#أقلام وأراء

العميد احمد عيسى – في فلسطين: عام ينتهي وعام جديد يبدأ فيما الحصار والإنقسام على حالهما

بقلم العميد: أحمد عيسى 

المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

أيام معدودة ظلت على نهاية سنة 2021، ليبدأ الشعب الفلسطيني العام الجديد 2022 مملوء بمروحة واسعة من الأمال التي يظهر الخطاب الفلسطيني العام أن التمني بتحقيقها لا زال يغلب على مفرداته أكثر من مفردات العمل والإصرار على تجسيد هذه الآمال واقعا ملموساً على الأرض، الأمر الذي يعني أن أي من هذه الآمال لن تكون قابلة للتحقق خلال العام الجديد أسوة بما مضى من أعوام.

 وتقف أهداف إنهاء حصار غزة المشدد، وإنهاء الإنقسام المتواصلان منذ عقد ونصف تقريبا على راس قائمة هذه الأمال، ويعود ذلك ببساطة لإدراك أصغر الفلسطينيين سناً أنه إناء الحصار والإنقسام من موجبات تحقيق غد أقضل، لا سيما وأن يؤمن أن تحقيق أدنى الحقوق الفلسطينية بحاجة إلى حد أقصى من الوحدة والتوافق، فما بالكم وهذه القيم آخذة في الإضمحلال من الثقافة السياسية الفلسطينية رويداً رويداً.

ويعود ضعف الأمل بنحقيق هذه الأهداف كذلك إلى إيمان الشعب الفلسطيني بوجود علاقة إرتباط وثيقة بين إستمرار الحصار والإنقسام، أي كلما إستمر الحصار سيستمر الإنقسام، وهذا يعني أن تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية مرتبطة بالسياق السياسي العام، لا سيما وأن الحصار هو إرادة دولية وإقليمية غايته إستنبات جيل فلسطيني يقبل بالرؤية الإسرائيلية لحسم الصراع، كما تجلت في خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المعروفة بصفقة القرن والتي لازالت إسرائيل تنفذ بنودها رغم رحيل ترامب عن البيت الأبيض.

وهنا نستحضر ما كتبه الشاعر الكبير محمود درويش في وثيقة إعلان الإستقلال العام 1988 حين قال “لقد دفعت موازين القوى المحلية والعالمية العالم المعاصر وهو يصوغ نظام قيمه الجديدة في بدايات القرن الماضي على إستثناء المصير الفلسطيني من المصير العام ليتضح أن العدل وحده لا يسير عجلات التاريخ”، إذ أصبحت القوى الكبرى التي يتشكل منها العالم المعاصر اليوم بما في ذلك قوى فاعلة من العالم العربي أكثر انحيازاً للرواية الصهيونية في فلسطين، والأهم من ذلك أن العالم المعاصر الذي يعيد صياغة قيمه من جديد هذه الأيام قد ترك لإسرائيل مهمة إسعاف ومعالجة الأزمات الإنسانية المتراكمة في الواقع الفلسطيني، الأمر الذي يعني أن العالم المعاصر لا زال يواصل ظلم الشعب الفلسطيني ولا زال يستثنيه من المصير العام تماماً كما فعل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وأنتج مابات يعرف بالنكبة الفلسطينية، وذلك من خلال إفتقاده لأليات يفرض من خلالها قراراته لمعالجة الصراع على اسرائيل.

ما تقدم يقول أن الإستراتيجيات الفلسطينية النافذة والتي يؤمن أصحابها أنهم وحدهم من يمتلك الصواب والتي تقوم كل منها على إستئصال واستبعاد الأخرى لن تنهي الحصار وعلى ضوء ذلك لن يسجل في تاريخ الجيل الذي يعتنق هذه الإستراتيجيات شرف تحقيق المصالحة أو شرف تحقيق أدنى الحقوق الفلسطينية، الأمر الذي يجعل من قدر الجيل الفلسطيني الشاب والمنهك نتيجة ما حفرته في وعيه ووجدانه سنوات الحصار والإنقسام الطويلة إصلاح ما أفسده الماضي والإنبعاث من جديد، لا سيما وأن الشعب الفلسطيني خاصة جيل الشباب لم يستسلم ولم يرفع الراية البيضاء، إذ يتجلى في سلوكه الميداني ومفردات خطابه العام في كل من غزة والقدس والضفة الغربية ومناطق الشتات ومناطق العام 1948 عزمه وإصراره على تحقيق حقوقه المشروعة في الحرية والإستقلال والعيش الكريم، مما يظهر أن العقل والنفسية الفلسطينية لم تهزم زلن تنهزم على الرغم عدم تماثل القوة مع الإحتلال والإستعمار.

من جهتها لن تتطرق هذه المقالة للخوض في تفاصيل آليات إصلاح ما فسد، إذ ستترك هذا الأمر للأجيال الشابة وستكتفي بإثارة نقاش عام في أوساط هذه الأجيال حول تطوير هذه الآليات كونهم يمثلون المستقبل عملاً بالحكمة القائلة “لا تخاطبوا أبنائكم بعقولكم لقد خلقوا لزمان غير زمانكم” وما علينا نحن الجيل الأكبر إلا تقديم النصيحة في أين أخطأنا وأين أصبنا، وهنا أجزم أن نصيب جيلي والجيل الذي سبقه اي الجيل المؤسس لم يستسلم ولم يرفع الراية البضاء، وأن نصيبه من الصواب يفوق حجم نصيبه من الخطأ، لا سيما وأن له نصيب في كشف حقيقة رواية الطرف الآخر أي رواية الإحتلال والإستعمار التي فقدت مصداقيتها وظهرت على حقيقتها كرواية عنصرية إستعمارية، الأمر الذي يشكل نقطة البداية للجيل الشاب في بعث وإحياء المشروع الفلسطيني من جديد. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى