#أقلام وأراءشؤون إسرائيلية

اللواء محمود الناطور والدكتور يوسف يونس: حرب غزة ما بين الصراع الديموغرافي واهداف التهجير الإسرائيلية

اللواء محمود الناطور والدكتور يوسف يونس، مركز الناطور للدراسات 1-7-2024: حرب غزة ما بين الصراع الديموغرافي واهداف التهجير الإسرائيلية

الخلاصة:

  • عبر مختصون اسرائيليون لسنوات طويلة عن مخاوفهم من “الخطر الديموغرافي”، وزيادة عدد الفلسطينيين عن عدد اليهود في ارض فلسطين التاريخية، واظهرت المعطيات في نهاية 2021 تساوي الفلسطينيون واليهود، فقد بلغ عدد السكان الفلسطينيين 6.976.481 (2.849.974 في الضفة الغربية، 2.136.507 في قطاع غزة، و1.990.000 من مواطني إسرائيل العرب الفلسطينيين والقدس الشرقية. أما عدد اليهود فقد بلغ 6.982.000، وتوقع نائب رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية، أوري مينديز، في تقرير قدمه إلى لجنة الكنيست، أن يصبح عدد السكان الفلسطينيين في العام 2050 أكثر من 13 مليون مقابل 10.6 مليون يهودي، وهو الامر الذي اعتبره بمثابة “انقلاب” يقوض المشروع الصهيوني.
  • راهنت اسرائيل على حسم هذا الصراع اعتمادا على قدرتها على تهجير السكان الفلسطينيين، واستبعاد الكتلة السكانية الفلسطينية في قطاع غزة من هذا التوازن الديموغرافي عندما قامت اسرائيل بالانسحاب من قطاع غزة ، الذي أدى الى الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ومهد الطريق امام تدمير امكانية قيام الدولة الفلسطينية.
  • جاءت احداث السابع من اكتوبر لتعيد الكتلة السكانية الفلسطينية في قطاع غزة الى قلب معادلة الصراع، ما اعاد التفكير الى ضرورات التخلص من هذه الكتلة السكانية بالحرب المدمرة والتي تحمل في مضمونها الابادة الجماعية وصولاً الى التهجير، للحفاظ على الطابع اليهودي للدولة، وهو الهدف الرئيس من مجريات الحرب الدائرة في غزة، والذي تؤكده احصاءات الحرب الحالية في قطاع غزة، والذي سيكون نموذجاً للحرب المقبلة في الضفة الغربية.
  • ارتكزت استراتيجية الحكومة الاسرائيلية الحالية، على “حسم الصراع” وفرض أمر واقع، يقضي على حل الدولتين، وقامت بتصعيد هجمات قوات الاحتلال والمستوطنين في الضفة الغربية، وتسارعت وتيرة الاستيطان ومصادرة الاراضي، وتزامنت مع حرب الابادة على قطاع غزة، في إطار السعي لخلق الظروف الميدانية التي تؤدي الى إجبار الفلسطينيين الى الهجرة، ما يؤدي الى استعادة التوازن الديموغرافي اليهودي في ارض فلسطين الانتدابية، والقضاء على حل الدولتين، واقامة “دولة واحدة مع تفوّق ديموغرافي يهودي”. وقوبلت تلك المخططات بتحذيرات استخبارية، من أنها ستشكل تهديداً استراتيجياً لإسرائيل، قد يضطرها الى إعادة اعادة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيفاقم الصراعات الدينية والقومية، وسيقوض الميزان الديموغرافي، وسيؤدي الى الانصهار العرقي بين اليهود والفلسطينيين في دولة واحدة، وسيحول اسرائيل الى “دولة فصل عنصري”، معزولة دولياً.
  • احدثت الحرب على غزة حالة من الاجماع في صفوف الاسرائيليين فيما يتعلق بإستراتيجيات الحرب واهدافها، مع بعض الاختلافات فيما يتعلق بالأولويات، حيث يحظى هدف عدم إقامة الدولة الفلسطينية، بإجماع كافة الاطياف السياسية في اسرائيل تقريباً، وتتمحور الخلافات حول “اليوم التالي للحرب”، ويواصل نتنياهو المراوغة، مستنداً الى المزاج النفسي للمجتمع الإسرائيلي الذي شعر بتهديد وجودي، وسيواصل الحرب مع التركيز على استخدام سياسة التجويع، التدمير والقتل، وصولاً الى الهدف الاهم في المعركة وهو تهجير غالبية الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
  • تتسم عمليات قوات الاحتلال بالبطء الشديد، حيث تحاول إطالة أمد الأزمة، لإيقاع المزيد من الدمار، لدفع المزيد من المواطنين للنزوح الى شريط ضيق في المنطقة الممتدة من شمال خانيونس حتى غرب النصيرات، ما يساعد على تأسيس حقائق جديدة على الأرض، من خلال إقامة منطقة عازلة على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، بعرض 1 – 2 كم، وفصل قطاع غزة عن مصر من خلال السيطرة على محور فيلادلفيا واقامة “محور دافيد” الذي يؤسس لإقامة منطقة عازلة على طول الحدود الجنوبية للقطاع، واقامة «منطقة أمنية» على محور نتساريم الفاصل بين شمال القطاع وجنوبه، واقامة 3 نقاط عسكرية تمثل تحصينات ارتكازية على طول المحور لتأمين تحركات الآليات العسكرية واعاقة محاولات عودة النازحين إلى مساكنهم في شمال غزة، والتمهيد لإقامة «مناطق آمنة» أو «مناطق إنسانية» تديرها سلطة تابعة لقوات الاحتلال في شمال وادي غزة، في ظل الاجراءات الاحتلالية التي تؤسس “بنية احتلال مستدام”، خاصة أن القطاع لم يعد امتدادا سكانياً فلسطينياً ولا وحدة جغرافية متصلة، وانما منطقة مقسمة وغير صالحة للحياة، ما سيتيح لاسرائيل رسم الخارطة الأمنية التي تحقق لها تفريغ قطاع غزة من غالبية الكتلة السكانية.
  • تسعى الادارة الامريكية للاستفادة اقليميا من تداعيات الحرب على غزة، باعتبار انها قد خلقت الظروف المناسبة لتسريع وتيرة خط الهند التجاري، والذي سينتهي في قطاع غزة، خصوصا بعد تعثر خط التجارة الدولية في البحر الاحمر وقناة السويس، بسبب هجمات الحوثيين على السفن التجارية الدولية في البحر الاحمر. وستحاول الولايات المتحدة اقناع السعودية بالاستفادة من خط الهند، والذي من المتوقع ان يكون ساحل بحر غزة هو نقطة الارتكاز الابرز في هذا المشروع، والذي يتم تجهيزه حاليا من محور نتساريم الجديد او ميناء غزة العائم المتعثر والذي سيتم نقله او تطويره من ميناء مؤقت الى ميناء دائم. واستطاعت اسرائيل ان تربط مصالحها الاستراتيجية مع المصالح الامريكية وفق الرؤية السابقة، من خلال السيطرة على حقول الغاز الفلسطينية، والاستمرار في خلق الظروف الميدانية التي تساعد على تنفيذ مشروع تهجير غالبية سكان قطاع غزة، ما يخدم رؤيتها لمرحلة ما بعد الحرب.
  • بينما تواصل حركة حماس تركيزها على إعادة التموضع والاحتفاظ بجزء من قوتها العسكرية، للتأكيد على استمرارية قدرتها وإمكانية إعادة حوكمتها إلى قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب في ظل تصور الحركة لليوم التالي للحرب، الا ان التقديرات ترجح أن الحركة ستواجه وضع معقد في ضوء احد احتمالين: الاول أن تقرر إسرائيل أن تنهي الحرب، وتعيد انتشار جيشها بالطريقة التي تبقي سيطرتها في القطاع، دون اتفاق ودون التزامات، وتضع الحركة أمام شعبها، وأمام كارثة إنسانية، ستفرض عليها تقديم حلول عملية لها، وستظل المعابر بيد إسرائيل، وسيعود القطاع إلى حصاره السابق، ولكن بعد أن تم تدميره وتحويله إلى منطقة غير صالحة للحياة. الاحتمال الثاني: أن تتمكن «حماس» من التوصل إلى اتفاق سياسي مع إسرائيل وأميركا لإنهاء الحرب، وانسحاب الجيش، وإعادة النازحين، وإعادة الإعمار..إلخ، وهذا يرتبط بتقديم «حماس» ضمانات حقيقية بأنها لن تشكل تهديد أمني لاسرائيل مستقبلاً، وهذا يتطلب تغيير برنامجها السياسي والتخلي عن سلاح المقاومة، وهذا الامر يبدو مستبعداً . ويبدو ان تقديرات حركة حماس في هذا الاتجاه لم تأخذ في الاعتبار أن الهدف الحقيقي للحرب ليس هو العودة الى ما كان قبلها، وانما التأسيس لمرحلة استراتيجية جديدة تحاول اسرائيل ان تمسك فيها بزمام الامور في قطاع غزة بما يخدم رؤيتها الاستراتيجية بالتنسيق مع الولايات المتحدة الامريكية، بعد ان اخذ الصراع بعدا اقليميا ودوليا، من المفترض الا يتم اغفاله عند وضع التصورات او الحسابات المستقبلية.
  • ستواصل الادارة الامريكية مساعيها لتغيير المشهد السياسي الحاكم داخل اسرائيل، وفتح الطريق أمام انتخابات للتخلص من حكومة اليمين، الذي يشكل خطراً على رؤية إدارة بايدن حول ترتيبات اليوم التالي لحرب غزة، سواء ما يرتبط بها فلسطينيا، أو بترتيبات اقليمية ، حيث تعتبر إدارة بايدن، أن “إسرائيل” بدون تحالفات في المنطقة ستتجه نحو “هزيمة إستراتيجية”، لأنها سوف تحتاج بشكل دائم الى حماية “أمريكية” وبدونها لن تستطيع البقاء، لذلك تضغط نحو التطبيع مع “السعودية” مقابل بدء الحديث عن “دولة فلسطينية”، وهذا يتطلب مقاربات سياسية جديدة “إسرائيلية” داخلية، و “فلسطينية” “مُتجددة”، لإنهاء التصعيد في المنطقة، والتفرغ للصراع مع “روسيا” ومحاصرة “الصين”، ويبدو أن الرؤية الامريكية في هذا الاتجاه باتت مشكوك في نجاجها وخاصة ما يتعلق بالتخلص من الحكومة اليمينة برئاسة نتنياهو، مع اقتراب الانتخابات الامريكية، والتي ستعني دخول السياسات الامريكية في المنطقة في حالة من الجمود.
  • لا يجب إغفال أن استمرار الصراع وفق التصورات الاسرائيلية اليمينة الفاشية والدعم الامريكي الواضح قد يؤدي إلى كوراث في المنطقة والعالم، وينذر بصعود موجة جديدة وغير مسبوقة من العنف والإرهاب، ستؤدي الى خلخلة الأمن في الإقليم، في ضوء الصراع الذي اتخذ مساراً أقرب إلى الصراع الديني”، تلك هي المخاطر غير المحسوبة لاطراف الصراع كافة.

توصيات:

  • خطورة الوضع المحدق بالقضية الفلسطينية، تفرض علينا جميعاً أن نقف أمام مسؤولياتنا الوطنية، وأن يضع الكل الفلسطيني مصلحة الوطن والقضية الوطنية في المقام الأول، لإيجاد مخرج سياسي لإنهاء حرب الابادة الاسرائيلية الامريكية، وقطع الطريق امام مخططات الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، ومواجهة المخططات الاسرائيلية والامريكية لتدمير المشروع الوطني الفلسطيني، اذ انه وبينما تمتلك إسرائيل رؤية لمستقبل الصراع بما يخدم مصالحها واهدافها، فإننا لا نرى في المقابل رؤية فلسطينية أو عربية، ما يفرض علينا ضرورة بلورة رؤية واضحة وصياغة خطة عملية قابلة للتنفيذ لانتزاع الحقوق، بالتعاون مع القوى الإقليمية والعربية والدولية، تنطلق من قاعدة “فك الارتباط” مع دولة الاحتلال، واعلان دولة فلسطين تحت الاحتلال، واستغلال تنامي الحركة العالمية المتسارعة للاعتراف بها، لفرض معادلة دولة فلسطين، ومحاصرة أي “تكوين مدني” تحت الوصاية الأمريكية وسلطة الاحتلال في قطاع غزة .  ودعم اجراءات محاسبة اسرائيل امام المؤسسات الدولية ذات الصلة، على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وعدم اقتصار القضايا المرفوعة على ما يحدث في قطاع غزة فقط، وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية في جميع دول العالم، والغاء حالة الانقسام السياسي والجغرافي بين جناحي الوطن، والتأسيس للوحدة النضالية المشتركة القائمة على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده.

 

Thumb:

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى