أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – مفهومنا للعلاقات الدولية سياحة .. والسفارة .. في العمارة

السفير ملحم مسعود ، اليونان 19.7.2019

 بدأنا الإسبوع الماضي بالحديث عن العلاقات العربية اليونانية… كمدخل وتحضير للكتابة عن مستقبل  علاقاتنا الفلسطينية مع اليونان … وإستنباط إتجاهات الريح ….. حيث بدأت التحولات والمستجدات على الساحة اليونانية تتسارع لإصلاح ما افسده الدهر …. او ما يمكن إصلاحه بعد سنوات عجاف غير مسبوقة ، حكم خلالها التحالف اليساري مع اليمين المتطرف …. أو كما يقول الشاعر:

تَدُسُّ إلى العَطّارِ تَبغي شَبابَها — وَ هَل يُصلِحُ العَطّارُ ما أفسَدَ الدَّهرُ؟

وعن اليونان لم يسبق وأن سمعنا …شيئا هاما … عن إقامة إتصالات وحوارات فلسطينية مع احزاب وقوى سياسية مختلفة وخصوصا الحزب الحاكم الان … والله اعلم …. عما يجري من نشاطات المؤسسات الفلسطينية المعنية في ملفات علاقاتنا الدولية …

وقد آثرنا الكتابة اليوم عن أهمية العلاقات الدولية بالنسبة لنا , والحالة التي وصلت عليها , وعدم إعطائها الأهمية اللازمة من التخطيط … والتنظيم , وتدريب الكوادر الضرورية … وإن إحتاج الأمر غلى إعادة تأهيل العاملين في هذا المجال من عتاولة الدبلوماسية … . وحتى لا يبقى الأداء على الساحة الدولية مجرد ردود فعل آنية …. وعلى بركة الله ….

وفي إنتظار أن تتبلور الإمور وتتضح الإهتمامات , لبلورة رؤية مبدئية للتوجات والسياسات اليونانية , وخصوصا ما يتعلق بالشرق الأوسط …الخ . وهي ما زالت الآن ليست ضمن الأولويات الملحة للنظام.

واعني حول رؤيتنا وعلاقاتنا الدولية كل ما يتعلق بالنسيج والمكونات الدولية والمؤسسات الأممية . إن هذه العلاقات وزعامات عربية وأجنبية مرموقة كانت وما زالت بمثابة جسور … وطرقات، على إختلافاتها …. ساعدتنا وتساعدنا على ” العبور ” والوصول إلى أهدافنا الوطنية المنشودة التي نسعى إليها . ومما لاشك فيه كانت العلاقات العربية الواسعة وخصوصا في البدايات رافدا مهما في ما وصلنا إليه اليوم … رغم الطرق الوعرة … و ما آلت إليه أوضاعنا العربية.

وهنا نورد على سبيل المثال بعض واهم الزعامات العربية وغير العربية وادوارها التاريخية لتثبيت الحالة الفلسطينية على رقعة الواقع السياسي العالمي … وظروف تلك المرحلة التي فتحت ابواب واسعة لقبولنا في المحافل الدولية …. وبدأ مسلسل الإعترافات الدولية بحقوق الشعب الفلسطيني … ومؤسساته الرسمية.

وهذا ما يعني اليوم اهمية علاقاتنا وتعاوننا مع هذه الدول والمنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية …

وبكلمات اخرى ضرورة الإستمرار في تجسير هذه العلاقات الدولية و (ترميمها ) لتكون دائما سالكة وجاهزة مفتوحة تحت ظروف وتطورات الحالة الفلسطينية المعروفة …. والتي اصبحت إرتجاجاتها ….وتداعياتها لا تشمل الشرق الأوسط بل تطال الأمن والإستقرار العالمي … وما نحن بصدده في كتاباتنا عن علاقاتنا الفلسطينية اليونانية وما أصابها من الوهن … والضعف …. و ” إنقلاب ” في السيساسات والمواقف التاريخية المعروفة , بشكل غير مسبوق خلال السنوات القليلة الماضية , سوى مثال حي على ضرورو الإستمرار في ” تلميع ” هذه العلاقات بما لنا من رصيد تاريخي.

الأمر الذي يدعونا لتطوير وتحديث وتجديد السياسات الفلسطينية اليوم على الساحة الدولية التي ساعدتنا فيها مبكرا زعامات وقيادات عربية … واجنبية سيكون لها صفحات ذهبية في تاريخنا الحديث :

العاهل السعودي الملك عبد العزيز آل سعود:

عقد الاجتماع الأشهر بين الزعيمَيْن  الامريكي والسعودي في 14 فبراير عام 1945 على متن السفن الأمريكية يو إس إس كوينسي والتي كانت راسية في البحيرات المرة في قناة السويس , بعد الحديث عن العلاقات الثنائية وعالم ما بعد الحرب.

كان الحديث الأهم الذي استفاضا فيه هو القضية الفلسطينية، وزرع اليهود في فلسطين كبلد بديل لليهود. ووعد روزفلت الملك عبدالعزيز بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخذ قرارًا بدعم الدولة اليهودية، الذي اقتنع بأنه سيكون له تبعات مضرة على الجانبَ الفلسطيني.

توفى الرئيس الأمريكي في 12 من إبريل عام 1945 قبل أن توضع الحرب أوزارها بقليل 15 أغسطس 1945…..

ولله في خلقه شؤون

جمال عبد الناصر :

طرح جمال عبد الناصر القضية الفلسطينية أمام مؤتمر باندونج ( إندونيسيا ) الذي تمخض عنه مجموعة دول عدم الإنحياز بمنظور سياسي متميز عما كانت عليه منذ النكبة كقضية إنسانية … واصبحت القضية الفلسطينية قضية تحرر وطني …. وبعد جدال نجح جمال عبد الناصر والحضور العربي في المؤتمر . تبنى إقتراح شو إن لاي رئيس الوزراء الصيني بإدراج القضية الفلسطينية تحت بند حق تقرير المصير ……. وهنا بدأت الإهتمامات والعلاقات الصينية الفلسطينية …. وهذه حكاية أخرى .

في القاهرة … وفي رحلة عمل إلى موسكو إصطحب جمال عبد الناصر معه ياسر عرفات لأول مرة عام 1968 وقدمه للقيادة السوفييتية وتلتها زيارته الثانية في إطار اللجنة السوفيتية للتضامن الشعوب الافرو آسيوية في 16/7/ وقد دلت هاتان المناسبتان بوضوح على ارتفاع مركز منظمة التحرير الفلسطينية. وسرعان ما بدأت صحيفة برافدا تشير إلى الفلسطينيين بأنهم “شعب فلسطين العربي”، وفي ذلك دلالة على الاعتراف السوفييتي بالتطلعات القومية الفلسطينية. ….. وإنعكاسات ذلك على دول المعسكر الشرقي .

تيتو :

وطالما الشئ بالشئ … وطالما الحديث عن شخصيات محورية ودورها المساند والداعم للقضية الفلسطينية … ففي المعسكر الشرقي ( المتميز ) كان لتيتو دور هام دوليا منذ لقاءات باندونج وتاسيس منظومة دول عدم الإنحياز … وظل على هذا النهج حتى رحيله 1980

بيتينو كراكسي: 

من ينسى بيتينو كراكسي رئيس الوزراء الإيطالي …. الذي ترك وطنه ولجا إلى تونس تحت الضغوط الخارجية ومناصرته للقضية الفلسطينسة …. ويذكر أن رئيس الجمهورية الإيطالية الأسبق وعضو مجلس الشيوخ مدى الحياة فرنشيسكو كوسيغا كان قد صرّح بأن إبعاد رئيسي الوزراء الأسبقين اندريوتي … وكراكسي ضمن ما عرف بفضائح الأيادي النظيفة مطلع التسعينات من القرن الماضي كان من تدبير الولايات المتحدة وأجهزة استخباراتها نظراً لتعاطف الاثنين مع القضية الفلسطينية.

فرنسوا ميتران:

أما في فرنسا الذي كان ميتران مثله مثل معظم ابناء جيله يعتبر ان الارض المقدسة هي ارض اسرائيل وفقاً لما كان يعرفه من التوراة ومرجعياتها، اذ انه كان كاثوليكياً من الريف … اكتشف تدريجاً فلسطين والقضية الفلسطينية، من خلال زيارات قام بها للوطن ..

وفي زيارة له للقاهرة 1974 نظم رئيس تحرير صحيفة”الاهرام”في حينه محمد حسنين هيكل، حفلة استقبال، تخللها لقاء رسمي بين ميتران وعرفات اتسم بالبرودة….. وكما هو معرف … ياسر عرفات في حينه لم يكن اتخذ قراره بحمل المجلس الوطني الفلسطيني على تبني خيار القبول بوجود دولتين والتحرير التدريجي لفلسطين. وتم هذا اللقاء قبل سنة من لقاء عرفات بوزير خارجية فرنسا في حينه كلود شيسون وقبل سنتين من فتح مكتب ( إعلامي ) لمنظمة التحرير في باريس…إلى أن سارت العلاقات وتطورت بإستمرار ووصلت إلى أحسن حالاتها في عهد الرئيس جاك شيراك .

وكان مشهدا تاريخيا عند مغادرة ياسر عرفات بيروت والى جانبه السفير الفرنسي وبحراسة جنود فرنسيين، فيما اختار ميتران في 14 تموز يوليو 1982 الحديث رسمياً عن شرف الفلسطينيين وضرورة حماية كرامتهم. … هكذا تمت العلاقات وإستكملت التحولات في فرنسا عند ميتران بين الفترة التي سبقت توليه الرئاسة وبعدها، الى دعم القضية الفلسطينية ومساعدتها.

إسبانيا :

اما في اسبانيا … فجّر وزير الخارجية الإسباني جوسيب بوريل، قبل أيام قليلة ” قنبلة ” سياسية، بالكشف عن نية بلاده الاعتراف بدولة فلسطين، وأن هذا الملف مطروحاً على طاولة الحكومة لحين اتخاذ قرار أوروبي بالإجماع. وأوضح بوريل، أن مدريد ستُمهل شركاءها الأوروبيين فترة معقولة للتوصل إلى توافق حول الموضوع، مؤكداً على أنه سيُترك لكل دولة أن تتخذ القرار الذي تراه مناسباً إذا تعذّر التوصل إلى التوافق.

هذا هو مفوض العلاقات الخارجية للإتحاد الأوروبي اليوم ولمدة خمس سنوات قادمة …. والذي أدان التصرفات الأمريكية في جبل طارق رافضا أن تكون السياسات الأوروبية تحت الوصاية الأمريكية ( والخلافات الإسبانية البريطانية معروفة بخصوص جبل طارق ).

أما عن السويد : 

فقد جاء في بيان وزيرة الخارجية السويدية حينذاك : أن حكومة بلادها اعترفت بمرسوم اليوم (الخميس 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2014) بدولة فلسطين لتصبح بذلك أول بلد غربي عضو في الاتحاد الأوروبي يتخذ قرارا من هذا النوع. وقالت مارغو فالستروم “الحكومة تتخذ اليوم قرار الاعتراف بدولة فلسطين. إنها خطوة مهمة تؤكد حق الفلسطينيين في تقرير المصير”.

إنني اردت التذكير هنا ببعض هذه المواقف التي كانت ثمار نضال شعبنا , وإذ أعود للعلاقات الفلسطينية الدولية وأهمية هذه الصداقات التي كانت بمثابة الجسور التي عبرنا عليها إلى العالم الخارجي التي ساعدتنا وتساعدنا أتذكر إضافة إلى ما سبق شخصيتان محوريتان دعما القضية الفلسطينية على الساحة الدولية : … وهما ربما كانا الأهم في هذه المسيرة وخصوصا دورهما المحوري في علاقاتنا الأوروبية هما: برونو كرايسكي كان مناصراً شجاعاً ومنظراً داعياً ورجل دولة من الطراز الفريد للقضية الفلسطينية وهو اول من فتح الباب امام منظمة التحرير الفلسطينية الى المجتمع الاوروبي في شكل رسمي مقدماً الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، الى الاشتراكية الدولية. وربما …. لم تحظَ القضية الفلسطينية منذ تخلي كرايسكي عن الحكم … بشخصية ذات وزن على المسرح السياسي العالمي بمستواه . لم يجد كرايسكي حرجاً من الاعتراف بأن اسرائيل احتكرت منظمة الاشتراكية الدولية طويلاً جداً وعملت على وضع العقبات في طريق تأسيس اي اتصال بين المنظمة والوطن العربي.

ورداً على سؤال لمجلة دير شبيغل الالمانية في 16 حزيران يونيو عام 1979 حول الموضوع، اجاب كرايسكي: “قدم الوفد الاسباني طلباً في اجتماع باريس بخصوص دعوة منظمة التحرير الفلسطينية لايضاح وجهة نظرها امام الاشتراكية الدولية، ولكن شمعون بيريز ممثل حزب العمل الاسرائيلي رفض الفكرة على اساس ان المنظمة تدعو الى تدمير اسرائيل، لكني تداركت الموضوع …….. مطالباً بحق الرئيس السيد فيلي برانت في سماع وجهة النظر العربية “.

في خطاب له في الجمعية العامة للامم المتحدة في 24 إكتوبر 1979 قال كرايسكي مخاطباً ممثلي دول العالم: “اذا كانت الدول العربية جميعها اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلة للشعب الفلسطيني، وان دول عدم الانحياز قامت بالشيء نفسه وممثل المنظمة حاضر معنا هنا بموافقتنا، فهذا يعني انه في المستقبل القريب سيصبح المجتمع الدولي معترفاً بأن المنظمة هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني “.

وفي سنته الاخيرة صرح كرايسكي : انه من الغلط التفكير بأن منطقة الشرق الاوسط ستكون منطقة راكدة من دون ان يحدث فيها متغيرات عميقة، وسيكون مخطئاً وبعيداً عن فهم التاريخ وايقاعاته الحتمية من يعتقد ذلك.

ووجه نصحه الى الحكام المثقفين العرب …… بأن ينتبهوا جيداً لما يحصل في اوروبا الشرقية وبحساسية كبيرة، فالرياح هناك ليست محلية او اقليمية، انما ستعصف في كل مكان، لانها منظمة لعملية تطور سريعة وسريعة جدا.

هل نسينا هذه الزعامات والمواقف …. أم اصبحت ذاكرتنا …. من ذاكرة الأسماك ؟؟؟

يذكرنا ابو تمام في اشعاره :

إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا .. من كان يألفهم في المنزل الخشن

وأجمل منه قول المتنبئ :

خلقت ألوفا لو رجعت إلی الصبا .. لفارقت شيبي موجع القلب باكيا

أما الشخصية الأوروبية الأخرى فهي اندرياس باباندريو وستكون قريبا عندما نفتح الملف اليوناني …. بمستجداته … وبكل جوانبه …. مرة أخرى .

* السفير ملحم مسعود من كتاب مركز الناطور للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى