أقلام وأراء

المحامي زياد أبو زياد يكتب –  أحداث الخليل الأخيرة تدق ناقوس الخطر ولا بد من استدراك الأمر قبل فوات الأوان

بقلم  المحامي زياد أبو زياد *- 13/12/2020

الأحداث الاحتجاجية التي شهدتها مدينة الخليل في نهاية الأسبوع الماضي تستوجب التوقف عندها ليس لأنها حدثا  غريبا   فريدا   من نوعه وإنما لأنها تُشكل حالة لا تقتصر على الخليل فقط وإنما تعم كل أنحاء الوطن ولكن يتم التعبير عنها من حين لآخر بأشكال مختلفة.

ولا بد لفهم هذه الحالة من البحث عن أسبابها وهي في رأيي تتلخص في الأمور التالية: اهتزاز الثقة بين المواطن والحكم ، وتدهور هيبة الحكم ، والنجاح النسبي لسياسات الاحتلال التي ترمي بوسائل مختلفة الى المس بهيبة السلطة ومصداقيتها ، مما خلق الأجواء الملائمة لعودة ظهور بعض العناصر السلبية من جحورها ومحاولتها تصدر المشهد.

ولا شك بأن للسلطة دور في زعزعة ثقة المواطن بالحكم وفقدان هيبتها في أعين الناس ومن أسباب ذلك فقدان الشرعية الدستورية لمؤسسة الحكم نتيجة لتغييب السلطة التشريعية والإستيلاء على صلاحياتها وممارسة الحكومة لعملها بدون أية رقابة أو مساءلة تشريعية مما جعلها تتمادى في مخالفتها للقانون الأساس وتستولي علنا وبدون تردد على صلاحيات السلطة التشريعية وتستقوي على السلطة القضائية التي باتت تخضع تماما للسلطة التنفيذية في خرق فاضح لمبدأ الفصل بين السلطات ولمبدأ سيادة حكم القانون مما زعزع ثقة المواطن بالقضاء. ونحن لدينا اليوم حكومة لا تخضع للرقابة والمساءلة تعمل بشكل فردي وانفرادي مما أدي الى الانزلاق نحو الأخطاء والتخبط والترهل في كل مجالات أدائها. وفي مثل هذه الأجواء يترعرع الفساد وتنمو ما تسمى بالدولة الرخوة.

إن تغييب المجلس التشريعي والإدعاء بأن هناك مؤسسات دستورية كالمجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية لهو إدعاء لا يستطيع الصمود لحظة أمام الاختبار القانوني. فقد تم عبر سنين طويلة وممارسات ممنهجة تفريغ المنظمة من محتواها وأصبح المجلسين الوطني والمركزي أجساما ً هلامية لا سيما وأنها لا تنتخب بل فيها أعضاء بعضهم منذ تأسيها وسيبقون مدى الحياة وفيها أعضاء تم تعيينهم مع الوقت وكلا المجلسين ليست لهما اجتماعات دورية بل يمكن دعوة أي منهما في المناسبات وبشكل احتفالي لتمرير أمر تريده قيادة المنظمة. والمنظمة أو أي من مؤسساتها ليست إطارا   دستوريا منتخبا   ولا تملك الحق في ممارسة صلاحيات المجلس التشريعي.

ومع ذلك فإن علينا أن نتمسك بالمنظمة باعتبارها الهوية الوطنية للشعب الفلسطيتي ورمز وجوده ونضاله التحرري من أجل تحرير أرضه ونيل حريته واستقلاله . ومن أجل ذلك يجب دفع دماء جديدة في شرايينها تمثل كل المكونات السياسية للشعب الفلسطيني وتفعيل مؤسساتها لتواصل المسيرة النضالية التحررية للشعب الفلسطيني قي وقت باتت تجربة أوسلو وما أفرزته من سلطة حكم إداري على وشك إعلان الفشل. ولا يبق أمامنا إلا أن نبتهل الى الله تعالى أن يلهم مالك القرار بأن يدرك قبل فوات الأوان حجم الخطر الذي يداهم مشروعنا الوطني وأن يعد العدة لإعادة بناء وتفعيل المنظمة لتقوم المنظمة المنبعثة من جديد قادرة على حمل الراية ومواصلة المسيرة بعد إعلان فشل تجربة أوسلو الذي يبدو أنه بات قريبا ً وفق كل المؤشرات والدلائل..

إن الظواهر السلبية التي يشكو منها المواطن كالفلتان الأمني وانتشار الأسلحة بين أيدي الناس وارتفاع نسبة جرائم القتل بشكل غير مسبوق وارتفاع نسبة الجريمة بشكل عام كلها نتاج غياب سلطة القانون والخلل في أذرع تحقيق العدالة وهي معروفة ، وفقدان الحكم لهيبته وقدرته على حفظ النظام العام والأمن الاجتماعي.

لقد مضى على تشكيل حكومة الأخ الدكتور محمد اشتية قرابة عامين وعلى وجه التحديد اثنان وعشرون شهرا منذ آذار 2019. وقد جاءت هذه الحكومة في أعقاب حكومة انتشرت بشأنها الأقاويل عن الفساد بلغت ذروتها حين قام وزراء تلك الحكومة برفع رواتبهم الشهرية بنسبة 70% سرا   وبشكل مخالف للقانون في نفس الوقت الذي كان المعلمون الفئة المسحوقة في المجتمع يطالبون بتحسين رواتبهم المتدنية جدا ، وتلك الحكومة ترفض أي استجابة لمطالبهم.

جاءت حكومة د. محمد اشتيه في هذه الأجواء ونظرا للخلفية الاجتماعية والشخصية لرئيس الوزراء فقد علق الناس عليه آمالا  كبيرة ولكن هذه الآمال تضاءلت وتلاشت تدريجيا ً لأنه لم يحافظ على وتيرة حسن الأداء ولم يقم بأي خطوة نحو إعادة هيكلة السلطة وتخلي الحكومة عن هيمنتها على السلطتين التشريعية والقضائية وتثبيت مبدأ الفصل بين السلطات بل بالعكس فقد تمادت حكومته في ذلك. وظلت حكومته تعمل وفيها وزراء أثبت أداءهم فشلا ً ذريعا وفتحوا الباب واسعا   أمام التندر والإنتقادات لأداء الحكومة. ثم جاءت جائحة كورونا لتزيد التخبط وتكشف مواطن الخلل في الأداء لغياب خطة واضحة ثابتة للتعامل مع تلك الجائحة.

وإنصافا للحقيقة فإن التخبط والخلل لا يقتصر ولا ينبع فقط من أداء الحكومة لأن هناك أمورا ليست من اختصاصها بل من اختصاص من يرسم السياسة العامة ويقودها ، ومن بين ذلك التخبط في مسألة أموال المقاصة وفي التعامل مع الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل وفي العلاقة مع أمريكا وفي السياسة الخارجية بشكل عام وفي موضوع إنهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة وهو الموضوع الأهم الذي يشغل بال المواطن ويشكل معيارا   ومقياسا   لحسن أو سوء إدارة الشأن العام.

علينا أن نعترف بأن الوضع بلغ حدا   من السوء الذي لا يجوز استمراره وأنه إذا لم يبادر الأخ الرئيس محمود عباس بصفته مالك القرار وقائد المسيرة باستدراك الوضع وبأسرع وقت ممكن فنحن على وشك أن نكون في نقطة اللاعودة ، وأقصد اللاعودة من اليأس والفشل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى