المفاوضات

اللواء محمود الناطور “أبو الطيب” يكتب – صفقة ترامب نتنياهو .. لن تمر

بقلم اللواء محمود الناطور – أبو الطيب  27-1-2020م

كان من المفترض ان يكون يوم الثلاثاء 27 يناير / كانون ثاني من العام 2020م يوما  عاديا في حياتنا .. الا ان مفارقات القدر ساقت اثنان من قادة محور الشر في هذا العالم ، هما ليسا الا اثنان من الفاسدين الملاحقين من قبل أجهزة العدالة في بلادهم ، انهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ، كلاهما اتفقا على الخروج امام العالم في مشهد هوليودي يفاجئان الجميع بالصفقة الأكثر شهرة وتداولا حتى قبل ان تعرض ، انها صفقة القرن، والتي استغرق الترويج لها شهورا طويلا دون ان يطلع احد على تفاصيلها بدقة حتى نتعرف عليها لنستطيع ان نحكم عليها. ولكن أسلوب “تجارة الوهم”، الذي برع فيه كلا من نتنياهو وترامب ، كان هو الأسلوب المفضل لعرض تلك البضاعة على الجمهور.

واستخدموا أدوات الترهيب ، باعتبار ان هذه هي الفرصة الأخيرة ، وان بعدها لن يتمكن احد من طرح حلول مماثلة تتضمن دولة فلسطينية سيتم اغراقها بالمليارات ، وان هذه القيادات الامريكية والإسرائيلية هي القيادة “الربانية” التي أرسلها الرب لتخلص العالم والمنطقة من شرورها وازماته المستعصية. وانه لن يوجد بعد هذا التاريخ أي قيادة قادرة على الترويج لحلول للقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سواء في أمريكا او في إسرائيل.

وكم كان استغرابنا وصدمتنا في نفس الوقت من هذه الأصوات العربية والفلسطينية التي حاولت ان تعزف على نفس الوتر الأمريكي والإسرائيلي، مستبقة اعلان الصفقة بالعديد التي تعتبر ان ضياع هذه الفرصة سيعني ضياع فلسطين الى الابد ، وان هذه الصفقة ستمضي حتما رغم انف الجميع وان قطارها قد انطلق ولا يمكن لاحد ان يستطيع إيقافه..!.

وفي تمام الساعة السابعة تحلق الجميع امام شاشات التلفزيون ليشاهد هذا العرض الهوليودي الخطير والذي بدأ بتقدم الثنائي ترامب ونتنياهو باتجاه المنصة لالقاء الكلمات المؤثرة والحاسمة في مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والرؤية “الترامبية” التي ستغير وجه المنطقة والعالم بأسره. لتبدأ المفاجأة بتبادل عبارات الشكر والثناء من كلا الجانبين والتصفيق الحار في القاعة من الجمهور ، المحسوب في غالبيته على التيار الإنجيلي الداعم لكلا الممثلين على المنصة الرئيسية نتنياهو وترامب، وبعدها يبدأ ترامب في عرض تفاصيل رؤيته التي تضمنت ، حسب ببيان صادر عن البيت الأبيض، ما يلي  :

فيما يتعلق باقتراح الخطة حل الدولتين لإسرائيل والفلسطينيين:

  1. موافقة إسرائيل على إقامة دولة للفلسطينيين تعتمد على الاتفاق الأمني لحماية الإسرائيليين.
  2. تضمن الخطة طريقًا للشعب الفلسطيني لتحقيق تطلعاته المشروعة في الاستقلال والحكم الذاتي والكرامة الوطنية.
  3. في ظل هذه الرؤية ، لن يسمج بإجلاء الفلسطينيين أو الإسرائيليين من منازلهم.
  4. للمرة الأولى في هذا النزاع، توصل الرئيس ترامب إلى تفاهم مع إسرائيل فيما يتعلق بخريطة تحدد الحدود لحل الدولتين.

 فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية، يقول البيت الأبيض إن:

  1. إسرائيل وافقت على تجميد النشاط الاستيطاني لمدة أربع سنوات في الوقت الذي يجري فيه التفاوض على إقامة دولة فلسطينية.
  2. القدس عاصمة غير مقسمة لإسرائيل، ويمكن أن تكون هناك “عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية”.
  3. الخطة تعطي أكثر من ضعف الأراضي الواقعة حاليا تحت السيطرة الفلسطينية.
  4. الخطة تسمح للدولة الفلسطينية باستخدام وإدارة المرافق في موانئ حيفا وأشدود، ومنطقة على الساحل الشمالي للبحر الميت، واستمرار واستمرار النشاط الزراعي افي وادي الأردن.
  5. ربط الدولة الفلسطينية المقترحة بطرق وجسور وأنفاق من أجل الربط بين غزة والضفة الغربية.

فيما يتعلق بالأمن الإسرائيلي:

  1. تلبي الخطة المتطلبات الأمنية لإسرائيل بالكامل، ولا تطلب من إسرائيل تحمل مخاطر أمنية إضافية، وتمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها بمفردها ضد أي تهديدات.
  2. تنص الخطة على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل، مع احتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية غرب نهر الأردن.
  3. مع مرور الوقت، سيعمل الفلسطينيون مع الولايات المتحدة وإسرائيل لتحمل المزيد من المسؤولية الأمنية، حيث تقلل إسرائيل من بصمتها الأمنية.

فيما بتعلق بالقدس والمواقع المقدسة:

  1. ستواصل إسرائيل حماية الأماكن المقدسة في القدس وستضمن حرية العبادة لليهود والمسيحيين والمسلمين:
  2. الحفاظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف.
  3. الحفاظ على الدور الخاص والتاريخي للأردن فيما يتعلق بالأماكن المقدسة.
  4. جميع المسلمين مدعوون إلى زيارة المسجد الأقصى.

وجاء في بيان البيت الأبيض أن:

  • الأمر متروك للقادة الإسرائيليين والفلسطينيين لاتخاذ إجراءات شجاعة وجريئة لإنهاء الجمود السياسي، واستئناف المفاوضات على أساس هذه الرؤية، وجعل السلام الدائم والازدهار الاقتصادي حقيقة واقعة.
  • إذا كان لدى الفلسطينيين مخاوف بشأن هذه الرؤية، فيجب عليهم طرحها في سياق مفاوضات مع الإسرائيليين والمساعدة في إحراز تقدم.
  • معارضة هذه الرؤية تعني دعم للوضع الراهن اليائس الذي هو نتاج عقود من التفكير القديم.
  • وعرض ترامب ، في تغريدة على توتير ، خريطة للدولة الفلسطينية المستقبلية :

ملاحظات :

  1. يأتي هذا المشهد في اطار حملة انتخابية متأزمة لكل من ترامب ونتنياهو ، ويبدو كلاهما في حاجة الى تحسين موقفهم الانتخابي على حساب الشعب الفلسطيني، فترامب يعتبر ان دعمه لنتنياهو سينعكس عليه إيجابيا في خضم محاكمته في مجلس الشيوخ، وكذلك نتنياهو الذي يبحث عن طوق نجاة من الملاحقة القضائية بتهم الفساد، يعتبر ان هذه الصفقة قد توفر له الدعم المطلوب انتخابيا.
  2. شارك في صياغة الخطة مجموعة من الخبراء المقربين من إسرائيل والمحسوبين على التيار الإنجيلي الداعم الأهم لإسرائيل، فالكثير من مستشاري ترامب من أتباع الكنيسة الإنجيلية المهيمنة على الحزب الجمهوري. أي انه يمكن القول ان إسرائيل قد قامت بصاغة تصور للسلام يعتمد على مصالحها وأهدافها ، ولذلك تم استبعاد القدس ، التي تم اعتبارها عاصمة موحدة لدولة إسرائيل، وتم تشريع ضم الكتل الاستيطانية الى إسرائيل، وضم الاغوار لانهاء أي ارتباط بين الدولة الفلسطينية المستقبلية والدول العربية، وانهاء حق العودة وشطب قضية اللاجئين. أي اننا امام تحقيق البرنامج الانتخابي لحزب الليكود على ارض الواقع.
  3. ولذلك نجد ان الخطة تركز على تحقيق “هدف تكتيكي” على حساب “قضية استراتيجية”، وتفتقد الصورة الواضحة لأبعاد هذا الصراع التاريخي المعقد والمتعدد الجوانب والمرتبطة جذوره بالسياسة والتاريخ والجغرافيا والديانات والثقافة والحروب. ولذلك فان هذه الرؤية لن تتعدى كونها حدث عابر لن يؤسس لصناعة تاريخ، كما يحلو للبعض ان يدعي. فنتنياهو الذي يسعى الى تحقيق مكاسب تكتيكية مؤقتة يدرك جيداً أن الصفقة لن تحظى بالشرعية وستسقط سريعاً في اختبار الواقع العملي، ولذلك سيسعى لاستغلال الصفقة لتحقيق بعض الأهداف التكتيكية داخليا وخارجيا.
  4. بالرغم من الخداع الواضح في الخطة بادعاء انها ستؤدي الى قيام دولة فلسطينية ، وفق حل الدولتين، الا ان كافة المؤشرات تؤكد انه لا وجود لدولة فلسطينية وفق تلك الخطة ، وانما فقط “حكم ذاتي موسع”، خاصة ان تلك الدولة لا يوجد لها اية حدود مفتوحة مع العالم الخارجي وستكون محاصرة جغرافيا من قبل إسرائيل، وانها ستستمر بالتنفس من خلال الموانيء والحدود الإسرائيلية، وستكون ملتزمة بالمصالح الأمنية العليا لدولة إسرائيل، وسيستمر النفوذ الأمني الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية لسنوات طويلة غير محدود وفق الخطة.

 خلاصة القول :

  • ما تم عرضه في المؤتمر الصحفي المشترك ، والبيان الصادر عن البيت الأبيض ، يؤكد ان رؤية ترامب او صفقة القرن تهدف الى تثبيت الإجراءات والمخططات التي نفذتها إسرائيل على ارض الواقع منذ سنوات ، فملف القدس اغلق ، وأصبحت عاصمة موحدة لاسرائيل، والاستيطان سيبقى، وحق العودة انتهى.
  • تشكل صفقة ترامب او صفقة القرن ، محاولة من كل من ترامب ونتنياهو لتحقيق إنجازات داخلية والفوز في الانتخابات القادمة ، بالرغم من ازماتهما الداخلية ؛ وذلك من خلال السعي الى تحقيق إنجازات خارجية ، وتحديدا في ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلى.
  • بالرغم من كل هذا المشهد الهوليودي الذي تم من خلاله اخراج صفقة ترامب – نتنياهو الى العلن ، بعد طول انتظار ، وبالرغم من حالة الوهن العربي الواضحة للعيان ، والحقائق التي فرضتها إسرائيل على ارض الواقع في السنوات الأخيرة ، ومصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات الجديدة ، وتوسيع المستوطنات القائمة ، وتقطيع اوصال الضفة الغربية ، ونقل السفارة الامريكية .. الخ، الا ان الحق الفلسطيني يبقى اقوى من كل هذه الإجراءات.
  • وبعيدا عن الأصوات النشاز التي تحاول ان تدعي زورا وبهتانا ان الفلسطينيين لن يستطعوا التصدي لهذه الهجمة الامريكية – الإسرائيلية المشتركة ، فاننا نؤكد ان الشعب الفلسطيني قادر على التصدي لكل المؤامرات ، وتاريخه حافل بالكثير من التضحيات في مواجهة الكثير من قوى الظلم والعدوان. والحتمية التاريخية تؤكد ان أي خطة او اية مؤامرة لم ولن تمر طالما رفض الشعب الفلسطيني التوقيع او الموافقة عليها ، ولقد كان موقف الرئيس محمود عباس حاسما وواضحا ان هذه الصفقة لن تمر ، وكانت خطواته اكثر من رائعة عندما قام بجمع الكل الفلسطيني في اجتماع موحد للقيادة الفلسطينية في مقر المقاطعة في رام ليوصل رسالته للعالم اجمع اننا وبالرغم من الانقسام والحصار والاحتلال فاننا موحدين في مواجهة هذه المؤامرة التي لن تمر.

توصيات :

  1. لقد وصلنا إلى نقطة لا رجعة عنها ونحتاج لقرارات شجاعة وعملية؛ وعلينا التوقف عن سياسة الرفض والتهديد وتشكيل اللجان دون اتخاذ أي قرارات حاسمة توقف إسرائيل عن الاستخفاف بحقوقنا المشروعة .
  2. الرد الحاسم والقاطع للرئيس باسم الكل الفلسطيني والمشهد الموحد في المقاطعة يجب ان يستمر ويتم استكماله بخطوات عملية لتحقيق المصالحة وانهاء الانقسام لمواجهة تلك اللحظة الحاسمة في تاريخ قضيتنا الوطنية.
  3. ضرورة وضع دول العالم امام مسؤولياتها وهذا ما يتطلب تحركا عاجلا في المحافل الدولية والإقليمية والعربية والإسلامية لفضح هذه المؤامرة التي تسمى صفقة القرن وذلك بعيدا عن “العنتريات” والمواقف التي قد يستغلها اعداؤنا لتمرير مخططاتهم.
  4. هذا الانحياز الفاضح وغير المسبوق، بات بإمكان القيادة الفلسطينية التخلص من عبء الوصاية الأمريكية على القضية الفلسطينية، وتشجيع المزيد من الدول والقوى الدولية المحايدة على الانخراط في عملية السلام في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى