أقلام وأراء

القصور والتخاذل في المواجهة مع الحرب الخفية ضد وجودنا المعنوي

المحامي زياد أبو زياد *- 31/10/2021

لا تزال أصداء إعلان وزير الأمن الإسرائيلي بيني جانتس عن ست منظمات مجتمع مدني فلسطينية بأنها منظمات إرهابية، تتردد في أنحاء العالم وخاصة في أوروبا وأمريكا. وليس من المؤكد ما إذا كانت هذه الأصداء وردود الفعل المستنكرة ستستمر الى حين التراجع عن ذلك القرار أم أن ذلك الصدى والاهتمام الدولي سيتلاشى تدريجيا مع الوقت.

وفي جميع الأحوال فإن الخطأ الذي يقع فيه الجميع هو الاعتقاد بأن المسألة هي فقط اغلاق منظمات مجتمع مدني بينها منظمات حقوق انسان معروفة على مستوى العالم مثل مؤسسة الحق، لأن الأمر يتعدى ذلك بكثير.

لقد كان الثور الأبيض الذي أكل – بضم الهمزة على الألف – هو إغلاق بيت الشرق وأحد عشر منظمة مجتمع مدني فلسطيني بينها مؤسسات محسوبة على م.ت.ف في العاشر من آب 2001 بقرار من وزير الشرطة آنذاك العنصري المتطرف عوزي لانداو وما تلا ذلك من إغلاق مؤسسات وجمعيات بالقدس ومنع للأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية حتى منع إقامة موائد الإفطار أو توزيع الصدقات. واستمرار هذا النهج حتى اليوم لدرجة شلت نشاطات العديد من المؤسسات الثقافية والفنية مثل الحكواتي وتحاصر وتضيق على المؤسسات الأخرى النشيطة اجتماعيا وثقافيا مثل برج اللقلق.

فالمعركة لم تبدأ اليوم مع بوصف هذه المنظمات بالإرهابية تمهيدا ً لإغلاقها وإنما جاء إغلاقها استمرارا واستكمالا لخطة إسرائيلية شاملة تستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي الفلسطيني. بدأت في القدس وما زالت مستمرة، ويبدو أن قرارا ً استراتيجيا ً إسرائيليا ً اتخذ بتوسيعها لتشمل الضفة. وما الإعلان عن المؤسسات الست إلا خطوة أولى نحو استهداف المزيد من المنظمات الأهلية الفلسطينية في مختلف أنحاء الضفة.

ومن الواضح أن إسرائيل تستخدم فزاعة “الإرهاب” من أجل تبرير ما قامت به أمام الرأي العام العالمي، وهي تعرف أن لهذه الكلمة وقع معين لدى مسامع البعض مع أنها أصبحت المشجب الذي تعلق عليه إسرائيل كل خروقاتها لحقوق الانسان الفلسطيني واعتداءاتها على حرياته وممتلكاته. ولذا فقد بررت قرارها بالادعاء بأن هذه هي منظمات إرهابية ولجأت للأداة التقليدية التي تستخدمها دائما لتبرير اعتداءاتها بالادعاء بأن هناك معلومات وملفات سرية استندت عليها في اتخاذ قرارها. وهذا ما فعله وزير الأمن بيني جانتس مع وزيرة الشؤون الاجتماعية ميراف ميخائيلي (حزب العمل) التي انتقدت قراره فرد عليها بادعاء وجود ملف سري لديه عن أنشطة هذه المنظمات، وما فعله أيضا ً مع بعض الجهات الأمريكية التي أعلنت معارضتها لقراره. وقد تمت بعض الاعتقالات من بينها اعتقال المحامي بشير الخيري (78 عاما) المعروف بانتمائه للجبهة الشعبية للإيهام بأن له علاقة بهذه المنظمات، وأن لهذه المنظمات علاقة بأنشطة “إرهابية” لأشخاص معروفين بأنهم أسرى سابقين.

وخلاصة القول بأنه لا يجوز أن يكون عنوان المعركة اليوم هو القرار المتعلق بالمنظمات الست وإنما رؤية ذلك في سياق حرب خفية تشنها إسرائيل ضد الهوية الثقافية والسياسية والقانونية والاجتماعية للشعب الفلسطيني والتي في قلبها محاولة إسكات أي صوت فلسطيني نشيط ذو مصداقية على المستوى العالمي يساهم في فضح الممارسات الإسرائيلية ووصمه بالإرهاب لإرهاب أي جهة قد تفكر في الدفاع عنه بانتقاد القرارات الإسرائيلية.

ولا بد هنا من تسجيل ملاحظة بأن هناك تقصير واضح من قبل القيادة الفلسطينية في اتخاذ موقف حازم ضد الممارسات الإسرائيلية ولو على الصعيد السياسي وصعيد العلاقات الثنائية مع إسرائيل.

فقد كانت لدى القيادة الفرصة لتحدي الإجراءات الإسرائيلية لو تحملت مسؤوليتها كما يجب عند أول قرار إسرائيلي بإغلاق بيت الشرق وعدد من المؤسسات بالقدس كالغرفة التجارية واتحاد الغرف التجارية والمجلس الأعلى للسياحة وغيرها من المؤسسات عام 2001.

فالخلل الذي يعيب العلاقة بين الجانب الفلسطيني وإسرائيل هو تخلي الجانب الفلسطيني بسهولة عن حقوقه في التزامات ترتبت على إسرائيل نتيجة لاتفاق أوسلو والتزامه المطلق في تنفيذ ما التزم هو به تجاه إسرائيل.

وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد سبق لوزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيرس في عام 1993 أيام توقيع اتفاق أوسلو ان وجه رسالة الى جون يورغن هولست وزير الخارجية النرويجي عراب أوسلو آنذاك تعهدت فيها إسرائيل بعدم التعرض لجميع مؤسسات م.ت.ف في القدس بل والعمل على الحفاظ عليها ورعايتها ، وجاء هذا التعهد في مقابل تعهد المنظمة في اتفاق أوسلو بأن لا تكون للسلطة نشاطات رسمية بالقدس خلال الفترة الانتقالية وهي العمر الذي كان مقدرا للسلطة وكان من المفروض أن ينتهي في أيار 1999 بانتهاء المرحلة الانتقالية وقيام الدولة.

وقد كان بالإمكان التمسك بهذا الالتزام من طرف القيادة الفلسطينية باعتباره جزءا من الاتفاقية مع إسرائيل وارغامها على التراجع عن قرارها بإغلاق بيت الشرق ولكن وللأسف الشديد تم التساهل في هذا الحق مما أتاح لإسرائيل المضي في تجديده كل عام ليصبح أمرا ً عاديا ودائما.

واليوم علينا أن نسأل أنفسنا: هل سنترك هذه الحرب الإسرائيلية الخفية ضد هويتنا وحقوقنا في القدس أن تتسع لتشمل الضفة أم أننا سنحول القرار ضد المؤسسات الست الى رافعة لفتح ملف المؤسسات بالقدس والهجمة الممنهجة التي تشنها إسرائيل ضد الأنشطة السياسية والثقافية والفنية والاجتماعية والرياضية بالقدس والتي بلغ التمادي فيها حد نبش القبور وطمس أية معالم تثبت هويتنا المتجذرة بالقدس.

المعركة ليست المنظمات الست، بل هي معركة وجود شئتم أم أبيتم، لأننا إذا تركنا هذا القرار يمر فسيأتي بعده ما سيكون أوسع وأسوأ منه على صعيد الضفة لا القدس فقط. وأول الغيث قطر ثم ينهمر.

المحامي زياد أبو زياد – وزير سابق ومحرر مجلة “فلسطين- إسرائيل” الفصلية الصادرة بالإنجليزية- القدس.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى