السنوات العشرية الاخيرة لم يوقف ابدا الخطوات لفكرة التقسيم، حتى حيال براك اوباما، وكذا الان حيال ادارة دونالب ترامب. وبالاساس لم يتخذ سياسة مختلفة عن سياسة غانتس في غزة. فهو ابو سياسة ابقاء حماس كعنوان فاعل، ضعيفة ومردوع. هذه هي تعليماته وتعليمات وزير الدفاع موشيه يعلون، رقم اثنين في قائمة مناعة لاسرائيل. فهم كلهم اتخذوا الخط ذاته: نتنياهو كالزعيم السياسي، يعلون كموازٍ في خط السياسة الامنية وغانتس كرئيس اركان لا يسارع الى المعركة.

في هذا الشأن فان نتنياهو وغانتس مشابهان. كلاهما لا يبادران، كلاهما لا يندفعان الى المواجهة العسكرية، كلاهما متوازنان، حذران، ممتنعان ومؤجلان. فالمبادرة الوحيدة لنتنياهو في السنوات الاخيرة هي ضد الاتفاق النووي لايران. صحيح أن هذه تجني هذه الايام نتائج وانجازات، ولكن ينبغي أن نتذكر بانها بدأت كرد على خطوة هو نفسه لم ينجح في منعها، تصميمها أو تأجيلها.

كما أن نتنياهو بريء من الخجل. فهو لم يخجل من اتهام جدعون ساعر ورئيس الدولة روبين ريفلين بالمؤامرة السياسية لتنحيته، دون أن يعرض على الجمهور أو لهما حتى ولا دليل واحد. اتهم ساعر بالخيانة السياسية دون أن يفرض على نفسه اي تحفظ او قيد يطالب به الاخرين. مسموح لنتنياهو أن يفعل كل ما يثيره حين يفعله به الاخرون.

هو بريء ايضا من دعوته المباشرة والعلنية لاحزاب اليمين ان تتبنى أنسال تيار كهانا، التيار الاكثر عنصرية في اسرائيل. رئيس وزراء اسرائيل يدعو حزبي البيت اليهودي والاتحاد الوطني كي يتحدا مع ايتمار بن غبير ومع ايلي يشاي اللذين يدعوان بشكل علني لانتهاج قانون مختلف لليهود وللعرب، يعملان علنا ضد التمثل ويدعوان لطرد عرب اسرائيل، الخطوة التي لم يتجرأ اي رئيس وزراء على عملها. نتنياهو دعا رئيس البيت اليهودي بتسلئيل سموتريتش لان يتحد مع قوة يهودية، يقف على رأسها باروخ مارزيل، من تلاميذ الحاخام مئير كهانا، الذي شطبت قائمته في 1984 بسبب العنصرية. وحتى علامة قوة يهودية، مثل علامة حزب كهانا، هي “ك”، وفي برنامجه قيل انها تؤيد فكرة بلاد اسرائيل الكاملة واحلال السيادة الاسرائيلية في المناطق في ظل الحرب الشاملة ضد “اعداء اسرائيل” وترحيلهم الى البلدان العربية.

نتنياهو بريء من كل لجام، لانه ملزم بالحفاظ على الكتلة كي يتمكن من أن يبقى في الحكم. فهل قرر نتنياهو تغيير الاتجاه السياسي، يسأل السائل، والجواب واضح من تلقاء نفسه وهو لا. مارزيل يعرف هذا، نتنياهو لا يريد أن يضم، يطرد، يقضي او يسقط. يريد أن يحافظ. ان يحافظ على نفسه وعلى الوضع كما هو.

للحظة واحدة، حين يكون بريئا من كل ما يفعله، دون البكائية، العنف، التحريض، الجهد الزائد، النبش، الخيانة ونزعة الضحية الزائدة، بريء من سحابات الاتهامات التي لم تتضح الا بعد بضعة اشهر – نتنياهو يقطف ثمارا سياسية مشوقة. فقد زار وارسو في مؤتمر شارك فيه وزراء خارجية من الدول العربية، ممن يقدرون سياسته الحازمة تجاه ايران ويريدون أن يسمعوا اذا كان ممكنا أن يأخذوا هذا خطوة واحدة الى الامام. لقد جاءوا لان يروه وان كان عمليا يعطونه شرعية دولية واقليمية قبيل الانتخابات.

اذا كان نتنياهو حقا بريئا من كل شيء بما فيها الاتهامات وكذا سلوكه التعيس، لكان ممكنا ان تفتح هنا نافذة فرص سياسية مشوقة. فالائتلاف السني ضد ايران زائد خطة السلام لترامب يمكنهما أن يتبلورا في خطوة تغير الواقع في الشرق الاوسط. ولكن نتنياهو ليس بريئا.

اذا كان بن غبير ومارزيل في الكتلة، مع سحابة جنائية واطواق يمينية، مع تصريحات قومية متطرفة ورفض كل شريك آخر مثل غانتس او يئير لبيد؛ فان نتنياهو ينتخب فيما توجد قيود على يديه. قيود سياسية، لا للحرب ولا للسلام. لا لخطوات كبيرة ولا لمبادرات عسكرية واسعة. هو لا يرى في العينين، وهو بريء من كل قيد. وهو ملزم بشيء واحد فقط: ان ينتصر وان يبقى في منصبه. وبعد ذلك سيفحص ما الذي يمكن ان يتنكر له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى