أقلام وأراء

القتل بدم بارد والعمليات الفردية ‏ وغياب قيادة وبرنامج وطني للمقاومة

بقلم:المحامي زياد أبو زياد 5-12-2021م

إذا لم يكن قتل الشاب محمد شوكت سليمة الذي استشهد مساء الأمس برصاص الجنود ‏الإسرائيليين في باب العمود بالقدس هو جريمة قتل كاملة الأركان، فما هي جريمة القتل!‏
لقد أصيب بالرصاص في ساقه وتم شل حركته ولم يعد يُشكل خطرا ً على أحد، فبأي منطق ‏وقانون وشريعة يتم إطلاق النار عليه المرة تلو المرة وهو عاجز عن الرد الى أن تحقق الجنود ‏من وفاته.‏
لا أجادل أو أناقش قيامه أو عدم قيامه بعملية الطعن، بل سأنطلق من فرضية أنه قام فعلا ً ‏بالطعن فهل يحق للجندي الذي أطلق النار عليه وهو ملقى على الأرض دون حول أو قوة أن ‏يُصدر عليه حُكما ً بالإعدام وينتزع منه حقه في الحياة؟
في أي دولة قانون، وإسرائيل تدعي أنها دولة قانون، يتم تقديم الجاني الى القضاء ليقول كلمته ‏وليس لرجال الشرطة الذين من واجبهم تنفيذ القانون والسهر على قيام غيرهم بالالتزام باحترام ‏القانون.‏
ما حدث أمس هو جريمة قتل بكل معنى الكلمة، وهو حلقة في مسلسل القتل بدم بارد الذي ‏يمارس ضد أطفالنا وشبابنا الذي سقط خلاله المئات في السنوات الأخيرة حتى أن ثلاجات ‏الموتى في المستشفيات الإسرائيلية ضاقت بهم. وهو جريمة يجب أن يعاقب عليها من قام بها ‏ومن يقف من ورائه، ليس بخدمة اجتماعية لأشهر معدودة كما عودنا القضاء الإسرائيلي ‏المنحاز، بل بأقصى عقوبة ينص عليها القانون، وعقوبة القتل التي تتوافق عليها القوانين ‏الجزائية في جميع الدول المتحضرة التي تحترم حق الإنسان في الحياة تتراوح بين السجن المؤبد ‏مع الأشغال الشاقة والإعدام. ‏
ويبقى سؤال آخر يجب أن نواجهه بشجاعة وأمانة ومسؤولية: ‏
من الذي أرسل الشهيد محمد شوكت سليمة ليقوم بما قام به؟ وإن لم يكن هناك من أرسله فمن ‏المسؤول عن عمله.‏
نحن نفقد بين الحين والآخر زهرات شبابنا وشاباتنا أطفالا ً في عمر الورود. ومع أن قتلهم يتم ‏بدم بارد من قبل أفراد الشرطة وحرس الحدود والجيش الإسرائيلي إلا أنه لا يجوز أن نعفي ‏أنفسنا من المسؤولية.‏
قد يقول قائل بأن المقاومة ضد الاحتلال هي حق مشروع لأي شعب يرزح تحت الاحتلال، وهذا ‏كلام صحيح ، ولكن علينا أن ننبه الى أن المقاومة لا تكون بنزعة فردية خارج سياق العمل ‏الوطني المنسق والمتناغم. ‏
فالأعمال الفردية ليست سوى هدرا ً للدم ونزيفا ً لا طائل وراءه ولا فائدة منه. فكم سقط من ‏الأطفال ذكورا ً واناثا وبالغين فما النتيجة التي حققها سقوطهم في مجمل رصيد الحساب الوطني ‏الساعي لإنهاء الاحتلال؟ ألم تضع دماؤهم سدى؟
المسألة ليست كم نقتل من الإسرائيليين أو كم هم يقتلون منا. فأعمال القتل هذه لا تحقق لنا ‏الاستقلال وإنهاء الاحتلال كما أن قيامهم بقتل أطفالنا وشبابنا لن يحقق لهم الأمن مهما قتلوا منا ‏أو أوغلوا في قتل أطفالنا في وقت كان بإمكانهم اعتقالهم. فأعمال القتل التي يقومون بها لن ‏تؤدي إلا الى تأجيج الرغبة بالثأر والانتقام لنظل نحن وهم ندور في حلقة مفرغة من القتل ‏المتبادل.‏
ومع الإدانة المطلقة التي لا تحتمل النقاش لأعمال القتل الإسرائيلية ضد شبابنا فإني أتساءل: أين ‏القيادة الفلسطينية التي تتحمل مسؤولية إدارة الصراع مع الاحتلال، ولا أقصد بالقيادة من ‏يجلسون في رام الله وحدهم أو من يجلسون في غزة وحدهم، بل كل القادة والفصائل وكل ‏المتشدقين المتحدثين باسم الشعب ومصيره. أين أنتم؟ أين برنامجكم الوطني للمقاومة؟ الى متى ‏يُترك أطفالنا وشبابنا مثل الغنم بلا راع؟ ولماذا تهللون وتمجدون الأعمال الفردية غير المجدية ‏لتغطوا على عجزكم القيادي !‏
‏ ما هي استراتيجيتكم للتحرير، ولماذا لا تصارحوا الناس بالحقيقة. فإن كانت لديكم استراتيجية ‏وخطة للمقاومة وانهاء الاحتلال فأعلنوها على الشعب وادعو الجميع ليندرج في اطارها ولا ‏يخرج عنها قيد أنملة ولتتوقف كل الأعمال الفردية ، وإذا كنتم يئستم من النضال واستسلمتم لحياة ‏البذخ وشهوات الحكم فأعلنوا ذلك على شعبكم واطلبوا من الجميع أن يركن “ربابته” ويحذو ‏حذوكم. فلماذا تراق دماء هؤلاء الفتيان والفتيات سدى خارج نطاق برنامج وطني للمقاومة وعلى ‏يد جنود إسرائيليين تجردوا من الحس الإنساني والأخلاقي وأصبحوا يتلذذون بقتل أبنائنا تماما ‏كمن يمارس هواية القنص أمام لعبة الكترونية.‏
أعمال الطعن ومحاولات القتل التي يذهب دم أبنائنا بسببها هدرا يجب أن تتوقف، وعلى القيادة ‏أن تتحمل مسؤوليتها بإعلان موقف واضح بشأن الآلية وكيفية إدارة الصراع أو إدارة الاستسلام. ‏أما صمتها وغياب برنامجها الوطني فهو تقصير لا يجوز استمرار السكوت عليه.‏

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى