اللواء محمود الناطور يكتب – تنظيم القاعدة .. استراتيجية جديدة وقوة متنامية – الحلقة الثانية عشر
بقلم اللواء محمود الناطور
تنافس امريكي – سعودي للقبض على بن لادن
مطلع شهر (6/1998) كان الشيخ اسامه بن لادن يقيم في مجمع مزارع “تارناك” بمدينة قندهار الذي تبلغ مساحته مئات الدونمات، وسبق ان أنشأته الحكومة الافغانية كتعاونية زراعية محاطة بسور ارتفاعه عشرة اقدام ، وفي داخل المجمع الزراعي (80) مبنى بعضها من طابق واحد والبعض الآخر من طابقين، ويضم المبنى منشآت للتخزين وجامع للصلاة وعيادة طبية، ويبعد مجمع “تارناك” عن مطار قندهار اكثر من ميل فيما تبعد الاسواق التجارية عنه مسافة نصف ساعة بالسيارة.
وقد كانت المخابرات المركزية الامريكية والمخابرات السعودية على علم ودارية بتواجد مسكن الشيخ اسامه في ذلك المجمع ، حيث كانت المخابرات المركزية الامريكية تعد خطة لمهاجمة المجمع واعتقال الشيخ اسامه ، في حين كانت المملكة العربية السعودية راغبة في اقناع الملا محمد عمر امير الامارة الاسلامية الافغانية الطالبانية بتسليم الشيخ اسامه اليها او طرده من افغانستان ، وفي الاسبوع الثاني من شهر (6/1998) قرر رئيس الاستخبارات السعودية الامير تركي الفيصل القيام بزيارة الى قندهار لمقابلة الملا محمد عمر واقناعه بتسليم او طرد الشيخ اسامة من افغانستان.
وخلال تحليق طائرة الامير تركي الفيصل فوق مطار قندهار راقب جوا مجمع “تارناك” الزراعي حيث يسكن الشيخ اسامه ، وكان يجلس الى جانبه وزير الشؤون الاسلامية والاوقاف السعودي، وبعد هبوط طائرة الامير كان في استقباله حشد كبير من قادة حركة طالبان حيث اصطحبوه لمقابلة الملا محمد عمر الذي يقابله للمرة الاولى.
تحدث الامير تركي الفيصل حول خطابات وتصريحات الشيخ اسامه بن لادن المنددة بالمملكة العربية السعودية وشرح ما ارتكبه من اعمال ضد المصالح السعودية ودعواته لاسقاط نظام الحكم في السعودية الذي يضطلع بمسؤوليات كبيرة تجاه المسلمين في جميع ارجاء العالم، وبعد ذلك طلب طرد الشيخ اسامه من الاراضي الافغانية او تسليمه للسعودية .
طلب الملا محمد عمر فيما يبدو انها ايحاء بالاستجابة لطلب الامير تركي تشكيل لجنة مشتركة من علماء الدين لايجاد طريقة لمحاكمة الشيخ اسامه وفقا للشريعة الاسلامية، وقد اعتبر الامير تركي هذا الطلب سيحفظ ماء وجه حركة طالبان ، لكنه اصر على الملا محمد عمر بالاجابة الصريحة قائلا: هل توافق على مبدأ تسليم هذا الرجل ..؟ فأجاب الملا محمد عمر” ليطمئن الملك وولي العهد بأنني موافق” !! (نقلا عن مقابلة اجراها الامير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية مع محطة “ايه. بي. سي. نيوز” ضمن برنامج Nightline يوم 10/12/2001).
شكك بعض المحللين في مركز مكافحة الارهاب التابع للمخابرات المركزية الامريكية في ان تكون زيارة الامير تركي الفيصل “محاولة صادقة” لاعتقال الشيخ اسامه ، وقد عكست شكوكهم انهيار الثقة المتبادلة ولا سيما مع مكتب مكافحة الارهاب الذي لم يقدم أي دليل على التشكيك بنوايا الامير تركي الفيصل واثارتهم لأقاويل حول مقابلة مزعومة مع الشيخ اسامه خلال تلك المرحلة.
لكن تقدير كاتب الحلقات هو ان المخابرات الامريكية كانت تهدف من وراء التشكيك بنوايا الامير تركي الفيصل “احباط” المساعي السعودية لمحاصرة الشيخ اسامه او دفع حركة طالبان لتسليمه، ذلك ان ادارة الرئيس بيل كلينتون كانت اعطت تعليمات مشددة للمخابرات المركزية الامريكية ومركز مكافحة الارهاب بأن يتولى الامريكيون مهمة القاء القبض على الشيخ اسامه للتأكيد على هيبة الولايات المتحدة الامريكية.
وكنتيجة لمباحثات الامير تركي الفيصل مع الملا محمد عمر زار وفد من حركة طالبان خلال شهر (7/1998) العاصمة السعودية الرياض واجرى مباحثات حول كيفية طرد الشيخ اسامه من افغانستان، وعاد الوفد الى قندهار ولديه عدة مقترحات بهذا الشأن ، لكن الامور توقفت عند هذا الحد فلم يتلق الامير تركي الفيصل ردا من الملا محمد عمر في حين كان الشيخ اسامه قد انهى التحضيرات لتفجير السفارتين الامريكيتين في نيروبي ودار السلام .

