أقلام وأراء

المحامي زياد أبو زياد يكتب – الإنتخابات : إجترار للإنقسام أم تأسيس لفيدرالية وواقع جديد

بقلم المحامي زياد أبو زياد – 27/9/2020

الأحد… وكل يوم أحد

الإنتخابات : إجترار للإنقسام أم تأسيس لفيدرالية وواقع جديد

أبدى شعبنا الطيب بكافة فئاته قدرا من التفاؤل ورحب بلقاء استنبول وما رشح عنه من أخبار تدعو للتفاؤل بأن الطرفين المتصارعين على الساحة الفلسطينية فتح وحماس اتفقا على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.

ومع التفاؤل والترحيب هناك قدر عال من الحذر والحيطة ومن الترقب والقلق حول إمكانية ترجمة الرسائل المتفائلة القادمة من استنبول الى واقع.

فالطريق نحو الوصول الى الانتخابات لا تزال طويلة . فالمعطيات المتوفرة تفيد بأن حماس ستعرض ما نتج عن لقاء استنبول على مؤسسات الحركة لدراسته ، وفتح ستفعل ذلك أيضا ، كما أن هناك لقاء مرتقب للأمناء العامين للفصائل سيجتمعون بعد أيام في مطلع الشهر القادم لدراسة معطيات لقاء استنبول والاتفاق حول آليات الاستمرار في العمل لتنفيذ استحقاق الانتخابات.

صحيح أن هناك مستجدات على الساحة تستدعي وقفة وطنية فلسطينية للتصدي لهذه المستجدات وبالتحديد عمليات التطبيع مع الاحتلال والاختراقالذي حققه الاحتلال على الساحة العربية بعد التطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان التي بات الإعلان عن التطبيع معها مسألة أيام معدودات إن لم تكن ساعات. ولكنني أتساءل : هل قيام بعض الدول العربية بالتطبيع ” العلني ” مع إسرائيل أخطر مما كانت إسرائيل تمارسه على الأرض خلال السنوات الماضية ، وهل تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل أخطر على مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته من الأنشطة الاستيطانية التي مزقت الأراضي المحتلة الى أشلاء وغيرت واقع القدس الجغرافي والديمغرافي وألغت ما كان يسمى بحل الدولتين الى الأبد ؟ هل كل هذه الممارسات لم تكن تستدعي التنادي للمصالحة وتجاوز الخلافات وإعادة بناء البيت الداخلي الفلسطيني بدءا ً بانتخابات تشريعية ورئاسية وانتهاء بانتخابات تعيد الشرعية والمضمون والزخم الى مؤسسات م ت ف التي أصبحت هياكل فارغة بدون أي مضمون ؟ ولماذا الإنتظار كل هذه السنين التي مأسسة الإنقسام وعمقت الفجوة وخلقت واقعا من غير الممكن إعادة عقاربه الى الوراء.

اسمحوا لي أن أقول وبألم شديد بأن من لم تحركه أعمال الاستيطان والقرصنة وتغيير واقع ومعالم القدس ومقدساتها وانتهاك حرمة الأقصى والإعتداء على تاريخ القدس ووجهها الحضاري التراثي كيف يمكن أن يحركه قرار بعض الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل !!!

ومع ذلك ، فانني سأنضم الى جمهور الناس الطيبين البسطاء الذين سمحوا لأنفسهم بالتفاؤل بلقاء استنبول وأنتظر لقاء الأمناء العامين للفصائل لأرى ماذا سيقررون وهل سيترجم اجتماعهم الى أفعال أم أن المسألة ستطول وتتلاشى كما تلاشت في كل المرات السابقة التي سمحنا لأنفسنا فيها بالتفاؤل والتعويل على قرارات وبيانات حول إنهاء الانقسام وقرب إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.

إن ما يدعو للقلق هو أن الانقسام الذي طال عليه الأمد تحول الى دولة عميقة من الفساد تتجذر في كل مناحي الحياة وكيف يمكن لتلك الدولة الخفية أن تكون هي الأمينة على إنهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة وإجراء انتخابات حرة ونزيهة واقتلاع الفساد من جذوره. أليس هناك تعارض مصالح ؟

استحقاق الإنتخابات لم يعد يحتمل العبث أو المزاح. ومن أجل أن يكون هذا الاستحقاق حقيقيا ومنتجا وموصلا الى تغيير الواقع المزري الذي وصلنا إليه ورافعة نحو بدء مسيرة الوصول الى مستقبل أفضل فإن على من يملكون القرار أن يسألوا أنفسهم بأمانة وصدق: هل هم مستعدون لإتخاذ كافة الإجراءات التي تمهد لخلق أجواء مناسبة وتربة خصبة لإجراء الانتخابات ؟ ثم هل هم مستعدون لتقبل نتائج الانتخابات ؟

الإنتخابات تتطلب أولا ً وقبل كل شيء تنقية الأجواء الأمنية الداخلية الفلسطينية وإبعاد الأجهزة الأمنية والشرطية في شطري الوطن عن التدخل في العملية الانتخابية. والانتخابات تتطلب توحيد الجهاز القضائي والنيابة العامة في شطري الوطن وإعادة هيكلتها وخلق ثقة حقيقية بين المواطن والجهاز القضائي . والانتخابات تقتضي ديمقراطية حقيقية وشفافية داخل كل فصيل وإفساح المجال أمام الأفضل بعيدا ً عن الغوغائية والعشائرية والتنفذ المالي واستخدام القوة لفرض أشخاص أو فئات معينة بالقوة لا من خلال شرعية الانتخاب ، والإنتخابات الحرة النزيهة تتطلب إعطاء الفرصة المتكافئة لتشكيل القوائم المستجدة التي لا تنتمي بالضرورة لفصائل موجودة وإنما تعبر عن نبض الوطن والمواطنين. ثم أخيرا واهم من كل ما ذُكر : الانتخابات تتطلب إيجاد الآلية الوطنية الواقعية لكيفية التعامل مع القوة العسكرية التي تم بناؤها في قطاع غزة وكيفية الحفاظ عليها من جهة ومنع استخدامها للتعكير على صفو الانتخابات قبل إجرائها أو نتائجها وفي نفس الوقت عدم التفريط بها والدخول في متاهات العمل على تصفيتها حتى لو كان ذلك تحت طائلة وحدة السلاح والقرار.

والإنتخابات بالمفهوم التقليدي كما كان عام 1996 أو عام 2006 ليست ممكنة من ناحية عملية . إذ لا يكفي القول بأنها ستكون بالنسبية الكاملة وإنما يجب إجراء تغيير جذري في تركيبة تلك الانتخابات من حيث الدوائر ومن حيث العلاقة الدستورية بين الدوائر.

وأنا أعتقد بأن علينا أن نؤسس لعلاقة فيدرالية بين الضفة والقطاع تراعي خصوصية كل منهما من خلال التأسيس لحكومة محلية في القطاع وحكومة محلية في الضفة بما في ذلك القدس ، وبرلمان محلي في القطاع وبرلمان محلي بالضفة بما في ذلك القدس ، وبالتوازي حكومة فيدرالية للكل الفلسطيني في الضفة والقدس والقطاع وبرلمان فيدرالي لها .

وتكون صلاحيات الحكومات المحلية مقتصرة على الشأن الداخلي المحلي لكل منها بحيث تكون لها قوانينها الداخلية التي تراعي شؤونها وخصوصيتها ، بينما تكون الحكومة الفيدرالية هي صاحبة الولاية الدستورية فوق كل الأراضي الفلسطينية وهي وحدها صاحبة الولاية في كل ما يتعلق بالشأن الخارجي والأمن والدفاع والعلاقات والتمثيل الدولي. ومثل هذا الاقتراح يتطلب إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية الى سبع ولايات أو دوائر. أربعة في الضفة الغربية هي: ولاية الشمال ومقرها نابلس وولاية الوسط ومقرها القدس ( رام الله مؤقتا ) وولايتين في الجنوب واحدة مقرها بيت لحم والثانية مقرها الخليل.

وأما القطاع فيقسم الى ثلاث ولايات: ولاية الشمال ومقرها غزة وولاية الوسط ومقرها المخيمات الوسطى أو دير البلح وولاية الجنوب ومقرها رفح. ومثل هذا التقسيم يلغي التقسيم ضفة وغزة ويؤسس لتسميات جديدة ويؤسس لعلاقة فيدرالية تتيح التعامل مع الوضع الخاص القائم حاليا في قطاع غزة.

نحن بحاجة الى الإبداع الفكري وقد يكون لدى غيري أفضل مما قلت ولكنني أدعو الى التأسيس لعلاقة لا تقبل الخلل أو إعادة إجترار تجربة الانقسام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى