#شؤون مكافحة الاٍرهاب

النزاعات المفتوحة في جماعة الإخوان المسلمين المصرية

خيري عمر 23-11-2022م: النزاعات المفتوحة في جماعة الإخوان المسلمين المصرية

مع بقاء الأزمة الداخلية في حركة الإخوان المسلمين المصرية من دون حل، تُشكل وقائع ما بعد وفاة القائم بأعمال مرشد عام الجماعة إبراهيم منير، في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، عبورا إلى مرحلة أخرى من النزاع حول المواقع الأمامية، ففي وقت قصير أعلنت مجموعتان في مجلس الشورى المصري عن شغل موقع “القائم بعمل المرشد العام” بكل من محيي الزايط ومحمود حسين (يقيمان في إسطنبول)، ليكون النزاع لأول مرة بين شخصين، على خلاف المرحلة السابقة والتي دارت حول التشكيك في شرعية شاغل المنصب. وعلى الرغم من رتابة تصرّفات الجماعة وإدارييها، تُثير هذه الأحوال النقاش في اتجاهات التقدّم والتخلف في ملامح الإطار التنظيمي وانعكاسه على صورة الجماعة.

5DF040BC-1DB4-4A19-BAE0-BB5A6E4C1C83
الباحث خيري عمر

في هذه الظروف، تبدو صعوبات تناول الجماعات المغلقة، وتُضفي الانقسامات صعوبةً على التمييز بين مكوناتها، حيث لا توجد فروق موضوعية يمكن الاستئناس بها. ولذلك، تظلّ كل الفِرق ضمن حركة الإخوان المسلمين، وتُسند مرجعيتها للمرشد العام، محمد بديع، مع اختلاف في تبعيتها الإدارية لمجموعات المنفى، واقتصار موضوع النزاع على الجوانب الإدارية، فإنه مع كثرة البيانات والتصريحات، يمكن تصنيفهم حسب امتلاك وسائل الإعلام، ولذلك تكون المواقع الإلكترونية السمة المُميزة بينها. وفي هذا السياق، هناك جماعة أون لاين (إخوان أونلاين – الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين ikhwanonline.com)، تعبيراً عن جماعة محمود حسين، وإخوان سايت (الإخوان المسلمون ikhwan.site) مُعبرة عن جماعة إبراهيم منير/ محيي الزايط، بالإضافة إلى المكتب العام الفاقد للرمزية القيادية.

مشكلات النظام الداخلي

ظهرت، خلال هذه الفترة تناقضاتٌ في تفسير اللوائح. قد يعكس ذلك ثغرات لائحية، غير أنه يكشف عن جوانب من التوظيف السلبي، وخصوصاً في ما يتعلق بحجية اللائحة العالمية وطبيعتها التنسيقية أو الالزامية. فمن جهةٍ، لم تضع مواصفات لاستمرار الحالة الاستثنائية، وخصوصاً بعد اعتماد الدورات الانتخابية. ومن جهة ثانية، غابت عنها مواصفات الحد الأدنى لنصاب مشروعية المؤسسات. وفي ظل هذه الفجوات، وظف المتنازعون مجلس الشورى رغم افتقاره شروط التمثيل السليم. وفي الوقع، لا يقتصر الفراغ على موقع المرشد، بل يمتد إلى غياب المكتب التنفيذي (الإرشاد) ومجلس الشورى، حيث يفتقران لصفة المجلس، فكما بقي عضو إرشاد واحد خارج مصر ومعه 27 عضو شورى في الخارج تقريباً منتشرين في بلاد مختلفة، بالإضافة إلى حوالي 16 في مصر غير معروفي البيانات، وذلك من حوالي 124 عضواً، ولذلك، يظل التشكّك في سلامة القرارات قائماً.

ولذلك، لا يُعد توفر النصاب أو عدمه مهماً، فهناك صعوباتٌ إضافية، في مقدمتها التباعد الجغرافي وصعوبة التواصل في مصر. وهنا، لا يمكن النظر باعتبار للجوانب الشكلية لدى اتخاذ أي قرار. وعلى أي حال، ظل التحقّق من شروط الانعقاد والتصويت مُعضلةً مُزمنةً في حركة الإخوان المسلمين، وخصوصاً مع عدم نشر بيانات كافية عن الاجتماعات أو تقديم تفسيرات متماسكة داخلياً أو للرأي العام. وبغض النظر عن الخلاف على صحّة التصويت، تفقد اللائحة الثقة والاعتبار لغموضها في تحديد النصاب اللازم لصحة القرار وأجل الوضع الاستثنائي. وبالتالي، ساهم اختفاء الهيكل القيادي وغموض عملية إصدار القرارات في انهيار الثقة بين الفِرق المختلفة وسيولة تشكيل اللجان. ولذلك، لم تصمد الهياكل المؤقتة أمام انفتاح الصراع.

وبشكل عام، يرجع الالتباس في تفسير اللائحة لجانبين، يتمثل الأول في المشكلات التنظيمية المتعلقة بتعريف وضع المرشد العام ومجلس الشورى الدولي وتداخله مع الفرع المصري. فعلى الرغم من تناسل الانقسامات واشتداد التنافر، تجنّب كل الكيانات الحديثة عن طبيعة سلطة المرشد وصحة ولايته مع تغييب إرادته. وبدلاً من البحث عن التوافق على نقل الصلاحيات، ظهرت مزايدة لإثبات الولاء للمرشد إطاراً لمشروعية الانقسام. أما الجانب الثاني، حيث وجود العلاقة الملتبسة بين التنظيمين المصري والعالمي، فعلى مدى عقود، منذ نشأة التنظيم الدولي، تبلورت أعرافٌ تداخليةٌ بين المستويين، بحيث يصعب التمييز أو الفصل بينهما، سواء بسبب تداخل العضوية أو شيوع ثقافة بمركزية الحركة في مصر. وقد ساهم وقوع الجماعة تحت حظر قانوني فترات طويلة في وقوع الجماعة تحت الهيمنة المصرية.

من الخلاف إلى الصراع

وبعد اعتقال المرشد في العام 2013، انتقلت المهام إلى نائبه محمود عزّت، ثم مع اعتقال الأخير ظهر خلاف بشأن الشخص التالي لإدارة الجماعة. ولقيت هذه النقطة جدلاً حول جهة إسناد المسؤولية، فهناك من يراها صلاحية للمرشد العام/ نائبه ومجلس الشورى العالمي، فيما يراها آخرون تعبيراً عن إرادة مجلس الشورى المصري وتطبيقاً تلقائياً للائحة. ولذلك، دار النزاع حول المادة 5 من اللائحة العامة (2009) في الجزء المتعلق بترتيب ملء الفراغ الناتج عن غياب المرشد لموانع قهرية، استناداً للترتيب الوارد بها وفق وضع ما قبل الفراغ، حيث تبدأ بالنائب الأول ثم الأقدمية، والترتيب العمري لأعضاء مكتب الإرشاد من دون تمييز ما بين الأعضاء الدوليين أو غيرهم.

وبينما أجريت انتخاباتٌ على المواقع الوسطى، تبنّت جماعة أون لاين موقف عدم صحّة إجراء انتخابات عامة مع بقاء المرشد على قيد الحياة ووجود مجلس الشورى، حيث تقوم المؤسسات بتسيير الجماعة. وعلى خلاف ذلك، تذهب “إخوان سايت” إلى وجود أزمة داخلية قبل عام 2013 وظهرت في سبتمبر/ أيلول عام 2020 بصيغة أكثر شدّة. وإزاء ضغوط الواقع، تبنّت الجماعة معالجات مؤقتة، بدأت بتشكيل مكتب إدارة الأزمة في الخارج (2015)، ليتحوّل لجماعة المكتب العام وانتهاءً بمحاولات إسناد مهام المرشد للجنة أو فرد.

ومنذ البداية، شكّل التنافس على مجموعات الخارجين من مصر في نهاية 2013 موضوعاً للتنافس بين المكونات القديمة، الرابطة والتنظيم الدولي من جهة، والوافدين الجدد من جهة أخرى. وبينما كانت الرابطة جاهزةً لترتيب أوضاعهم، ظهرت اتجاهاتٌ لربطهم بما اعتبروه ملفّ الأزمة في مصر. وفي هذا السياق، ظهرت ميولٌ للتمترس خلف شبكات تنظيمية. وبينما تساندت الكتلة الرئيسية وراء مرجعية مكتب الإرشاد، اتخذ مكتب الأزمة في عام 2015 اللجنة الإدارية العليا (تشكّلت في مصر لإدارة شؤون الجماعة في 2014) مرجعية بديلة قامت على تعريف نفسها كياناً إدارياً لأربعة بلدان (تركيا، قطر، السودان وماليزيا)، ليشرف على كل الأقسام في الخارج بجانب المعارضة، غير أن دخوله في نزاع مبكّر عَرَّضه للحل وتجميد أعضائه، ليظهر الانقسام الأول تحت مُسمّى المكتب العام داخل البلاد وخارجها. وعلى الرغم من نشأته المُبكّرة، فقد ظلت مجموعاته محدودة التأثير والانتشار، بجانب مزاحمة مرجعية محمد كمال صورة المرشد العام، بشكلٍ يساهم في تعميق استبعادهم من جماعة الإخوان المسلمين.

وعلى خلاف ذلك، هيمن الكيان التقليدي على مشهد الجماعة، عندما ظهر استحواذها على أعضاء الشورى والتحكّم في اجتماعاتهم. وقد تمكّن فريق جماعة أون لاين من استصدار قرارات في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بإعفاء إبراهيم منير من مهام نائب المرشد، وقائم بعمله مع بقاء وظائفه الأخرى خارج مصر، وحل الكيانات التابعة له وبطلان قراراته، ولتجنّب الخلاف على إجراءات انعقاده وتسهيل اتخاذ القرارات أقرّت مبدأ الانعقاد الدائم لمجلس الشورى. وفي هذا السياق، أدّى الصراع التنظيمي لتسهيل إجراءات الفصل التلقائي على أساس قائمةٍ من المخالفات، فتحت الطريق للفصل الجماعي تحت دعاوى الانحراف بالجماعة ومخالفة القرارات.

صراعات الصورة السلبية

على مدى مشوار الأزمة، كانت الكراهية البيئة الحاضنة للخلاف الداخلي. فمن وجهة أولى، ظهرت مشاركاتٌ في برامج ولقاءات على تطبيقات التواصل الشبكي، لم يقتصر هدفها على توضيح المواقف بقدر ما خالطها نوعٌ من التهوين والإهانة للخصوم. وهنا، يمكن الإشارة إلى قناة “هموم إخوانية” على التليغرام مثالاً للحَدّية والاستبعاد، ولم تصمد أمامها قناة “أنصار الحق”، لكنهما شكلتا بيئة استثنائية في نشر بياناتٍ غير معهودة في أزماتٍ مماثلة. ومن الوجهة الثانية، شكل تبسيط إجراءات الفصل والاستبعاد أرضية ممانِعة للتطور، عندما لازمها التمسّك بالصيغ اللائحية القديمة، حيث مركزية التّحكُم. وفي هذا السياق، لا يساعد تكوين جماعة “إخوان سايت” مجلس شورى جديد على تغيير حقيقي، فهي تتعلق بجزءٍ من الجماعة في المنفى، لا يتمتع بإمكانية تقديم مساهماتٍ نوعية، فيما يتزايد النزاع. تكشف هذه الممارسات عن العيوب الأصلية، وليست منشئةً لها، حيث بقيت الاستجابة للتغيرات ضئيلةً للغاية، فقد ترافق عدم تحقيق إنجاز سياسي أو دعوى مع تنامي مراكز نفوذ جديدة في الخارج، سعى كلٌّ منها إلى تثبيت مواقعه، كانت أهمها رابطة المصريين، والتنظيم الدولي، وممثل مكتب الإرشاد في الخارج محمود حسين، بالإضافة إلى اللجنة الإدارية العليا وذراعها مكتب إدارة الأزمة في الخارج.

وعلى الرغم من اتساع المساجلات على وسائل الإعلام والنشر العشوائي للأحوال الداخلية، بقيت السرّية حاضرة في المشهد الصراعي، فمن وجهة نقص القدرة على إثبات تمثيل الجماعة، يُمثل غموض البيانات تحدّياً كبيراً، فالاحتجاج بانضواء الأفراد تحت مظلة أيٍّ من المجموعات يواجه تحدّي سيولة تَنقل الأفراد بينها، فكل من الأطراف المتنازعة يتحدّث عن استحواذه من التنظيم ما يمنحه المشروعية لاتخاذ قراراتٍ مصيرية. يرجع استمرار الخلافات بشأن مشروعية قراراتٍ يتّخذها مجلس الشورى لجذر مبدأ السرّية، فعلى الرغم من وجود قسم من أعضاء الشورى في الخارج، لم تنشر أيٌّ من المجموعات قوائم بالمشاركين في القرار، ويُكتفى بالحديث عن موافقة المجلس أو أغلبيته، من دون توضيح سياق المشاورات أو التصويت. وقد أثار الحديث عن تصويت أعضاء الشورى في مصر خلافاً بشأن سلامة القرار، سواء بسبب غموض طرق التصويت أو استحالة العمل التنظيمي في الظروف الراهنة، حيث أضفت الإشارات المتكرّرة إلى اجتماعات في مصر قدراً من التشكيك في التصرّفات، كما يشكل الادّعاء بصدور بيانات من القاهرة تحدّياً للسلطة. تبدو دورة المعلومات هذه مُنفتحة على روايات متناقضة لا تسمح بسلامة التصرفات المتبادلة.

ومع مرور الجماعة بالانقسام الثاني، في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تنامى الاغتراب الداخلي لدى الأفراد لتوزّع ولائهم قسرياً بين بدائل مُنقسمة، بحيث صار كثيرون منهم لا يملكون سوى الرضا بالوضع القائم، رغم غموض مستقبله وافتقاره لمعايير التطور أو النضج الحركي. لا يختلف هذا الوضع عن الثقافة التنظيمية التقليدية، والتي هي أسيرة ميراثٍ من البقاء الاعتيادي داخل الجماعة والقبول بنمط انطوائي من القيادات الإدارية، بعيداً عن الانخراط في العام والواجهات السياسية أو الاقتصادية. ومن فضل القول إنها تتمتع بانتشار محدود لدى غالبية أعضاء الجماعة.

إزاء هذه التطورات، ليس هناك ما يكشف عن توجهات الجماعة في مصر. ولذلك، يمكن الحديث عن أزمة بين مجموعات الخارج، مع الأخذ في الاعتبار انعكاسها على الحركة في الداخل من وجهة أعباء خضوعها لقرارات عابرة للحدود تضعها في وضع لا تُحسد عليه. وحسب بيانات تقديرية لفريق من المتنازعين (فريق أون لاين)، فإن أعداد الخارج لا تتجاوز 5% من العدد الإجمالي، وذلك لترويج هيمنة فريق “إخوان أون لاين” على الجماعة بحكم اتصاله بالجماعة في مصر. ولذلك، ما يتعلق بالانقسامات يقتصر على فِرَق المنفى، من دون وضوح ما يحدُث ببقية المكونات الأخرى.

تُشكّل هذه السياقات ملامح تَفَسخ للإطار التنظيمي، بطريقةٍ تجعله أمام تحدّيات ختامية. وبالنظر إلى طريقة معالجة خروق القيم الإدارية وهيمنتها على خيارات الجماعة الداخلية والخارجية، يمكن ملاحظة الفجوة التحديثية. وإزاء تصاعد الخلاف على المواقع الإدارية، بدت مواقف طرفي النزاع مُخاصمةً للتطور. وبجانب التوظيف الديني في الأزمة الجارية لإسباغ المشروعية على تصرّفاتهم، فقد بدا تنوع إجرائي في تناولها، فبيما انصبّ اهتمام فريق أون لاين على الانضباط اللائحي، رغم انخفاض ملاءمته لواقع المنفى والإكراهات السياسية والاجتماعية، كان فريق “إخوان سايت” أكثر ميلاً إلى اللجوء للخلفية الدينية عندما توسّعوا في الربط بين الإمامة، البيعة، طاعة أولي الأمر والانتخابات، وهي منظومة أفكار أقرب للاستغلال من دون التساند. وهنا، يمكن فهم الموقفين تعبيراً عن التَكلُّس والتنكر لعيوب كثيرة تسمح للمسؤولين بالبقاء في مناصبهم فترات طويلة وحمايتهم من المُنازعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى