أقلام وأراء

المحامي زياد أبو زياد: أمريكا والتطبيع أو التكامل مع السعودية ولقاء أمناء سر الفصائل بالقاهرة

المحامي زياد أبو زياد 30-7-2023: أمريكا والتطبيع أو التكامل مع السعودية ولقاء أمناء سر الفصائل بالقاهرة

بعد أن حاول مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي استغلال المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نتنياهو في السابع عشر من تموز الحالي، عشية سفر الرئيس الإسرائيلي هيرتسوغ لواشنطن، الادعاء بأن العلاقات بين نتنياهو وبايدن على ما يرام وأن محور المكالمة كان يدور حول ايران وأن نتنياهو تلقى دعوة من بايدن لزيارة البيت الأبيض، اضطرت الإدارة الأمريكية الى وضع الأمور في سياقها الصحيح ودحض رواية مكتب نتنياهو. وقد فعلت ذلك من خلال دعوة الصحفي اليهودي الأمريكي المعروف توماس فريدمان الى لقاء مع الرئيس بايدن خرج بعده ليقول بأن بايدن مستاء من التعديلات القانونية التي تنوي حكومة نتنياهو عملها وأنه في محادثته الهاتفية مع نتنياهو طلب منه التوقف عن ذلك وأن أية تعديلات على النظام القضائي في إسرائيل يجب أن تتم من خلال موافقة عريضة تضم ليس فقط أعضاء الائتلاف الحاكم. وحين حاول مكتب نتنياهو التشكيك بصحة ما كتبه فريدمان خرجت الناطقة بلسان البيت الأبيض لتؤكد صحة ما كتبه فريدمان وأنه يشكل اقتباسا ً دقيقا لما قاله الرئيس بايدن لنتنياهو.

ولقد أوضح فريدمان فيما كتبه وفي المقابلات الصحفية التي أجريت معه بعد ذلك أن قلق الإدارة الأمريكية من التغييرات القضائية في إسرائيل ينبع من خوف الإدارة الأمريكية من أن يتعرض المسؤولين وأفراد الجيش وقوى الأمن الاسرائيليين الى الملاحقة الجنائية الدولية بعد أن تصبح إسرائيل دولة دكتاتورية حسب المعايير الدولية وعندها سيكون من الصعب على الإدارة الأمريكية الاستمرار في حمايتهم والدفاع عنهم في المحافل الدولية.

سبب معارضة أمريكا للتغييرات القضائية

ووفق هذا المنطق الأمريكي فإنه رغم كل الخروقات التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين خلافا ً للقانون الدولي الإنساني والمواثيق والمعاهدات الدولية فإنه لا يزال بإمكان أمريكا حماية الإسرائيليين الذين يرتكبون هذه الخروقات من خلال الادعاء بأن هناك نظام قضائي مستقل في إسرائيل وأنه هو الأولى بملاحقة من يخل بالقانون في إسرائيل وحجب أي دور للمحافل الدولية فيما يتعلق بالملاحقة الجنائية ضد الإسرائيليين.

بعبارة مختصرة، الإدارة الأمريكية ليست ضد الخروقات والجرائم التي ترتكبها القوات الإسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني ولكنها تريد من إسرائيل أن تحافظ على نظامها القضائي كما هو لكي تتذرع أمريكا به وتمنع أي ملاحقة جنائية دولية ضد الإسرائيليين.

الجهود الأمريكية للتطبيع بين إسرائيل والسعودية

ومن أجل تأكيد حرص أمريكا على إسرائيل فإنها تؤكد بأنها ماضية في بذل الجهود المضنية من أجل توسيع دائرة الدول العربية والإسلامية التي تطبع علاقاتها مع إسرائيل وأن العمل على اقناع المملكة العربية السعودية على التطبيع مع إسرائيل يقف على رأس أولويات السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط. ومن أجل ذلك فقد قام وفد أمريكي رفيع المستوى يضم كلا من مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ومسؤول منطقة الشرق الأوسط بالبيت الأبيض بريت ما كغورك وكبير مستشاري الطاقة والبنية التحتية عاموس هو كشتاين بزيارة قبل أيام للمملكة السعودية والاجتماع مع أعلى مستوى من المسؤولين السعوديين وعلى رأسهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ومعه وزير الطاقة السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز ووزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان ومحافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان ومستشار الأمن القومي السعودي مساعد بن محمد العيبان.

ووفقا ً للمصادر الأمريكية فإن الاجتماع تناول موضوع التطبيع بين السعودية وإسرائيل والموضوع الإيراني والعلاقات السعودية الصينية وقضايا أخرى ذات اهتمام مشترك، بينما قالت بأن الجانب السعودي يسعى الى تحقيق صفقة شاملة تتضمن توقيع اتفاقية دفاع متبادل مع أمريكا على غرار حلف ناتو ومساعدة السعودية لتطوير برنامج نووي مدني وبيع السعودية أنظمة أسلحة متطورة تشمل بطاريات دفاع ضد الصواريخ البالستية.

ولا شك بأن هذا الحوار الأشبه بالمفاوضات بين أمريكا والسعودية يتم على خلفية أمور استراتيجية مهمة للطرفين. فأمريكا تريد أن تحقق الأمن والاستقرار والقبول الدائم لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط من خلال احداث اختراق للجدار السعودي وتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية التي ستشكل بطاقة دخول تدخل بها إسرائيل الى دول إسلامية كبيرة أخرى مثل اندونيسيا، كما تسعى أمريكا الى وقف التوجه السعودي نحو الصين للحد من النفوذ الصيني بالمنطقة وكذلك ضمان استمرار تدفق الطاقة السعودية للأسواق الغربية وربط السعودية بالعجلة الأمريكية بالمنطقة.

وأما بالنسبة للسعودية فإنها تتطلع الى ضمانات أمنية ضد أية أخطار اعتداءات خارجية وخاصة من ايران وحلفائها الحوثيين. وهنا يمكن القول بأن أكبر خدمة تقدمها ايران لإسرائيل ولأمريكا هي أنها تُشكل فزاعة تدفع السعودية نحو إسرائيل وأمريكا ولولا وجود الخطر الإيراني، سواء كان ذلك حقيقة أو وهما ً، لكانت السعودية ليست بحاجة للسعي نحو توقيع مثل هذه الاتفاقيات مع أمريكا حاليا ً وربما مع إسرائيل لاحقا ً.

وعلى أية حال فإنه يجب الاصغاء جيدا ً لما يصدر من تلميحات سواء سعودية أو أمريكية. فقد قالت السفيرة السعودية بواشنطن الأميرة ريما بندر آل سعود مؤخرا ً بأن السعودية تتطلع الى رؤية مزهرة للمنطقة وفق رؤية الأمير محمد بن سلمان لعام 2030 وفي قلبها التكامل بين السعودية وإسرائيل وحل المشكلة الفلسطينية. وقد بادر الإسرائيليون الى التقاط كلمة تكامل وقالوا أنه يمكن أن تتم دون علاقات دبلوماسية تقليدية محاولين الالتفاف من وراء القضية الفلسطينية وتجاوزها.

أين نحن من “الطبخة” الاقليمية

ما أريد أن أخلص اليه من هذه المقدمة هو أن هناك “طبخة” إقليمية يتم الاعداد لها وأن طرفي هذه الطبخة هما بشكل أساسي العربية السعودية وأمريكا التي تُشكل الدرع الواقي لإسرائيل.

وقبل المضي في هذا التحليل فإنه لا بد من التنويه الى أن السياسة التقليدية والموقف الثابت المعلن للمملكة العربية السعودية هو أنها ليست ضد التطبيع مع إسرائيل ولكنها تربط ذلك بقبول إسرائيل بمبادرة السلام العربية التي قدمها الملك عبد الله بن عبد العزيز وتبنتها القمة العربية في دورتها الرابعة عشرة المنعقدة في بيروت عام 2002.
ورغم استمرار التمسك المعلن للمملكة العربية السعودية بهذه المبادرة إلا أن المتغيرات المحلية والإقليمية والمصالح المتبادلة تجعل المراقب لا يراهن مئة بالمئة على تمسك السعودية الحرفي بهذه المبادرة وأن السعودية تحت ضغوط واغراءات معينة قد تقبل بصيغة معدلة أو مخففة لهذه المبادرة وهذا ما يجب أن يشغل بال صانع السياسة والقرار الفلسطيني وخاصة في هذا الوقت الذي تتداعى فيه الفصائل الى لقاء القاهرة.

لقاء أمناء سر الفصائل اليوم بالقاهرة

اليوم يلتقي بالقاهرة أمناء سر الفصائل الفلسطينية باستثناء حركة الجهاد الإسلامي التي قالت أنها ستقاطع الاجتماع احتجاجا ً على استمرار الاعتقالات ضد كوادرها بالضفة الغربية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل سيأتي هذا اللقاء بجديد يكون على مستوى الخطر القادم أم أنه سيكون بمثابة اجترار للخطب والبيانات والقرارات التي شهدتها اللقاءات السابقة سواء المجلس الوطني عام 2018 أو أمناء سر الفصائل عام 2020 أو اجتماعات المجلس المركزي التي أعقبت ذلك.

قد نسمع تكرار الحديث عن المصالحة وعن حكومة وحدة وطنية وعن الانتخابات والشرعية والسلطة الواحدة ووحدة السلاح والقرار الواحد وما الى ذلك، وكل هذا جيد وجميل ولكنه ليس كل شيء.

وأقول كما يقول لسان حال الكثيرين بأننا سئمنا الاجتماعات والخطب وأنه آن الأوان لإدراك خطورة المرحلة وأنه يجب استشراق القادم واعداد الخطة الاستراتيجية لمواجهته والتعامل معه بشكل مبدع وخلاق. وفي اعتقادي أن المطلوب اليوم هو التفكير خارج الصندوق ووضع السيناريوهات المستقبلية المحتملة والخطط لمواجهة كل سيناريو سواء في التطورات المتوقعة داخل الأرضي الفلسطينية من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين، او التطورات والمبادرات الإقليمية المحتملة وعلى رأسها ما يمكن أن يتمخض عنه الحوار الأمريكي السعودي، والتوافق على خطة وطنية تحدد كيفية التعامل مع ذلك تضعنا في موقف الفعل لا رد الفعل العشوائي المتسرع. والتفكير خارج الصندوق لن يتم من قبل الشخصيات والقيادات التقليدية التي عفا عليها الزمن وإنما من توظيف امكانيات خبراء مختصين من الطاقات الشابة المتعلمة التي حالت القيادات التقليدية دون اسهامها بقدراتها وطاقاتها العلمية والمهنية في خدمة قضية شعبها ووطنها.

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى