أقلام وأراء

الغارات الإسرائيلية في سورية : لا تناقض مع الدور الروسيّ

حيان جابر 2/11/2021

لم يشهد اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، أي جديد يذكر على مستوى العلاقات الثنائية بينهما، أو حتى على مستوى إستراتيجيتيهما تجاه المنطقة الإقليمية، الأمر الذي يوضح مدى متانة العلاقة والتنسيق والانسجام بينهما، بغض النظر عن الحزب والشخص المسؤول هنا أو هناك، إذ أكد بينيت في مستهل جلسة حكومته الأسبوعية على ذلك بقوله: “بحثنا الأوضاع في سورية بطبيعة الحال، علمًا بأن الروس هم جيراننا من جهة الشمال إلى حد ما، فمن المهم أن ندير الأوضاع الحساسة والمعقدة الموجودة هناك بسلاسة وبدون أي خلل. لقد توصلنا إلى اتفاقات جيدة ومستقرة، ووجدت لدى الرئيس بوتين أذنًا صاغية بشأن احتياجات إسرائيل الأمنية”. في المقابل طالب بوتين بينيت فقط بتحسين آليات التنسيق حول العمليات الإسرائيلية في سورية، وأن تحرص على أن تكون “أكثر دقة”، كي لا تسفر تلك العمليات عن أي إصابات في صفوف الجنود والقواعد العسكرية والمراكز الروسية في سورية.

وعليه فنحن مقبلون على مزيد من الغارات الإسرائيلية على سورية بموافقة روسية كاملة كما حدث فجر الإثنين؛ موافقة لا تجدها موسكو تتناقض مع الدور الروسي في سورية، كما لا تثير أي ردود فعل إيرانية أو سورية رسمية، بل على العكس يتم التعامل معها كحقائق دامغة وغير قابلة للشك أو التغيير. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن الموقف الروسي من المؤامرة الصهيوأميركية، التي يدعي محور الممانعة مجابهتها في سورية وفي مجمل المنطقة! فوفق التصريحات الروسية، تهدف روسيا من تدخلها العسكري في سورية إلى محاربة القوى الإرهابية الناشطة داخل الأراضي السورية. في حين يصر نظام الأسد وحلفاؤه في محور الممانعة على ربط التنظيمات الإرهابية بالمؤامرة الصهيوأميركية التي تستهدف دول المحور والمنطقة، معتبرين معركتهم في مواجهة التنظيمات الإرهابية جزءا من معركة مواجهة الصهيونية والنفوذ الأميركي، وهو ما تجلى في الشعار الذي أعلنه الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله منذ العام 2015: “طريق القدس يمر بالقلمون والزبداني وحلب” وغيرها من المدن السورية الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، وهنا مكمن التناقض، أو ربما الأصح مكمن التسويف.

فوفق خطاب محور الممانعة يخوض المحور معركته في مواجهة أذناب الصهيونية وأميركا متمثلين بالقوى الإرهابية، وبالتالي فهزيمة هذه المنظمات والقوى هي انتصار على الحلف الصهيوني – الأميركي، في حين تقول روسيا إنها تخوض معركة في مواجهة القوى الإرهابية بالتزامن مع تفهمها لحاجات الدولة الصهيونية الأمنية داخل سورية، العبارة التي تستخدم كغطاء يبرر توالي الغارات الصهيونية على الأراضي السورية. وهو ما يكشف أن مسار محاربة التنظيمات الإرهابية منفصل عن مسار مجابهة الحلف أو القوى الصهيونية والأميركية على اعتبار روسيا هي الطرف المسيطر منذ تدخلها، بل يمكن ملاحظة تزايد التدخلات الصهيونية العسكرية والأمنية، رغم تراجع نفوذ وحضور القوى الإرهابية وفق تصريحات نظام الأسد وداعميه، كما نلاحظ توالي المكاسب الصهيونية من سورية بعد التدخل العسكري الروسي، وبالتحديد بعد نجاح الروس في استعادة مساحات جغرافية واسعة من قبضة المعارضة السورية، مثل استعادة دبابة إسرائيلية كان الجيش السوري قد اغتنمها في ثمانينيات القرن المنصرم، ورفاة جندي صهيوني من سورية، ووعود باستعادة رفاة جنود آخرين، فضلا عن وعود روسية بضمان حماية خط التماس الحدودي السوري – الإسرائيلي، وإبعاد أي خطر أمني وفق المفاهيم والاعتبارات الصهيونية.

كما تزداد صورة الدور الروسي قتامة بحكم ديمومتها الزمنية، بمعنى طول مدة تدخلها وتواجدها العسكري وفق الاتفاقيات الموقعة بين النظامين الروسي والسوري، التي تضمن لها الحفاظ على قاعدتين عسكريتين داخل سورية لمدة 49 عاما قابلة للتمديد تلقائيا لفترات متعاقبة، تصل إحداها إلى 255 عاما بما يخص قاعدة ميناء طرطوس، و25 عاما بما يخص قاعدة حميميم، قابلة للتجديد مجددا. وعليه فنحن أمام تواجد عسكري طويل الأمد يرسم إستراتيجية وأهدافا روسية طويلة الأمد تجاه سورية والمنطقة، التي وصفها الأسد سابقا بقوله إن “القاعدتين الروسيتين الرئيسيتين لهما أهمية في مواجهة الوجود العسكري الغربي في المنطقة”. مواجهة مفترضة ومزعومة، تثبت الوقائع عكس ذلك تماما، فالتدخل الروسي قد شرّع الأبواب أمام الغارات الصهيونية على سورية، وجميعنا نعلم سياقات الدور الصهيوني في المنطقة، فالصهيونية تمثل وتحمي المصالح والإستراتيجية الأميركية والغربية تجاه المنطقة، وفق العديد من المؤشرات والدلالات والتصريحات الغربية والإسرائيلية.

من كل ذلك قد يصح اعتبار الروس جزءا فاعلا في ثنايا المؤامرة الصهيوأميركية تجاه سورية والمنطقة، بل وربما اللاعب الأهم في المرحلة الراهنة والمستقبلية، ولاسيما بعد تراجع الانخراط الأميركي في قضايا وحيثيات المنطقة، وكأن الروس مطالبون اليوم بلعب الدور الأميركي المباشر ذات، لاسيما بما يخص حماية الدولة الصهيونية وضمان أمنها وتوسيع نفوذها ودورها إقليميا.

في ضوء ذلك علينا تحديد موقف واضح من التدخل الروسي في شؤون المنطقة وفي سورية تحديدا، موقف لا يقل جذرية عن ذلك الذي نعلنه في مواجهة الدور الأميركي حاضرا وماضيا، فروسيا التي حمت نظام الأسد وقمعت الشعب السوري وعملت على إعادة سيطرة النظام؛ ولو نظريا؛ على قرابة ثلثي مساحة سورية المعروفة، هي ذاتها التي تفتح الباب أمام الغارات الصهيونية على سورية، وهي ذاتها التي تحقق الرغبات الصهيونية في سورية، وربما في المنطقة قريبا، والتي قد تكون بداياتها من خلال البوابة الاقتصادية كما في اتفاق توريد الغاز من مصر إلى لبنان، مصر التي تستورد الغاز من الدولة الصهيونية بهدف إعادة تصديره.

لقد سيطرت أميركا على سياسات النظام الرسمي العربي بشكل مباشر وفج على مدار سنوات طويلة خلت، سيطرة كانت موضع رفض وإدانة شعبية، جعلت من أميركا اللاعب الأكثر كرها بين شعوب المنطقة، في حين نجحت روسيا حتى اللحظة في لعب جزء من الدور الأميركي في المنطقة بانسيابية وهدوء ودهاء جعلتها في أعين وعقول البعض بمثابة قوة تحررية وتقدمية سوف تحرر المنطقة أو جزءا منها من الهيمنة والمكائد الأميركية، فهل يسقط القناع عن الدور الروسي قريبا، أم سوف يستمر البعض بصمّ أذانهم وإغماض أعينهم عن روسيا ودورها تجاه المنطقة وشعوبها وقضاياها؟

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى