أقلام وأراء

الفريق جبريل الرجوب: الاعتراف الدولي بفلسطين ما عليه وعلينا

الفريق جبريل الرجوب 23-9-2025: الاعتراف الدولي بفلسطين ما عليه وعلينا

بعد جلسة المجلس الوطني التاريخية في نوفمبر 1988 في الجزائر ومخرجات الاجتماع بالإجماع وانطلاقة العمل الدبلوماسي بإعلان الدولة تجاوزت الدول التي اعترفت بدولة فلسطين ال 100 دولة، الان حوالي 10 دول ستعترف ما هو الجديد في ذلك؟

إن الدول الغربية التي اعترفت بفلسطين اليوم؛ حلفاء تقليديون لإسرائيل، ودولٌ لها ثقلها الكونيّ، وستترك أمريكا وحدها المناوئة للحقّ، وستعزلها عن كلّ الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، لتبدو ناتئة معادية للتوجّه العالمي. وستضغط على إسرائيل، التي ستكون كلّ إجراءاتها، من ضمّ واستيطان في الضفة الغربية، لا شرعية له في الميزان، لأنها أراضي دولة أخرى. بمعنى؛ أن إسرائيل التي اعتمدت على شبكة الاعتراف العالمي بها، بعد الحرب العالمية الثانية، نراها وقد فقدت هذه الشبكة، التي تقطّعت، بعد أن خسرت إسرائيل رواية “صورةَ الضحيّة”، ما ساعد الغرب على أن يتحرّر من عُقدة الهولوكست، التي ابتزّت إسرائيل عبرها، الدنيا بأسرها، بعد الهولوكوست الإسرائيلي في غزّة، الذي لم يحتمله الضمير العالمي، على رغم عجزه وهشاشته، وهذا ما فجّر الاحتجاجات في أنحاء المعمورة، فأصبحت شوارع العالَم فلسطينية، وأكتشفت الشعوبُ نفاق أنظمتها، وتماهيها مع القاتل المستبيح، ما دفع الحكومات للاستجابة لنداءات شوارعها، لتنفيسها، وتقدّم شيئا ما للضحيّة الفلسطينية، فكان من ذلك؛ الاعتراف بفلسطين. أي أن السبب الرئيس الذي دفع العالَم نحو الاعتراف، هو؛ الدم المتفجّر في غزّة، ومشاهد الجرائم المدوّية في القطاع، أولاً، إضافة إلى تاريخ متراكم من الحراك السياسي والنضالي والدبلوماسيّ الفلسطيني الحكيم، وما فعلته الدبلوماسية الشعبية، من جاليات وقوى ناعمة وأهلية، ساهمت في تخليق مزاج رافض للاستباحة الصهيونية، خضّ العالم، ودفعه نحو اتخاذ ما يلزم من مواقف واجبة الوجود.

لقد أكّدت إتفاقية مونتيفيديو، والتي عملت عليها الدول الأمريكية في 26/12/1933 في العاصمة الأوروغواي “مونتيفيديو”، معايير الدول: حيث أن هناك معايير لتكون الدولة كاملة العناصر، وهي (الشعب والأرض والحكومة)، وهذا ما نتمتّع به.غير أن هناك احتلالا إحلاليّا فاشيّا يسيطر على أرضنا، ويمنع حكومتنا من تمرير مشاريعها الإنمائية، بل ويغرس سيفه الوثنيّ في لحم شعبنا، ويُصادر ثرواتنا، ويمنعنا من تكوين مقومات حماية مقدّراتنا وحيواتنا. وهذا يجعل استقلالنا ناقصا، لأننا لم نستطع تجسيد السيادة الكاملة، في وقت تتواصل فيه أكبر مذبحة كونيّة، تستهدف قطاع غزة، منذ عامين؛ إبادةً وتجويعا وقتلا وتهجيرا، دون أدنى فعل دوليّ يوقف هذه المحرقة المتواصلة، وضما زاحفا في الضفة الغربية يواكبه اجتياحات وتدمير واعتداءات للمستوطنين في ظل استباحة مفضوحة لكل الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وشرق القدس!

ونرى أن الاعتراف المتجدد، ما هو إلا “حلّ وسط” بين الحقّ الشرعي(الوطن)، وبين الحق الممكن(الدولة)، وهو يميل إلى صالح مفهوم الدولة، على حساب الحقّ التاريخي، لأن المنظومة الدولية تعترف بنقيضنا. ولأننا، عربا ومسلمين، لم نوظّف قدراتنا المهولة لصالح قضايانا. ولأننا، نحن الفلسطينيين، لم نقدّم صيغة نزيهة وحداثية وجامعة، نقرع بها أبواب العالَم. وقد قبلنا هذا الحل الوسط لاستعصاء التحرير الكامل. وحلّ الوسط هذا؛ حلّ وسط عقليّ وليس أخلاقي أو ضميريّ. وقد جاءت الاعترافات بصيغة أقرب إلى الغموض، أي؛ دون سقف زمني للتنفيذ، ومشروطة، فضفاضة ودون محددات وحدود عند البعض لأن الاعتراف هو مساومة سياسية بين الدول الإقليمية مقابل المذبحة في غزّة، وحماية لإسرائيل، واعتراضا دوليا على ابتلاعها لكلّ الأرض الفلسطينية. وربّما كان علينا أن نطلب وقف الحرب على غزّة، قبل نيل الاعتراف اللفظي بالدولة، على أهميته الوازنة. لكنها الأولويات في موازين القوى والفعل الإقليمي والدولي!

أعتقد أن العالَم سيظلّ يقدّم صيغا لفظية دون مضمون، وهذا استحقاق عليه، ما لم تجسّد الحركة الوطنية الفلسطينية سيادتها، على أرضها، بإعلانها أنها دولة تحت الاحتلال، وبدستور، ومجلس برلمان. وما يلزم. لأن العالَم منذ عقود يهرف ويتحدّث عن حلّ الدولتين، دون أن يفعل شيئا! ولم يكفّ يد الاحتلال عن العبث بالأرض والمقدسات والبشر والتاريخ! وبمعنى؛ ألا نبقى منقسمين، لأن مفهوم الوحدة الوطنية الفلسطينية لا علاقة له بالأيديولوجيا أو السياسة، ولكن له علاقة ب “الضرورة” وبالقيمة الحقيقية للوحدة الوطنية، باعتبارها شرطا لكل فعل وطني معافى.

وأسأل: لماذا لا تعترف الدولُ بالشعوب إلا بعد حمّامات الدم المروّعة؟ أي أن تقليدها الاستعماري لم يتغيّر، إلا بعد أن تبهظ الشعوب؟ لماذا؟! ولماذا سارعت الدول بالاعتراف، ولم تسارع لإيقاف المذبحة؟ وهو الأمر الأكثر إلحاحا ويتقدّم على غيره من الأولويّات؟ يبدو أن الأسهل للغرب هو الاعتراف، لعجزه عن إيقاف الإبادة الجماعية والتطهير العرقي واجتثاث الفلسطينيين من أرضهم التاريخية.

إن الاعتراف ليس مِنَّة، لأنه يستند على مفهوم الحقّ، أساسا، لكنه بصيغته المطروحة، استند على المُتاح عالميا وفق موازين القوى الإقليمية والدولية، ومطلوب من الدول التي تأخّرت، أن تعتذر، عبر تصعيد إجراءاتها ضد إسرائيل، لتعلن ندمها الأخلاقي عن صمتها وتقاعسها عن نصرة الضحية، طيلة عقود ثقيلة دامية. ومع هذا؛ علينا أن نكون واقعيين وموضوعيين، على رغم أننا تلقّينا “دولة” في الهواء، وأن مساحتها المُفترضة هي مساحة مقبرة جماعية في غزّة، أو مستوطنة في القدس أو جنين، ومواطنوها شهداء، وجرحى ومحاصرون أو أسرى في معسكرات النازيين الجدد في القرن الـ 21، الشهداء مع وقف التنفيذ! لكننا ندرك أن العالَم لا يعمل “عندنا”، وأن المعركة الآن عالمية، تشهد اتجاهين، الأوّل؛اتجاه عربي إسلامي آوروبي عالمي، لحماية فكرة حلّ الدولتين، ونحن معه، ومع العالَم الذي يقف معنا ويتقدّم علينا. واتجاه ثانٍ فاشيّ أعمى، يسعى لأن يعدم هذا الحل الوسط، وتمثّله أمريكا وإسرائيل، التي لا تعترف، أصلا، بحقنا في الوجود وحقنا في تقرير مصيرنا معتقدة أنها قادرة على مواجهة العالَم، وصفْعه وتجاوزه! تحت شعار أن الدولة الفلسطينية تهدد وجود مرتكبي الهولوكوست الفلسطيني؟! من هنا نرى خطابات الإسرائيليين، الذين يعلنون، بكل صفاقة، أن لا وطن ولا دولة للأغيار. ولهذا؛ علينا كشعب فلسطيني أن نستعيد فكرة وحدة الوطن، ووحدة الشعب، ووحدة القيادة والتمثيل، ووحدة الهدف ووحدة الوسيلة ونيل حق تقرير المصير على قاعدة الحقّ الشرعي، وأن تبقى الحركة الوطنية، فعلا وقولا، نقيضا للصهيونية وقاعدة ارتكازها، إسرائيل.

ولا نبالغ إن قلنا بوضوح: إن المطلوب هو وقف المذبحة والتهجير والتجويع، ثُمّ تمكين الشعب الفلسطيني من تجسيد سيادته على أرضه. وعلينا، نحن الشعب الفلسطيني، بكل أطيافه ومستوياته، عدم تهويل ما جرى، أو أن ينبري مَن يدّعي أنه صاحب هذا الإنجاز الذي كان تتويجاً لمسيرة نضالية تجاوزت القرن، والتركيز “فقط -الآن” على وضع حدّ للإبادة والمعفرة الدموية والمقتلة والمسغبة، في القطاع، دون توقّف، وبكلّ الوسائل. ويجب الإفادة من “قيمة” الدولة المُفترَضة، ما دمنا غير قادرين على استرجاع الوطن. وينبغي أن نعمّق العلاقة مع القوى القادرة على إيقاف الحرب، وأن نتحرّر من الحساسيات والخوف، من هذه الدولة أو تلك، على قاعدة أنها تتآمر أو تصمت!

إن الاعتراف، ومع أنه ليس حاسما، يحمل أهمية وثقلا ودلالات إيجابية كبيرة. غير أن الأهم، الأن، هو موقفنا الفلسطيني؛ سياسيا وإعلاميا ووطنيا وفكريا واجتماعيا، لنبقى راسخين متجذرين على أرضنا، متشبثين بحقوقنا غير القابلة للتصرف. بلغة أخرى؛ علينا أن نجري مراجعات عميقة، في كل مربعاتنا، ونتجاوز خطاباتنا الرتيبة الخائبة، ونشرع في إعادة بناء وانهاض مؤسساتنا وتوحيدها، بنزاهة، وجدّية، بعيدا عن النمط والترقيع والتبرير. وعلينا إعادة ضخّ روح الجماعة في الدبلوماسية الشعبية، من نقابات ومؤسسات أهليه وجاليات، لتعظيم المقاطعة على إسرائيل وحصارها، وشحذ القواعد الشعبية العالمية، لمواجهة خطابات الصهيونية، ومَن يساندها.

فمن غير المعقول أن نتلقّى “الهِبة” العالمية، ونحن بهذه الرداءة والتكلّس والارتكاس والموات والغبش المُمضّ، حتى أن دول العالَم تُطالبنا بالإصلاح والشفافية والديمقراطية! أمعقول ذلك؟ وهل بكيفيّتنا الحالية، سنكون معادلا موضوعيا لما يهجس به الكون، لصالحنا؟ أم أنّ عناد الغروب أبلغ من عدالة الشروق! ومسار إنهاء الانقسام وإنجاز الوحدة الوطنية ومسار الإصلاح وتجديد شرعية النظام السياسي من خلال عملية ديمقراطية وانتخابات حرة هي مثلث متساوي الاضلاع لفرض الشريك الفلسطيني للعالم لمحاصرة ومقاضاة هذا الاحتلال، هذا العدوان الأحادي علينا وعلى قضيتنا وتقديمه عاريا في مستنقع الإرهاب الرسمي أمام أحرار العالم كل التحية لمن استخلص العبر وتحيز لقضيتنا العادلة والتاريخ لن يرحمنا إن لم نحسن الأداء في هذه المرحلة والمحطة التاريخية، وقدرنا نحن الفتحاويون أن ندرك مقتضيات ومتطلبات اجتياز المرحلة، بحماية المنجزات لبناء مستقبل مشرق لشعب عظيم كريم معطاء بصموده وتضحياته قدم المعجزات.

* الفريق جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى