أقلام وأراء

النائب د. أحمد الطيبي – صورة المتطرفين الخمسة و”صفقة القرن”

بقلم النائب د. أحمد الطيبي 30/6/2018

الصورة التي خرجت من الاجتماع الأخير بين بنيامين نتنياهو ومساعدي دونالد ترامب كانت مُعبّرة جداً : اربعة من بين خمسة أشخاص في الصورة كانوا يهوداً أمريكيين. خمستهم عاشوا لعقود في الولايات المتحدة. خمستهم ملتزمون للجناح الصهيوني اليميني. خمستهم دعموا المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة سياسياً ومادياً، خمستهم يعارضون مبدأ حل الدولتين، خمستهم يعارضون المساواة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وخمستهم يُعتبرون من ضمن مؤيدي الأوساط الأكثر معارضة في الحزب الجمهوري الأمريكي. إن لم ترغب في المساواة لجميع مَن يعيشون تحت السيطرة الاسرائيلية، وفي نفس الوقت لا تريد حل الدولتين على حدود 1967، فإذن ماذا تريد ؟ الإجابة بسيطة: خمستهم لديهم نفس الهدف وهو دَفن القضية الفلسطينية، تحطيم الأحلام الفلسطينية وسلب الحقوق الفلسطينية، هؤلاء هم الأشخاص الذين من المفروض أنهم اجتمعوا لمناقشة ” فريق الشرق الأوسط “.

حكومة إسرائيل، مُمثلة بنتنياهو ورون دريمير، قدمت خطة مفصلة لتدمير الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني. طاقم ترامب، مُمثلاً ب”الفرسان الثلاثة” كوشنير، غرينبلاط وفريدمان، يحققون رغبات الجانب الإسرائيلي من خلال تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني. إنهم يقولون للشعب الفلسطيني أنه مع استمرار انتهاك حقوقهم السياسية والانسانية، كان من الممكن ان يعيشوا حياة أفضل من خلال قبول الحوافز الاقتصادية. السيد كوشنير في مقابلته مع صحيفة القدس قال ” اذا وجد سلام، فإن ازدهار اسرائيل سينعكس على الفلسطينيين سريعاً “. دعوني أترجم ذلك تحت مصطلحات الخمسة الذين اجتمعوا الأسبوع الماضي : اذا قبل الفلسطينيون العيش تحت السيطرة الاسرائيلية، بدون غور الاردن، بدون مدينة القدس، معزولين عن بعضهم البعض، وبغياب السيادة الفلسطينية، عندئذ يمكن أن يحسّنوا حياتهم من خلال تلقي الأموال. هذه هي الرؤيا الأمريكية للصفقة النهائية.

مع الأخذ بعين الاعتبار تركيبة طاقم البيت الأبيض، فإننا لا نتوقع شيئاً آخر. مقابلة كوشنير لصحيفة القدس كانت متعجرفة جداً. يتكلم كأنه يعرف كل شيء عن الواقع الفلسطيني، لكنه أثبت معرفته القليلة. محاولاته في تقسيم وهزيمة الفلسطينيين لن تنجح لسبب بسيط : إن كان هناك شيء تتفق عليه الغالبية الساحقة من الفلسطينيين فهو أن إدارة ترامب لم تذكر بتاتاً: إنهاء الاحتلال الاسرائيلي، إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه بما يتوافق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

مقابلة كوشنير مع صحيفة القدس لم تعرض أي شيء جديد قادم من الإدارة الأمريكية : اللوم جاء ضد القيادة الفلسطينية التي اعترفت بإسرائيل وقبلت حل الدولتين على حدود 1967، لم يوجّه أي انتقاد لحكومة إسرائيل المستمرة في انتهاك التزاماتها بموجب القانون الدولي بشكل منهجي. لا يوجد أي دعم لإقامة دولة فلسطينية وغياب كامل للكلمات التي تُعتبر مفتاحاً مثل الاحتلال والمستوطنات. كل ذلك ينصب في تحويل القضية الفلسطينية الوطنية إلى قضية إنسانية، استبدال الحقوق الانسانية مقابل رزمة اقتصادية.

هؤلاء الذين اختارهم دونالد ترامب لإنجاز ” صفقة القرن ” هم ممثلون كبار لرئيس أظهر عدم إبداء أي اعتبار للقانون الدولي والمؤسسات. كما استعملوا الكتاب المقدس لتبرير الفصل غير الانساني بين أطفال المهاجرين وأهاليهم في الحدود مع المكسيك، استعملوا الدين لتبرير اعترافهم بالقدس عاصمة لإسرائيل، لا يوجد مكان للنقاش بناء على هذه المعايير، تجاهلهم الشامل للعلاقات الدولية لعب دورا جيداً في محاولاتهم للتطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي والانتهاكات الممنهجة للحقوق الفلسطينية. هذه ليست القيم التي يدافع عنها غالبية المجتمع الأمريكي اليهودي ويرفضون قبول نظام الفصل العنصري بأن يُعرض بإسمهم.

الأمريكيون ضللوا المجتمع الدولي . نسمع احياناً دبلوماسيين اوروبيين في تل أبيب يقولون انه بدلاً من ” معارضة خطة ترامب ” ، يجب على الفلسطينيين ” العمل على تحسينها ” لكنها طريقة مثيرة للسخرية في التعبير عن انعدام الجرأة للقيام بأي خطوات جادة لإنقاذ حل الدولتين، بما في ذلك عند الحديث عن المستوطنات الإسرائيلية او الاعتراف بدولة فلسطين. مًن لديه تجربة في الوساطة للسلام، من النرويج حتى سويسرا، ألمانيا وفرنسا، الجميع يفهمون انه لا يمكن لأي معاهدة سلام ان تصمد إن كان هدفها الإعفاء من المحاسبة والعقاب، شرعنة الجرائم وعرض حل يتنافى مع القانون الدولي.

السؤال هو هل أوروبا، وبقية المجتمع الدولي، معنيون بالاستمرار في قبول صيغة ترامب في قبول الفصل العنصري مقابل الحوافز الاقتصادية ، ام انهم سيقومون بخطوة عملية بشأنها.

اذا استمرت أوروبا في تغذية فكرة “تقاسم القيم مع إسرائيل”، وإعطاء ضوء أخضر لطاقم ترامب بأن يفعل ما يشاء بالشعب الفلسطيني، هل هي معنية بالتعامل مع النتائج الكارثية لما تفعله إدارة ترامب في إسرائيل وفلسطين ؟

صورة الشخصيات الخمس الملتزمة بدعم الاحتلال مثل نتنياهو، كوشنير، غرينبلاط، ديرمير وفريدمان، الذين يزعمون بالتحدث عن ” جهود السلام “، هي شعار الهوية الايديولوجية الحقيقية لما يُسمى ” صفقة القرن “. أنا شخصياً أشك بوجود أي خطة عينية تصدر من الأمريكيين. بدلاً من ذلك، أرى ظواهر أيديولوجية تنبت على الأرض، تبدأ بإخراج القدس واللاجئين من طاولة البحث، مع نتيجة واحدة ووحيدة هي تطبيع نظام الابرتهايد على كل فلسطين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى