ترجمات عبرية

القناة 12 العبرية: حماس تقترب تدريجياً من تحقيق أهدافها الإستراتيجية

القناة 12 العبرية 2023-06-06، بقلم: ميخائيل ميلشتاين*: حماس تقترب تدريجياً من تحقيق أهدافها الإستراتيجية

يبدو أن ظروف الخريطة الاستراتيجية التابعة لـ”حماس” أصبحت مؤاتية بصورة شبه مثالية. فهذا التنظيم، الذي سيحتفل بعد نصف عام بمناسبة 36 عاماً على تأسيسه، يعيش حالة تعاظُم مستمرة، ويقترب تدريجياً من أهدافه بعيدة المدى، وعلى رأسها السيطرة على قيادة المعركة الفلسطينية برمتها.

مؤخراً، ينعكس هذا التعاظم في فوز الكتلة الطلابية للتنظيم (الكتلة الإسلامية) في الانتخابات في جامعتي بيرزيت والنجاح، المؤسستين الأكاديميتين الكبريين في الضفة الغربية. يتم التعامل مع هذه الانتخابات بجدية في الساحة الفلسطينية، وتُعتبر مقياساً لقوة التنظيمات السياسية، وبصورة خاصة في أوساط الشباب. يتم التعامل مع هذه الانتصارات من طرف “حماس” على أنها تعبير عن الدعم الواسع للتنظيم، ودليل على أن الحركة لا تزال مزروعة في قلب المجتمع الفلسطيني، على الرغم من القيود المفروضة عليها من جانب إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

في الخلفية، تحصل “حماس” على قوة كبيرة بسبب ضعف السلطة الفلسطينية وانكفاء إسرائيل على نفسها بسبب أزماتها الداخلية، وهي اتجاهات تستغلها “حماس” جيداً. بالإضافة إلى أنها تُرغم إسرائيل على قبول معادلة “الهدوء في مقابل الهدوء” في غزة، وفي الوقت نفسه تحصل على امتيازات مدنية غير مسبوقة، تساعدها على مأسسة سيطرتها على غزة، وتبعد احتمال عودة السلطة إلى المنطقة، وهي تدفع قدماً بالتحريض و”الإرهاب” في القدس وفي الضفة الغربية وفي المجتمع العربي في إسرائيل (كما ظهر مؤخراً في الكشف عن المواطن من أم الفحم، الذي تم توجيهه من جانب “حماس” لتنفيذ عملية في إحدى التظاهرات ضد الإصلاحات القضائية)، حتى أن الحركة فتحت من لبنان جبهة جديدة ضد إسرائيل قبل نحو شهرين.

التطورات في الساحتين الإقليمية والدولية تقوّي شعور التفاؤل لدى “حماس” ورؤية التنظيم على أنه موجود في “الجانب الصحيح من التاريخ”: مكانة الولايات المتحدة تتراجع بشكل ينعكس سلباً على حلفائها وثقتهم بأنفسهم في المنطقة، وإيران تزداد ثقة بالنفس، وعلاقتها بالحركة تبدو أقوى، وخصوصاً في المجال العسكري، وهناك تقارُب بين “حماس” وجهات كانت العلاقات معها متوترة على مدار أعوام طويلة، وعلى رأسها السعودية، (حتى أنها حرّرت ناشطين من “حماس” كانت تعتقلهم منذ أعوام)، بالإضافة إلى سورية.

منذ تأسيسها، تنشط حركة “حماس”، استناداً إلى عدة أساسات ضمنت صمودها وسمحت لها بالتعاظم دائماً، وعلى رأسها درس الواقع باستمرار واتخاذ خطوات بحسب الظروف، وصبر مستمَد من رؤية “الإخوان المسلمين” (إن الله مع الصابرين)، والتركيز على الأهداف الاستراتيجية البعيدة المدى التي على الحركة أن تسير نحوها، وتحدد مسارات الحركة.

لذلك، أظهرت “حماس” في مناسبات عديدة براغماتية وليونة في سياستها، لكنها لم تتنازل يوماً عن طرحها الفكري “المتطرف”. وهو ما برز مع سيطرة الحركة على قطاع غزة وحكمها منذ سنة 2007. إن الكثيرين من المحللين – في أغلبيتهم أصحاب فكر غربي – قدّروا أن وجود الحركة في السلطة سيجعلها أكثر اعتدالاً بسبب حسابات السلطة. عملياً، وكما أثبت التاريخ والأسبقيات في سياق الجهات الأيديولوجية المتطرفة – بدءاً من الحزب النازي، مروراً بطريق الخميني، ووصولاً إلى “داعش” – فإن السلطة تمنحهم الموارد للدفع قدماً بالرؤية الفكرية، ولا تحول التنظيمات المتطرفة إلى تنظيمات أكثر اعتدالاً. “حماس” حلقة أُخرى في السلسلة التاريخية نفسها التي تدفع إلى اليأس، وليست نموذجاً استثنائياً أو عكسياً بسبب التطورات التي شهدتها الحركة التي تحولت، بمرور الزمن، إلى حزب حاكم.

تشير تصريحات قيادات الحركة في الآونة الأخيرة إلى أن الهدف الاستراتيجي للحركة، اليوم، هو تعزيز قوتها في الضفة. والساحة التي تضعف فيها سيطرة السلطة الفلسطينية ويتعزز الكفاح المسلح ضد إسرائيل تغدو فرصة استراتيجية، في نظر “حماس”. لذلك، تعمل الحركة بشكل مكثف لإقامة بنى عسكرية وتعميق السيطرة في أوساط الجمهور، تحضيراً ليوم ما بعد أبو مازن. وفي هذا الإطار من المتوقع أن تدفع “حماس” إلى إجراء انتخابات عامة، أو تأليف حكومة وحدة تسمح لها بموطئ قدم في المنطقة، أو استغلال الفوضى التي من الممكن أن تندلع في مناطق السلطة، بهدف السيطرة على الضفة.

على عكس “حماس”، التي تفكر استراتيجياً وتُدار بحسب أهداف بعيدة المدى، تقف إسرائيل التي تفكر تكتيكياً وتُدار بحسب أهداف قصيرة المدى، في أساسها الوصول إلى الهدوء، بالأساس عبر الأموال والتسهيلات المدنية. وفي هذا الإطار تُظهر الخيارات الإسرائيلية التركيز بشكل منفصل على أذرع “حماس”، والامتناع من التعامل مع الحركة بصورة شاملة. تستمر إسرائيل في منح “حماس” إنجازات اقتصادية في غزة، على الرغم من أنها تشجع “الإرهاب” في ساحات بعيدة عن غزة، وتسمح لـ”الجهاد الإسلامي” بالتصعيد (كما انعكس في حملة “بزوغ الفجر”، وأيضاً في “درع وسهم”)، وتفضل النظر إلى إطلاق القذائف من لبنان على أنها نتيجة صراعات داخلية في الحركة.

إن انتصار “حماس” في الجامعات في الضفة الغربية يجب أن يكون بمثابة إنذار لإسرائيل، وبالأساس يجب التعامل معه على أنه تطوُّر يمكن أن يؤدي إلى تحديات وواقع استراتيجي يتضمن الكثير من المخاطر في الضفة الغربية. أولاً، يجب الاعتراف بأن المسارات الحالية في مقابل غزة تساهم في الهدوء النسبي القصير المدى، لكنها تقوّي “حماس” في المدى البعيد. وفي هذا الإطار يجب تغيير المعادلة التي تحاول “حماس” فرضها، وأن تكون التسهيلات المدنية منوطة بوقف “الإرهاب” في الساحات المختلفة عن غزة، وبضبط الجهات “الإرهابية” من القطاع، والتقدم في ملف الأسرى والمفقودين.

أما في الضفة فيجب فهم حقيقة أن السلطة الفلسطينية هي “أفضل السيئ” بالنسبة إلى إسرائيل، على الرغم من ظروفها ومحدداتها، وأن زعزعتها، أو تفكيكها، سيقوّي اللاعبين الأسوأ، وعلى رأسهم “حماس”. يجب على الحكومة الحالية أن تعترف بهذا الواقع المركّب، وأن تتعالى على الحسابات الأيديولوجية التي تكون معزولة عن الواقع عادةً، وأن تفهم أن المطلوب هو تقوية السلطة، وبصورة خاصة على الصعيد الاقتصادي.

في المدى البعيد، ومن الممكن في المدى القصير، على إسرائيل أن تعترف بأنها قد تكون أمام انتخابات للسلطة الفلسطينية، بالأساس بعد رحيل أبو مازن. على الأقل في الظروف الحالية، يبدو أن هذا السيناريو سيعود بالفائدة على “حماس”، وخصوصاً أن مكانة حركة “فتح” تراجعت والانقسام فيها كبير جداً. وهو ما يستوجب استخلاص العبر من انتخابات 2006، حين فازت “حماس”. إن أيّ توجّه ليبرالي يمكن أن يكون خطراً على المعسكر السياسي الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير، وأيضاً على المصالح القومية الإسرائيلية.

وبغية تجنُّب المفاجآت الدراماتيكية مرة أُخرى في السياسة الفلسطينية، كالانتفاضة الثانية وفوز “حماس” ووصولها إلى السلطة، يجب على إسرائيل، منذ الآن، أن تطور استراتيجية منظمة حيال الشأن الفلسطيني، وأن تكون في موقف المبادِر، بدلاً من ردة الفعل فقط التي تأتي من موقع ضعف استراتيجي.

* رئيس وحدة الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، وباحث كبير في جامعة رايخمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى