أقلام وأراء

المناورات الحربية الاسرائيلية المتسلسة”نقطة تحول 1-21″ وهيمنة سيكولوجيا الرعب في المجتمع الصهيوني !

نواف الزرو 9/11/2021

في سياق المناورات الحربية الاسرائيلية المتصلة شهدت الجبهة الداخلية الاسرائيلية المناورة السنوية  والتي أُطلق عليها هذا العام اسم “نقطة تحول 21″، شكّلت فرصة في إعادة تسليط الضوء على توقّعات الحرب المقبلة وسيناريوهاتها، مع التركيز على وضعية الجبهة الداخلية في أي مواجهة مستقبلية. وركّزت المناورة على ثلاث نقاط:الأولى: تتعلق تحديداً بعدم اكتمال جهوزية الجبهة الداخلية، التي ستكون عُرضة لهجمات صاروخية “كبيرة جداً”، بمعدل 2000 صاروخ يومياً، والثانية، تتعلّق بالتطوّرات والتحسينات النوعية في القدرات الصاروخية ل”محور المقاومة، مع ترسانة ضخمة، تزيد على 100 ألف صاروخ”، والثالثة، لها علاقة بالعِبَر المستخلصة من حرب “حارس الأسوار”، في كل ما يتعلق بحراك فلسطينيي الـ 1948، وسبل التصدي لحراكهم، واحتوائه في أسرع وقت، وأقل تكلفة- وكالات- الجمعة 05 نوفمبر 2021″، وتضاف هذه المناورة العسكرية الى سلسلة لا حصر حصر لها من المناورات العسكرية الاسرائيلية الدفاعية.

ففي المشهد العسكري الاسرائيلي نتابع منذ سنوات بشكل عام، وفي الآونة الاخيرة على نحو خاص، ازدحاما وتعاظما فيما يسمى المناورات والتدريبات العسكرية الاسرائيلية التي تحاكي حروبا قادمة في لبنان أو في الاقليم، بل وفي اعقاب تعاظم التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية حول التهديدات الحقيقية الكامنة لهم في الجبهة اللبنانية والفلسطينية، أخذت القيادة العسكرية الاسرائيلية تزيد وتراكم من المناورات والتدريبات العسكرية الاستعدادية لحروب زلزالية قادمة لم ترد في حساباتهم.

ففي احدث تطورات المشهد العسكري الحربي التصعيدي الاسرائيلي في هذا السياق، اعترف قائد لواء الإخلاء والإنقاذ في الجبهة الداخلية الصهيونية المنتهية ولايته العقيد “يوسي بينتو”، قائلا: “أجرت اسرائيل مؤخرا مناورة كبيرة لم يجرِ مثلها في تاريخ  الجيش الإسرائيلي- الصحافة العبرية”، السبت 27 يونيو 2020 –”، وأوضح “أن المناورة حاكت حدوث دمار مضاعف وشديد وخراب لم نشهد مثله منذ سنين طويلة، يتخلل ذلك عشرات المحاصرين تحت الركام بينهم قتلى وذلك بفعل صواريـخ دقيقـة تحمل رأس حربـي يزن مئات الكيلو غرامات من المـواد النـاسفة موجود مثلها حاليا في قطـاع غـزة وفي لبنان”.

ثم انطلق في شباط،2021 في إسرائيل تمرين عسكري مشترك مع قوات أمريكية يحاكي تعرض البلاد لتهديدات صاروخية وجوية. الخميس 04 فبراير 2021″، وقال أفيخاي أدرعي، المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، في بيان له انه اطلق على التمرين اسم “جونيفر فالكون،  وانه “يحاكي التمرين سيناريوهات مختلفة تتعرض فيها إسرائيل لتهديدات إطلاق صواريخ وتهديدات جوية أخرى”.

وقبلها كشفت صحيفة هآرتس العبرية الاحد 2018-2-4 النقاب عن “أن الجيش الإسرائيلي اجرى أكبر مناورة عسكرية للواء المظليين بمشاركة وحدات خاصة استعدادا لسيناريوهات عسكرية للتعامل مع أحداث صعبة على خلفية التوتر الأمني على الحدود الشمالية”. وأوضحت الصحيفة “أن تلك المناورة التي تعد الأكبر والأضخم نفذت في منتصف العام/2018”. مشيرةً إلى أنها “أول مناورة قام بها لواء المظليين بهذا الحجم منذ عام 2012”.

ومن جهة اخرى، وفي خضّم التصعيد الخطير على الجبهة الشماليّة بين إسرائيل ولبنان، أكّدت المصادر الأمنيّة الإسرائيلية  انه بدأت صباح الأحد الأحد 04 مارس 2018 “تدريبات عسكرية مشتركة، للجيش  الإسرائيلي والأمريكي، تحاكي وقوع حرب على إسرائيل”، ووفقا لوسائل الإعلام العبرية تحاكي التدريبات  حربا شاملة وتعرض “إسرائيل” لهجمات صاروخية من عدة جبهات وخاصة من الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة والجبهة الشمالية مع حزب الله”. ويشار الى أن هذا التدريب الدوري السنوي، المسمى “جونيبر كوبرا” ،يجرى في إسرائيل للمرة التاسعة، ولقد تم تنفيذه لأول مرة في العام 2001، وهو بمثابة التدريب الأضخم المشترك بين الجيش الإسرائيلي و الأميركي.”، كما بدأ الجيش الإسرائيلي صباح  الثلاثاء- الثلاثاء 19 مارس 2019 ب”إجراء تدريبات عسكرية واسعة في منطقة رأس الناقورة ونهاريا، شمال “إسرائيل”. أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، “أن المناورة تأتي في إطار جدول التدريبات السنوي لعام 2019، حيث أنها تهدف إلى الحفاظ على كفاءة وأهلية القوات”. كما اجرى الجيش الإسرائيلي تدريبات عسكرية بعدة مستوطنات في منطقة الجليل الأعلى، استمرت عدة أيام، بحسب ما ورد في وسائل الإعلام العبرية،   ونقلت صحيفة “معاريف” العبرية – الأحد 07 يونيو 2020 – على لسان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أن التدريبات جرت في مستوطنات “جورن” و”شلومي”، وقرية زرعيت، ومنطقة عرب العرامشة بالجليل”. وبحسب الصحيفة، أضاف الناطق، ووفقا للصحيفة العبرية، أشار الناطق إلى “أن هذه التدريبات تهدف لرفع الكفاءة القتالية لدى الجنود، وأنها معد ومخطط لها بشكل مسبق، وهي جزء من خطة التدريبات للعام 2020”.

كما اجرت كتائب لواء جفعاتي في الجيش الإسرائيلي تدريبات معقدة استعدادا لحرب مقبلة مع لبنان، والتي انطلقت منذ بضعة أشهر، وذكرت القناة 7 العبرية- الإثنين 22 يونيو 2020″أن الكتائب المختلفة في اللواء أجرت تدريبات في تضاريس معقدة وصعبة تحاكي حرب مع لبنان على الجبهة الشمالية”، وقال القائد في اللواء دانيال أيلا: “نحن في تدريبات تحاكي تحديات سنواجهها في الحرب القادمة في الساحة الشمالية، ونجمع بين قدرات كل كتيبة هنا في المشاة والدروع والهندسة والاستخبارات، من أجل الوصول إلى استعداد كامل للحرب القادمة، وسنفوز في الحرب”، بدوره قال قائد لواء جفعاتي العقيد إيتسيك كوهين: “إن لواء جفعاتي في نهاية تدريبات مهمة وقوية للغاية وبكل فخر جاهزون ومستعدون لأي مهمة”.

وكذلك كشف النقاب قبل ذلك عن ان الجيش ادخل تحسينات على وحدة “نحال”وتدرب على زج قوات المدفعية للقتال البري في الحروب، كما انتهى الجيش من مناورة بحرية تعتبر الأكبر منذ سنوات-الصحف العبرية-2018-02-11 -، في الوقت الذي أجرت الطواقم الطبية التابعة للواء النار المدفعي 282 مناورة عسكرية تحاكي سيناريوهات تقديم العلاج اللازم للجرحى تحت رشقات النيران في ميدان المعركة، ووفقا لموقع الجيش فإن الحديث يدور عن مناورة تعتبر الأولى من نوعها في لواء النار المدفعي 282، حيث تدرب الجنود على تقديم الإسعافات الأولية اللازمة للجرحى، علاوة على أن الهدف المركزي من المناورة يتمثل في التدرب على زج قوات المدفعية في إطار القوات المناورة المقاتلة الأخرى من المشاة والدبابات والهندسة، الأمر  الذي يتدرب عليه الجيش استعدادا للمعارك المقبلة. وبحريا، ذكر موقع “واللا العبري-2018-02-11 ” بأن سلاح البحرية أجرى خلال الأسبوع الماضي مناورة بحرية تعتبر الأكبر منذ الأعوام الأخيرة، حيث شارك في المناورة كل من أسطول سفن الصواريخ وأسطول الغواصات ووحدة الكوماندوز البحري “شياتت 13”.ووفقا للموقع فإن المناورة تحاكي سيناريوهات قتالية بحرية عديدة من  بينها سيناريو مواجهة أسطول بحري معاد بالإضافة إلى سيناريوهات مواجهة التهديدات البحرية من كل من تنظيمي حماس وحزب الله.

ما يعيدنا الى فتح ملفات المناورات والتدريبات العسكرية الاسرائيلية والاجندة والاهداف المبيتة وراءها، ففي الاجماع السياسي العسكري-الاستخباري الاعلامي الاسرائيلي، فان هذه المناورات العسكرية سواء تلك التي اطلق عليها”نور دغان-نسبة الى الجنرال مئير دغان-رئيس الموساد الاسبق “، والتي  انطلقت تدريباتها –الاثنين-2017-9-11- على الارض الفلسطينية الشمالية المحتلة، المتاخمة للحدود اللبنانية، واستمرت عشرة ايام- وكانت  الاضخم والاكبر على الاطلاق، التي يجريها الجيش الاسرائيلي، ليس منذ عشرين عاما فقط، وانما منذ نشأة ذلك الكيان، وبالاجماع الاسرائيلي، أو المناورات والتدريبات التي اجريت لاحقا، وتلك المبرمج اقامتها تباعا، فانها تأتي تتويجا لسلسلة طويلة من المناورات العسكرية  المتصلة، على خلفية العبر والدروس التي استخلصها طاقم تشكل من- 29 –تسعة وعشرين جنرالا، لدراسة أسباب وعوامل الهزيمة امام حزب الله ، خلال عدوان/2006.

وهذا ليس كلاما في الاعلام أو للاستهلاك العام .

المناورات وخريطة الحروب المتدحرجة

  فالواضح الموثق، انهم في ضوء كل ذلك، يربطون  هناك في الكيان، ما بين هذه المناورات و التدريبات العسكرية المتواصلة المتتابعة بحساباتهم الاستراتيجية المتعلقة بخريطة الحروب والمواجهات المتدحرجة على الجبهة اللبنانية منذ نشأة تلك الدولة، وهذا ليس تنجيما اوضربا في الرمل، فالملف اللبناني- الاسرائيلي من وجهة نظر المؤسسة العسكرية الامنية السياسية الاسرائيلية لم ولن يغلق ابدا، فالذي حدث ل”اسرائيل العظمى” ول”الجيش الذي لا يقهر” في ايار/2000 ، وكذلك في تموز/2006، كاد يتسبب بانهيار شامل لذلك المجتمع الصهيوني.

ففي تلك الحرب العدوانية لم تأت حسابات الحقل على قدر حسابات البيدر في الاستراتيجية الحربية الاسرائيلية، فانقلبت الامور والاستراتيجيات والاهداف، فكان ان واجهت “اسرائيل العظمى ” اعظم اذلال عسكري في تاريخها. فهاهو ديسكين-رئيس الشاباك سابقا- يعترف: “أجهزة السلطة انهارت بشكل مطلق أثناء الحرب..” ، وشبه الاجماع العسكري والسياسي الاسرائيلي كان على: “أن الصفعة التي تلقيناها من حزب الله اضاعت قوة ردعنا”، و”ان هذه الازمة لم تشهدها اسرائيل منذ 1948 “، و”ان الحرب أعادت اسرائيل جيلا كاملا للوراء..”، واختتمها المؤرخ توم سيغف مستخلصا :” الحرب على لبنان تحتاج الى لجنة تحقيق تتألف من كبار المؤرخين “.

كما جاءت نتائج حرب تموز/2006 وبالاعترافات الاسرائيلية الغزيرة، لتقلب كل الحسابات والتقديرات العسكرية راسا على عقب…ولتتهاوى المفاهيم والنظريات الحربية  بقوة مذهلة….وليتحول المشهد الاسرائيلي من حالة النشوة والثقة المطلقة بالنفس والاعتقاد الراسخ بالانتصار السريع الساحق على حزب الله ..الى حالة اليأس والاحباط والاحساس بالهزيمة الماحقة لاول مرة في تاريخ تلك الدولة، ولكن لتبقى حروب”الحساب المفتوح” بين”اسرائيل” ولبنان المقاومة والدولة  قائمة ومفتوحة…!.

المناورات واستنهاض الحالة المعنوية الاسرائيلية

وما بين ذلك المشهد المشار اليه، والمشهد الراهن في لبنان والاقليم، أخذت تقلب كل الحسابات والموازين رأسا على عقب، فقد بات واضحا تماما، ان كل هذه التدريبات البرية والجوية والبحرية التي اجرتها وتواصلها دولة الاحتلال، وفي مقدمتها سلسلة تدريبات المؤخرة او العمق التي اطلق عليها:”نقطة تحول..” على تماس مباشر بتلك الهزيمة الحارقة من جهة، وعلى تماس مباشر بالحساب المفتوح من جهته ثانية، ولكنها تؤشر من جهة ثالثة الى حالة الجبهة الداخلية الاسرائيلية التي اهتزت بعنف زلزالي  في مواجهة تموز/2006، بينما هي تشير من جهة رابعة الى محاولة المؤسسة العسكرية-السياسية الاسرائيلية استنهاض الحالة المعنوية الردعية للجيش والمجتمع لديهم التي أصيبت في الصميم، في حين انها  يمكن اعتبارها من جهة خامسة، مناورات استعدادية لحرب ثالثة ترجح مختلف المصادر الاسرائيلية المختلفة انها قادمة لا محالة، والمسألة بالنسبة لهم مسألة وقت وتوقيت….؟!.

ولذلك، يمكن التأكيد على ان كل هذه المناورات والتدريبات العسكرية الاسرائيلية  تتواصل وتتكامل  بمنتهى الجدية منذ الهزيمة عام/2006، ف”نقطة تحول” بدأت بالرقم-1- ثم تسلسلت لتصل الى الرقم-5-…فقد بدأت الاحد 2011-6-19 اضخم عملية مناورات وتدريبات عسكرية حربية صهيونية تحت اسم:”نقطة تحول-5 و6 و….الى 10 ثم تواصلت باسماء اخرى، ثم عادت باسم نقطة تحول 21 التي اجريت الجمعة 05 نوفمبر 2021″، وهذا ما اطلقوه عليها، للإشارة والايحاء بأن ما حصل في حرب ال/2006 لن يتكرر، وتشكل هذه التدريبات بالنسبة لهم نقطة تحول في الاستعدادات  للحرب الثالثة.

المناورات والحرب الثالثة المحتملة

 الى ذلك، فهم على مستوى المؤسسة العسكرية والسياسية والاعلامية الاسرائيلية، وكذلك على مستوى الراي العام الاسرائيلي، يربطون ربطا جدليا ما بين هذه المناورات والتدريبات “المتحولة..المتسلسلة مرورا بمناورات”نبضة من القلب” الضخمة التي اجريت في شباط/2012، وصولا الى هذه المناورات الاضخم والاهم بكل المعايير العسكرية الاسرائيلية حتى الآن …”، وما بين الحرب الثالثة المحتملة التي أطلق عليها بعضهم”الحرب الزلزالية”، بينما اطلق عليها البعض الآخر”الحرب المرعبة-نظرا لدخول التهديدات التدميرية و الابادية  الشاملة فيها-باتت تهيمن على الخطط والقناعات والمناخات والسيكولوجيا الاسرائيلية..!.

فالاسرائيلي عموما، من الرئيس، الى رئيس الوزراء، الى الوزراء، الى كبار الجنرالات والضباط، الى الجنود في كل مكان، الى رجال الدين-الحاخامات، الى رجال الاعلام والاكاديميا، الى عصابات المستوطنين في انحاء الضفة، كلهم بالاجماع اصبحوا ينتظرون اندلاع الحرب، ويخشون نتائجها..!.

بل يبدو ان المشهد الاسرائيلي بات مثقلا بهواجس”نقاط التحول… و”النبضات…” و”نور دغان” و”جونيبر كوبرا” المقترنة بسيكولوجيا الرعب والقلق، وهواجس الوجود، من احتمالية الهزيمة والاندخار  ومن احتمالات الانهيار الشامل..!.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى