ترجمات أجنبية

المجلس الأطلسي – داني سيترينوفيتش – عدم تمكن إسرائيل من القضاء على برنامج إيران النووي

المجلس الأطلسي –  بقلم داني سيترينوفيتش* – 20/12/2021

في الأسابيع الأخيرة، تكثفت تصريحات مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين حول ضرورة الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية. ثمة حاجة واضحة لدى إسرائيل لردع إيران وإجبارها على إيقاف تقدمها النووي، وإرسال إشارة إلى إدارة جو بايدن على أهمية اتخاذ خطوات عملية لوقف تقدم إيران النووي.

ومع ذلك، إلى جانب التحديات العملياتية التي تعترض تنفيذ مثل هذا الهجوم العسكري، لا سيما بالنظر إلى تكديس القوات الإيرانية لوحدات صواريخ “أرض-جو”، التي تعتمد بشكل أساسي على أنظمة صواريخ “أس-300” الروسية وأنظمة محلية الصنع مثل “بافار 373″، والجيل الثالث من “خورداد”- ثمة تحديات مهمة أخرى وأكثر استراتيجية تواجه إسرائيل في هذا الصدد.

على النقيض من العراق وسورية، اللتين كانت لدى كل منهما برامج نووية تعتمد على مفاعل نووي واحد، والتي دمرتها إسرائيل في العامين 1981 و2007، على التوالي، يعتمد البرنامج الإيراني على منشأتي تخصيب لامركزيتين ومحميتين بدرجة عالية. وعلاوة على ذلك، في حين كانت فرنسا قد أنشأت البنية التحتية النووية للعراق، وقامت كوريا الشمالي بإنشاء البنية التحتية لمفاعل سورية، فقد تمكنت إيران على مر السنين -بعد مساعدة أولية من العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان- من بناء برنامج يعتمد على معرفة العلماء النوويين الإيرانيين. وبعبارات أخرى، فإنه حتى لو تم تدمير المواقع النووية الإيرانية، فإن المعرفة النووية المحلية ستمكن العلماء الإيرانيين من إعادة بناء البرنامج النووي بسرعة.

إضافة إلى ذلك، وخلافًا للهجمات الإسرائيلية على البرنامجين النوويين العراقي والسوري، والتي لم تثر أي رد، فإن إيران ووكلاءها الإقليميين سيردون على أي هجوم يُشن على إيران. وبعبارات أخرى، فإن مبلغ الـ1.5 مليار دولار الممنوح لجيش الدفاع الإسرائيلي استعدادًا لضربة عسكرية محتملة ضد إيران لن يكون سوى بداية التكاليف التي ستترتب على إسرائيل، لأن رد “محور المقاومة” ستكون له عواقب وخيمة على دولة إسرائيل.

الخلاصة هي أنه على عكس الهجمات الإسرائيلية السابقة على المنشآت النووية، فإن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية لا يتعلق فقط بالقدرة على ضرب مواقع شديدة التحصين واستيعاب رد إيراني لمرة واحدة. إنه يتعلق أيضًا بشن حملة صعبة -ربما لا يمكن تحمل تبعاتها- ضد المكونات الأخرى لمحور المقاومة، مثل جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة، التي حسنت قدراتها بشكل كبير في السنوات الأخيرة.

من الخطأ افتراض أن إيران يمكن أن تدّعي “الإنكار المعقول” إذا تعرضت منشآتها لغارة جوية وأنها لن تلقي باللوم على إسرائيل في مثل هذا الهجوم، لا سيما في الأجواء الحالية التي يسيطر عليها المتشددون الإيرانيون بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً للبلاد في حزيران (يونيو)، والذي يعرب مسبقاً عن الرغبة في الرد على الأعمال الإسرائيلية ضد بلده، مثل تخريب المنشآت النووية واغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده.

بعبارات أخرى، يراهن السياسيون الإسرائيليون على توجيه ضربة عسكرية يكون من شأنها، على الأكثر، أن تؤخر برنامج إيران النووي -بدلاً من تسريع التعزيز الإضافي للقوة النووية الإيرانية من دون إشراف وقيود دولية- والتي تضع إسرائيل أيضًا في حرب صعبة للغاية على جبهتها الشمالية. وبالنظر إلى التوترات الحالية بين إسرائيل وإيران، فإن التصريحات التي ليس لها تأثير على استراتيجية إيران تدفع الأطراف إلى صراع غير مرغوب فيه فحسب.

من حق إسرائيل، بطبيعة الحال، أن تقلق من وجود برنامج نووي في أيدي دولة تدعو صراحة إلى تدميرها، لكنها يجب أن تكون واقعية أيضاً. يجب أن يبقى الخيار العسكري مُدخراً للتعامل مع حالة تقرر إيران فيها رسمياً تطوير قنبلة نووية. ووفقًا للمخابرات الإسرائيلية -وحتى مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وليام بيرنز- فإن مثل هذا السيناريو ليس مطروحًا على الطاولة اليوم أمام قيادة الجمهورية الإسلامية.

إذن، ما الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله؟ يجب على إسرائيل أن تقود المعركة ضد إيران من الخلف. أي أن تدع المجتمع الدولي يقود الحملة لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية والتركيز على العمل مع إدارة بايدن والقوى العالمية الأخرى لبناء استراتيجية شاملة -على سبيل المثال، التشديد المستمر لنظام التفتيش الذي تقوم به الوكالة الدولية للطاقة الذرية- الذي سيضمن بقاء برنامج إيران النووي مدنيًا بطبيعته. وهذا مهم بشكل خاص بالنظر إلى أن إيران، وفقًا لرئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق، تامير هايمان، تقف على بعد عامين على الأقل من الحصول على قنبلة.

خلاصة القول هي أنه لن يتمكن حتى هجوم ناجح على المواقع النووية الإيرانية من حل المشكلة. سوف تؤدي الضربة، في أحسن الأحوال، إلى تأخير برنامج إيران أو دفععها إلى إعادة بناء البرنامج بشرعية دولية. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن تؤدي إلى تصعيد حاد قد يكون ثمنه، من منظور القدرات العسكرية لوكلاء إيران، غير قابل للتسامح معه.

أخيرًا، من الخطأ أن تعتقد إسرائيل أنها ستحظى بدعم دولي لمثل هذا الإجراء. ويقر العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة -من خلال “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231- بأن إيران يمكنها تخصيب اليورانيوم على أراضيها بما أن ذلك يخضع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولأغراض سلمية. وهكذا، لم يعد النهج الإسرائيلي المتمثل في “التخصيب الصفري” لإيران واقعيًا. وبما أن إيران لا تصنع قنبلة نووية، وطالما ظلت هذه المواقع خاضعة للمراقبة، فلن تدعم أي دولة هجومًا إسرائيليًا -ولا حتى الولايات المتحدة نفسها.

إضافة إلى ذلك، يتعين على المسؤولين الإسرائيليين أن يضعوا في اعتبارهم أن مجرد التهديد بضربة عسكرية قد يدفع إدارة بايدن للعودة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة” -ضد المصالح الأميركية- لأن الولايات المتحدة تخشى على الأرجح أن يجبرها هجوم إسرائيل على إيران وما ينجم عنه على أن تعيد ضبط خططها الرامية إلى تقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط. ومن الضروري الاعتراف بحقيقة أنه لا يوجد حل سحري لبرنامج إيران النووي، لا سيما عن طريق هجوم ربما كان سيفعل شيئاً قبل عقد من الزمن، عندما كان البرنامج الإيراني ما يزال أقل تقدمًا.

بالنسبة لإسرائيل، لا توجد خيارات جيدة، وإنما خيارات سيئة فحسب. وقد نتج ذلك عن تبني سياسة فاشلة تجاه إيران دفعتها حكومة بنيامين نتنياهو وإدارة دونالد ترامب بذرائع كاذبة. وفي وقت لاحق، نفذت إسرائيل السياسات والإجراءات الأخرى -على سبيل المثال تخريب المنشآت النووية واغتيال العلماءـ الأمر الذي دفع إيران إلى المضي قدمًا في خططها بمعدل أسرع فحسب، بدلاً من تأخير برنامجها النووي.

* داني سيترينوفيتش –   خدم لمدة خمسة وعشرين عامًا في مجموعة متنوعة من المناصب القيادية في وحدات استخبارات الدفاع الإسرائيلي، بما في ذلك منصب رئيس فرع إيران في قسم البحث والتحليل في استخبارات جيش الدفاع الإسرائيلي، وممثل الوحدة في الولايات المتحدة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى