شؤون إسرائيلية

العقبة الماثلة أمام غانتس : تفكيك تكتل النواب الـ55 من حول نتنياهو!

مركز مدار* – بقلم برهوم جرايس – 29/10/2019

يمكن القول إن العقبة الأساس التي تقف في وجه رئيس تحالف “أزرق أبيض” بيني غانتس لتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة هو التماسك الشديد بين الليكود وحلفائه من اليمين الاستيطاني، بما فيهم كتلتا اليهود الحريديم، وعدم قدرته على التفاوض مع كل واحدة من الكتل الخمس على انفراد. ومن دون تفكيك هذا التكتل، لن يكون بمقدوره تشكيل حكومة ذات أغلبية ثابتة قادرة على العمل.

وهذا التحالف بين الكتل الخمس هو ظاهرة غير مسبوقة بشكلها وبمضامينها وأسباب تماسكها، والتي تعكس جانبا أساسيا في الحالة السياسية الإسرائيلية؛ فهذه الكتل حصلت على 60% من أصوات اليهود وحدهم، ولهذا الأمر دلالات على ثبات الحكم.

لربما نجد من يقول إنه في العام 1992 نشأ تلقائيا جسم برلماني غير متجانس يمنع الليكود من العودة إلى الحكم، بعد أن كانت كتلتان تنشطان في مجتمع فلسطينيي الداخل بيضة القبان، بين معسكر اليمين المتشدد ومعه النواب الحريديم من جهة، وبين كتلتي العمل وميرتس من جهة أخرى. وفي تلك المرحلة كانت الأجواء السياسية في الشارع الإسرائيلي، وحتى في داخل حزب العمل، مختلفة كليا عن الأجواء السياسية القائمة اليوم. إذ نجحت في تلك المرحلة انتفاضة الحجر الفلسطينية باختراق الشارع الإسرائيلي وإحداث تحولات سياسية. بينما اليوم، فإن الأحزاب بغالبيتها العظمى تتنافس على الأجندة اليمينية.

وفي نهاية الأسبوع، أعلن الزعيم السياسي لحزب شاس آرييه درعي أنه لن يكون أي تفكيك لهذا التحالف الذي في مركزه حزب الليكود، في حين أعلن رئيس تحالف يهدوت هتوراة نائب وزير الصحة يعقوب ليتسمان أن كتلته سترفض أي مفاوضات مباشرة مع “أزرق أبيض”، وأن أي مفاوضات ستتم من خلال ممثلي الليكود.

وهذا يعني أن هذه الأحزاب التي تدور في فلك الليكود تنازلت عن خصوصيتها واستقلاليتها كأطر سياسية، وسلمت أمرها لحزب الليكود ليحمي مصالحها، وبضمن ذلك مصالحه، ومصالح رئيسه بنيامين نتنياهو.

نستعرض في ما يلي الأسباب الأبرز القائمة خلف هذا التماسك.

الحريديم

كما ورد في سلسلة تقارير سابقة، فقد نقل المتدينون المتزمتون أنفسهم، منذ مطلع سنوات الألفين، من هامش الجدل حول القضايا السياسية، وفي مركزها القضية الفلسطينية، الى عنصر أساسي وداعم لليمين الاستيطاني، وبتنا نلمس تصعيدا مستمرا في تطرف مواقف هذا الجمهور، نحو اليمين الاستيطاني، حتى بات في صلب هذا اليمين، خاصة في هذه المرحلة، التي باتوا فيها يشكلون حوالي 40% من اجمالي المستوطنين في الضفة الغربية من دون القدس، وباتت لهم مصلحة في استمرار الاحتلال والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن مطلبهم الدائم هو الحفاظ على الوضع القائم في كل ما يتعلق بالأنظمة والقيود الدينية على المجتمع. وفي السنوات الأخيرة، بات يدعمهم في هذا المطلب التيار الديني الصهيوني المتشدد سياسيا، ولكن هو الآخر، في سنوات الألفين، بات يتشدد دينيا أكثر، خلافا لسنوات مضت، كان يُظهر فيها مواقف أكثر ليبرالية دينيا، ويلعب الدور الوسطي.

فالحريديم كانت نسبتهم من بين السكان، في العقود الأولى لإسرائيل، قليلة، وكان بقدرة جمهور الأغلبية العلماني التعايش معهم، رغم أن الحريديم نجحوا مرارا في فرض إملاءاتهم الدينية على الحكومات، لكونهم كانوا كثيرا بيضة القبان، التي تحسم طبيعة الحكومة التي تتشكل بعد كل واحدة من الانتخابات البرلمانية. ولكن في سنوات التسعين، ومع تراجع معدلات الولادة بروح العصر، واستمرار ارتفاعها بين المتدينين بوتيرة عالية جدا، بدأت أعداد الحريديم تتزايد، وباتوا يسيطرون على أحياء كبرى وبلدات. واستوعبت المؤسسة الحاكمة أن الصدام بين الحريديم والعلمانيين في مراكز المدن هو مسألة وقت، ولهذا بحثوا عن حل للفصل بين الجمهورين.

وحتى مطلع سنوات التسعين، كان يرفض الحريديم الاستيطان في مستوطنات الضفة، باستثناء أعداد هامشية، وكانت لهم مستوطنة تقع على خط التماس بين الضفة ومناطق 48، مستوطنة إلعاد، ولكن لاحقا قبل زعماء الحريديم بإغراء المؤسسة لهم ببناء مستوطنات خاصة بهم، في محيط مدينة القدس، وتبعد عنها ما بين 15 إلى 20 دقيقة على الأكثر، ويقيمون فيها كل أنظمتهم الدينية المتشددة. واليوم تنتشر في الضفة 9 مستوطنات للحريديم، بضمنها إلعاد التي باتت تتوغل أكثر في الضفة. وتضاف لها أحياء استيطانية في القدس المحتلة منذ العام 1967.

وفي هذه المستوطنات تطبق كافة الشرائع الدينية اليهودية المشددة على الحياة اليومية، ومنها مستوطنات باتت بحجم مدن كبيرة، مثل موديعين عيليت، التي يستوطن فيها قرابة 76 ألف مستوطن، وبيتار عيليت- قرابة 59 ألف مستوطن.

من هذه الناحية، فإن الحريديم بات لهم شأن كبير في نهج وسياسات اليمين الاستيطاني المتشدد، وهم معنيون بحماية مصالحهم.

ولكن بالإمكان القول إن العامل الأقوى الذي يجعل الحريديم ملتصقين بالليكود وحلفائه، هو الجانب الديني. فمثلا، مستوطنات الحريديم قائمة داخل الكتل الاستيطانية الكبرى، وهي في معظمها في أقصى الطرف الغربي للضفة، وينص البرنامج السياسي لتحالف “أزرق أبيض” برئاسة بيني غانتس، على استمرار احتلال هذه الكتل، وفرض “السيادة الإسرائيلية” عليها.

ويرى الحريديم بالكتل المنافسة لليكود أنها ذات طابع علماني، تطالب بتخفيف القيود الدينية على الحياة العامة، وبالذات السماح بالمواصلات، وتحرير الحركة التجارية في أيام السبت اليهودي، والسماح بإبرام عقود زواج مدني وغيره.

وعلى ضوء التشدد الديني المتزايد في التيار الديني الصهيوني، فإن هذا التحالف يحمي مصالح الحريديم، أيضا في كل ما يتعلق بفرض الإكراه الديني على المجتمع.

أحزاب اليمين الاستيطاني

حينما نقول أحزاب اليمين الاستيطاني، فهذا لا يعني الأحزاب التي تقتصر على المستوطنين، وإنما التي تشكل المستوطنات قاعدة ومرتكزا لها، فغالبية أصوات كل واحد من هذه الأحزاب يحصل عليها من خارج المستوطنات، من مختلف البلدات الإسرائيلية.

وفي السنوات الأخيرة، بات يطغى على أحزاب اليمين المتطرف، التيار الديني الصهيوني، الذي قبل عقود كانت غالبيته الساحقة جدا تتمثل بحزب المفدال، الذي بات اسمه في السنوات الأخيرة “البيت اليهودي”، وهذا الحزب كانت في داخله تيارات ليبرالية دينيا، وحتى تيار صغير ذو توجهات سلامية. ومع السنين، شهد هذا الحزب سلسلة من الانشقاقات، وانبثقت عنه أحزاب، منها ما لم تستمر طويلا، ولكن أبرز الأحزاب المنشقة هو حزب “الوحدة القومية” (هئيحود هليئومي)، كما يمكن القول إن كتلة “اليمين الجديد”، التي تترأسها أييلت شاكيد ونفتالي بينيت، هي أيضا في أصولها تعود إلى المفدال، إذ أن بينيت ترأس هذا الحزب منذ العام 2012 وحتى نهاية العام 2018.

ومع مرور السنين، بات التيار الديني الصهيوني يتشدد دينيا، وسجل في العام الأخير ذروة في هذا التطرف، حينما نادى رئيس حزب “الوحدة القومية”، بتسلئيل سموتريتش، الذي يتولى حاليا وزارة المواصلات، بتطبيق الشريعة اليهودية على نظام الحكم. كما أن رئيس حزب “البيت اليهودي” رافي بيرتس، الذي يتولى وزارة التعليم، أبدى هو أيضا توجهات دينية متطرفة. ما يعني الانسلاخ التام لهذه الأحزاب عن التوجهات العلمانية، وباتت قوانين وأنظمة الإكراه الديني على رأس أجندتها. ولهذا فهي ترى بحزب الليكود، على ضوء تنامي التيار الديني فيه، وهذا سنأتي عليه، عنوانا ليس فقط سياسيا متطرفا يناسبه، وإنما أيضا مؤازرا للتوجهات الدينية المتطرفة، مثل مقولة “الحفاظ على الوضع القائم، فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة”.

وعلى الرغم من التصاق هذه الأحزاب بالليكود وبرئيسه بنيامين نتنياهو، إلا أن الليكود وجّه لها في كل واحدة من الانتخابات الثلاث الأخيرة على وجه التحديد ضربات في معاقلها، ما جعلها أحزابا صغيرة، تتوحد عند الانتخابات تحت وطأة اللامفر، بسبب رفع نسبة الحسم الى 25ر3%. ولشديد السخرية فإن هذه الأحزاب شاركت في مخطط رفع نسبة الحسم، لضرب الكتل الناشطة بين العرب، فكانت هذه ضربة مرتدة عليها وعلى أحزاب اليمين الاستيطاني الأخرى.

الليكود

إذا ما عدنا الى تاريخ تمثيل الليكود، في السنوات الـ 25 الأخيرة، بالإمكان القول إنه يعيش حاليا “العهد الذهبي” كتعبير مجازي، فصحيح أن أول من ضاعف قوته في سنوات الألفين، كان أريئيل شارون في انتخابات العام 2003، وحقق له 38 مقعدا؛ ولكن شارون ذاته شق الليكود في نهاية 2005، وأبقاه مع 12 مقعدا في انتخابات 2006، برئاسة بنيامين نتنياهو. وفي انتخابات 2009، ارتفع التمثيل الى 27 مقعدا، وحقق نجاحات أخرى لاحقا، واليوم يتمثل الليكود بـ 32 مقعدا. ولكن نتنياهو بسياساته المتطرفة نجح في خلق هذا المعسكر المتماسك من 55 نائبا، ولكن هؤلاء يشكلون 53% من أصوات اليهود. وإذا ما أضفنا مقاعد “يسرائيل بيتينو” الثمانية، بزعامة أفيغدور ليبرمان، فإن النسبة ترتفع إلى ما تلامس 60% من أصوات اليهود وحدهم، وهذا ما يفسر صوت الليكود وأنصاره الأعلى في الساحة السياسية.

وواقع التصويت اليهودي الإسرائيلي يلتفت له جيدا تحالف “أزرق أبيض”، ويأخذه بالحسبان في تحركاته السياسية، فهو يحارب على هذه النسبة، ولا يريد أن يسجل على نفسه اللجوء إلى العرب للوصول للحكم، فهذا ما تعترض عليه الغالبية في التحالف.

ولكن بموازاة ذلك، فإن الليكود برئاسة نتنياهو، ليس فقط أنه تطرف في سياساته اليمينية أصلا، بل إن التيار الديني بات أكثر من ذي قبل، فمثلا اليوم في كتلة الليكود، التي لها 32 مقعدا، 8 نواب من التيار الديني الصهيوني، عدا المحافظين بينهم. وفي انتخابات نيسان، كان عدد المتدينين الصهاينة في كتلة الليكود 10 نواب من أصل 35 نائبا. بينما في انتخابات 2015 كان عدد المتدينين 3 نواب من أصل 30 نائبا، بمعنى أن النسبة قفزت من 10% الى 25% في أيلول، و29% في انتخابات نيسان الماضي. وهذا التمثيل يبعده من جهة عن الجمهور العلماني، ولكنه بموازاة ذلك يكتسح في معاقل التيار الديني الصهيوني.

في كل ما تقدم، فإن الليكود بنى لنفسه حصنا برلمانيا متماسكا حول سياساته، وفي ذات الوقت بنى حصنا لبنيامين نتنياهو في قضايا الفساد التي يواجهها.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة هو مدى استمرار قوة الليكود من ناحية، ومن ناحية أخرى مدى احتمال استمرار هذا التماسك بين هذه الأحزاب، في حال اضطرار نتنياهو للنزول عن المسرح السياسي، لأن كل شخصية في الليكود ستأتي بعده ستكون أضعف منه في المكانة الشعبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى