أقلام وأراء

المحامي زياد أبو زياد يكتب- الإنتخابات زواج عرفي بين فتح وحماس أم ضرب من أحلام اليقظة !

بقلم  المحامي زياد أبو زياد – 11/10/2020

لشعبنا ، وللأسف الشديد ، تجربة محبطة في كل ما يتعلق بجولات المحادثات لتحقيق المصالحة وإنهاء الإنقسام ، وله تساؤلات كثيرة عن سبب اختيار العديد من عواصم العالم لعقد اللقاءات بين فتح وحماس ولماذا لا تتم هذه اللقاءات على أرض الوطن ، وما الجديد الذي يمكن أن يجعلنا أكثر تفاؤلا من المرات السابقة أو يجعلنا نتوقع حدوث تقدم وانفراج هذه المرة لم يتحقق في المرات السابقة.

لا شك بأن إحدى السيناريوهات التي تقف وراء الاتصالات الحالية بين فتح وحماس هذه المرة ، وخاصة بعد التطبيع بين الإمارات وإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين ، هو إمكانية إيجاد بديل للسلطة الحالية التي تهيمن عليها حركة فتح ، وأن البديل موجود ويقف رهن الإشارة ، وأن إسرائيل ستعمل على تهيئة الأجواء لاستحضار ذلك من خلال القيام بإجراءات عسكرية على الأرض تؤدي الى تقطيع أوصال الضفة وتقسيمها الى مناطق منفصلة ومعزولة عن بعضها البعض وتكثيف حملة الاعتقالات والمداهمات وتقييد حركة وتنقل الناس بين هذه المناطق وتضييق الخناق عليهم وتشديد الحصار الاقتصادي في ظل شح الموارد المالية للسلطة أو تجفيفها ولا سيما بعد القيام بوقف الرواتب لبضعة أشهر مما سيؤدي الى انهيار السلطة وعندها يظهر البديل الذي سيقدم النقيض للناس ممثلا بالإنفراج والإنتعاش الاقتصادي وتدفق السيولة المالية وصرف الرواتب المتأخرة بالكامل مما سيكون بمثابة توجيه ضربة قاصمة لكل من فتح وحماس وقيام البديل الجديد بالسير في ركاب خطة القرن والتطبيع والإنجراف مع تيار ” الواقعية ” والاستسلام العربي.

وسواء كان هذا السيناريو ممكنا ً وواقعيا ً أم أنه من صنع خيال أشخاص معينين في فتح وحماس إلا أن أحدا على الجانبين لا ينكر وجود هذا السيناريو أو يستخف بإمكانية حدوثه.

وهذا السيناريو ليس مرعبا فقط لحركة فتح وإنما أيضا لحركة حماس التي ترى في إمكانية تحققه بمثابة الخطوة الأولى نحو تصفيتها. ولذلك فقد التقت مصالح فتح وحماس في ضرورة العمل معا ً ومن خلال شراكة متينة لمنع تحقق هذا السيناريو أي سيناريو البديل.

ومع ذلك فإن حركة حماس تشعر بأنها في الموقف الأقوى ولذلك وبالرغم من التقاء مصلحتها مع مصلحة فتح في إحباط خطة إيجاد بديل لفتح وتسليمه السلطة ومن خلاله تمرير صفقة القرن والتطبيع ، إلا أنها لن تقبل بأن تهرول نحو إنقاذ فتح وحملها على أكتافها وإنما تريد العمل معها لبناء واقع جديد يضمن تغيير البنية الحالية للسلطة الفلسطينية لإعادة بناء كل ما بني على أساس اتفاق أوسلو وبالمعايير التي تراها حماس كافية لتبديد أية محاوف أو شكوك لديها إزاء النوايا المستقبلية لحركة فتح ، واشتراط مرجعية جديدة للعمل الفلسطيني تتمثل باتفاق الوفاق الوطني وما أسفر عنه لقاء الأمناء العامين للفصائل مؤخرا وما ستسفر عنه جولات اللقاءات الحالية.

ومن أجل ضبط الأمور وإبقائها تحت السيطرة فإن حماس تصر على أن إجراء الإتخابات لن يكون المدخل الوحيد لترتيب البيت الداخلي وإنما أحد المداخل ترافقه مداخل أخرى.

وهي تخشى إذا أجريت الانتخابات في سياق تقليدي وقوائم متنافسة من أن تفوز فتح بالأكثرية وتكون المحصلة هي تجديد الشرعية لحركة فتح التي يمكن أن تستمر في السير الذي نهجته منذ تأسيس السلطة. ولذا فإن حماس وحسب كل ما رشح من مختلف مصادرها السياسية تسعى الى خوض الانتخابات ضمن قائمة توافقية مع فتح بذريعة منع الاقتتال في الشارع بين أنصار الحركتين ومنع أي تلاعب أو تشكيك بالعملية الانتخابية ولضمان توازن معين في العلاقة بين الحركتين في مرحلة ما بعد الانتخابات. ومن أجل ذلك فإن حماس تقول بأنها لا تريد أن تكون الانتخابات مدخلا لتجديد شرعية فتح وحدها وإنما تريد أن تكون شريكا ” مؤثرا ً ” في هذه الشرعية.

وأما بالنسبة للقائمة التوافقية الواحدة التي تريدها حماس فإنها تشترط أيضا أن يكون لها حق النقض فلا يُسمح بدخول القائمة التوافقية لأي شخص عليه إعتراض بحجة أن استعادة الثقة بين الطرفين هي ممر إجباري نحو الخطوات اللاحقة لإصلاح الوضع الداخلي والانتقال نحو مرحلة العمل المشترك بما في ذلك المقاومة ” بكل أشكالها “.

ولما كانت حماس لا ترى في الانتخابات المدخل الوحيد لترتيب البيت الداخلي ، فإنها تريد وعشية الانتخابات وبالتزامن معها إتخاذ سلسلة من الخطوات لإعادة الثقة بين الجانبين من بينها ما وصفه الأخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ب .. ” إلغاء كل القرارات والإجراءات والتمييز والملاحقات وحل كل المشاكل العالقة وخاصة معتقلي حماس لدى السلطة الذين وصفهم ب ” ألأسرى ” والشهداء والتشريعي “.

وهذه المسائل رغم أنه عبر عنها ببضع كلمات إلا أن كل كلمة منها تُشكل عنوانا لموضوع كبير جدا تتقاطع به حماس وفتح والإحتلال وله امتدادات ربما تكون خارج نطاق قدرة حركة فتح سواء في الشق الأمني كإطلاق سراح جميع معتقلي حماس والجهاد لدى السلطة أو الشق المالي المتعلق بمستحقات الأسرى والشهداء والتعيينات وغير ذلك.

ولعل من الإنصاف القول بأن طلبات حماس لا تخلو من المنطق في ظل تراكمات الشك وعدم الثقة بين الطرفين على مدى قرابة خمسة عشر عاما ووجود مراكز قوى وأطر داخل جسم السلطة تتعارض مصالحها مع المصالحة أو النهج الجديد الذي تريد حماس استدراج فتح إليه. علما بأنني لم أتطرق في هذا المقال إلى ما يدور في الأروقة الفتحاوية والذي ربما يكون موضوعا لمقال آخر.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو : هل يستطيع الطرفان القيام بهذه الخطوات دون الأخذ بعين الاعتبار رد فعل الطرف الآخر ، أي إسرائيل ، الذي لن يسمح بتعافي الوضع الفلسطيني ولن يسمح بتهيئة الأجواء لخلق قاعدة صلبة لتفعيل المقاومة ضد إسرائيل بمشاركة فتح وحماس جنبا الى جنب والفصائل الوطنية والإسلامية الأخرى ولا يريد أصلا إجراء أية إنتخابات فلسطينية تجدد شرعية من يتحدث باسم الشعب الفلسطيني.

والجواب معروف مسبقا .

ولذا فإن على كل من الحركتين أن تحسب خطواتها بدقة متناهية وأن تأخذ في الحسبان عامل الوقت وخطر المماطلة والمراوحة في نفس المكان فيما يتعلق بالتنفيذ وأن ترسم خطواتها بتناسق وتناغم مع تجنيد وحشد الرأي العام الدولي لدعم جهود المصالحة ورؤيتها مدخلا نحو تحقيق الحل والسلام والاستقرار الدائم في المنطقة وليس مدخلا نحو زج المنطقة في أتون جديد من دوائر العنف وسفك الدماء والإقتتال بين جهات دولية على الأرض الفلسطينية كما هو الحال في ليبيا وسوريا واليمن وأذربيجان وأرمينيا.

وأنا لا أجازف إذ أقول مسبقا بأنني لست متفائلا ً بوصول جولات اللقاءات القائمة حاليا بين الحركتين وأخشى فيما أخشى أن تكون في مرحلة لاحقة رافعة لإعادة بث الحياة في مسار أوسلو الذي فقد مضمونه سعيا للوصول الى شكل بدون مضمون ، وأتمنى أن أكون مخطئا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى