أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – في مثل هذا اليوم – 2

السفير ملحم مسعود، اليونان 9.8.2019

عودة إلى الكويت وأهلها الكرام

بعد حكاية الطبيب الفلسطيني الذي كان يعالج مواطنين كويتيين …. والضابط الفلسطيني الذي كان يحضر نفسه لتحرير فلسطين ….ووجد نفسه في ازقة الكويت ... في مقالنا السابق .

نواصل الحديث الذي أعتبرهشهادة … اكثر منه حكاية .

ياسر عرفات … والقطبة الخفية في زياراته المتكررة …. لصدام حسين  

في البداية هذا ما سمعته من ابو عمار شخصيا قبل ايام من إندلاع الحرب ….  و لم أدعي يومابأنني اعرف كل شيئ …  كما يدعي الكثيرون .

بداية تستحضرنا مجالس ابو عمار , التي كانت تتميز إضافة إلى إمتداداتها في الامسيات لساعات طويلة ومتاخرة … باركانها المداومين دوما ….

 ما يمكن تسميتهم ” جوقة ” : ( المطبلاتية … ) …. ولم أكن على علاقة طيبة معهم …

ليس هذا موضوعنا اليوم …  لكن في الحقيقة لم يكن ابو عمار منسجما أو متفقا او مرتاحا …. دائما بما إعتادوا عليه من ( … التطبيل ) والتعليق على أحاديث آخر الليل …. و كان وجودهم ودورهم في المداخلات كما يبدو , مسموح به إلى حد كبير , إن لم يكن مهمتهم الغير معلنة … وإلا لماذا ؟؟؟

من ناحية اخرى …. كان الأمر الذي وفر على أبو عمار معاناة المشاركة وكسب الوقت  في أشياء اهم … بين أوراقه , وملفات تنتظر توقيعاته … والله اعلم .

في تلك الايام  , ومناخ ما قبل الحرب في الكويت , إستدعاني ابو عمار على عجل  ليكلفني في مهمة خاصة في قبرص …

وكانت هواجسي , دائما كما هو حال الجميع , إندلاع الحرب , كيف ومتى ؟؟؟

الحرب التي بدت حتمية ومهًد لها صدام حسين بكل غباء يمكن ان يتصوره عاقل. … وإزدياد القلق العالمي على تداعياتها …. كانت تطورات الأحداث جميعها تتسارع نحو  الاسوا . او كما قال الشاعر الأموي نصر بن سيار:  

   أرى تحت الرماد وميض جمر     ويوشك أن يكون له ضرام

كفلسطيني يشغلني الموقف الرسمي للقيادة الفلسطينية , وانا شخصيا ضمن هؤلاء الذين تساءلوا عن سبب تعدد زيارات ابو عمار إلى بغداد …. والتي كان لها  موضع بارز في الإعلام العراقي … كما هو مفهوم .

وصلت إلى  تونس بناء على طلبه …. وجدتها فرصة  ذهبية إذا سمحت ظروف اللقاء …  لمعرفة القطبة الخفية عن أسباب هذه الزيارات …. والمناكفة التي  حدثت بين صدام حسين وابو إياد والتي كانت اقرب ( للعراك …. ) عندما قالأبو إياد لصدام حسين  :  خربتوا بيوتنا …. وباقي القصة معروف . وكانت كافية ومعبرة عن حقيقة الموقف الفلسطيني.

رحم الله ابو إياد…  كان قائدا مهابا , متميزا … ومن  ” طينة نادرة “ وهذه حكاية اخرى . 

لدي وصولي إلى تونس كنت اتمنى لقاء ابو عمار على إنفراد … تجنبا لجوقة ” المطبلاتية “ إياها … وسعدت عندما جاء من يخبرني عن الموعد  …. سيكون في صباح اليوم التالي , وسياتي من يصطحبني إلى هناك ….

إلتقيت ابو عمار على إنفراد , وبعد الحديث عن المهمة المطلوبة في قبرص , اضاف ما  يمكن نقله من تصورات ومواقف فلسطينية رسمية عن تطورات الاحداث التي شغلت الجميع في المنطقة والعالم ,  للرئيس القبرصي  وقلقهالشديد على تداعياتها , لأن الحرب باتت محتومة ( على حد تقديره )  

وتجاذبنا الحديث في الموضوع نفسه

تاريخ الكويت … , والايام  المبكرة للعمل الفلسطيتي هناك … وقضايا الخلاف الحدودي العراقي … الكويتي . والإعتراف  المبكر من قبل حكومة نوري السعيد  عام 1932 بالحدود القائمة للإمارة الكويتية مع العراق … كذلك تصريحات السفيرة الأمريكية ( الملغومة …. والتي تم تفسيرها … كل على هواه … ) بعد لقائها الشهير مع صدام حسين ….الخ .

وكان ابو عمار يستذكر دائما الكويت وأهلها بمحبة نادرة .

وفي النهاية طلب مني البقاء لتناول طعام الفطار بصحبته . ووجدتها فرصة سانحة على خلفية المهمةالتي كلفني بها   , للمزيد من المعلومات …. والمواقف ( كان ابو عمار : مخزن ومصدر لا ينضب من المعلومات ربما كان بسبب علاقاته الواسعة جدا … ) يستانس بها الزعماء وكبار القوم ممن يلتقيهم ويتحادث معهم في رحيله وترحاله وكانهم يقولون له دوما :

سلاماً على قلباً يرافقك أينّما تكُن فيّ الحّل و الترحّال

وأصبح لي أكثر من سبب ان اطرح عليه السؤال حول زياراته المتكررة لصدام حسين دون وجل …. وكانت إجاباته….

بين الفَضْفاضِ المُعمّمِ … والدقيقِ المُحدّدِ !

ما زلت أتذكر بعضها قوله  إن الشارع الفلسطيني هو البوصلة التي حددت المواقف ….

وراح يسالني …… وهو يجيب عن سؤالي :

إذا كنت على علم ومتابعة لما يحدث في الضفة الغربية ….والمخيمات الفلسطينية في المناطق المختلفة في أماكن وجودها ؟؟؟

واضاف هذا هو إتجاه الريح … والظروف التي تصنع الأحداث … كما قال الشاعر حِطّان بنِ الْمُعَلَّي الطَّائِي

لو هَبّتِ الريحُ على بعضهـم  لامتنعتْ عيـني من الغَمْضِ

قاطعته …. قائلا ( بعيدا عن تدخلات ” المطبلاتية ” طبعا )

أنت الزعيم … انت القائد … وذكرته بماقف ديجول من أحداث عام 1968 ملاحظة لم ترقى له وواصل حديثه وكانه في مقابلة صحفية .

وكانت مداخلاتي هذه المرة …. لتذكيره بأنني ذاهب في مهمة دقيقة واريد” التسلح ” بالمعلومات الكافية لأنجح في مهمتي , واتجنب   ” المطبات ” في لقائي مع الرئيس القبرصي الذي قضى دهر من الزمن في دهاليز الدبلوماسيةالعالمية .

وهنا واصل أبو عمار حديثه باريحية كاملة وإرتياح واضح …. تحدث عن صدام حسين … ووصفه بالتعنت , والغطرسة …. و قال : صدام حمل حجرا كبيرا ً…

سالته عن موقف ” أبو ياد ” من صدام حسين …. وقال ما معناه نعم انه الموقف الفلسطيني الذي كنا نريد إيصاله للشارع الفلسطيني , وشعبنا . كذلك للإخوة في الكويت …  والعرب جميعا . وإختتم كلماته قائلا لي وبلهجته المصرية المحببة …. الآتي أعظم :

وسالني ما رأيك تاتي للجلوس على هذا الكرسي … ونتبادل المواقعحتى أرتاح انا بدوري ؟؟؟

فقلت له انا العبد الفقير إلى الله …. افضل الذهاب في المهمات وهي على كل حال …. من الوزن الخفيف رحمهم الله جميعا . 

في تاريخ 12 ديسمبر اعرب الرئيس الفلسطيني ابو مازن لدى وصوله الى مطار الكويت عن “اعتذار” المنظمة للكويت وللشعب الكويتي عن  دعمها الذي أعلنته للرئيس العراقي السابق صدام حسين أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990 في بدء زيارة رسمية هي الاولى لمسؤول فلسطيني كبيرإلى الكويت منذ جمدت الكويت علاقاتها بالمنظمة قبل أربعة عشر عام من هذا التاريخ ….

وكان هو شخصيا كما هو معروف اكثر تحفظا على بعض تصرفات و “مواقف فلسطينية …. كذلك خالد الحسن و آخرين من القيادات الفلسطينية. ….

وكان كما يبدوا الأخ الرئيس بتصريحاته كريما جدا

ومن الشجاعة لمثل هذا التصريح للكويت واهلها… لعبور الموانع والحواجز النفسية … التي نركتها  هذه الأحداث …. لدي أطراف كثيرة …

( الذي وصفته وسائل الإعلام ) بغير المتوقع بعد أن أعلنت الحكومة الكويتية انها “صفحت عن الفلسطينيين وانها لن تسعى لاعتذار رسمي من الفلسطينيين على دورهم المؤيد للرئيس العراقي السابق صدام حسين أثناء هذا الغزو

أخيرا … والشئ بالشئ يذكر لا ننسى الذين حاولوا الإنتقام  من الفلسطينيين ….  الذين صمدوا مع اهل الكويت …. وهم قلة كويتية  قليلة ….. ونحن ايضا سامحناهم …. وصفحنا عنهم …

وستظل بطولات  وتضحيات كويتية  وفلسطينية  رفضت الإحتلال ….. في ذاكرة الاجيال ….

يذكرنا به الطبيب الفلسطيني الذي كان يعالج الكويتيين في ظل الإحتلال  .

* السفير ملحم مسعود من أسرة مركز الناطور للدراسات والابحاث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى