#ترجمات أجنبيةشوؤن دولية

المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية – لعبة الصين العظيمة المتنامي في الشرق الأوسط .. هل تستبدل أمريكا قريبًا؟

المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية –  كميل لونز (محرر المشروع) ، جوناثان فولتون ، ديجانج صن ، ناصر التميمي – 21/10/2019

ملخص 

  • زادت الصين بشكل ملحوظ من آثارها الاقتصادية والسياسية ، وبدرجة أقل ، في الشرق الأوسط خلال العقد الماضي ، لتصبح أكبر شريك تجاري ومستثمر خارجي للعديد من دول المنطقة. 
  • لا تزال الصين لديها رغبة محدودة في تحدي البنية الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أو لعب دور مهم في السياسة الإقليمية. 
  • ومع ذلك ، فإن الوجود الاقتصادي المتنامي للبلد من المرجح أن يدفعه إلى مشاركة أوسع مع المنطقة بطرق يمكن أن تؤثر بشكل كبير على المصالح الأوروبية. 
  • يجب على الأوروبيين مراقبة تأثير الصين المتزايد على الاستقرار الإقليمي والديناميات السياسية ، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الحساسة مثل تكنولوجيا المراقبة ومبيعات الأسلحة. 
  • يجب على الأوروبيين زيادة ارتباطهم مع الصين في الشرق الأوسط ، بهدف إعادة تركيز دورها الاقتصادي على المبادرات البناءة.

في دراسة نشرها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، تضم أربعة مقالات لباحثين متخصصين في الشؤون العربية*، قدموا خلالها رؤيتهم للعلاقات الصينية العربية في الوقت الحالي ومستقبلًا، وتطرقوا إلى عمق العلاقات التجارية بين منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والفرص التي توفرها الصين لهذه الدول، لاسيما مع الانسحاب الظاهر للولايات المتحدة من الشرق الأوسط، كما يبحثون إمكانية أن تحل الصين عسكريًّا وأمنيًّا محل الولايات المتحدة، والقيود التي قد تعوق ذلك في الوقت الحالي.

تتناول هذه السلسلة من المقالات كيف يمكنهم القيام بذلك من خلال الجمع بين وجهات النظر الصينية والشرق أوسطية والغربية حول دور الصين المتطور في المنطقة.

  1. دور الصين المتغير في الشرق الأوسط

ترى كاميل لونز، الباحثة بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وتعمل في مكتب الشرق الأوسط في البحرين، أن الصين أصبحت لاعبًا مهمًّا على نحو متزايد في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير.

وبينما تعد قادمًا جديدًا نسبيًّا إلى المنطقة، وتتسم بالحذر في نهجها تجاه التحديات السياسية والأمنية المحلية، إلا أنها اضطرت لزيادة انخراطها في الشرق الأوسط بسبب وجودها الاقتصادي المتزايد.

وفي وقت تظهر فيه هيمنة الولايات المتحدة الراسخة على المنطقة مؤشرات على الضعف، يناقش صناع السياسية الأوروبية مستقبل البنية الأمنية للشرق الأوسط ودور الصين المحتمل في تلك البنية.

وبالنظر إلى أن بروز الصين أدى إلى تكثيف المنافسة الجيوسياسية في الجوار الأوروبي، يتعين على صانعي السياسة الأوروبيين أن يبدأوا في دمج بكين في تفكيرهم حول الشرق الأوسط.

الطاقة هي محور العلاقات العربية الصينية

بحسب لونز، تتمركز علاقة الصين بالشرق الأوسط حول الطلب على الطاقة ومبادرة الحزام والطريق الصينية التي أطلقت عام 2013. في عام 2015 أصبحت الصين رسميًّا أكبر مستورد عالمي للنفط الخام، مع الحصول على ما يقارب نصف إمداداتها من منطقة الشرق الأوسط.

ونظرًا إلى أن الشرق الأوسط يمثل ملتقى طرق مهم من الناحية الاستراتيجية لطرق التجارة، والممرات البحرية التي تربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، فإنه يعد مهمًّا لمستقبل مبادرة الحزام والطرق، التي صُممت لوضع الصين في مركز شبكات التجارة العالمية.

في الوقت الحالي، تركز علاقة الصين بالمنطقة على دول الخليج؛ بسبب دورها البارز في أسواق الطاقة.

وكما يجادل جوناثان فولتون، أستاذ مساعد العلوم السياسية في جامعة زايد في أبوظبي، تنعكس محورية التعاون الاقتصادي والتنمية لانخراط الصين مع دول الشرق الأوسط في وثيقتين حكوميتين صينيتين رئيسيتين، هما «ورقة السياسة العربية» لعام 2016 و«رؤية وإجراءات عام 2015 لبناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير المشترك، وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين».

ويركز إطار التعاون المبين في هاتين الوثيقتين على الطاقة، وبناء البنية التحتية، والتجارة والاستثمار في الشرق الأوسط.

رؤية الصين للشرق الأوسط تقوم على تعدد الأقطاب

وتشير الباحثة كاميل لونز إلى أنه لدى الصين رؤية لنظام متعدد الأقطاب في الشرق الأوسط يقوم على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والشراكة معها، وهي شراكة ستعمل فيها بكين على تعزيز الاستقرار من خلال «السلام التنموي»، بدلًا من الفكرة الغربية المتمثلة في «السلام الديمقراطي».

غير أن بكين من المرجح أن تكافح للحفاظ على روايتها حول الانخراط المحايد مع كل الأطراف، مع نمو المصالح الصينية في المنطقة المضطربة. سيكون هذا صحيحًا بشكل خاص إذا سرَّعت الولايات المتحدة بانسحابها الواضح من الشرق الأوسط، وهو توجه من المرجح أن يجبر الصين على حماية هذه المصالح نفسها.

قد لا ترغب الصين في تعزيز وجودها السياسي والأمني ​​في المنطقة، لكنها قد تشعر أنه ليس لديها خيار في هذا الشأن. وفي الوقت نفسه، فإن ارتباط الصين المتعمق مع البلدان على جانبي التنافس الشرس يمكن أن يجرها إلى نزاعات لا علاقة لها بأهدافها الأساسية.

حتى الآن، أبرمت الصين اتفاقيات شراكة مع 15 دولة من الشرق الأوسط، وتشارك في مهام مكافحة القرصنة والأمن البحري في بحر العرب وخليج عدن، وقد أجرت عمليات واسعة النطاق لإنقاذ رعاياها من ليبيا في عام 2011، واليمن في عام 2015.

وزادت من جهود الوساطة في الأزمات، مثل تلك الموجودة في سوريا واليمن، وإن كان ذلك بحذر، كما كان لها دور فعال في إقناع طهران بالتوقيع على الاتفاق النووي الإيراني، وعينت مبعوثين خاصين إلى دول في الشرق الأوسط التي في حالة صراع.

غير أن بكين تحرص بشدة على ألا تزيد انخراطها، إذ ما زالت تؤمن بأن الولايات المتحدة يمكنها تحمل مسؤولية إدارة الأمن في المنطقة. لكن بالنظر إلى سلسلة الأحداث الأخيرة في مضيق هرمز، التي زادت من التوتر بين إيران وخصومها الجيوسياسيين؛ فقد تضطر الصين إلى الاضطلاع بدور أمني أكبر لحماية حرية الملاحة الحاسمة لأمن الطاقة.

  1. التحديات الصينية للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط 

يرى جوناثان فولتون أن إعلان الصين مبادرة الحزام والطريق في عام 2013 كان إشارة إلى حدوث تغيير في دورها في الشرق الأوسط. تربط مبادرة الحزام والطريق بين الصين والدول عبر أوراسيا ومنطقة المحيط الهندي، وهي مبادرة السياسة الخارجية الأكثر أهمية التي اتخذتها البلاد منذ بروزها كقوة لها مصالح عالمية.

ونظرًا إلى أن الشرق الأوسط يعد منطقة مهمة بالنسبة لمبادرة الحزام والطريق، فقد أصبح نهج الصين تجاه المنطقة أكثر طموحًا وتعقيدًا في القضايا الاقتصادية والدبلوماسية، وبدرجة أقل القضايا الأمنية.

الرؤية والإجراءات وسياسة الصين العربية 

وتعلن وثيقة «الرؤية والإجراءات» المشار إليها أعلاه عن خمس أولويات للتعاون لتطوير العلاقات مع الدول التي تشارك في مبادرة الحزام والطريق: التنسيق السياسي، وربط المرافق والتجارة دون عوائق، والتكامل المالي والروابط بين الشعوب.

إن غياب التعاون الأمني ​​والعسكري في «الرؤية والإجراءات» يدعم الرواية الصينية بأن المبادرة تركز على التنمية، وليست جزءًا من استراتيجية جيوسياسية. وتماشيًا مع النهج الصيني السابق، توفر أولويات التعاون هذه خارطة طريق لتنمية علاقتها بالشرق الأوسط في السنوات القادمة.

أما «ورقة سياسة الصين العربية» التي صدرت لتتزامن مع أول رحلة رئاسية لشي جين بينج إلى الشرق الأوسط، فتلخص رؤية صينية للمنطقة. ومن الأمور الأساسية في ذلك نمط التعاون «1 + 2 + 3»، إذ يمثل الرقم 1 الطاقة بوصفها مصلحة أساسية، و2 بناء البنية التحتية وكذلك التجارة والاستثمار، ويمثل الرقم 3 الطاقة النووية، والأقمار الصناعية، ومصادر الطاقة الجديدة.

ويقول فولتون إن الصين تظل مشتريًا رئيسيًّا للنفط والغاز الطبيعي من مصدري الشرق الأوسط، ويمثل الشرق الأوسط أكثر من 40% من واردات الصين من النفط، كما أنه مورد رئيسي للغاز الطبيعي المسال في البلاد.

من المرجح أن تعتمد الصين اعتمادًا متزايدًا على الطاقة من المنطقة في السنوات المقبلة، إذ من المتوقع أن تزيد البلاد من استهلاكها للطاقة زيادة كبيرة، وأن ترفع إنتاجها المحلي رفعًا متواضعًا.

حماية طرق الملاحة

بالنسبة للصين، هناك اعتبار مهم يتمثل في الدور الرئيسي للولايات المتحدة في حماية طرق الملاحة في الشرق الأوسط التي تعد حيوية لواردات النفط الصينية.

أصبحت نقطة الضعف هذه أكثر وضوحًا خلال الحرب التجارية الصينية الأمريكية. مع قدرة منافستها الاستراتيجية الرئيسية على تهديد أمن الطاقة بهذه الطريقة، لدى الصين سبب آخر لتوسيع وجودها البحري عبر المحيط الهندي، وهي عملية يمكن أن تؤدي بدورها إلى وجود أمني صيني أكبر في الشرق الأوسط.

الإنشاءات والتجارة والاستثمارات 

تعد ممالك الخليج من المصادر الرئيسية لعقود إنشاء البنية التحتية للشركات الصينية، مثل استاد لوسيل في قطر ومصفاة ينبع السعودية وخط السكك الحديدية عالي السرعة الذي يربط جدة بمكة المكرمة والمدينة المنورة.

توفر برامج تطوير رؤية الخليج، والتي تشمل مشاريع البنية التحتية الكبرى، فرصًا لمزيد من التعاون. ومن المرجح أن تلعب الشركات الصينية دورًا كبيرًا في مشروعات إعادة الإعمار في العراق وسوريا واليمن، وفقًا لما يذكره فولتون.

يتابع جوناثان فولتون: كذلك زادت التجارة الصينية مع الشرق الأوسط زيادة هائلة في السنوات الأخيرة، مما جعل البلاد أكبر شريك تجاري في المنطقة. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، كان حجم التجارة بين الصين ودول الخليج أقل قليلًا من 197 مليار دولار عام 2017.

وفي عام 2016، أصبحت الصين أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي في الشرق الأوسط. وقد اكتسبت المشروعات التي تربط برامج التنمية المحلية في الصين مع مبادرة الحزام والطريق أهمية أكبر في علاقاتها الثنائية، في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

الطاقة النووية

كان يُنظر إلى الطاقة النووية ذات يوم على نطاق واسع على أنها إحدى نقاط القوة الغربية، لكن عقد كوريا الجنوبية مع الإمارات العربية المتحدة لبناء محطة «براكة» يدل على أن المجال أصبح أكثر تنافسية.

تحاول الشركات الصينية أيضًا دخول هذا السوق في الشرق الأوسط، وتُعد المملكة العربية السعودية عميلًا محتملًا مهمًّا؛ إذ استكشفت منذ فترة طويلة إمكانية وجود مفاعلات نووية تجارية مصدرًا للطاقة المحلية.

وفي مسعاها لدخول السوق، وقعت شركة مجموعة الهندسة النووية الصينية مذكرة تفاهم مع شركة سعودية لتحلية مياه البحر باستخدام المفاعلات النووية المبردة بالغاز.

ويمضي فولتون إلى ذكر أنه كجزء من «طريق الحرير الرقمي»، تشكل الأقمار الصناعية أولوية أخرى للصين في الشرق الأوسط. ويستخدم نظام الملاحة الفضائية الصيني في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إذ يحتوي على تطبيقات في الاتصالات السلكية واللاسلكية، والأمن البحري.

دخلت شركات الاتصالات في البحرين، ومصر، والكويت، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة في شراكة مع شركة هواوي لبناء شبكات الجيل الخامس.

انخراط عسكري بطيء

إن الافتقار النسبي للالتزامات الأمنية في المنطقة – مقارنة بالولايات المتحدة– يمكن أن يخلق انطباعًا بأن الصين لا تقف إلى أي جانب في المنافسات الإقليمية، أو تؤثر في التوازن لصالح أي من شركائها. ولكن مع استمرار انخراط الصين الاقتصادي والدبلوماسي في الشرق الأوسط، يبدو أن التعاون الأمني ​​سوف يأتي قريبًا.

وكانت هناك خطوات جديدة في هذا الاتجاه، إذ بدأت بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني في زيارة الموانئ في شبه الجزيرة العربية جزءًا من المهمة الدولية لمكافحة القرصنة في خليج عدن، مما أعطى ضباط البحرية الصينية الفرصة لتطوير العلاقات مع نظرائهم العرب.

كما ساهمت الصين بحفظ السلام التابع للأمم المتحدة في لبنان منذ عام 2006. وهناك زيادة في أعمال المتعاقدين الأمنيين الصينيين من القطاع الخاص في الشرق الأوسط، جزءًا من الرد على المشاركة الصينية العميقة مع البلدان المتأثرة بالصراع، مثل العراق.

ويلفت جوناثان فولتون إلى زيادة مبيعات الأسلحة الصينية إلى الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، حتى لو أنها ما تزال ضئيلة مقارنة بمبيعات الدول الغربية. كان معظم نجاح الصين في تلبية الطلبيات التي لا تستطيع الولايات المتحدة تلبيتها بسبب إشراف الكونجرس، في مجالات مثل الطائرات المسلحة بلا طيار وأنظمة الصواريخ الباليستية.

كيف تسعى الولايات المتحدة إلى مواجهة خطة «طريق الحرير الجديد» الصينية؟

  1. نهج الصين تجاه الشرق الأوسط: التنمية قبل الديمقراطية

أما ديجانج سون الأستاذ بمعهد الدراسات الدولية بجامعة فودان الصينية، فيقول إنه لسنوات عديدة بعد انتهاء الحرب الباردة، عدت الصين الشرق الأوسط وشمال إدأفريقيا مجزأة وغير مهمة؛ بسبب عدم استقرارها السياسي الشديد. ومع ذلك، منذ عام 2013، عدت الصين منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين الأصول الأساسية لتعزيز مكانتها كقوة عالمية.

بالتالي، فإن موقف بكين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتحول عن جني الفوائد الاقتصادية مع تجنب التشابك السياسي والمشاركة المتعددة الأبعاد التي تغطي جميع المصالح، وإن كان ذلك بطريقة حذرة. وفي السنوات القادمة، ستزيد الصين تدريجيًّا من وجودها السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع احتلال التعاون الاقتصادي لصلب هذا الجهد.

ويرى ديجانج أنه في نواح كثيرة، فإن العلاقة بين الصين ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي بمثابة حالة من التحوط ضد الهيمنة الأمريكية. من خلال التأكيد الاستراتيجي والمرونة السياسية، تريد بكين أن تُظهر للشعب الصيني، من الناحية الدبلوماسية، أن الصين لم تعد تابعًا، بل قوة عالمية محترمة، يمكنها الحفاظ على توازن استراتيجي إزاء أوروبا، وروسيا، والولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وساحات العالم.

مصالح الصين في المنطقة

ولدى الصين عدة مصالح مهمة في المنطقة، والتي تأتي في مقدمتها الحفاظ على علاقات قوة كبرى يمكن التنبؤ بها من أجل تعزيز نفوذها السياسي. وتفضل الصين تعدد الأقطاب بدلًا من القطب الوحيد في الشرق الأوسط.

وتتعلق المصلحة الرئيسية الثانية بدعمها المبدئي لسيادة الدول وسلامة أراضيها، وتريد الصين تعزيز هذه السياسة من خلال موقعها في مجلس الأمن إلى حد كبير، لضمان الالتزام الدولي على نطاق أوسع بهذه المعايير.

وتتعلق مصلحة الصين الثالثة بروابطها التجارية، والتي تشمل الطاقة والتجارة والاستثمار. وهناك تقارب بين مشروعات مبادرة الحزام والطريق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تقع على مفترق طرق بين أفريقيا، وآسيا، وأوروبا.

لحماية كل هذه المصالح، اعتمدت الصين على أربعة تدابير: دبلوماسية الوساطة، وتوسيع شراكاتها السياسية مع بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المحورية، ونشر قوات حفظ السلام، وتعميق التعاون الاقتصادي.

دبلوماسية الوساطة

ويضيف ديجانج: أتاحت الحروب التي طال أمدها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لبكين فرصة مهمة لتعزيز مكانتها قوةً عالمية من خلال حل النزاعات. ورشحت الصين الآن مبعوثين خاصين للشؤون الأفريقية (السودان)، وعملية السلام في الشرق الأوسط (إسرائيل– فلسطين)، والصراع الأفغاني، والحرب السورية.

المبعوثون الصينيون هم بشكل عام أكثر براجماتية وصبرًا من نظرائهم الأوروبيين والأمريكيين، الذين يبحثون عن حلول إضافية للمشاكل الشائكة، وإن كان ذلك من خلال استجابات قد تكون سلبية وغير فعالة في بعض الأحيان.

الشراكات الاستراتيجية

تختلف شراكات الصين الإقليمية عن شراكات التحالف الغربي: فالأولى تسعى إلى تعاون سياسي مرن يعتمد على الروابط السياسية غير الرسمية، بينما تستهدف الأخيرة في الغالب الأعداء الخارجيين على أساس معاهدات الدفاع. منذ عام 2013، أنشأت الصين تدريجيًّا شبكة شراكة عالمية متعددة الأبعاد تضم القوى العظمى والدول المجاورة والبلدان النامية، بالإضافة إلى المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، وفقًا لما يذكره ديجانج.

ويتابع ديجانج: ترحب الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عموما بالشراكات مع بكين؛ لأنها تعاملهم على قدم المساواة وليس شركاء صغارًا أو وكلاء استعماريين. إلى جانب سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وعدم الانحياز ورفض الدخول في حروب بالوكالة، بقيت الصين على علاقة طيبة مع جميع الأطراف المتصارعة – بما في ذلك إيران والسعودية والدول العربية وإسرائيل والجزائر والمغرب– لأن شراكاتها لا تضر أو ​​تستفز الأطراف الثالثة.

الجوانب العسكرية

غين أن الصين، وفقًا لما يورده ديجانج، ليس لديها سوى أصول عسكرية قليلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، قامت الولايات المتحدة بنحو 54% من عمليات نقل الأسلحة إلى المنطقة بين عامي 2014 و2018، وروسيا 9.6%، وفرنسا 8.6%.

وبالمقارنة، كانت حصة الصين ضئيلة، أقل من 5%. ومع ذلك، زادت مبيعات الأسلحة الصينية إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة. ويجرى تصنيع الطائرات بدون طيار في السعودية ونشرها في مصر والعراق لأغراض مكافحة الإرهاب.

بصفتها أكبر مستثمر أجنبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تعد الصين المنطقة سوقًا. وفقًا لوزارة التجارة الصينية، في عام 2018، بلغت تجارة الصين مع 22 دولة عربية 244.3 مليار دولار، والتجارة الصينية الإيرانية حوالي 36 مليار دولار.

التجارة بين الصين وإسرائيل 13.9 مليار دولار، والتجارة الصينية التركية 21.6 مليار دولار. وقعت الصين عقود استثمار بقيمة 33 مليار دولار مع الدول العربية في عام 2017. واليوم، هناك أكثر من مليون صيني مقيم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعمل أو الدراسة، أو في رحلات الحج.

التنمية تأتي قبل الديمقراطية

إن منطق الصين، بالنسبة لجميع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في أن التنمية أكثر أهمية من الديمقراطية،  ينعكس في نهجها الموجه نحو التنمية. تعتقد بكين أن المجتمع الدولي يجب أن يقدم مساعدة اقتصادية تحتاجها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بدلًا من تصدير الديمقراطية غير الملائمة لها.

على الرغم من وجود أساليب مختلفة، يمكن أن يكون لدى الصين والقوى الغربية أهداف نهائية متشابهة في المنطقة، ويمكن أن تتوصل إلى طرق للالتقاء بها: هدفهم المباشر هو التنمية، التي ستضع الأساس لهدف الغرب الطويل الأجل المتمثل في إقامة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ويوضح ديجانح أن لدى بكين نظرة سلبية إلى الممارسات الغربية لسياسات التحالف ومجالات النفوذ والعقوبات الاقتصادية. إنها تعارض تغيير النظام وترفض الحجة القائلة بأن بعض الحكومات في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي مزقتها الحرب شر، أو أنها مثيرة للمشكلات.

تؤكد بكين أن جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شركاء في حوار حول الحلول الشاملة للنزاعات. تحاول الصين ترسيخ مكانتها كقوة عالمية عن طريق التمسك بهذه المعايير.

التعاون في تخفيف حدة النزاعات

تعتقد الصين أنه يجب على القوى الأخرى أن تتخلى عما تعده عقلية الحرب الباردة لإقامة نظام أمني جديد قائم على تقاسم الأعباء والمنفعة العامة، وبالتالي تعزيز السلام والتنمية المستدامين.

نظرًا إلى أنها تسعى لإقامة شراكات مع قوى أخرى، فمن المرجح أن تعزز الصين تعاونها مع الاتحاد الأوروبي في السعي إلى تخفيف حدة النزاعات في إسرائيل، وفلسطين، وليبيا، وسوريا، واليمن، ومعالجة القضية النووية الإيرانية.

ولأن القوى التقليدية فقدت بعض اهتمامها بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن الصين لا تعتقد أنها ستكون قادرة على الحفاظ على نهجها المحدود تجاه المنطقة لفترة أطول بكثير.

وبالتالي، سوف تستكشف قنوات للدفاع عن مصالحها التجارية وبناء علاقات قوى كبرى وتعاونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. قد يتحول موقف الصين من المنطقة تحولًا كبيرًا في السنوات القادمة.

  1. سياسة مجلس التعاون الخليجي تجاه الصين: التحوط ضد انعدام اليقين 

يشير ناصر التميمي،  وهو باحث سياسي واقتصادي يقيم في لندن، ويركز على الطاقة والعلاقات العربية الآسيوية، إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي الستة – البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة– تبنت تحولًا في سياساتها الخارجية خلال العقدين الماضيين، من خلال توجيه المزيد من الاهتمام لشرق آسيا. وجزء من هذه السياسة، التركيز على الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، ورابطة دول جنوب شرق آسيا.

حدث هذا التحول إلى حد كبير بسبب عاملين رئيسيين. الأول هو أن الصعود الاقتصادي المذهل للصين على مدى العقود الثلاثة الماضية أدى إلى زيادة حادة في الطلب على الطاقة في البلاد.

في هذه العملية، أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي مركز الثقل للنشاط الاقتصادي الصيني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. دول الخليج عازمة على زيادة تعزيز هذه الروابط الاقتصادية.

العامل الثاني يعكس عدم اليقين المتزايد لدول مجلس التعاون الخليجي بشأن مسار علاقاتها مع الولايات المتحدة – خاصة بالنظر إلى التوتر المتزايد بين واشنطن والرياض بعد أحداث 11 سبتمبر، وكذلك رد فعل إدارة أوباما تجاه الانتفاضات في الدول العربية.

قلق الخليج من السياسة الأمريكية 

ويرى التميمي أنه على المستوى الإقليمي، تشعر دول الخليج العربية – وخاصة السعودية والإمارات– بالقلق من أن اتفاقية نووية جديدة بين الولايات المتحدة وإيران ستجعل طهران أكثر ميلًا لتأكيد ذاتها.

القضية الأخرى التي تقلقهم هي فشل واشنطن في وقف برنامج طهران النووي. إن مخاوفهم من أن تتخلى الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط هي حقيقية في ظل إدارة ترامب بقدر ما كانت في ظل سلفه.

اتساع مصالح الصين في الخليج 

لكونها قوة اقتصادية عظمى، فإن لدى الصين دورًا أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية لدول الخليج، إذ زاد نطاق مصالح الصين في الخليج في السنوات الأخيرة، من التركيز الضيق على تجارة المواد الهيدروكربونية إلى الاستثمارات واسعة النطاق في مجالات الطاقة والصناعة، والتمويل، والنقل والاتصالات وغيرها من التقنيات.

وتضاعفت التجارة الثنائية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي إلى ما يقرب من 163 مليار دولار. ومن المتوقع أن تنمو أكثر في السنوات المقبلة.

تعد الصين الآن الشريك الاقتصادي الأول لدول مجلس التعاون الخليجي، وأكبر شريك تجاري للكويت، وعمان، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة.

ومن المقرر أن توسع المملكة العربية السعودية حصتها في سوق الطاقة الصيني للمرة الأولى منذ عام 2012. ويعزى ذلك إلى الاتفاقيات الجديدة التي أبرمتها أرامكو السعودية مع الشركات الصينية؛ لزيادة حجم الإمدادات من النفط الخام إلى الصين.

جعلت الصفقات الصين أكبر سوق لصادرات النفط السعودية، متجاوزة الولايات المتحدة واليابان لأول مرة في التاريخ. وقد تتفوق السعودية قريبًا على روسيا لاستعادة لقب أكبر مورد للنفط الخام للصين.

استراتيجية الصين الإقليمية

ويتابع التميمي: تدرك دول الخليج أن النمو الاقتصادي للصين يمكن أن يترجم في النهاية إلى زيادة القوة العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يسمح لها بتبني سياسات أكثر حزمًا في السعي لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.

مع نمو قدرات الصين وزيادة اعتمادها على النفط من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من المرجح أن تستخدم بكين جيشها لتعزيز هذه المصالح الحيوية وحمايتها في العقود المقبلة.

ترحب دول الخليج بحذر باحتمال الدور الصيني المتزايد في المنطقة، رغم أنها تريد التأكد من أن الصين ما زالت مستثمرة في حماية مصالحها. إنهم يريدون من الصين أن تقدم لهم في نهاية المطاف ترتيبًا أمنيًّا بديلًا ممكنًا للترتيبات التي توفرها الولايات المتحدة، سواء بشكل فردي، أو من خلال مبادرة متعددة الأطراف.

القوة الاقتصادية للصين ومقعدها في مجلس الأمن يضمنان اتساع نفوذها

إن القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية للصين، إلى جانب مقعدها الدائم في مجلس الأمن، تضمن أن نفوذها العالمي سيزداد مع مرور الوقت. وهذا هو السبب في أن دول مجلس التعاون الخليجي تعد الصين مصدرًا مهمًّا للدعم السياسي، خاصةً عندما تشرع في برامج التنويع والإصلاحات الاقتصادية، بينما تقاوم الضغوط الغربية على قضايا مثل حقوق الإنسان والديمقراطية.

عزز صمت الصين بشأن اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية إسطنبول في المملكة العربية السعودية العام الماضي اعتقاد دول الخليج بأن نظرتها إلى العالم تتواءم بشكل أوثق مع نظيرتها في بكين، مقارنة بنظيراتها في الغرب منذ أمد بعيد.

ويستطرد التميمي أنه على نطاق أوسع، إذا فقدت دول الخليج مثل السعودية ثقتها في الولايات المتحدة للدفاع عن مصالحها – ربما بسبب فشل واشنطن في وقف البرنامج النووي الإيراني– فمن المرجح أن تبدأ برامجها النووية الخاصة أو الحصول على صواريخ باليستية متقدمة.

رغم عدم وجود دليل على أن السعودية تتبع هذا الخيار، فإن الصين وباكستان من بين الدول التي من المحتمل أن تتعاون معها في هذا الجهد.

غير أن التعاون العسكري بين الصين ودول الخليج ما يزال في مراحله الأولى، وتمتلك بكين قدرة محدودة على التنافس مع موردي الأسلحة الغربيين.

في الواقع، تقتصر العلاقات الأمنية الصينية مع دول مجلس التعاون الخليجي على التدريبات المشتركة، والتعاون في مكافحة الإرهاب، ومبيعات بعض أنظمة الأسلحة، والإنتاج المشترك للطائرات بدون طيار.

بين عامي 2013 و2017، باعت الصين معدات عسكرية بقيمة 10 مليارات دولار – بما في ذلك الطائرات بدون طيار المسلحة والصواريخ الموجهة بدقة وأنظمة الصواريخ الباليستية– إلى دول الشرق الأوسط.

الصين لم تصل بعد إلى القدرة على أداء دور أمريكا أمنيًا وعسكريًّا 

ووفقًا لما يذكره الباحث فإن صناع القرار في دول مجلس التعاون الخليجي لا يعتقدون أن لدى الصين القدرات العسكرية واللوجستية (وربما الإرادة السياسية) لتوفير بديل موثوق لمظلة الأمن الأمريكية في الخليج.

نشرت الولايات المتحدة عشرات الآلاف من القوات في المنطقة، وتحتفظ بقواعد في كل دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء المملكة العربية السعودية، وكذلك في أفغانستان، والعراق، والأردن، وتركيا، وسوريا.

من منظور دول الخليج العربية، تظل المظلة الأمنية التي توفرها الإرادة العسكرية الأمريكية، على الرغم من عدم اليقين المتزايد في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، حاسمة للحفاظ على السلام والاستقرار داخل الخليج وفي الدفاع عن مصالحها الإقليمية الأوسع لسنوات قادمة.

غير أنه مع استمرار صعود الصين على المدى الطويل، ما يزال هناك احتمال بحدوث تحول جيوسياسي أكثر شمولًا في منطقة الشرق الأوسط. ومن المرجح أن تنظر دول الخليج العربية بجدية في الترتيبات الأمنية السياسية المتعددة، خاصة إذا انسحبت الولايات المتحدة جزئيًّا من الشرق الأوسط، أو اشتد التوتر بين واشنطن وعواصم دول مجلس التعاون الخليجي.

*تعريف بالكُتَّاب :

كاميل لونز باحثة بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، تعمل بمكتب الشرق الأوسط في البحرين.

جوناثان فولتون: أستاذ مساعد العلوم السياسية في جامعة زايد في أبوظبي.

ديجانج سون: أستاذ بمعهد الدراسات الدولية في جامعة فودان.

ناصر التميمي: باحث سياسي واقتصادي، يقيم في لندن ويركز على الطاقة والعلاقات العربية الآسيوية.

***رابط المقال الأصلي : 

China’s great game in the Middle East 

الكاتب  Camille Lons, Jonathan Fulton, Degang Su, Naser Al-Tamimi 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى