#شوؤن عربية

القواعد العسكرية الأمريكية فى العراق وتهديد الأمن القومي العربي

تقى عصام السيد * 7/5/2020

تقوم الدول الكبري  وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بالحرص علي إنشاء قواعد عسكرية في الوطن العربي، وذلك لأسباب عديدة, أما أن تكون مرتبطة بمصالح الحيوية للدول الكبرى، أو توجد بالمناطق التي يوجد بها النفط وهذا هو السبب الأكبر فى الوطن العربي.

وتنشر الولايات المتحدة حوالي 650 قاعدة عسكرية في 130 دولة في مختلف أنحاء العالم, و قد بدأت في انشاء هذه القواعد العسكرية بعد أحداث 11 سبتمبر, و لكن هذا لا يعني أنها لم تقوم بإنشائها قبلها ولكنها توسعت بعد هذه الفترة، لتوسع إمبراطورتيها وتعزز هيمنتها علي العالم.

ودائماً ما تعرض الولايات المتحدة أسباب استراتيجية لبناء هذه القواعد، حيث تقدم هذه القواعد الدعم اللوجيستي للولايات المتحدة, و كسبت الولايات المتحدة في هذا الوقت قواعد أكثر من أي وقت مضي، ومن أكبر القواعد الموجودة في الوطن العربي التي توجد في قطر والسعودية والكويت والبحرين والعراق.

حيث يعيش العالم الآن في ظل هيمنة أمريكية متكاملة، أذ تقسم الولايات المتحدة العالم إلي خمس أركان وتقع معظم الدول العربية في منطقة القيادة الخامسة ما عدا دول المغرب العربي، وهي أصغر منطقة ولكن أكثرها التهاباً،  ولقد ساعدت القواعد الأجنبية في  الوطن العربي أمريكا من احتلال العراق.

تدور المشكلة البحثية حول أن: القواعد العسكرية الأجنبية هي مهدد للأمن القومي العربي، بالتركيز على الفترة من 2003 إلي 2019، وتقوم هذه الورقة البحثية حول ماهية القواعد العسكرية الأمريكية في العراق؟ وفيما تستخدمها؟ وما هي أهميتها الاستراتيجية؟  ومدى خطورتها على الأمن القومي العربي؟.

وتتمثل أهمية هذه الورقة البحثية في تحديد مدي وجود هذه القواعد العسكرية الأمريكية في العراق،  وتأثير هذه القواعد علي الدول المستضيفة، وتحديد أضرار هذه القواعد بالنسبة للدول العربية، وكيف يمكن مواجهتها.  

أولاً- القواعد العسكرية في العراق

بعد قيام الولايات المتحد بالاعتداء الصارخ علي العراق وغزوها واستنفاذ كل ما في أراضيها, وفي 2005  اجريت أول انتخابات تعددية في البلاد, وفى 2009 أعلن الرئيس الأمريكي أوباما عن مغادرة الجيوش الأمريكية للعراق بحلول نهاية 2011, و لكن الولايات المتحدة لم تقوم بجلائها النهائي فقد قامت  بنشر قواعدها العسكرية, حيث كشف تقرير أمريكي عن وجود 6 قواعد رئيسية في العراق وزعت علي الشمال والوسط والغرب، ووزعت الجنود الأمريكية في عده قواعد وزعت جغرافيا كما يلى:

1. شمال العراق:

كشف التقرير عن اتفاقية وّقعتها واشنطن، عام 2014 مع حكومة إقليم كردستان نصت على بناء 5 قواعد بمناطق تحت سيطرتها تتوزع فى؛ قاعدة قرب العراق سنجار، وأخرى في منطقتي أتروش والحرير، إضافة إلى قاعدتين في مدينة حلبجة بمحافظة السليمانية قرب الحدود الإيرانية، والتون كوبري، التابعة لمحافظة كركوك، وأشارت الى أن قاعدة كركوك (رينج) هي بمنزلة معسكر نموذجي للتدريب والتأهيل العسكري, وفي الشمال كذلك، أفاد التقرير بأن الولايات المتحدة أسست قاعدة كبيرة لقواتها في مطار القيارة العسكري، جنوبي مدينة الموصل، بعد تأهيل المدرج وتهيئة البنى التحتية للمطار.

2. غرب العراق:

لفت التقرير المشار إليه إلى أن: القوات الأمريكية اتخذت قاعدتين أساسيتين لها في محافظة الأنبار غربي العراق، والتي تحاذي سوريا والأردن؛ هما قاعدة (عين الأسد) في قضاء البغدادي، و(الحبانية).

3. وسط العراق :

نبه التقرير إلى أن واشنطن اتخذت من قاعدة بلد الجوية الواقعة في محافظة صلاح الدين مقرًّا لها للتحكم بطلعات طائرات (إف 16 )؛ ولها قاعدة في معسكر التاجي شمالي بغداد، توجد فيها قوة لأغراض التدريب، وفي العاصمة بغداد، قال التقرير إنها: اتخذت من قاعدة فكتوري (النصر) داخل حدود مطار بغداد الدولي، مقرا لها، وتستخدم للقيادة والتحكم والتحقيقات والمعلومات الاستخبارية.

وفي الوقت الحالي زاد عمل هذه القواعد بسسبب وجود تنظيم داعش في العراق, ومع ذلك تحاول العراق تقليل عدد المستشارين الأمريكين في العراق، وكن لم تتحدث عن تقليل عدد القواعد العسكرية و ذلك في لقاء رئيس الوزراء حيدر العبادي مع وفداء من مجلس الشيوخ الأمريكي وتحاول الولايات المتحدة زيادة وجودها في العراق وذلك بناء  علي طلب من اسرائيل ودول الخليج  لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق, و تحاول أيضا زيادة نفوذها بذريعة مواجهة الإرهاب، ومن هذه القواعد انطلقت عملية اغتيال سليمانى والمهندس، وشهدت ردود الفعل والردع الإيرانى المحدود.

ثانياً- خطورة وجود هذه القواعد وتأثيرها علي الأمن القومي

تمثل هذه القواعد اعتداء علي سيادة الدول العربية وتؤدي إلي زياده تدخل الدول الأجنبية في شئون الدول وتضغط هذه القواعد علي الدول في اجبارها علي تغير وتعديل سياسيتها بما يناسب هذه الدول, وقد تستخدمها الدول الأجنبية في التجسس علي الدول, ويمكن أن تستخدم هذه الدول كدعم للحرب علي الدول العربية الأخري, مثلما حدث في حرب العراق. وتسعي الدول الكبرى لبناء قواعدها  في الدول الأخري  لعديد من الأسباب، منها:

·  حماية مصالحها وحماية شركاتها الكبري في هذا البلد من الأخطار الداخلية والأخطار الخارجية المحتملة, ومن أي مزاحمة من شركات الدول الأجنبية الأخرى, وتلك المزاحمة تكون علي الموارد الاستراتيجية وخاصة النفط وكل الموارد النادرة.

·  ضبط التفاعلات السياسية في الدولة المقام فيها القاعدة العسكرية, بحيث تضمن بقاء عملائها علي قمة السلطه السياسية، وتكون جاهزة للدفاع عنهم ضد أى عمل إنقلابى أو ثورة داخلية. أو العكس بأن تستخدم الجيش الوطنى الذى قد تشرف على تدريبه وتسليحه وإختيار قياداته العليا والتحكم فى حركة الترقيات الداخلية فيه بحيث يبقى تابعاً لها تماما، فتستخدمه للحفاظ على الحكومة المحلية، أو تضغط به على مؤسسات الدولة المضيفة أو حتى ينقلب عليها ليقيم حكما عسكريا مباشرا لصالح أصدقاءها المحليين الأكثر إخلاصاً، والأقوى فى الدفاع عن مصالحه، والأكثر إستجابة لمطالبه، والأقل طمعا فى تقاسم الثروات معه أو مشاركته فى شئ من القرار السياسى.

وتعد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق مهدد للأمن القومي العربي لعدة أسباب، أبرزها.  

1. تظل القاعدة العسكرية هى عماد قوة الإحتلال، وتحت تصرفها حكومة محلية وطنية تتبع السياسة الأمريكية، وتُبْقى إقتصاد الدولة فى قبضة القروض الأمريكية وهيمنة الشركات الأمريكية الكبرى المتعددة الجنسيات التى لها باع طويل فى السيطرة الإقتصادية على معظم دول العالم المتخلفة.

2.  إن القاعدة العسكرية لدولة أجنبية، تفرض منهجا سياسيا وإقتصاديا وثقافيا تابعاً لها فى الدولة المضيفة، ونظرة على أحوال الدول التى تجثم فوق صدورها قواعد عسكرية أمريكية، أو لأى دولة أخرى من دول الإستعمار القديم مثل بريطانيا وفرنسا، تثبت صحة ذلك حتى فى الدول القوية إقتصاديا مثل ألمانيا واليابان، ناهيك عن الدول التى لا وزن لها ولكن تحتوى أراضيها على ثروات من نفط أو غاز أو مواد خام هامة مثل الذهب والماس واليورانيوم، وغيره.

3.  التبعية السياسية والإستغلال الإقتصادى بواسطة القروض أو الشركات متعددة الجنسيات لم تعد تكفى الجشع الأمريكى الذى تخطى حدود المعقول نتيجة تدهور حقيقى فى وضع الإقتصاد الأمريكى رغم الثراء الظاهرى، وقد ظهر الضعف البنيوى الحقيقى فى الإقتصاد الأمريكى فى أزمة المالية الكبرى 2008 والتى لم يشف الإقتصاد الأمريكى والعالمى منها حتى الآن رغم التحسن النسبى الذى لا يطال جذور المشكلة الإقتصادية.

4.  الجشع الأمريكى تزايد مع إقتراب الإقتصاد من أزمة كبرى، سيكون لها آثار خطيرة على المجتمع الأمريكى لدرجة قد تصل إلى حرب أهلية بين المكونات العرقية والدينية. أوروبا تعانى بدرجة مماثلة، وإستجاب المجتمع الأوروبى بتمزقات ظهرت بوادرها فى فرنسا فى تمرد السترات الصفراء، التى تتوسع نحو دول أوروبية أخرى مثل هولندا وبلجيكا والبقية تأتى، ومازال الأمر محدودا ولكنه ينذر بمخاطر جَمَّة.

5.  بدأت أمريكا في عهد ترامب عملية (تسول مسلح) لم تكد تستثنى أحدا من الحلفاء الكبار أو الأتباع المحتقرين. خطوات التسول والجباية الأمريكية بدأت من الدول التى ” تستضيف ” قواعد عسكرية أمريكية، حتى أنها طالبت الأوروبين بدفع أموال لقاء حمايتهم. مدعية أنها كانت سابقا تحميهم بلا مقابل، وعليهم الآن أن يدفعوا الثمن كاملا. وطالبت دول حلف الناتو بزيادة مساهمتهم المالية فى ميزانية الحلف(الذى إدعى الأمريكيون أنهم يدفعون معظمها). وفى النتيجة وجدت أوروبا أنها مطالبة بسداد نفقات المغامرات الأمريكية حول العالم والتى لا تفيد مصالحهم بشئ، بل العكس تتمدد أمريكا على حساب مصالح الحلفاء والأصدقاء فهى دولة حمقاء مارقة لا تعرف سوى أنانيتاها، فاضطر حلف الناتو إلى ضم دول نفطية إلى (ما يشبه العضوية) لتشارك فى عملياته العسكرية، العلنية والسرية، على أن تدفع جزءاَ يتناسب مع ثرواتها لتمويل النشاط الاستعماري الأمريكى حول العالم .

6.  إن الاحتلال بالقواعد العسكرية أقل تكلفة إقتصادياً بالنسبة للدول الكبرى المحتلة، ويوفر عليها عبء المعارك المسلحة مع الشعب الضحية، ويترك للحكومات العميلة مهمة إخضاع شعوبها بجيشها “الوطنى” وقوات الأمن المحلية والسجون والمعتقلات والتعذيب، وجهاز (بهتان إعلامى) مهمته ترويج الأكاذيب وتضليل الشعب وصرفه إلى اللهو والمجون، وتزين القبول بالإستعمار غير المباشر وبالقواعد العسكرية للمستعمرين، وقبول التدخل الخارجى فى شئون البلد، والأهم هو الإستنزاف الواسع للثروات لصالح الشركات الأجنبية (خاصة شركات الدول التى تمتلك قواعد عسكرية فى الدولة المنكوبة)، والوضع الطبيعى فى نظام حكم مثل هذا هو أن يكون فاسداً قاسياً عميلاً، يتسابق فى حصد الأموال عبر التفريط فى ثروات الوطن وحقوق الشعب.

7. ويمكن القول أنه من المستحيل قيام حكم صالح وطبيعى فى حال وجود قواعد عسكرية لدولة أجنبية، فالدولة (الوطنية) بحكامها وأجهزة حكمها، تكون فى خدمة الدولة الأجنبية صاحبة القاعدة العسكرية، ويحرس الوطنيون مصالح المحتل، ويحرسون حتى قواعده العسكرية بأموالهم ودماء شبابهم، ويدفعون تكلفة قهر الشعب من دماء وأموال هذا الشعب الذى يحكمونه. أما المحتل فيتجنب المعارك ويكتفى بإظهار قوته من خلال قاعدته العسكرية، ويستمتع بمكاسب الاحتلال كاملة بدون أن يتجشم عناء الحرب تاركا مصائبها للشعب المحلى وحكومته الوطنية. فيبقى المحتل فى قواعده العسكرية الحصينة، يقوم بدور المشرف العام، وربما الحَكَمْ بين أطراف الحُكْمِ المتصارعين دوما. ويدير من وراء ستار كل صغيرة وكبيرة تحدث فى الدولة الوطنية، أى أن “القاعدة العسكرية” هى الحاكم الفعلى للدولة المضيفة ولكن بصورة غبر رسمية. والأمثلة أكثر من أن تحصى فى بلاد موزعة على القارات الخمس.

خلاصة وتوصيات

إن استنزاف موارد الدول الواقعة تحت احتلال القواعد العسكرية، واستباحة الموارد الاقتصادية بواسطة الشركات الأمريكية، بل تطور الأمر فى خطوتين تاليتين اتخذتهما الولايات المتحدة، هما:

· الأولى: فرض صفقات أسلحة على الدولة المبتلاة بالقواعد العسكرية، صفقات باهظة الثمن لا فائدة منها، ولا ضرورة لها فى الدفاع عن تلك الدولة، ولكن لمجرد جنى الأرباح لشركات صناعة الأسلحة فى بلاد الاستعمار الجديد، وإذا زاد تخزين الأسلحة حتى امتلأت جميع المخازن، وحتى لا تتوقف عملية شراء الأسلحة وتبقى مستمرة طالما استمرت القواعد العسكرية واستمرت حاجة الحكم الوطنى لمستعمر يدافع عن بقائه فى الحكم، اخترعت أمريكا حرباً، أو عدة حروب، تجبر النظام العميل على خوضها لاستهلاك مخزونات السلاح وشراء المزيد، بدون أن يؤثر ذلك على نهب باقى ثروات البلد الضحية، من نفط وغاز مواد خام أو مقاولات فى مشاريع اقتصادية أو معمارية لا فائدة منها عمليا سوى استهلاك المال ونزحه إلى الدولة المحتلة، أو إلى إسرائيل.

·  الثانية: إذا ظل هناك مخزونا ماليا لدى الدولة الضحية، تستهلكه الولايات المتحدة بعقوبات متعسفة لإخطاء فى الحكم، رغم أن الحكم قائم أساساً على الأخطاء، بل هو فى حد ذاته خطيئة دينية وأخلاقية. ولكن العقوبات تكون ذريعة للنهب لا أكثر. وإذا ظل هناك فائض مالى فلابد من تحويله إلى السوق الأمريكية إما بالإيداع فى البنوك، أو بإقراض الحكومة الأمريكية بشراء سندات الخزينة. وعلى أى شكل كانت الأموال التى ذهبت إلى السوق الأمريكية فإنها لن تعود أبدا، وبأى ذريعة مختلقة سوف تتم مصادرتها أو تجميدها ومنع أصحابها من استخدامها.  

ومن الجدير بالذكر بعد عرض هذه المعلومات عن القواعد العسكرية في العراق, يجب علي الدول العربية أن تضع الاستراتيجيات لمواجهة  تدخل الدول الأجنبية, فبدون تكاتف الدول العربية لن تستطيع مجابهة الدول الأجنبية ومنعها من إقامه قواعدها العسكرية.

المركز العربي للبحوث والدراسات

هوامش البحث

1. http://www.bahzani.net/2018/12/29/%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%B9%D8%AF%D8%F-%D8%A7%D9%84%D

2. هيثم مزاحم, جريدة البيان

3. يحيي أبو ذكريا، جريدة كتاباتي

4.  https://nahrainnet.net/?p=30533

5. https://tipyan.com/us-bases-the-other-face-of-the-occupation

6. http://alsaa.net/article-46015

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى