#أقلام وأراء

العميد احمد عيسى: هل تدفع حكومة نتنياهو السادسة الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى العودة لأسلوب العمليات الإستشهادية التفجيرية؟

لماذا؟ وهل ستنجح في تحقيق مقاصدها؟

العميد أحمد عيسى* 12-3-2023م: هل تدفع حكومة نتنياهو السادسة الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى العودة لأسلوب العمليات الإستشهادية التفجيرية؟ لماذا؟ وهل ستنجح في تحقيق مقاصدها؟

بسهولة ودون عناء يستنتج المراقب للواقع المرير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، لا سيما في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية منذ تشكيل نتنياهو لحكومته الحالية التي توصف بأنها الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، أن معظم شروط وموجبات لجوء الفلسطينيين للعمليات الإستشهادية للدفاع عن أنفسهم وكرامتهم وممتلكاتهم ومقدساتهم، أن هذه الحكومة تسعى بشكل منظم إلى إنضاج هذه الشروط.

وقد قسم خبراء الأمن خاصة الإسرائيليين منهم هذه الشروط، إلى قسمين، الأول موضوعي، والثاني ذاتي، ويتعلق أول الشروط الموضوعية بسياسات وإجراءات الإحتلال، لا سيما الإعتداءات على الأماكن المقدسة كالمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي وغيرها من دور العبادة الإسلامية والمسيحية.

وكان أبرز هذه الإعتداءات المذبحة التي نفذها المجرم الإرهابي (باروخ جولدشتاين) من مستوطنة كريات أربعة، في الحرم الإبراهيمي فجر يوم الجمعة الموافق 15 رمضان العام 1994، والتي أسفرت عن إرتقاء 29 شهيداً من الركع السجود أثناء تأديتهم صلاة الفجر، وجرح أكثر من 150 آخرين.

وكان الإعتداء الثاني على المسجد الأقصي، حين اقتحم زعيم المعارضة في حينه، يوم 28 سبتمبر/أيلول العام 2000 بحراسة من مئات أفراد الشرطة وحرس الحدود باحات المسجد الأقصى، الذين أطلقوا النار على المصلين الذين تظاهروا إحتجاجا على هذا الإقتحام مما أسفر عن جرح المئات وإرتقاء عدد كبير من الشهداء، الأمر الذي اعتبر بداية لإنتقاضة الأقصى التي امتدت حتى العام 2005.

ويدور الشرط الموضوعي الثاني حول إستسهال جيش الإحتلال وقطعان المستوطنين قتل الفلسطينيين والإعتداء على ممتلكاتهم وأرضهم وتسريع وتيرة الإستيطان، والتصميم على قتل أمل الفلسطينيين بالتحرر وإقامة دولتهم المستقلة حتى على جزء من فلسطين.

أما الشروط الذاتية فتتعلق بالفلسطينيين وهي هنا نتيجة وليست سبب، ودوافعها دفاعية أكثر منها هجومية، وهي تتعلق بقرار ذاتي للشخص المنفذ (الإستشهادي)، ولا أكشف سراً هنا بالقول أنهم كانوا كثر في تسعينات القرن الماضي، ثم بالجهة الداعمة لهذا الشخص وهي هنا التنظيمات الفلسطينية، من خلال توفير ما يلزمه لتنفيذ قراره الذاتي الخالص بالإنتقام والدفاع عن الشعب ومقدساته وممتلكاته، الأمر الذي يعني التقاء القرار الذاتي بالقرار السياسي للتنظيم الداعم.

وتظهر دراسة كانت قد صدرت عن جامعة هارفارد الأمريكية العام 2007 عن العمليات الإستشهادية، أن الفلسطينيين قد نفذوا منذ العام 1994 الذي نفذت فيه مجزرة الحرم الإبراهيمي حتى العام 1999، ما مجموعه 20 عملية استشهادية، أعلنت المسؤولية عنها حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

وأضافت الدراسة أن الفترة الممتدة من العام 2000 العام الذي اعتدى فيه شارون على المسجد الأقصى، حتى العام 2005، قد شهدت ما مجموعه 142 عملية، أعلنت المسؤولية عنها حركة حماس بواقع 39,9%، وحركة الجهاد بواقع 25,7%، وحركة فتح بواقع 26,4%، والجبهة الشعبية بواقع 5,4%، والجبهة الديمقراطية بواقع 2,7%، وقد أسفرت العمليات التي سبقت العام 2000 عن مقتل 163 شخص، ومقتل 624 شخص في الفترة التي أعقبت العام 2000.

وإذا ما جرى مقارنة ما يجرى في الضفة الغربية منذ بداية العام الجاري من قبل الحكومة الحالية من خلال الجيش والمستوطنين نجد أنه يفوق كثيراً ما جرى في الفترتين السابقتين المشار اليهما سابقاً، إذ شهدت هذه المرحلة محرقة حوارة والدعوة لإزالتها عن الوجود، كما تشهد إعتداءات يومية من قبل عصابات المستوطنين على المسافرين الفلسطينيين على الطرقات، علاوة على إعتداءات يومية على المسجد الأقصى، وتنفيذ مجازر يومية بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية، أسفرت حتى الآن عن إرتقاء 80 شهيد، فضلاً عن الحرب المعلنة من قبل (بن غفير) على الأسرى في السجون الإسرائيلية، الأمر الذي يوضح أن الشروط الموضوعية قد بلغت مرحلة متقدمة من النضوج.

وفيما يمكن الإفتراض أنه قد غاب عن تقدير العقل المدبر لمجزرة الحرم الإبراهيمي، أن الإعتداء على المقدسات سيواجه بعمليات إستشهادية كبرى، فلا يمكن الإفتراض أن هذه المعادلة قد غابت عن جهات التقدير الإستراتيجي عندما إقتحم شارون المسجد الأقصى، ويصبح من السذاجة الإفتراض أن هذه المعادلة تغيب عن التقديرات الأمنية الإستراتيجية في إسرائيل الآن، الأمر الذي يجعل من المشروع الجزم أن إسرائيل تدفع الفلسطينيين الى العودة مرة أخرى لأسلوب العمليات الإستشهادية الكبرى من خلال العمل المنظم على انضاج شروطها الموضوعية، لا سيما وأن الجيل الفلسطيني الشاب قد أظهر منذ العام 2015، أو مع اندلاع ما أطلق عليه الإسرائيليين بإنتفاضة السكاكين والدهس أن يضم في وفرة من الشباب والشابات الذين لم يكونوا ليترددوا في استبدال السكاكين والسيارات بعبوات متفجرة.

ما تقدم يعني أن الشروط الموضوعية لهكذا نمط من العمليات اصبح ناضجاً من وقت ليس قصير، ويعني كذلك أنه لم يبقى من الشروط الذاتية إلا القرار السياسي من أحد التنظيمات إبتداءً، الأمر الذي أجادل أنه مسألة وقت إذا ما استمرت عملية إنضاج الشروط الموضوعية تسير بنفس الوتيرة.

أما لماذا تغلق الحكومة الحالية عينيها وتصر على مواصلة إعتداءاتها على الفلسطينيين دون الإكثرات بعواقب هذه الإعتداءات حتى لو دفعتهم أو بعضهم لتنفيذ عمليات إستشهادية كبرى، فيبدو أنه ينبع من وهم هيمن على عقل أعضائها أن بهذه الإعتداءات فقط يمكن الإنتصار على الفلسطينيين وتحقيق نصر حاسم عليهم.

ومن جهة أخرى يفسر أن حاجة هذه الحكومة لهكذا نوع من العمليات في اللحظة الراهنة لتقديرها الخاطئ يقيناً أن هذا النوع من العمليات ربما يؤدي الى تغيير عناوين الصحف ويدفع الشعب كله للتوحد خلف الحكومة في محاربتها (للإرهاب)، علاوة على تقدير الحكومة الحالية الخاطئ أن هكذا نوع من العمليات سيعيد وسم الفلسطينيين (بالإرهاب) على صعيد الرأي العام العالمي، لا سيما وأن هذا الوسم بدأ يتآكل ولم يعد ينصت اليه الرأي العام العالمي كثيراً.

وحول إذا ما كانت ستحقق إسرائيل غاياتها من ذلك، فيقيناً الإجابة هي لا كبيرة، وذلك لعدة أسباب، أهمها فيما يتعلق بالوضع الداخلي أن الإنقسام في المجتمع الإسرائيلي ليس عابراً ولم يعد قابلاً للحل، لا سيما بعد أن أطلق اقطاب هذه الحكومة على نسبة عالية من هذا المجتمع بما في ذلك نسبة عالية من كبار ضباطه وجنرالاته وصف العصاة والمتمردين والإرهابيين، بل قال فيهم أحدهم “ليذهبوا للجحيم”، الأمر الذي لن ينهي الإنقسام ويوحد المجتمع خلف الحكومة في محاربة الإرهاب، وربما يعتبر خروج مئات الآلاف من المتظاهرين المحتجين على الحكومة وإجراءاتها يوم السبت الماضي الموافق 11/3/2023 بعد حدوث عملية تل أبيب التي وصفها نتنياهو بالمعقدة هي خير دليل على ذلك.

وفيما يتعلق بالرأي العام الدولي فسيكون الفشل من نصيب مقاصد الحكومة وذلك لأن العالم يتغير ولم يعد ماكنة الإعلام الإسرائيلية الضخمة قادرة على تسويق روايتها بأنها تحارب الإرهاب، بل على العكس من ذلك فإسرائيل اليوم في الرأي العام العالمي هي دولة إحتلال يمارس الإرهاب والأبارتهايد ولم يعد من السهل عليها محو هذا الوسم، والمؤشر الأوضح على ذلك يتجلي وفقاً للتقييم الإستراتيجي الشهري الصادر عن معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي في شهر اكتوبر العام 2015، بين أن عدد المرات التي إقترنت فيها إسرائيل بمفهوم الأبارتهايد في التقارير المكتوبة باللغة الإنجليزية خلال الفترة الممتدة من 1967-2000 قد بلغت 54 مرة، وبلغت 1774 مرة في الفترة الممتدة من 2001-2015، اللافت هنا أن هذا الإقتران قد قفز بشكل خيالي في الآونة الأخيرة إذ جرى وسم إسرائيل بالأبارتايد على الشبكة العنقودية خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر فبراير الماضي بأكثر من عشرة ملايين مرة، ونحو 12 مليون مرة خلال شهر يناير الماضي، وفقاً لتطبيق (Semrush) الأمريكي.   

 

*المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى