المعارضة المسلحة في الغوطة: ما بين الحرب أو الخروج الآمن
بقلم: آية عبدالعزيز، المركز العربي للبحوث والدراسات ١٢-٤-٢٠١٨م
تدخل الأزمة السورية عامها الثامن وسط حالة من الجدل المثارة حول مصير الجماعات المعارضة المسلحة، في ظل حالة الاقتتال الدائرة داخل الميدان السوري. تأتي الغوطة الشرقية في مقدمة المناطق التي تتكالب عليها الجماعات المسلحة، وتتخذ منها ملاذًا آمنًا، ومركزَا لعملياتها العسكرية. كما إنها تعد أخر معاقل المعارضة المسلحة بالقرب من دمشق. الأمر الذي عزز من حالة الفوضى وعدم الاستقرار وصولًا إلى تدهور الأوضاع الإنسانية فيها.
وفي هذا السياق؛ أعلنت الدولة السورية النجاح في إبرام اتفاق مع مقاتلي “جيش الإسلام” بواسطة روسية يقضي بالخروج الآمن من مدينة درما إلى جرابلس شمال محافظة حلب، والخاضعة لفصائل “الجيش السوري الحر” المدعوة من تركيا والمشاركة في تحرير المدينة من تنظيم “داعش” في إطار عملية “درع الفرات” في 2016 ، مقابل الإفراج عن كل الأسرى السوريين (المدنيين-العسكريين)، بالإضافة إلى جثامين القوات الحكومية والموالية لها، مع عودة كل مؤسسات الدولة إلى المدينة(1). وذلك بعد حصار دام لأكثر من 4 سنوات.
من هو “جيش الإسلام”؟
يعد جيش الإسلام من أهم جماعات المعارضة المسلحة في سوريا، وخاصة في ريف دمشق متخذًا من مدينة دوما منطلقًا لعملياته العسكرية، بقيادة مؤسسه “زهران علوش” الذي استطاع توسيع عملياته العسكرية مسيطرًا على عدد كبير من المواقع الهامة للدولة السورية، من بينها كتيبة الدفاع الجوي في الغوطة الشرقية، وكتيبة المستودعات، وكتيبة البطاريات.
أدى التدخل العسكري الروسي إلى إضعاف الجماعة نتيجة استهداف قائدهم، فضلًا عن تعرضهم للقصف العنيف في إطار الحصار الدولة السورية.
الخروج الآمن لـ”جيش الإسلام”
جاء هذا الاتفاق بعد تعثر المفاوضات ما بين “جيش الإسلام” وموسكو والحكومة السورية، نتيجة حدة الخلافات المثارة بين الطرفين كانت أبرزها بشأن تسليم السلاح. اشترطت الجماعة تسليم الأسلحة الخفيفة والمتوسطة للدولة الأمر الذي رفضته موسكو، وقامت تبع ذلك هجوم عسكري موسع على دوما، حتى تراجعت الجماعة معلنةً موافقتهم على الاتفاق، وتسليم أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة للقوات الحكومة السورية(2).
دخل الاتفاق حيز التنفيذ بالفعل بخروج المسلحين وأسرهم من دوما؛ حيث أعلن رئيس مركز المصالحة في سوريا “يفغيني يفتوشينكو” خروج ما يقرب من 3005 من مسلحي “جيش الإسلام” وأفراد عائلاتهم منذ مساء الأحد 8 أبريل/ نيسان 2018. على متن حافلات ترافقها سيارات لأجهزة الأمن السورية والهلال الأحمر السوري. في المقابل تم الإفراج عن حوالي 75 رهينة، وتم نقلهم إلى دمشق.
واستمرارًا لحالات الإجلاء وصل عدد الأشخاص الذين تم ترحيلهم من دوما حتى يوم الثلاثاء الموافق 10 أبريل/ نيسان 2018 إلى 3395 شخصًا بينهم1281 مسلحًا من “جيش الإسلام” و 784 امرأة و 1330طفلًا من عائلاتهم تقلهم 65 حافلة لنقلهم إلى جرابلس(3).
وعلى صعيد أخر؛ خرج المدنيون من قاطني مدينة دوما في مظاهرات ضمت المئات للمطالبة بخروج “جيش الإسلام” من المدينة، وإيجاد سبل لحقن دماء المدنيين، وذلك في أعقاب الإعلان عن الاتفاق، وفي اليوم التالي خرج أكثر من 2000 مدني للاستيلاء على مستودعات الأغذية والمحروقات الخاصة بـ”جيش الإسلام”، وذلك وفقًا لما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان. وفي المقابل؛ أعلن “جيش الإسلام” خروجه بشكل كامل من دوما استجابةً للضغط الشعبي والاتفاق المبرم مع الدولة السورية(4).
“جيش الإسلام” إلى جرابلس بداية النهاية
يعاني الآن مسلحي “جيش الإسلام” من حالة من التطويق؛ خاصةً مع وصلهم إلى مناطق سيطرة قوات “درع الفرات”، وتجريدهم من أسلحتهم “السلاح الفردي”، بناءًا على أوامر من الجيش التركي، هذا بجانب خروجهم إلى منطقة نفوذ “هيئة تحرير الشام”، بجانب أماكن تموضع وانتشار “جبهة النصرة”، فضلًا عن أن خروجهم يعني وقف الإمدادات الداعمة لهم من قبل بعض القوى الإقليمية مثل المملكة العربية، الأمر الذي سينعكس على انحسار دورها في سوريا. كما أدى رفض العسكرين الروس مطالب مسلحي “جيش الإسلام” بالسماح لهم بالخروج نحو محافظة درعا الموازية للحدود الأردنية، لقطع أي إمدادات قد يحصل عليها التنظيم في المستقبل(5).
وبرغم من ذلك تحاول الجماعة أن تظهر بشكل متماسك، مصرةً على الخروج الآمن والإلتزام ببنود الاتفاق، فربما بانتظار تفاهم سعودي-أميركي بشأنهم، فقد أعلن الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” مؤخرًا أن على الرياض أن تتحمل نفقة الجيش الأميركي في سوريا، إذا أرادت السعودية أن تحظى برعاية الأميركية. فهم الآن منزوعي السلاح، وتحت السيطرة التركية.
الجنوب الدمشقي والترقب من بعد
تترقب البلدات المحاصرة من قبل قوات السورية والمليشيات التابعة لها في جنوب دمشق (يلدا، ببيلا، بيت سحم) التابعة للـ”جيش السوري الحر”، بالإضافة إلى مناطق وجود “داعش” في مخيم اليرموك، والحجر الأسود، بالإضافة إلى أجزاء من حي “التضامن” و”القدم” و”العسالي”، علاوة على بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام”، ما سيؤول لها خلال الأيام المقبلة، لكونها أخر جيوب المعارضة المسلحة في دمشق، وسط عمليات التفاوض التي يقوم بها النظام بوساطة روسية مكنته من بسط نفوذه على الغوطة الشرقية.
تعد هذه الجيوب مصدر قلق للنظام وتهديد للعاصمة “دمشق” التي يتم استهدافها بقذائف الهاون، لذا فمن المتوقع أن تكون الأولوية القادمة للجيش السوري أم عن طريق التفاوض أو الحسم العسكري، ثم تنتقل “القلمون”.
“القلمون” محط أنظار قوات الجيش السوري
في سياق عمليات التطهير التي تخوضها الدولة السورية تجاه الجماعات المسلحة، باتت الأنظار الآن تتجه نحو “القلمون” بعد الغوطة الشرقية وجنوب دمشق، وذلك بعد التحذيرات المتوالية من قبل القوات السورية للفصائل المسلحة الموجودة أم بالمصالحة وتسليم السلاح والخروج تجاه إدلب، أو استهدافهم عسكريًا.
وتعد منطقة “القلمون” ذات أهمية استراتيجية، كونها منطقة تجمع عسكري تقع على خطوط إمداد النظام البرية مثل طريق دمشق بغداد، فضلاً عن قربها من قاعدة “التنف” الأميركية(6)، علاوة على إنها بوابة البادية السورية التي تمتد إلى الحدود الأردنية، العراقية، وإلى بادية البوكمال، وريف حمص الشرقي، وبوابة الغوطة الشرقية، كما إنها من مناطق خفض التصعيد منذ سبتمبر2017. (7)
وهو ما يمكن الاستدلال عليه عندما رفضت الدولة السورية في البداية أن تكون “القلمون” مقصدًا لـ”جيش الإسلام” للخروج إليها بكامل أسلحتهم بما فيها الأسلحة الثقيلة.
خيارات المواجهة وآليات التحرك
تعد خيارات جماعات المعارضة المسلحة في هذه المناطق محدودة، لضيق المساحات التي تسيطر عليها، بجانب تطويق القوات السورية لها، لذا فإن خيارات التحرك باتت ضئيلة. فمن المتوقع أن تنتهج هذه الجماعات نفس عمليات التسوية التي تمت مع جماعات الغوطة الشرقية،
تمكن مخاوف الدولة السورية من تحرك تنظيم “داعش” في المناطق التي ستخرج منها المعارضة المسلحة ليتمدد مرة ثانية، ليعود بمهاجمة القوات التابعة لها. وهو ما يمكن الاستدلال عليه عندما خرجت المعارضة المسلحة من حي “القدم” ليحل تنظيم “داعش” محله، وقام بهجوم مضاد على القوات السورية، الأمر الذي أسفر عن عدد من القتلى، وسيطرت التنظيم على الحي في مارس/ آذار 2018.(8)
ماذا بعد دوما؟
حتى الآن لا يمكن التكهن بالتحرك المقبل للقوات السورية بدقة فالأقرب لها هو جنوب دمشق، ولكن مازال هناك تخوف من قبل “داعش”، وهناك توجه نحو درعا وإدلب في سياق استمرار القصف الجوي، ولكنها سوف تكون متأخرة لأن من المتوقع أن تكون عملية القصف مستمرة بالتزامن مع المفاوضات للخروج الأمن.
في حين بدأت المعارضة المسلحة في ريفي حمص وحماة باتخاذ إجراءات استباقية بتشكيل “قيادة موحدة للمنطقة الوسطى”، لتصدي لأي عمل عسكري للنظام في المستقبل، كما ناشد أهالي درعا والقنيطرة فصائل المعارضة بضرورة اتخاذ إجراءات استباقية ومساعدة أهالي الغوطة ترقبًا لألى استهداف عسكري من قبل النظام.(9)
ختامًا؛ من الواضح أن مصير هذه التنظيمات سيظل مرهونًا بالتفاهمات الخفية التي ستتم ما بين القوى الدولية الفاعلة في الأزمة السورية، وقد ظهرت تجلياتها في تنفيذ الاتفاق ما بين “جيش الإسلام” والدولة السورية برعاية روسية بالخروج إلى جرابلس، وموافقة الجيش التركي على دخولهم بعد تجريدهم من أسلحتهم، بعد رفضه دخولهم لمناطق نفوذه في الشمال السوري(10).
ومن المؤكد أن “جيش الإسلام” سيواجه حالة من التشرذم والتفكك بعد خروجهم من مناطق تموضعهم في مدينة دوما، ومن المرجح انخراط بعض مقاتليه تحت لواء القوات التركية “درع الفرات”، لتنفيذ مهام خاصة بأنقرة في الشمال السوري، بدلًا من تصفيتهم على يد مقاتلين النصرة الموالين لأنقرة، وستكون الحرب عبارة عن تصفية حسابات ما بين فاعلين من غير الدول بعيدًا عن القوى الدولية.
الهوامش
(1) ” تركيا تمنع “مهجري دوما” من دخول جرابلس لساعات”، سكاي نيوز عربي، 3 أبريل 2018.
(2) “دوما.. فصل جديد من التهجير القسري في سوريا”، سكاي نيوز عربي، 9 أبريل 2018.
(3) ” 65 حافلة تقل مسلحي جيش الإسلام وعائلاتهم على طريق دمشق”، اسبوتينك عربي، 10 أبريل 2018.
(4) ” سوريا.. المدنيون يستولون على محتويات مستودعات “جيش الإسلام” الغذائية في دوما”، روسيا اليوم، 9/4/2018.
(5) ” “جيش الإسلام”.. ما مستقبل آخر فصيل سوري معارض في الغوطة الشرقية؟”، روسيا اليوم، 28 مارس 2018.
(6) “ماذا بعد تحرير دوما؟”، قناة العالم، 11 أبريل 2018.
(7)”القلمون بعد الغوطة.. “الخيارات الثلاثة” تفرض نفسها مجددا”، سكاي نيوز عربي، 3 أبريل 2018.
(8) ” بعد الغوطة الشرقية.. خيارات الجنوب الدمشقي المحاصر”، الجزيرة. نت، 8 أبريل 2018.
٩) صلاح الدهني، ” بعد دوما في الغوطة الشرقية.. أين تتجه حملة النظام السوري؟”، عربي 21، 6 أبريل 2018.
(10) “هل تنقذ السعودية جيش الإسلام.. ولماذا يتأخر تنفيذ اتفاق دوما؟”، الميادين. نت، 5 أبريل 2018.



