
اللواء محمود الناطور والدكتور يوسف يونس 31-7-2025: الحرب على غزة تقدير موقف (18): المفاوضات ما بين سيناريو الانهيار والصفقة الشاملة
الملخص
- ارتفعت وتيرة الهجمات العسكرية الاسرائيلية متبعة تكتيكات الارض المحروقة في العديد من مناطق القتال على عدة محاور، حيث تحاول زيادة توسيع المنطقة العازلة داخل قطاع غزة بأكثر من كيلومتر، كأمر واقع. ووفق المعلومات فقد شرع جيش الاحتلال في انشاء نقاط عسكرية في المنطقة العازلة، واقامة طرقا لتسهيل وصول قواته وحمايتها بهدف السيطرة على المنطقة لفترة طويلة الأمد.
- المعطيات الميدانية تشير إلى أن المقاومة تواجه مأزقًا حادًا بسبب التباين بين الأفعال العسكرية والغايات الاستراتيجية، والذي يكشف عن انقطاع في العلاقة الاستراتيجية المتوازنة بين الأفعال العسكرية والأهداف، ما أدى إلى شلل في تدبير التكتيك القتالي للمقاومة، وغياب الكفاءة والفعالية في تحقيق أهدافها.
- اثارت عمليات المقاومة قلقاً في المنظومة الأمنية، بسبب الاستنزاف المتزايد للقوات، نتيجة اكتشاف المزيد من الثغرات في أنماط عمل جيش الاحتلال، والتي منحت المقاومة الفرصة لرصد تحركات قوات الاحتلال، بالاضافة الى حالة الاطمئنان نتيجة السيطرة والقوة المفرطة، ما منح المقاومة الفرصة لاستغلال الاخطاء والثغرات وادارة العمليات من مسافة قصيرة. قيادة المؤسسة العسكرية تحمل المستوى السياسي المسؤولية عن هذه الخسائر بسبب غياب التحديد الواضح لاهداف الحرب؛ بالاضافة الى ان تغييرات العقيدة القتالية في الجيش الاسرائيلي في السنوات الاخيرة، والتي اهملت دور سلاح البر ووحدات المدرعات والهندسة، ما ادى الى اخطاء كارثية في ميدان المعركة، نظرا لانعدام التدريب على القتال في بيئة مشابهة، وفي ظل خسائر الجيش، ونقص المقاتلين والانهاك، يضغط رئيس الأركان ايال زامير للتوصل الى اتفاق وقف اطلاق نار لمعالجة المشاكل العملياتية التي يواجهها الجيش.
- فشل مخططات إسرائيل حتى الان، في تجنيد العشائر والمجموعات المسلحة، لمناهضة حركة حماس وتكون سلطات بديلة لها، الا ان ظاهرة الميليشيات تدق ناقوس الخطر، في ظل تفكك الحالة الوطنية وغياب سلطة قانونية قادرة على ضبط الشارع ومواجهة تلك المجموعات المدعومة من اسرائيل وفق مخططات تعزيز الفوضى وخلق البيئة الطاردة للسكان وصولا الى تنفيذ مخططات التهجير، كاحد اهداف الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة.
- ترتبط مخططات المنطقة الانسانية في رفح بأهداف التهجير، حيث لا تريد إسرائيل فرض حكم عسكري على مليوني فلسطيني، ولذلك فانها ستسعى الى التخلص من هذه الكتلة السكانية عن طريق مخطط التهجير، الذي سيجري تنفيذه بعد تجميع معظم سكان قطاع غزة في «المدينة الإنسانية»، وخلق الظروف المناسبة لتنفيذ مخططات التهجير.
- بينما تسعى أميركا لدمج اسرائيل اقتصاديا في المنطقة، عبر اتفاقات تطبيع، ومشاريع طاقة، وشراكات تكنولوجية، في المقابل تطبق إسرائيل عقيدة أمنية انفصالية وعدوانية، فالعقيدة الأمنية الإسرائيلية تُكرّس منطق الحرب الدائمة والتدخل المستمر والردع الاستباقي. و«غلاف الإقليم»، الذي يمتد من غزة شمالاً إلى لبنان، وشرقاً إلى الأردن والعراق، وجنوباً إلى سيناء والبحر الأحمر، ليس استراتيجية دفاعية، بل مشروع هندسة أمنية عنيفة يعيد تشكيل الحدود والسيادة والوجود، دون توافق إقليمي أو إطار قانوني. هذا هو جوهر الشرق الأوسط الجديد في تصور نتنياهو، وهو تصور محكوم عليه بالفشل.
- بالرغم من ان احد اهم اهداف الحرب التي اعلنتها اسرائيل وهي القضاء على حركة حماس، الا ان اشراك حماس في مفاوضات وقف إطلاق نار “دائم”، يضع علامات استفهام حول الهدف من هذه الخطوة، التي تعني تثبيتها كفاعل سياسي، ما يعني اننا قد نكون أمام اتفاق “الخداع التدريجي”، لتمرير تسويات “مؤقتة” وليس “تعهدات قانونية”، قد تمهد لتحول سياسي خطير، يدفع باتجاه إستمرار الصراع الداخلي حول تعريف من يملك القرار الفلسطيني، ما سيعمق الانقسام ويخدم مخططات الاحتلال للفوضى والتهجير.
- مع تعليق المفاوضات وانسحاب الوفدين الامريكي والاسرائيلي تتراوح الخيارات ما بين انهيار المفاوضات وتوسيع العمليات العسكرية لقوات الاحتلال في قطاع غزة، وخيار العودة الى المفاوضات، التي سينتج عنها تمرير الصفقة الجزئية ووقف اطلاق النار 60 يوما، والخيار الثالث والاهم وهو خيار الصفقة الشاملة، الذي يعني انهاء الحرب في غزة واخراج حماس من المشهد بضمانات امريكية لعدم ملاحقة قياداتها، وتجهيز المشهد الاقليمي لتطبيع العلاقات الاسرائيلية مع الدول العربية.
- حركة حماس لم يعد لديها خيارات سوى القبول بالصفقة الشاملة التي يبدو انها قد حسمت في إطار تفاهمات أميركية – إسرائيلية حول الملفات الإقليمية، وكذلك واشنطن التي تريد إبرام هذا الاتفاق لتقليل الجبهات المشتعلة بالمنطقة، والتركيز على جبهات أخرى، وفي مقدمتها ايران. وبالتالي فان ضرورات انسحاب حماس من المشهد في قطاع غزة، سيؤدي الى القاء العبء الكامل على الاحتلال، وتجعل المواجهة مباشرة بين السكان المدنيين والاحتلال، ما يمكن ان يفتح مسارات جديدة لمستقبل قطاع غزة.
- تركيز حركة حماس على “كارثة المجاعة” التي يعيشها شعبنا في قطاع غزة، والتي هي مسؤولة بصورة مباشرة عنها، ومحاولتها تحميل المسؤولية للدول العربية والاسلامية، وخصوصا مصر والاردن، يستهدف توسيع انتشار التعاطف لدى الشعوب العربية والاسلامية مع تلك القضية الانسانية، وتوجيه الاتهامات لزعماء الدول العربية بحجة تخاذلهم في دعم غزة، ما يفتح المجال امام حصول حركة حماس والاخوان المسلمين على المزيد من التبرعات من الشعوب العربية التي ستكتفي بالدفع بحجة عدم القدرة على القيام بأية خطوات اخرى لدعم الشعب الفلسطيني، وهو الاسلوب الذي برعت فيه جماعة الاخوان المسلمين منذ سنوات طويلة. وهو الامر الذي سيؤدي الى خلق البيئة الامنية المناسبة لتحركات جماعة الاخوان المسلمين في هذه المرحلة بالذات، التي تشهد حالة من الغضب الجماهيري بسبب هذه المشاهد التي تنشرها وسائل الاعلام وتركز عليها قناة الجزيرة بصورة خاصة، ما يعزز احتمالات ان تشهد المرحلة القادمة عمليات ارهابية في دول المنطقة، اعتمادا على خلايا ارهابية يجري تجهيزها مستغلين حالة التوتر والغضب بسبب ازمة المجاعة، ويبدو ان تأجيل المفاوضات جاء بهدف خدمة هذه التوجهات.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook