القدس

الوجود الدبلوماسي الأميركي في القدس –الحاجة إلى إلغاء(إزالة) الأضرار التي تسبب بها ترامب

مع خسارة إدارة ترامب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، يستعد الفلسطينيون والإسرائيليون وجميع الأطراف للتعامل مع إدارة بايدن -هاريس المنتخبة حديثًا.

وفي الوقت الذي كان للمجتمع الدولي بأسره خبراته الخاصة مع إدارة ترامب، كان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني محط اهتمام مركز -وهدفا -من جانب إدارة ترامب وأفعالها على مدار السنوات الأربع الماضية.

وشمل ذلك الإعلان الرئاسي الصادر في كانون الأول/ديسمبر 2017 الذي يعترف بالقدس “عاصمة لإسرائيل” ونقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس.

من بين أهم التحركات التي قامت بها إدارة ترامب، والتي أثارت ردود فعل قوية عالميا ومحليا، إطلاق ما يسمى “رؤية للسلام والازدهار” في كانون الثاني/يناير 2020. وقد وسبق هذه الخطوة عدة قرارات رئيسية أخرى استدعت تحولات استراتيجية في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

هذا بالإضافة إلى جوانب أخرى من سياسة إدارة ترامب تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حطمت دون شك الأعراف وخرقت السوابق لأنها كانت مدفوعة بشكل واضح بدوافع أيديولوجية أكثر من الاعتبارات السياسية وهمشت كليا القانون الدولي والإجماع الدولي الذي ساد لفترة طويلة فيما يتعلق بالمعايير الخاصة بحل عادل.

تتناول هذه الورقة الوجود الدبلوماسي الأميركي الطويل الأمد في القدس. الآثار القانونية والسياسية لإغلاق القنصلية الأميركية العامة ، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

يصبح هذا الأمر ذا أهمية خاصة في ضوء التصريحات العلنية للإدارة الأميركية المنتخبة حديثًا، بما في ذلك الوعد بإعادة فتح القنصلية الأميركية العامة في القدس الشرقية، حسب ما أعلنه الرئيس المنتخب جو بايدن خلال حملته الانتخابية في الثالث عشرمن نيسان/ أبريل 2020 “سأعيد فتح القنصلية في القدس لإشراك الفلسطينيين، وستحث إدارتي كلا الجانبين على اتخاذ خطوات لإبقاء آفاق حل الدولتين حية”. نفس الوعد تكرر من قبل نائبة الرئيس المنتخب، في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.

خلفية عن القنصلية الأميركية العامة:

1-   في العام 1844، عين الرئيس الأميركي جون تايلر السيد واردر كريسون كأول قنصل أميركي في القدس. لم تكن هذه الخطوة مقتصرة على  نوعها بالنسبة للولايات المتحدة، حيث شهد القرن التاسع عشر ما يشبه “التنافس” بين العديد من القوى الغربية على عدة أمور، من خلال الأنشطة التبشيرية في مناطق الإمبراطورية العثمانية وخاصة في مدينة القدس، ومن بينها زيادة الحماية للكنائس المسيحية والأماكن المقدسة في المدينة.

عندها، فتحت بريطانيا وفرنسا وروسيا والنمسا والولايات المتحدة قنصليات في القدس وتبعتها دول أخرى.

وتم إنشاء وجود قنصلي دائم للولايات المتحدة في القدس في العام 1857، في مبنى داخل منطقة باب الخليل (باب يافا) في البلدة القديمة. يضم هذا المبنى اليوم مركز الدراسات المسيحية السويدية.

2-   في أواخر القرن التاسع عشر، انتقلت البعثة القنصلية الأميركية العامة إلى موقع آخر في شارع الأنبياء، على بعد مبان قليلة خارج البلدة القديمة. في العام 1912 تم نقل القنصلية الأميركية العامة إلى المبنى في  18  شارع أغرون، هذا المبنى كان قد شيد في العام 1868 من قبل المبشر الألماني اللوثري فرديناند فيستر، الذي قامت عائلته وشركاؤه ببناء العديد من المنازل ذات الطراز العربي في القدس، بما في ذلك فندق أميركان كولوني.

وقد اشترت الولايات المتحدة العقار(المبنى 18) في الثلاثينيات من القرن الماضي. يضم هذا العقار مقر إقامة القنصل العام للولايات المتحدة ومكاتب أخرى.

3-   في 23 أيار/مايو 1948، أثناء الأعمال القتالية في أعقاب إعلان إسرائيل استقلالها، اغتيل القنصل العام للولايات المتحدة، توماس س. واسون، على بعد بناية من المقر الرئيسي للقنصلية العامة في شارع أغرون بالقدس.

4-   عقب اتخاذ الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 181 (11) بتقسيم فلسطين، وإنهاء الانتداب البريطاني، وما تلا ذلك من إنشاء إسرائيل، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الحرب العربية -الإسرائيلية في العام 1948، أصبحت مدينة القدس مقسمة إلى جزأين منفصلين بموجب اتفاقية الهدنة الأردنية -الإسرائيلية للعام 1949. ترك هذا الجزء الشرقي من المدينة، بما في ذلك البلدة القديمة، تحت الحكم الأردني.

5-   على الرغم من أن الجزء الشرقي من القدس، بما في ذلك البلدة القديمة، كان تحت الحكم الأردني، وبقي التمثيل الدبلوماسي الأميركي الرسمي لدى المملكة الأردنية من خلال السفارة الأميركية في عمان، في نفس الوقت الذي استمرت فيه القنصلية الأميركية العامة بالقدس في العمل بشكل مستقل عن السفارة الأميركية في عمان بالأردن، وكذلك عن السفارة الأميركية في تل أبيب بإسرائيل.

في أوائل العام 1952، استأجرت الحكومة الأميركية مبنى في الجزء الشرقي من القدس. يقع هذا المبنى في شارع نابلس في القدس الشرقية، ويضم مكاتب تقدم للمواطنين الأميركيين الخدمات القنصلية بالإضافة إلى التأشيرات. لذلك استمرت القنصلية الأميركية العامة في العمل بمهمة واحدة من مبنيين -واحد في كل شطر من القدس -أي في شارع أغرون في الغرب، وفي شارع نابلس في الشرق، مع تنقل المسؤولين الأميركيين بينهما عبر نقطة التفتيش عند بوابة “ماندلبوم”.

6-   في أوائل العام 1950، عندما بدأت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناقشة كيفية تنفيذ خطتها الخاصة بالقدس ككيان منفصل “ Corpus Separatum “، على النحو المطلوب في القرار 181 (II)، أعلنت إسرائيل، التي كانت تسيطر على الجزء الغربي من المدينة،   القدس عاصمة لها. لم تعترف الولايات المتحدة بهذا الإعلان وأبقت على سفارتها في تل أبيب، وكان أول سفير اميركي إلى إسرائيل، جيمس جروفر ماكدونالد، قد قدم أوراق اعتماده إلى الحكومة الإسرائيلية في 28 آذار/مارس 1949.

7-   خلال حرب العام 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة، ووسعت حدود مدينة القدس وطبقت قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها على المدينة المقدسة. بحلول تموز/يوليو 1967، اقتطعت 64 كيلومترا مربعا إضافية وضمتها لحدود بلدية القدس، وكانت مساحة بلدية القدس الخاضعة للأردن 6 كيلو متر مربع، أي أن منطقة نفوذ بلدية القدس أصبحت 70 كيلو مترا مربعا.

8-   مرة أخرى، لم تعترف الحكومة الأميركية بهذه التطورات، وواصلت القنصلية الأميركية العامة في القدس عملها كبعثة دبلوماسية مستقلة من خلال المبنيين، أي في شارع أغرون في القدس الغربية، وفي شارع نابلس في القدس الشرقية، بوصفهما موحدين ومستقلين تحت سلطة القنصل العام الذي لا يقدم أوراق اعتماد إلى حكومة إسرائيل.

9-   في عام 1980، أقر الكنيست الإسرائيلي “القانون الأساسي” للقدس، الذي أعلن القدس “العاصمة الكاملة والموحدة” لإسرائيل. وقام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باعتماد القرار 478 (1980) الذي أعلن أن هذا الإجراء “باطل ولاغٍ”، مطالبا بأنه “يجب أن يلغى على الفور.” لم يعترف المجتمع الدولي بالسيادة الإسرائيلية على القدس الغربية أو على القدس الشرقية، واعتبر انّ المنطقة الأخيرة تعتبر منطقة محتلة.

امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت عندما تم التصويت على القرار 478. لم تعترف الولايات المتحدة بهذا العمل الأحادي الجانب من جانب إسرائيل وحافظت على سياستها تجاه القدس مع الإبقاء على بعثتها الدبلوماسية الرسمية إلى إسرائيل في تل أبيب.

10-في الثمانينيات من القرن الماضي، حث السياسيون الأميركيون، بقيادة السناتور الجمهوري جيسي هيلمز، الإدارة على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة. في العام 1988، صدر قانون يدعو إلى بناء “منشآت دبلوماسية” في تل أبيب والقدس.وفي اواخر عهد ريغان  تحديدا في 18 كانون الثاني/يناير 1989  وقع السفير الأميركي لدى إسرائيل وليام براون ونائب مدير سلطة الأراضي الإسرائيلية موشيه غات “اتفاقية بموجبها يتم تأجير قطعة أرض في القدس من إسرائيل إلى الولايات المتحدة لمدة 99 عامًا ، مقابل دولار واحد سنويًا”. كانت الأرض المعنية تقع فيما كان يعرف باسم “ثكنة اللنبي”، وهو موقع قوات “حامية القدس” التابعة للجيش البريطاني خلال الانتداب. شكك الفلسطينيون في شرعية عقد الإيجار على أساس أن موقع السفارة المخطط له هو ملك للاجئين فلسطينيين، وأكدوا أن بعض أجزاء الأرض المعنية هي ممتلكات وقفية صادرتها السلطات الإسرائيلية، إلى جانب ممتلكات أخرى للاجئين منذ العام 1948. يقع الموقع الفعلي للأرض المقامة عليها “ثكنة اللنبي” في إسرائيل، ولكنه قريب جدًا من خط الهدنة للعام 1949. حتى الآن، لم يبدأ أي بناء في هذا الموقع.

11-مع الجهود المبذولة للوصل إلى اتفاقية سلام في تسعينيات القرن الماضي، طورت القنصلية الأميركية العامة علاقة مع الوفد الفلسطيني الذي شارك في مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991. وعندما أدت اتفاقيات أوسلو إلى إنشاء السلطة الفلسطينية، تم تكليف القنصل العام بالحفاظ على حوار سياسي مستمر مع القيادة الفلسطينية. ومع أن القنصل العام للولايات المتحدة لم يقدم أي أوراق اعتماد للسلطة الفلسطينية، إلا أنه كان يُنظر إلى القنصلية العامة على أنها الممثل الدبلوماسي الأميركي “بحكم الأمر الواقع” لدى السلطة الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، ومنذ العام 1967، كان تنفيذ التمثيل والخدمات الأميركية لقطاع غزة يتم من قبل السفارة الاميركية في تل أبيب. ولكن في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من غزة في العام 2005، تم توحيد التمثيل الدبلوماسي والخدمات القنصلية لغزة تحت إشراف القنصلية الأميركية العامة في القدس.

12- في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1995، أقر الكونغرس الأميركي “قانون السفارة في القدس”. تم تبني القانون في مجلس الشيوخ (93-5)، وفي مجلس النواب (374-37).

وأصبح القانون قائما بدون توقيع رئاسي في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 1995. اعترف القانون بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل ودعا إلى أن تظل القدس مدينة غير مقسمة وكان الغرض منه تخصيص أموال لنقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، بحلول 31 أيار/مايو 1999. وعلى الرغم من إقراره، سمح القانون للرئيس بوقف(تأجيل) تنفيذه لمدة ستة أشهر، وإعادة تجديد وقف التنفيذ كل ستة أشهر وفقا لاعتبارات “الأمن القومي”. وجدد الرؤساء كلينتون وبوش وأوباما “وقف التنفيذ” بشكل متكرر. وقع الرئيس دونالد ترامب أيضا على وقف التنفيذ في حزيران/ يونيو 2017. لكن في 6 كانون الأول /ديسمبر 2017، أصدر ترامب إعلانًا يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأمر بالتخطيط لنقل السفارة.

13- في العام 2004، استأجرت القنصلية الأميركية مبان في تلبيوت (حي الطالبية في القدس الغربية) لتوفير الخدمات اللوجستية الأساسية للبعثة. في العام 2006 وسعت القنصلية الأميركية وجودها في18 شارع أغرون باستئجار مبنى مجاور للمكاتب الخاصة بالشؤون الإدارية والعامة. المبنى، وهو دير “مجمع” للبعثة، معروف أيضًا باسم اللازاريين(Lazarists)، كان قد بني في ستينيات القرن التاسع عشر، ولا يزال يضم مجموعة صغيرة من رجال الدين اللازاريين.

14- في العام 2010، أكملت القنصلية الأميركية العامة أعمال تشييد مبنى كبير بالقرب من جبل المكبر في 18 شارع ديفيد فلوسر. فور الانتهاء من البناء، استخدم هذا المبنى كمركز للخدمات للمواطنين الأميركيين وللتأشيرات كجزء من القنصلية الأميركية العامة. يقع الموقع المحدد لهذا المبنى في الركن الجنوبي الغربي من “المنطقة الحرام”. مع أنّ أجزاء من الأرض تمتد إلى داخل القدس الشرقية.

عندما أنهت بريطانيا انتدابها على فلسطين في 14 أيار/مايو 1948، انسحبت من مقر الحكومة في قلب “المنطقة الحرام” وسلمت المفاتيح إلى هيئة الصليب الأحمر، التي بدورها انسحبت من المبنى في 30 أيلول/سبتمبر 1948 وسلمتها إلى الأمم المتحدة. حولت الأمم المتحدة المبنى إلى قاعدة لهيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة (UNTSO)، التي لا تزال تعمل حتى اليوم.

الأحداث المتعلقة بإعلان القدس ودمج القنصلية الأميركية العامة في السفارة:

15- في 6 كانون الأول/ديسمبر 2017، وقع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وأصدر إعلانًا رئاسيًا يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وينقل مكان سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس. بدأ الإعلان بفقرة محددة تشير إلى “قانون السفارة في القدس ” الذي تبناه الكونغرس الأميركي في العام 1995 (القانون العام 104-45).   الإعلان أشار أيضا إلى أن مجلس الشيوخ الأميركي أعاد التأكيد على القانون في تصويت بالإجماع في 5 حزيران/يونيو 2017.

16- وجاء في الإعلان، من بين جملة أمور، أن “إجراءات اليوم -الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والإعلان عن نقل سفارتنا -لا تعكس تخليا عن الالتزام القوي للولايات المتحدة بالسعي لاتفاق سلام دائم. تواصل الولايات المتحدة عدم اتخاذ أي موقف بشأن أي من قضايا الوضع النهائي. تخضع “الحدود” المحددة للسيادة الإسرائيلية في القدس لمفاوضات الوضع النهائي بين الأطراف. الولايات المتحدة لا تتخذ موقفا بشأن ترسيم الحدود أو الحدود “.

17- لم يذكر” إعلان القدس” أبدًا القنصلية الأميركية العامة في القدس ناهيك عن إنهائها. على العكس من ذلك، وبغض النظر عن الإعلان المذكور ونقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، عينت الولايات المتحدة قنصلًا عامًا هي السيدة كارين ساساهارا للعمل في القدس في صيف 2018، واستمرت في الخدمة حتى الإعلان عن دمج القنصلية الأميركية في السفارة في آب/أغسطس 2018.

18- بحجة توفير المال والتنفيذ السريع للإعلان، اتخذت إدارة ترامب الخطوة العملية الأولى لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس من خلال “الاستيلاء ” على أكبر مباني القنصلية الأميركية العامة الموجودة في 14 شارع ديفيد فلوسر في القدس.

 في 14 أيار/مايو 2018، ترأس مسؤولون أميركيون كبار، بمن فيهم وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، والمبعوث الأميركي الخاص جاريد كوشنر، والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، حفل الافتتاح، الذي حضره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،  وعراب اليمين الأميركي  المتطرف شيلدون أديلسون.

كان الحفل الخطوة العملية الأولى في افتتاح السفارة في القدس. ظلت المكاتب التي تستخدمها حكومة الولايات المتحدة في تل أبيب في شارع اليركون قيد الاستخدام، ولكن أُعلن أنها جزء من السفارة في القدس كمكتب فرعي في تل أبيب. تم إغلاق الفرع القنصلي في حيفا بشكل دائم اعتبارًا من 26 آذار/مارس 2019.

19- في آب/أغسطس 2018، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن القنصلية الأميركية العامة في القدس ستدمج في السفارة الأميركية في القدس لتشكيل بعثة دبلوماسية واحدة. تبع ذلك إعلان صادر عن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في 18 تشرين الأول / أكتوبر 2018، أعلن فيه دمج البعثتين. قال الوزير بومبيو إن السفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، سيشرف على عملية الدمج. قال بومبيو:” هذا القرار مدفوع بجهودنا العالمية لتحسين كفاءة وفعالية عملياتنا”، وأضاف “إنه لا يشير إلى تغيير في السياسة الأميركية تجاه القدس، الضفة الغربية أو قطاع غزة”. تم استدعاء كارين ساساهارا، آخر قنصل عام التي كانت قد وصلت إلى القدس قبل ثلاثة أشهرفقط ، وتم وضع البعثة ، أي السفارة الأميركية “الجديدة” ، تحت قيادة السفير ديفيد فريدمان.

20- في 4 آذار / مارس 2019، تم دمج القنصلية الأميركية العامة في القدس فعليًا وإداريًا في السفارة الأميركية في القدس   لتشكيل بعثة دبلوماسية واحدة. تم الاستيلاء فعليًا على جميع مباني القنصلية العامة الأميركية السابقة من قبل السفارة، وبالتالي أنهت التمثيل الدبلوماسي الأميركي المستقل والمستمر منذ أكثر من قرن ونصف القرن في المدينة المقدسة.

جاء في الإعلان الصادر عن وزارة الخارجية في ذلك اليوم أن:” ستكون هناك استمرارية كاملة للنشاط الدبلوماسي والخدمات القنصلية الأميركية بعد الدمج. سنواصل القيام بجميع المهام الدبلوماسية والقنصلية التي كانت تؤديها القنصلية الأميركية العامة في القدس. سنشارك أيضًا في مجموعة واسعة من التقارير والتواصل والبرمجة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك مع الفلسطينيين في القدس، من خلال وحدة الشؤون الفلسطينية في السفارة الأميركية (PAU) ، والتي ستعمل من المبنى  التاريخي في 18 شارع أغرون في القدس “.

القيادة الفلسطينية كانت قد أعلنت بالفعل رفضها لجميع الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب فيما يتعلق بالقدس. قاطعت القيادة، وكذلك الجمهور الفلسطيني بشكل عام، السفارة الجديدة. حتى الآن، على الرغم من عدة إعلانات وضغوط وحوافز، لم تحذُ أي دولة أخرى باستثناء غواتيمالا حذوها، حيث قامت بافتتاح سفارة لها في المدينة المقدسة.

21- حتى الآن، تحتفظ تسع دول بقنصليات عامة مستقلة في القدس، بينما يتم تمثيلها الدبلوماسي الرسمي لدى إسرائيل من قبل سفاراتها في تل أبيب. وهي: القاصد الرسولي(الفاتيكان) وبلجيكا وفرنسا واليونان وإيطاليا وإسبانيا والسويد وتركيا والمملكة المتحدة. تعمل هذه القنصليات كممثل دبلوماسي فعلي لهذه الدول لدى السلطة الفلسطينية.

استبعد السلك القنصلي الدبلوماسي في القدس بالفعل موظفي “السفارة الأميركية الجديدة” في القدس من حضور الاجتماع الشهري التقليدي الذي يعقدونه لجميع القناصل العامين.

الاستنتاجات:

1.    لنحو 160 سنة، حافظت الولايات المتحدة على وجود دبلوماسي مستقل في القدس من خلال قنصليتها العامة. تم الحفاظ على هذه المكانة لمدة طويلة قبل تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1947 القرار 181(11)، الذي حدد القدس ككيان منفصل، وكذلك طوال سنوات السيطرة الأردنية على القدس الشرقية والسيطرة الإسرائيلية على القدس الغربية، ثم خلال السيطرة الإسرائيلية على القدس بأكملها في العام 1967، بما في ذلك توسيع حدودها البلدية.

وتمت المحافظة على هذه المكانة أيضًا بعد اعتماد قانون أساسي إسرائيلي بشأن القدس في العام 1980 الذي يعلن أنها “العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل”، وحتى بعد مجيء السلطة الفلسطينية، إلى أن جاءت إدارة ترامب وإعلان الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة، ظلت القنصلية الأميركية العامة في القدس محافظة على مكانتها كوجود دبلوماسي مستقل، حتى دمجت في العام 2019 في السفارة الأميركية المنقولة حديثًا إلى القدس.

2.    إعلان ترامب عن القدس خالف الموقف الأميركي الراسخ من المركز القانوني  للمدينة وكذلك موقف الإدارات الأميركية المتعاقبة بعد إقرار “قانون السفارة” للعام 1995 من قبل الكونغرس الأميركي. كما انتهك الإعلان قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وكذلك أحكام القانون الدولي المنطبقة على القدس الشرقية. كان نص الإعلان ضارًا على الرغم من التحفظات    الواردة في النص، المشكوك فيها أصلا. والأسوأ من ذلك هو دمج القنصلية في السفارة دون أي أساس قانوني واضح، وهو ما يتعارض مع نص الإعلان نفسه. إن غياب القنصلية يعني قبول الولايات المتحدة بالإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية، ويقوض إمكانية استعادة العلاقات الأميركية مع الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية. هذا بالإضافة إلى تقليص أي دور للولايات المتحدة للتوصل إلى حل سلمي للصراع، حيث لن يوجد مثل هذا الحل دون تسوية معقولة ومقبولة من الجانبين بشأن القدس.

3.    يمكن لإدارة بايدن أن تعيد النظر وتصحح الضرر الناجم عن إعلان ترامب بشأن القدس وإعادة الأمور إلى الوضع السابق. لكن الحد الأدنى الضروري للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة ودورها يكمن في إعادة تأسيس القنصلية العامة في القدس الشرقية، وهو ما يمكن القيام به بإعادة تفعيل المنشآت التي كانت تعمل من خلالها، أو على الأقل بعضها. يمكن القيام بذلك عن طريق الإجراءات الإدارية الداخلية التي تعاكس الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب في إغلاق القنصلية العامة. في الواقع، لا يمكن لإسرائيل أن تعترض على مثل هذه الخطوات، لأن الخطوات المعاكسة، تحديدا، هي التي انتهكت القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والسياسة الأميركية طويلة الأمد تجاه القدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى