أقلام وأراء

المحامي زياد أبو زياد يكتب – على هامش الانتصار باسترداد أموال المقاصة: إلى أين … وماذا بعد !

بقلم المحامي زياد أبو زياد *- 22/11/2020

الذين تفاجأوا بقرار السلطة بإعادة العلاقات مع إسرائيل الى ما كانت عليه قبل 19-5-2020 هم فقط أولئك الذين صدقوا بأن قرار التحلل من جميع الإتفاقيات الموقعة مع إسرائيل بما في إعلان مباديء أوسلو واتفاقية القاهرة وباريس وكل ما ترتب على تلك الاتفاقيات على الأرض بما في وقف التنسيق الأمني قد حدث بالفعل مع أنه في الحقيقة لم يحدث.

لأن التنفيذ الحرفي لمثل ذلك القرار يعني الدخول في مواجهة مباشرة مع الاحتلال على كل الأصعدة ونحن لسنا مستعدون عمليا ً لتلك المواجهة. ولا أبالغ إذا قلت بأن قطع العلاقات مع إسرائيل اقتصر على ما يتعلق فقط بالمصلحة الفلسطينية مثل رفض استلام أموال المقاصة ووقف عمل مكاتب التنسيق المدني بينما استمرت السلطة في احترام التزاماتها الأمنية تجاه إسرائيل. فنحن لم نر تبييضا ً للسجون من معتقلي التنظيمات الأخرى ولم نر توقففا ً عن مصادرة سلاح واعتقال كل من يشتبه به بأنه يمكن أن يستخدم ذلك السلاح ضد الإسرائيليين وكل ذلك تم ويتم تحت مسمى محاربة الإرهاب.

كل المؤشرات تفيد بأن قرار التوقف عن استلام أموال المقاصة كان فرديا ً ومتسرعا ً وبدون إعداد خطة بديلة وتوفير مصادر بديلة للمصدر الإسرائيلي. أي أن القرار كان في الواقع بمثابة ضربة قاسية للاقتصاد الوطني من خلال وقف صرف الرواتب كاملة بالرغم من أنها تشكل الرافد الرئيسي للسوق المحلي الذي وجد نفسه في مواجهة حصار الكورونا وكان بأمس الحاجة للرواتب.

ولقد كتبت أكثر من مرة وقلت أن أموال المقاصة هي أموال فلسطينية وأن رفض استلامها هو خطأ لا يجوز الوقوع فيه ، وطالبت بالعودة لاستلامها حين تراجعت إسرائيل ضمنا عن تنفيذ الضم نتيجة ضغوط عربية ودولية مورست على واشنطن وانعكست من واشنطن على إسرائيل إضافة لضغوط إسرائيلية داخلية ، وطالبت السلطة بالتراجع ولكن أحدا ً في ذلك الحين لم يستجب.

واليوم وبدون تردد نجد أن السلطة تُعلن عن إعادة العلاقات الى ما كانت عليه وبدء الاتصالات واللقاءات مع الجانب الإسرائيلي لاستلام تلك الأموال ، كل ذلك بشكل احتفالي استعراضي لم ينقصه سوى دعوة الفرق الكشفية لتجوب الشوارع تعزف موسيقى القرب.

أنا لست ضد العودة لاستلام أموال المقاصة بل على العكس ، وكما ذكرت آنفا ً ، طالبت منذ البداية عدم التوقف عن استلامها لأنها أموالنا وحقنا الذي يجب ان لا نفرط فيه.

وأنا ليس لدي أدنى شك بأن العودة لاستلام أموال المقاصة وصرف الرواتب كاملة للموظفين هي مطلب جماهيري وأن الجميع أرادوا أن تحدث من قبل أو أن لا يكون التوقف أصلا ً قد حصل. ومع ذلك فإن حالة من الغضب سادت أوساط المواطنين بسبب الإخراج غير الموفق والتبرير غير المنطقي لما حدث ومحاولة تصويره بأنه انتصار عظيم. هذا الإخراج والتبرير لم يكن سوى استهانة بذكاء المواطن واستخفاف بعقله وإهانة لا يستطيع أن يتقبلها أحد.

وفي الوقت الذي كانت أبواق الإعلام الرسمي تتحدث عن ذلك الإنتصار العظيم كان وزير خارجية أمريكا بومبيو على بعد أقل من كيلومتر هوائي من المقاطعة يحتسي نبيذ مستوطنة بسجوت المقامة على أراضي بلدة البيرة وكانت الخارجية الأمريكية تعلن من واشنطن اعتبار جميع منتجات المستوطنات منتجات إسرائيلية لأن المستوطنات شرعية ومقامة على أراض إسرائيلية وكانت ولا تزال الإجراءات الإسرائيلية على قدم وساق لإضافة آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية في القدس والضفة.

والطريف هو أن إعادة العلاقات مع إسرائيل كما كانت عليه تم في نفس الوقت الي أعلن فيه عن إعادة السفراء الذين تم استدعاؤهم من عواصم التطبيع وفي نفس الوقت الذي كانت تنعقد فيه لقاءات للمصالحة في القاهرة وكأننا في فيلم من أفلام الخيال العلمي.

لقد كانت الأشهر الست الماضية تجسد ذروة سوء الأداء الفلسطيني على الصعيد الدبلوماسي والسياسي رغم أن الأشهر والسنوات التي سبقت ذلك لم تكن بأفضل منها كثيرا. فقد فقدنا في تلك الفترة غشاء الحياء الذي كان يغطي وجوه بعض الدول العربية لأننا غرقنا أكثر فأكثر في وحل الإنقسام والإقتتال الداخلي وسكتنا على الفساد المستشري بين ظهرانينا وتمترسنا وراء الشعارات والعبارات الرنانة ولم نعمل بجد لمواجهة طوفان التغيير الذي يجتاح المنطقة سواء بالعمل على ركوب موجته ومحاولة الانحراف به نحو مصالحنا أو الحد من سرعة اندفاعه انتظارا ً لتغيير في اتجاه أو سرعة الرياح القادمة.

وقد شهدنا في تلك الفترة انهيار مبادرة السلام العربية وتصدع جدارها وهرولة ثلاث دول عربية نحو التطبيع الرسمي مع إسرائيل. ونحن وإذ كنا ندرك أن لا طاقة لنا لوقف أو منع هذه الهرولة لم نحاول توظيفها بشكل يمكن أن يكون جزءا ً من تنفيذ مبادرة السلام العربية بل تبارى الناطقون باسمنا لكيل الشتائم والسباب وقد انتقدت ذلك في حينه وحذرت منه ودعوت للتوقف عنه.

ويبقى السؤال: الى أين نحن ذاهبون.

والجواب ببساطة هو أنه إذا بقينا على الحال الذي نحن عليه فإننا باقون في دوامة التراجع والتقهقر للوراء وتعمق حالة إنفصام الشخصية التي يعاني منها الأداء الفلسطيني الى أن تتلاشى كل الأحلام والأوهام ونصطدم بجدار الحقيقة المرة المؤلمة ، جدار تصفية القضية والحقوق الوطنية لشعب ناضل وضحى وما زال يناضل ويضحي ومستعد للمزيد. فالخلل ليس في الشعب وإنما فيمن اختطفوا منه حقه في تقرير مصيره.

الوضع الحالي هو وضع تم فيه تعطيل كل المؤسسات وتغييب كل الأطر واصبحت القرارات تتخذ بشكل وباجتهاد فردي خاضع للخطأ والصواب وعرضة للانفعال وتعكر المزاج واتخاذ القرارات وهو في تلك الحالة.

للخروج من هذا المأزق يجب الخروج من هذه الحالة. يجب أن تتوقف جوقة التطبيل ويختفي السحيجة وأن يكون القرار الذي لا رجعة عنه هو العودة للشعب ليمارس حقه في تقرير مصيره. والخطوة الأولى نحو ذلك هي إعلان حالة استنفار وطني ودعوة كافة القوى الفاعلة على الأرض ، وأقول الفاعلة وأعني ما أقول ، لتشكيل حكومة ائتلاف وطني مؤقتة لمدة أقصاها عام واحد تتم خلالها انتخابات تشريعية ورئاسية يعقبها البدء في ضخ الدماء والأوكسجين في عروق منظمة التحرير لإخراجها من حالة الموت السريري التي هي فيها.

نحن بحاجة للتوقف عن الفردية والتفرد ولخلق حالة استنهاض وطني وتجنيد كل الطاقات لكي يتحمل الجميع مسؤولية الأحداث الجسيمة التي تلوح في الأفق ولتكن مواجهتها والتعامل معها مسؤولية وطنية بامتياز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى