أقلام وأراء

العميد أحمد عيسى يكتب – هل ستعالج الإنتخابات القادمة ما أصاب الجسد الفلسطيني من عفن؟

بقلم  العميد أحمد عيسى *- 28/2/2021

نعم لا مبالغة بالقول أن كثير من العفن قد أصاب الجسد الفلسطيني خلال العقود الماضية والتي بدأت ملامحه منذ وقت ليس قصير تطفُ على السطح تقريباً في كل نواحي وجوانب حياة الفلسطينيين، الأمر الذي يضع من ينكرون ويخفون هذه الحقيقة أمام إحتمالات ثلاث، فهم إما يتعمدون الإنكار لإبقاء الوضع القائم على حاله دون تغيير، أو أنهم يجهلون الحقيقة، أو يخطئون قراءة الواقع ولا يمكنهم بالتالي تطوير التدخلات الأنجع لإحداث التغيير، وسواء كان إنكارهم هذا عمداً أو جهلاً أو خطأ، فالنتيجة أيها السادة واحدة، وهي مزيد من المرض والعفن في الجسد الفلسطيني، المختلف فقط هو طريقة علاج ما فسد.

وهنا لابد لنا من إستحضار الإستراتيجي الفرنسي المعروف أندريه بوفر (Andre Beaufre) الذي شرح في كتابه الشهير مدخل إلى الإستراتيجية مناورة أو إستراتيجية الإعياء، أي إجهاد الطرف الآخر وإيصاله الى درجة الإعياء التي يفقد فيها الأمل بمعالجة جراحه فيتركها تتعفن، فيُستنزف ويستسلم للأمر الواقع.

وحتى تعالج الجولة القادمة من الإنتخابات الفلسطينية إذا ما جرت حقاً في كل مناطق السلطة الفلسطينية، هناك حاجة لفحص إذا ما كان الجسد الفلسطيني فعلاً قد اصابه عفن أو بعض منه، ولم يعد على ضوء ذلك قادراً على الإنبعاث والإنطلاق من جديد نحو المستقبل الذي يريد ويستحق.  

وفي هذا الشأن تتجلى أول القرائن الدالة على هذا العفن في دعاء الشعب الفلسطيني صبح مساء كغيره من شعوب الأرض التي إختارت أن تحيى وتعيش في نظام ديمقراطي يتم فيه تداول السلطة بطرق ديمقراطية يختار فيها الشعب القيادة الأقدر على تلبية إحتياجاته وتحقيق أماله وتطلعاته، أن تسفر نتائج الإنتخابات عن قيادة تقدم أولوية تلبية إحتياجات الشعب الأساسية من ماء ودواء وغذاء وحياة كريمة، والعمل في نفس الوقت على تحقيق تطلعاته وآماله بالحرية والإستقلال والدولة المستقلة، على أولوياتها الشخصية وأولويات عائلاتها ومن حولها من خاصاتها، الأمر الذي دفع حركة فتح كبرى المكونات السياسية الفلسطينية إلى مطالبة أعضائها الذين يشغلون مناصب عليا في الحركة والسلطة بعدم ترشيح أنفسهم للإنتخابات لفتح المجال أمام قيادات جديدة غير مبتلاة بمرض الإدعاء، ولا تحوم حولها شبهة الفساد المالي والإداري وستسخر جُل وقتها وجهدها للعمل على تلبية أحتياجات الشعب.

أما ثاني القرائن الدالة على ما أصاب الجسد الفلسطيني من عفن فتكمن في حقيقة أن الشعب ببساطة لم يعد يتظر لنفسه كشعب واحد حتى داخل التنظيم الفلسطيني الواحد، لقد أصبحنا أكثر من شعب وأكثر من مجتمع كل له إحتياجاته ومطالبه وتطلعاته المختلفة عن الآخر، ولا أقصد هنا المجتمع أو المجتمعات الفلسطينية في مناطق العام 1948، أو في مناطق العام 1967، أو حتى المجتمعات الفلسطينية في الخارج وتلك المقابلة لها في الداخل بما في ذلك في القدس الشرقية، حيث وصل الإختلاف بين هذه المجتمعات في الداخل الفلسطيني التي قدر لها في هذه اللحظة من الزمن أن تتحمل مسؤولية قيادة الشعب الفلسطيني وتحقيق أماله وتطلعاته بعد أن إنتقل ثقل القرار السياسي الفلسطيني من الخارج للداخل، الى الحد الذي أصبحت فيه الخليل تناضل ليكن صوت أهلها مسموع في رام الله، وكذلك حال جنين وطولكرم وقلقيلية وبيت لحم وباقي محافظات الضفة الغربية، أما غزة صانعة وخزان الوطنية الفلسطينية، والتي إنطلقت من أزقتها فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فيصعب على أهلها نسيان ما حدث وأُحدث بهم خلال السنوات الخمس عشرة الماضية ليس من قبل الإحتلال وحسب، بل من قبل من هم من بني جلدتنا ويتحدثون لغتنا ويعيشون بين ظهرانينا.

حقاً أيها السادة إن مأساتنا واحدة ولكن شتان بين من ينظر إليها من الحي الديبلوماسي الفاخر في غرب رام الله أو من يطالعها من قصور أبو ظبي والدوحة وشقق وفلل إسطمبول الفاخرة، وبين من يعيش ويحيى تفاصيلها يوميا في أزقة مخيمات الجلزون وبلاطة وجنين والشاطئ وجباليا وخانيونس والوحدات وصبرا وشاتيلا واليرموك.

المفارقة هنا أنه على الرغم من كل ما أصاب المجتمع الفلسطيني من عفن تناولت هذه المقالة القليل من القرائن الدالة عليه، إلا أن الشعب الفلسطيني لم يستسلم ولم يرفع الراية البيضاء، ولا زال من الناحية الديموغرافية يتفوق على المستعمر والمحتل الطارئ في الأرض الممتدة من النهر للبحر، الأمر الذي يبقي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على حاله حتى وإن بدى أنه إنتهى رسمياً بعد تطبيع كثير من الدول العربية علاقاتهم مع إسرائيل.

وتأسيساً على ما تقدم يجب أن تؤسس الإنتخابات القادمة لبداية معالجة جدية لكل ما اصاب الجسد الفلسطيني من عفن حتى لو أُضطررنا للبتر والإستئصال، إذ أن مصلحة الشعب تتقدم على مصلحة التظيمات، ومصلحة التنظيم تتقدم على مصلحة أفراده وعناصره، الأمر الذي يتطلب من الجميع ترشيح وإنتخاب من تتوفر فيه الأحقية والأهلية للإقرار بوجود هذا العفن والقدرة على معالجته.

* المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى