#أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب من وحي تصريحات بورقيبة في أريحا ..!!

السفير ملحم مسعود – اليونان 18-10-2021م

من وحي … تصريحات بورقيبة في أريحا في مقالي السابق , وكأنه يقول للفلسطينيين … لا تكونوا من أصحاب الفرص الضائعة …

ولتصريحات بورقيبة  وتداعيتها في ذلك الزمان …  أكثر من أن يُحاط به في هذا المقال .

  كنت حينذاك  في سن الحداثة , رغم ذلك  جعلني  أفكر في ما قاله الزعيم التونسي لماذا لا يكون لنا شئ ؟ 

واراجع وابحث عن مواقف وأدوار الزعامات الفلسطينية تاريخيا , لأبقى  أسير اقوال الزعيم التونسي … اليس ذلك افضل  من أن يكون لا شئ  ؟؟؟ 

اقول ذلك لأن ندوب معاناة الطفولة , ظلت تلاحقني ذكرياتها حتى يومنا هذا …  وقد عاشها ويعرفها من ابناء جيلي والتي نقلتها إلى الأجيال الناشئة …  واتذكر يوم فرارنا من ” يافا ” الحبيبة  على متن  قارب هالك  أكل عليه الدهر وشرب , خوفا من مذابح وبطش العصابات الصهيونية التي إقتربت من اطراف المدينة , والقوا بنا على شواطئ غزة الرملية … كيف انسى  ( الفصل الدراسي ) الأول وعمري خمس سنوات , وكان بمثابة  خيمة صغيرة و  “مقاعد ” الدراسة … بالجلوس على الأرض الرملية  وقد عصفت  الرياح يوما بالخيمة  والأمطار وأول من فر من الفصل الدراسي  كان معلم الاونروا الذي سرعان ما لاذ بالفرار . 

 ( هذا الموقع الآن على ما اظن حول مدرسة للبنات في خان يونس قرب القرارا  ) … وعشنا تحت رحمة ” كارت ” الأونروا وخيامها ومخيماتها … ووثائق سفر لا تسمح بالدخول او المرور إلا بشق الأنفس .

تاريخيا كانت فلسطين أيام العهد التركي جزءاً من سوريا , لا تتعصب لإسمها , ولا تحارب من ليس من أرضها . وعلى عهد الإنتداب البريطاني , فتحت فلسطين ابوابها … للإخوة العرب من لبنان وسوريا ومصر وتملكوا الأراضي ,  نذكر منها عائلات لبنانية مثل  تيان وسرسق والقباني التي تملكت الأراضي الواسعة ( باعها بعضهم لشركات صهيونية )  وكانت معاهدها في نابلس والقدس ملجأ لكل مغربي وتونسي . وعلى مدى الثلاثين عاما من عمر الإنتداب البريطاني على فلسطين لم يرفض زعماء فلسطين تدخلا عربيا في شؤون قضيتهم كانت لجان التحقيق  الإنجليزية أو الإنجلو- أمريكية أو الدولية تزور عواصم عربية قبل أن تصل إلى فلسطين …

 ورغم الحصة الباهتة والواهية التي منحها ميثاق الجامعة العربية للفلسطينيين في 1944 لم يقف اي  زعيم فلسطيني ويقول للجامعة العربية أو للمسؤوليين العرب  : 

إرفعوا أيديكم عن قضيتنا

كان عزام باشا يتحدث بإسم فلسطين أكثر من اي زعيم فلسطيني , وتاجرت الزعامات العربية حسني الزعيم وشكري القوتلي ومردم وآخرين  بالقضية الفلسطينية و بإسم فلسطين ظهرت مشاريع الوحدة وما أكثر التحالفات والوزارات التي جاءت وإندثرت بإسم فلسطين … حتى  قيل أن فؤاد شهاب رئيس الجمهورية اللبنانية قال لأحد زواره الفلسطينيين من باب التفكه   :  حتى “ريمون إده ” يريد ان يحرر لكم فلسطين .

ربما كان الإرتباط الدموي الحقيقي بين فلسطين كقضية وبين جيرانها العرب , لم يتحقق بمعناه الكامل إلا بعد حرب الأيام الستة , وتموضع الكفاح الفلسطيني المسلح  … والعمل القومي الصحيح … ونعود إلى الزعامات الفلسطينية , والتي تصارعت وتصادمت بين القبلية و العائلات …

الحاج أمين الحسيني …  ما له وما عليه :

قلنا ( لا ) …

إذا راجعنا تاريخ المقاومة والرفض الفلسطيني فقد بدأت منذ عام 1920 ونحن مجرد قضية , بلا عرب ولا جيوش ولا بترول ولا إستقلال .

لقد مارس الحاج أمين الحسيني زعامة فلسطين طيل ثلاثين عاما , وكان قامة وطنية ,  لا خافياً على ذي بصيرة , وليغفر الله له ولأخطائه …  وما أكثرها ( وربما كانت زيارته ورهانه على ألمانيا النازية  ولقائه هتلر لإقامة تحالفات  …. لقصور في الرؤية السياسية والعجز في تقدير المواقف والأحداث  ) وهي قصة مثيرة في بعض جوانبها ربما نعود لها قريبا . 

 كان المفتي  أقوى من أي زعيم عربي داخل بلده , ولم يستمد قوته من شخصيته بقدر ما أستمدها من قضيته .

 كانت كلمته هي الأولى والأخيرة , لا في القدس فحسب . بل في قلب بيروت وبغداد ودمشق والقاهرة والرياض , وفي كل قضية عربية يرى أن له رأي فيها .

وعلى سبيل المثال عندما عرض الإنجليز على العرب الكتاب الأبيض عام  1939 … وما أشد ما نبكي اليوم عليه , رفضه المفتي , وقَبل به معارضوه وعلى رأسهم يوم ذاك  راغب النشاشيبي  طلب الأخير من علي ماهر باشا وكان وقتها رئيس وفد مصر , في مؤتمر لندن أن يقول رأيه …

 فأجاب علي ماهر بأنه يرى ضرورة قبول الكتاب الأبيض , لما يتضمنه من مقترحات جديدة تمهد لإستقلال فلسطين خلال مدة محددة . 

عندئذ سأله راغب النشاشيبي : ولماذا لا تعلن قبولك هذا على الناس وأنت رئيس وفد أكبر دولة عربية ؟ 

فاجابه علي ماهر وبلهجته المصرية المحببة : إنت عايز الحاج أمين يقتلني … ده لو عارضته حيكلم النحاس باشا  وبعد ساعة واحدة تبص تلاقي مظاهرات الوفد ملأت شوارع القاهرة والإسكندرية ضدي … لا يا سعادة البيه … يفتح الله 

( ودون التشكيك بوطنية سماحة المفتي … لكن كانت تنقصه الخبرة  السياسية  والحنكة الدبلوماسية ووضوح الرؤية … والتسلط  بالرأي وغياب المستشارين … كل ذلك أدى إلى أخطاء كبيرة وجسيمة  الخ.

 وكان أشرف لكل من يعمل لفلسطين  أن يصارح الأمة بكل شئ ويُحمٍل المسؤولية من يشاء ويترك سدة الحكم والإفتاء في السياسة … )

  ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .

قلنا (  لا ) آخرى ….

 لا …  للإنجليز وسمعوها  في فندق ( دورستشر ) في لندن عام 1947 … ربما كانت السبب المباشر في قرار الإنجليز الإنسحاب من فلسطين …  ونروي هنا بعض ما جاء في القصة :

لقد دعى وزير الخارجية البريطاني حينذاك ” بيفن ” وفودا عربية من بينها عزام باشا وعلوية باشا وجمال الحسيني ( وكان الزعيم الفلسطيني موسى العلمي يقيم في نفس الفندق غير مشارك في الوفد الفلسطيني  ) إلى لندن للتباحث والتشاور … لآخر مرة حول إمكانية  إيجاد حل للقضية الفلسطينية بعدم صدور قرار لجنة التحقيق الأنجلو- امريكية ورفضه العرب .. ( ويوصف المستر ” بيفن ” كآخر صديق حليف بريطاني للحق العربي في فلسطين ) والله اعلم …

بدأت المحادثات وطالت وتعثرت … ثم بدات تتقدم وتتبلور . وقال بيفين للوفود العربية أن بريطانيا مستعدة لأن تنسحب من فلسطين , بعد أن تقيم حكومة فلسطينية يمثل فيها العرب واليهود , وأضاف ان ما يشغل بال لندن هو ماذا سيكون عليه مصير المهاجرين اليهود الذين سمحت لهم حكومة الإنتداب بالمجيء إلى فلسطين , وهل سيقبل الفلسطينيون بهؤلاء اليهود كمواطنين فلسطينيين ؟؟؟

وهنا قالت الوفود العربية : يجب أن نسأل ” المفتي ” 

وسألوا المفتي وكان حينها في بيروت … فلم يرد .   

وفي نفس الليلة زارت الشخصيات العربية الزعيم الفلسطيني موسى العلمي الذي كان يقيم في الفندق  بعد ان اهملوه  وسألوه : 

ما هو الحل عندك لهؤلاء المهاجرين اليهود الذين جاؤوا وسكنوا في فلسطين ؟

وبعد شكر العلمي وعتابه  لضيوفه العرب وإهتمامهم اخيرا  برأيه أجابهم ضاحكا : 

ما دامت القضية كلها فلسطينية , وإنها محصورة بالطابع الفلسطيني , وإن الموضوع ينادي بإعطاء الفلسطينيين كلهم حق تقرير مصيرهم …

 أقول : بأن كل يهودي يحمل جواز سفر فلسطيني , وأصبح فلسطينيا  … له الحق في المشاركة في المسؤولية وفي الحكم . 

أجابه عزام باشا : ولكن هؤلاء اليهود يزيد عددهم على مليون .

أجابه موسى العلمي : ابدا … وليس كل يهودي وصل إلى فلسطين قد إستطاع الحصول على جواز سفر فلسطيني .

وبعد جدال طويل جاء  ممثل عن وزارة الخارجية البريطانية والتقى موسى العلمي  وبعد نقاش حول عدد اليهود في فلسطين قال له العلمي : 

إننا بصدد بحث قضية فلسطين لا قضية يهودية , والبحث محصور في إيجاد حكومة فلسطينية تمثل اليهود والعرب … لا اليهود وحدهم … وما دام هذا هو الموقف فإننا نقول باننا نوافق على إعتبار أي يهودي يحمل جواز سفر فلسطينيا هو … فلسطيني . ووافقت بعد جهد كبير حكومة لندن على هذا المبدأ . لكن الجانب العربي في المفاوضات أصر على أن يكون الرأي النهائي لسماحة المفتي في بيروت . 

وأبرقوا لسماحة المفتي مرة أخرى , يسألونه عن موقفه من هذه القضية … أجابهم المفتي بأنه لا يعترف بأي يهودي دخل إلى فلسطين بعد 1919 وعادوا وأصروا عليه بضرورة التساهل في موقفه … وأجابهم بعد عناء , بأنه يتسامح ويقبل بأن يعترف اليهود الذين دخلوا فلسطين قبل 1919 … وكذلك يعترف بذريتهم … أما عدا ذلك .. فلا .

بإختصار … إنهارت المفاوضات , وغضب ” بيفن ” وودع الوفود العربية في حفل عشاء وداعي  ’ وقال لهم أن الموقف العربي ( ويعني موقف المفتي ) قد سبب في إنهيار المباحثات , وإن هذا الموقف لا يدل على نضج سياسي ولا يخدم إلا اليهود … أما بعد اليوم فإنه سيذهب إلى واشنطن … ويعلن إنتهاء الإنتداب … ويسلم القضية كلها إلى الأمم المتحدة . 

وما ادراك ما هي الأمم المتحدة .

ونتذكر الحبيب بورقيبة … رحمه الله … وكل شهداء فلسطين .

 ونبقى مع شعر إبن المعتز العباسي  الذي قال :

فَكَانَ مَا كَانَ مِمَّا لَسْتُ أَذْكُرُهُفَظُنَّ خَيْرًا وَلَا تَسْأَلْ عَنِ الْخَبَرِ

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى