أقلام وأراء

المحامي زياد ابو زياد: لا يوجد أبرتهايد بالضفة الغربية بل يوجد احتلال!‏

المحامي زياد ابو زياد- 12/6/2022

أصبح مصطلح “أبرتهايد” أو نظام الفصل العنصري شائعا ً في الخطاب السياسي الفلسطيني ‏ويتردد على لسان المسؤولين وغير المسؤولين من قيادات أو ناشطين إعلاميين. ولعل‎ ‎من ‏يرددون هذا الشعار يعتقدون بأنهم يقومون بتحذير العالم من أننا هنا في الأراضي الفلسطينية ‏المحتلة منذ عام 1967 نعاني من نظام فصل عنصري تماما ً كذلك النظام الذي كان مسيطرا ً ‏في جنوب أفريقيا والذي وقف العالم الديمقراطي المتحضر ضده وتم اسقاطه بفضل العقوبات ‏والمقاطعة التي فرضها المجتمع الدولي على نظام الفصل العنصري (أبرتهايد)، ويطالبون ‏المجتمع الدولي بأن يتعامل مع إسرائيل بنفس الطريقة التي تعامل بها مع جنوب أفريقيا ‏العنصرية ويرغمها على التخلي عن التمييز العنصري.‏
ومع أن الضغط الدولي والمقاطعة كانت عاملا ً مهما جدا ً في ارغام العنصريين البيض في ‏جنوب أفريقيا على التخلي عن النظام العنصري إلا أن أحدا ً لا يستطيع أن ينكر دور المقاومة ‏الداخلية بقيادة المؤتمر الوطني الأفريقي ‏African National Congress‏ التي كانت تسير ‏جنبا ً الى جنب مع الحملة الدولية، الى أن اضطر رئيس النظام العنصري آنذاك فريدريك ويليام ‏دي كليرك لإصدار الأمر بإطلاق سراح نيلسون مانديلا في 11 شباط 1990 وإلغاء الحظر الذي ‏كان مفروضا ً على المؤتمر الوطني الأفريقي ‏ANC‏ الذي يتزعمه مانديلا مما أدى لانتصار ‏المشروع الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا وتفكيك نظام الفصل العنصري وانتهاء الصراع ‏بين البيض والسود. وقد توقع البعض بعد انتصار الثورة وسقوط نظام الفصل العنصري أن ‏يتحول الصراع الى صراع داخلي بين المؤتمر الوطني وقبائل الزولو ولكن مانديلا بقيادته الفذة ‏استوعب الزولو كشركاء ودمجهم في المشروع الوطني الأفريقي ورسخ دعائم مجتمع ‏الديمقراطية والمساواة، وخيب ظن كل من راهنوا على الانقسام.‏
وقبل أن أعود الى الفكرة الأساسية التي بدأت كتابة هذا المقال من أجلها وهي الاستخدام المفرط ‏من قبلنا لمصطلح أبرتهايد، أود أن أقول بأن أول ما يمكن أن نتعلمه من حركة التحرر الوطني ‏في جنوب أفريقيا هو أنه لا تحرر بدون مقاومة سواء كانت مسلحة أو سلبية أو بأي شكل كان. ‏وهذا ما أصر عليه نيلسون مانديلا الذي كان أول اعتقال له عام 1962، ثم حكم عليه بالسجن ‏المؤبد عام 1964 وأمضى في السجن 27 عاما. وقد نجح في تهريب رسالة من سجنه عام ‏‏1980 الى المجلس الافريقي القومي قال فيها ” اتحدوا! وجهزوا! وحاربوا إذ ما بين سندان ‏التحرك الشعبي ومطرقة المقاومة المسلحة سنسحق الفصل العنصري”، وحين عُرض عليه ‏في عام 1985 أن يتم إطلاق سراحه مقابل إعلان وقف المقاومة المسلحة رفض ذلك وظل في ‏السجن ستة أعوام أخرى حتى 11/2/1990 عندما أثمرت مثابرة المجلس الإفريقي القومي ‏والضغوط الدولية وأدت الى إطلاق سراحه وبدء نهاية النظام العنصري. ‏
والموضوع الثاني الذي يجب أن نتعلمه من تجربة جنوب أفريقيا هي أنه لا تحرر ولا استقلال ‏مع التشتت والانقسام وأن القائد الوطني المخلص هو الذي يحقق الوحدة الوطنية ويمنع أية ذريعة ‏للانقسام. وهذا ما فعله مانديلا مع الزولو حيث لم يدخل في مواجهة معهم بل دمجهم في ‏المشروع الوطني وحقق مصالحة داخلية معهم ومع البيض الذين كان بعضهم أيضا شركاء في ‏النضال ضد التمييز العنصري، وقد استوعبهم جميعا كشركاء في الوطن وفي الحكم وفي بناء ‏مجتمع ونظام جديد على أسس التسامح والتصالح والديمقراطية. ‏
أما نحن فلم يتوفر لدينا مثل ذلك القائد وها نحن ومنذ 2007 نعاني من الانقسام وبدلا ً من إنهائه ‏والتفرغ كجبهة واحدة للصراع ضد الاحتلال، نفعل على تكريسه ومأسسته وتجذيره، وفي هذا ما ‏يساهم، شئنا أم أبينا، في تكريس الاحتلال وتمرير المشروع العنصري الاستيطاني وقتل الحلم ‏الوطني الفلسطيني في انهاء الاحتلال.‏
وأعود الى ما بدأت الحديث عنه فأقول: لقد أصبح مصطلح نظام الفصل العنصري مهيمنا ً على ‏الخطاب السياسي الفلسطيني دون أن يُدرك المتشبثون بهذا المصطلح ما يمكن أن يترتب على ‏ذلك في مستقبل الصراع.‏
فالفصل العنصري (أبرتهايد) هو نظام تتمتع فيه جماعة عرقية معينة بالتمييز ضد جماعة عرقية ‏أخرى بحيث تكون للأولى كافة الحقوق والامتيازات بينما تخضع الثانية للتمييز ضدها لصالح ‏الجماعة الأولى في ظل نظام قانوني مزدوج قائم على التمييز العنصري. والحل لمثل هذا الحال ‏هو الغاء التمييز العنصري وإعطاء حقوق متساوية للجميع على قدم المساواة. ‏
وهنا لا بد من إدراك أننا فعلا ً نعاني من العنصرية والتمييز ضدنا لصالح المستوطنين اليهود ‏في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولكننا إذا تعاملنا مع هذا الوضع على أساس أنه نظام فصل ‏عنصري فإن الحل الذي يمكن أن نحصل عليه في أحسن الأحوال هو الغاء التمييز العنصري في ‏الضفة الغربية واعطائنا حقوق متساوية مع المستوطنين، أي اضفاء صفة الشرعية عليهم وبقائهم ‏في أرضنا ومساواتنا بهم. ولذلك فإن الخطاب السياسي الفلسطيني يجب أن يتمحور دائما ً حول ‏حقيقة أننا شعب تحت الاحتلال، وأن يكون الحديث عن الفصل العنصري دائما ً في إطار ‏الحديث عن الاحتلال والمطالبة بإنهاء الاحتلال وأن هذا الاحتلال هو احتلال كولونيالي ‏استيطاني يحمل في ثناياه نظام عنصري هو جزء لا يتجزأ من منظومة الاحتلال. وأن إنهاء ‏الاحتلال يجب أن يعني رحيل المستوطنين جنبا الى جنب مع رحيل الجيش والميليشيات التي ‏تحميهم. فنحن لا نعاني من نظام أبرتهايد وإنما من احتلال في صورة أبرتهايد وأن الاحتلال ‏ونظام الفصل العنصري هما وجهان لعملة واحدة. ‏
وللحديث بقية إن شاء الله…‏

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى