ترجمات عبرية

انقلاب في السودان : قائد الجيش يعلن حالة الطوارئ

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل  – 26/10/2021

” لقد سبق وحاولت قوات الحاكم السابق البشير في الشهر الماضي السيطرة على مبنى الحكومة، لكنها فشلت. والآن من غير الواضح اذا كان سيخرج نقل السلطة لممثلين مدنيين الى حيز التنفيذ وماذا سيكون مصير الانتخابات في 2023 “.

الانقلاب العسكري في السودان لم يكن عليه أن يكون مفاجئا. لقد سبق وحاولت في 21 ايلول قوات مسلحة موالية للحاكم السابق عمر البشير السيطرة على مبنى الحكومة في الخرطوم والسيطرة على السلطة. في اللحظة الاخيرة فشلت المحاولة بالاساس بسبب اختلاف الآراء في اوساط القوات المتمردة.

بعد شهر على ذلك دعا رئيس مجلس السيادة المؤقت، الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس الحكومة عبد الله حمدوك الى حل الحكومة وتشكيل حكومة خبراء بدلا منها، وتعيين محكمة دستورية يشارك فيها قضاة محايدون وتشكيل برلمان جديد بدون حزب المؤتمر القومي، الحزب الحاكم في عهد البشير.

هذه الدعوة فسرت كمحاولة فظة من قبل الجيش للسيطرة على مجلس السيادة وعلى مراكز القوة السياسية خلافا للاتفاق الذي تم التوقيع عليه في 2019 ووجه تشكيل الحكومة المؤقتة. حسب هذا الاتفاق فان الجيش يمكن أن يقف على رأس مجلس السيادة مدة 21 شهر، وبعد ذلك أن ينقل وظيفته الى شخص مدني منتخب من اجل الاستعداد للانتخابات التي تم التخطيط لاجرائها في العام 2023. والآن من غير الواضح هل ومتى سيتم اجراءها. 

نقل السلطة كان يجب أن ينفذ في الشهر القادم. وبهذا يتم استكمال الاتفاق المؤقت الذي مهد الارضية لترسيخ الديمقراطية في الدولة. ولكن كان يكفي الاصغاء الى تصريحات الجنرال محمد حمدوك دكالو، نائب رئيس المجلس العسكري الذي قال إنه “لن ننقل المخابرات والشرطة في أي يوم لادارة مدنية”، من اجل فهم أن نقل منظم لرئاسة المجلس ليس جزءا من خطط الجيش.

اقوال دكالو دللت ايضا على الخلاف العميق في صفوف الجيش بين من يعتبرون موالين للبشير، ومن بينهم دكالو نفسه، وبين الجنرال البرهان الذي قرر أمس (الاثنين) حل الحكومة والاعلان عن حالة الطواريء. وخوف البرهان الاساسي هو من قوات دكالو. حسب التقديرات فان 30 ألف مقاتل تقريبا يخضعون لامرة دكالو بالاضافة الى مليشيات مسلحة مستقلة ادارت صراعات عنيفة الى أن تم التوصل معها الى اتفاق لوقف اطلاق النار وتوزيع الموارد في تشرين الاول 2020. 

لكن هذا الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في جبا، عاصمة جنوب السودان، وكان يمكنه أن يهديء المليشيات والقبائل التي عارضت ترتيبات الحكم الجديدة، تضمن في داخله بذور العصيان المدني الذي اندلع في الشهر الماضي. القبائل التي توجد في شرق السودان وعلى رأسها قبائل البجا رأت نفسها كمتضررة اساسية من الاتفاق. هذه القبائل تعتبر نفسها وحدة عرقية منفصلة وهي تطالب باعطائها حكم ذاتي مستقل. وحسب ادعاء هذه القبائل فان اتفاق جبا يميز ضدها ويضر بمكاسبها، وقد تم توقيعه بدون مشاركة ممثليها.

في الشهر الماضي نضج عصيان قبائل شرق السودان وتطور الى مواجهات، تضمنت من بين امور اخرى، اغلاق مطار الخرطوم وقطع الطرق المؤدية من شرق الدول الى الخرطوم. الضرر العام الذي اصاب الدولة هو ضرر ضخم. المنطقة الشرقية هي مركز التجارة الاساسي في الدولة وعبرها تمر بضائع بمبلغ 11 مليار دولار تقريبا في السنة. اضافة الى ذلك توجد للمنطقة اهمية استراتيجية في اعقاب خط الشاطيء الذي يبلغ طوله 750 كم والذي يوجد فيها. سكان المنطقة الشرقية الذين يطالبون بالغاء الاتفاق يمكن أن ينضموا لقوات الجيش التي تعارض مجلس السيادة وأن يشلوا الدولة. 

الممثلون المدنيون في مجلس السيادة، الذي يضم 11 عضو، من بينهم 5 من رجال الجيش و5 مدنيين ومدني آخر تم الاتفاق عليه من قبل الطرفين، لا يعتبرون شيء واحد متجانس. الانقسامات السياسية والايديولوجية بين رئيس الحكومة حمدوك ورؤساء “الاتحادات المهنية”، الجسم الذي يمثل عدة احزاب ومنظمات اكاديمية ونقابات للعمال، تتركز حول تشكيل طابع السودان. بعض رؤساء هذه المنظمات هم من اعضاء الاخوان المسلمين المدعومين من قبل دول ومنظمات من خارج الدولة ويريدون اعادة السودان الى حكم ديني راديكالي مثلما كان في عهد البشير.

جزء آخر يطمح الى تطبيق مباديء ليبرالية والدفع قدما بالديمقراطية واعادة الجيش الى مكانه الطبيعي، أي خارج السياسة. ولكن ايضا في داخل كل واحدة من هذه الكتل لا يوجد اتفاق على صيغة الدستور والسياسة الاقتصادية حيث أن الخلافات والعداء بين القبائل تساهم بدورها في الانقسامات والمواجهات. اتفاق توزيع السلطة بين الجيش والقوات المدنية، الذي جاء بعد عشرات السنين من تولي الديكتاتور البشير للحكم، بعث أمل محدود بأنه يمكنه أن يحل جزء من الصعوبات الاقتصادية التي تغرق هذه الدولة الفقيرة. 

هذه الامال كانت تقول إن الاتفاق سيساعد على تمويل الدين الخارجي الذي شل السودان وسيضخ استثمارات اجنبية، بالاساس بعد أن وقع السودان على اتفاق مباديء للتطبيع مع اسرائيل، وتمت ازالته من قائمة الدول المؤيدة للارهاب على يد الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب. عند تشكيل مجلس السيادة المؤقت حصل السودان على مساعدة تبلغ بضعة مليارات من السعودية ودولة الامارات كمكافأة على مشاركته في حرب اليمن. وبدأت شركات دولية تهتم بالاستثمار في التنقيب عن النفط في الدولة. ولكن الآن والى حين يتضح مصير الحكم في الدولة فمن المشكوك فيه اذا كان المستثمرون سيأتون الى السودان. ومن غير الواضح ما الذي ستقرره الادارة الامريكية بخصوص الدين والمساعدة التي وعدت بها حكومة السودان.

مبعوث الادارة لصندوق افريقيا، جيفري بليتمان، الذي وصل الى الخرطوم والتقى مع رئيس الحكومة حمدوك قبل يوم من الانقلاب، حذر بعد اللقاء بأن “أي محاولة للجيش من اجل السيطرة على الحكم يمكن أن تؤدي الى عودة العقوبات على السودان”. في هذه الاثناء يبدو أن الجيش لا يحاول فقط، بل نجح، في السيطرة على جميع مراكز القوة السياسية، واذا جرت هذه الخطوة فرض جديد للعقوبات فان الجيش نفسه سيضطر الى مواجهة العصيان المدني والاحتجاجات الصاخبة التي يمكن أن تولي حكم عسكري قاسي في الدولة مثلما كانت الحال في عهد البشير. 

احتمالية اخرى هي أن الجيش، الذي يعرف جيدا تداعيات التهديد الامريكي، يضع خطة مدنية بحسبها يتعهد باجراء الانتخابات في موعدها، لكنه يواصل السيطرة على الدولة حتى ذلك الحين، كما سبق واعلن أمس البرهان. 

في هذه الحالة الولايات المتحدة يمكن أن تغض النظر عن العملية العسكرية بسبب اهمية السودان الاستراتيجية في البحر الاحمر. اضافة الى ذلك واشنطن تفضل نظام عسكري سوداني مؤيد لامريكا على صراعات القوة الداخلية التي يمكن أن تمنح للاخوان المسلمين قوة سياسية كبيرة، وحتى أن تمنح ايران مسار للتأثير المباشر. هذه يمكن أن تكون النصيحة التي ستحصل عليها الادارة الامريكية من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ومن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ونظيره محمد بن زايد، حاكم دولة الامارات، الذين أيدوا الحكم العسكري الذي قام فور اسقاط البشير.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى