الاستيطان

الطرق الالتفافية : حربة الاستيطان

موقع العسّاس  –  شام أبو عصبة  –  5/1/2021 

منذ بدء الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة قبل أكثر من 40 عامًا، والتخطيط له قبل ذلك، تسعى “إسرائيل” بشتى الطرق إلى الحفاظ على المستوطنات وضمها إلى سيادتها، لإيمان الصهيونية الراسخ أن هذه الأرض هي أرض إسرائيلية وعد الله بها اليهود فقط، ومن بين تلك الطرق كانت البنى التحتية وشبكة الشوارع التي أنشأتها ولا زالت تعمل على تطويرها وتوسعتها حتى الآن، للتضييق على الفلسطينيين وتسهيل فرض سيادتها على الضفة الغربية المحتلة. في هذه المادة يعرض العسّاس خطة استيطانية جديدة، كما جاءت في المصادر الإسرائيلية وعلى لسان مخطيها والمستفيدين منها. 

أعلنت وزيرة المواصلات الإسرائيليّة، ميري ريجيف، نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، المصادقة على ميزانيّة تقدّر بنحو 76 مليون شيكل لتنفيذ مشروع الطريق الالتفافيّ لوبان (المترجم: قرب قرية اللّبّن الفلسطينية)، وذلك بالتعاون بين وزارة المواصلات وشركة “نتيفي يسرائيل” وبمساعدة وزير الماليّة الإسرائيليّ “يسرائيل كاتس”.

تمّ الإعلان عن خروج المشروع إلى حيّز التنفيذ بعد اجتماع عقدته ريجيف مع رئيس لجنة السلطات المحلية للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية “ييشع”، واسمه، دافيد الحييني، الذي عرضت فيه خطة رئيسيّة (المترجم: مخطط ذو قيمة قومية عليا) وذلك لـ “تحسين” المواصلات في الضفة الغربية، وإنشاء بنى تحتيّة وشوارع جديدة وتوسيع شوارع قائمة لخدمة المستوطنين. (1)

يذكر أن لهذا الشارع أهمّية استراتيجيّة بالغة في المنطقة، بحيث أنّه سوف يحسّن جودة الحياة للآلاف من السكّان المستوطنين فيها، بالإضافة إلى كثيرين سوف ينضمّون إليهم قريبًا. وبما يتلاءم مع الرؤية العامّة للخطّة الرئيسيّة، لهذا المشروع فوائد على المدى البعيد، لتطويره المنطقة في عدّة مجالات وأهملها: زيادة أماكن السكن والعمل وفرص العمل والتجارة والصناعة.

 وبدأت الرؤية من اعتقاد أنّ نظام مواصلات مفيد ومتطوّر هو الأساس لكلّ برنامج قوميّ، مناطقيّ واقتصاديّ، فسيكون من شأنها إيصال المدن الكبيرة ببعضها وبالمستوطنات، مركز البلاد بالمناطق (الريفية والنائية)، وإنشاء شبكة محاور طوليّة وعرضيّة تتيح التنقل والمساواة بالفرص والموارد بين المواطنين (المترجم: باعتبار المستوطنين في الضفة مواطنين إسرائيليين) في جودة حياتهم ونموّهم في سوق العمل والاقتصاد. (1) (2)

وبحسب بيان وزارة المواصلات حول الخطّة الرئيسيّة، ذُكرت تحدّيات عديدة في تنفيذ المشاريع، فالخطّة سوف تنفّذ على مساحة 6000 كم2، ما يُعادل تقريبًا ربع مساحة “أراضي دولة إسرائيل”، ومنها تعقيدات قضائيّة وتعدّد الجهات والأجسام المتعلق والتوجه لمكاتب حكوميّة مختلفة والإدارة المدنيّة والجيش الإسرائيليّ والسلطة الفلسطينيّة، لإضافة إلى تعقيدات أخرى في المواصلات والأمن والتأمين. (3)

كما تتضمّن الخطّة توسيع شارع 60 الواصل بين بئر السبع جنوبًا والناصرة شمالًا، مرورًا بمناطق عدّة في الضفّة الغربيّة، وتوسيع شارع الأنفاق الواصل بين القدس ومستوطنة “غوش عتسيون”، إضافة إلى شقّ وتعبيد الطرق الالتفافيّة لقريتي اللّبّن وحوّارة.

ويتضمن ذلك إنشاء شوارع أخرى جديدة مثل (القدس- قلنديا) و(أريئيل- يورحاف)، وبهذا تدعم الخطّة تطوير المنطقة حاضرًا ومستقبلًا، وتخدم غايات قوميّة وحاجات محلّيّة. (2)

يذكر أنّ الشوارع بالضفّة الغربيّة تخدم الإسرائيليّين فقط، وتوسّع نفوذهم ووجودهم وتضيّق على الفلسطينيّين، مساحة وتنقّلا.

وبالرغم من استعمال الفلسطينيّين لبعض الشوارع التي أقيمت بفعل الاستيطان، إلا أنّ الإسرائيليّين هم من يطلبوها، وبذلك تخطّط حسب حاجيّاتهم فقط.

وحتّى بعض الشوارع التي يُضايق المستوطنون مرورها بقرى فلسطينية، سوف تنشأ بدلًا منها طرق التفافيّة تتجاوز الدخول من القرى مثل “الطريق الالتفافيّ حوّارة” و”الطريق الالتفافيّ- العرّوب”.

 ومن أجل إنشاء شارع العروب الالتفافي نزعت “إسرائيل” 401 دونم من أراضٍ لفلسطينيين، وفي حوّارة 406 دونم، وسوف يغلق ما يقارب الـ 150 متر من طرفي الشارع لأغراض أمنية بموجبها يتم المرور فقط بموافقة الجيش. (4)

بهذا، عقّب رئيس “ييشع”، دافيد الحييني على الإعلان عن الخطّة وبدء تنفيذها بتعبيره عن تأثّره برؤية الخطة الرئيسية بعد ثلاث وخمسين عامًا من الاستيطان بالضفة الغربية وغور الأردن\.

 وأضاف: “لو أنها نفّذت قبل عشر سنوات من الآن لكان يسكن (المترجم: المقصود هنا يستوطن) الضفة الغربية أكثر من مليون إسرائيلي الآن، الخطّة تفرض السيادة الإسرائيلية الفعليّة على المكان، وهذا هو الوقت لتنفيذها على أرض الواقع”. (3)

يذكر أن مصطلح “الضمّ” يعني ضمّ المناطق الاستيطانية في الضفة الغربية لـ “إسرائيل” والسيطرة عليها قانونيًا، بينما مصطلح “فرض السيادة” الذي يعني فرض سيادة “إسرائيل” على تلك المناطق كجزء من حق الشعب اليهودي التاريخي في الأرض، والمستعملان للتعبير عن تطبيق القانون الإسرائيلي بشكل كامل على المناطق الاستيطانية المصنفة كمناطق “ج” في الضفة الغربية التي تقع منذ 1967 تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي والأوامر العسكرية وليس للقانون الإسرائيلي المطبّق في باقي المناطق الإسرائيلية. 

وكان هذا الاقتراح ضمن صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالإضافة إلى خريطة تمنح فيها 30% من مساحة الضفة الغربية لـ “إسرائيل” وبقية الت 70% للدولة الفلسطينية “المستقبلية”.

كما أنها لا توفر ترابط بين المناطق الفلسطينية، وتسيطر حسبها “إسرائيل” في الغلاف والمعابر. (5)

ورغم من بعض الاعتراضات في الشارع الإسرائيلي على هذا القرار خوفًا من التصعيد مع الجانب الفلسطيني، إلا أنه بات من الواضح أنّ المصالح القومية للشعب اليهودي في الضفة أكبر وأكثر أهمية من أي تهديد أمني قد يشكّله قرار الضمّ على وجودها ومواطنيها. (4)

ويقول رئيس بلدية مستوطنة غوش عتسيون، شلومي نئمان: “بجانب الشارع، هناك بيت دائما”، في شرحه عن أهميّة الشوارع للتوسع والنمو الاستيطاني، إذ يتماشى هذا مع هدف ومبدأ “الخطة الرئيسية”: إنشاء وتوسيع شوارع جديدة هو فقط خطوة أخرى نحو توسيع الاستيطان.

مثلًا، شارع 55 الواصل بين مدينة نابلس و”كفار سابا” تسير فيه سيّارات تابعة للسلطة الفلسطينيّة وسيّارات إسرائيليّة جنبُا إلى جنب والذي تقام عليه عدة ترميمات الآن، وخطّط لإنشاء 1600 وحدة سكنية حوله.

 ويذكر أنّ “ييشع” نصبت هدفًا في السنة الماضية لإسكان مليون ونصف مستوطن في الضفّة الغربيّة مع مباشرة العمل على “الخطّة الرئيسيّة” للبنى التحتيّة والمواصلات، وتحويل الضفّة لجزء رئيسيّ من “إسرائيل” والتعامل معها كحيّز مشمول بحياة الإسرائيليّين، وبالطبع بقرارات أحاديّة الجانب، ومن دون أخذ رأي الفلسطينيّين بأيّ من ذلك.

ويأتي ذلك رغم من ظنّ البعض أنّ “إسرائيل” قد غضّت نظرها عن قرار الضمّ، أو وضعته جانبًا بعد اتفاقيّات التطبيع مع دول عربيّة جديدة، إلّا أنّها لم تتنحّ عن تنفيذ مشاريعها في ترميم وإنشاء الشوارع التي من شأنها أن تضاعف عدد المستوطنين، وتثبت سيطرتها وسيادتها على الفلسطيّنيين. (5) (4)

إضافة إلى ذلك، يرى المستوطنون أن هذه الخطط تصبّ في مصلحة الطرفين، الاسرائيليّ والفلسطينيّ، لأنّها سوف تسهّل الوصول لمناطق الجهة الأخرى من جدار الفصل العنصريّ، وإقامة منطقة عمل مركزية ومطلوبة من قبلهم للعمل والمستشفيات.

لكن، من الواضح أن هذه المخطّطات تجعل تنقّل المواطن الفلسطينيّ أمرًا صعبًا، فحتّى عند السماح للفلسطينيين بالمرور من بعض الشوارع، تقام عليها حواجز عسكريّة، تحدّد المارّين منها والوجهة المسموحة، كما الأمر في الشارع بين قرية عوارطة ونابلس الذي وضعت فيه حواجز عسكرية بعد الانتفاضة الثانية والتي تسمح فقط بمرور أهل القرية منها وإليها. فالطرق كلها هي طرق “إسرائيل” لفرض سيادتها، وتصعيب الأمر على الفلسطينيّين في المنطقة، وباستمرار تطوير الشوارع وتزويدها في شبكات المياه والكهرباء، سوف تزيد أيضا المستوطنات من حولها، والمستوطنين القادمين إليها. (4)

المصادر:

(1) “سروجيم”: https://bit.ly/38EpI6q

 (2) “سروجيم”: https://bit.ly/3mXo9G7

 (3) “وزارة المواصلات والأمان على الطرق”: https://bit.ly/3mUrtBO

 (4) “هآرتس”: https://bit.ly/34RrSOZ

 (5) “واللا”: https://bit.ly/38Llytt

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى