أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – عِراك أوروبي … والبيت يحترق

السفير ملحم مسعود – اليونان 31.3.2020

عقد الإسبوع الماضي قادة الإتحاد الأوروبي مؤتمرهم الإستثنائي لماقشة تداعيات “كورونا ” في الدول الأوروبية , وإنتهى مؤتمرهم الذي إستغرق 6 ساعات (من خلال دائرة الفيديو )  والذي يمكن وصف نتائجه وما تمخض عنه من ” بيان مشترك ” كأن حالهم يذكرنا بحكاية الإعرابي والإسكافي …  التي صارت مثلا : ” جئتكم بخفي حنين “

الذي جاء فيه ( البيان ) :  “نحن ندرك تماما خطورة العواقب الإجتماعية والإقتصادية لأزمة (كوفيد – 19) وسنفعل كل ما هو ضروري لمواجهة هذا التحدي بروح من التضامن”. 

وتم تحويل الملف إلى مجموعة اليورو التي تضم وزراء مالية دول منطقة  اليورو للعمل على التوصل ( لمقترحات ) خلال أسبوعين , وحتى ذلك الحين  وبكل ما سوف تحصده عاصفة كورونا وتتمدد على الأراضي الاوروبيىة (المانيا الآن تسير الإمور نحو الأسوأ ، أما  بلجيكا فدخلت مرحلة الخطر  بتزايد عدد الوفيات يوميا، أما إيطاليا وإسبانيا وفرنسا حدث ولا حرج)… واماكن واسعة في عالمنا بطبيعة الحال  سيكون لكل حادث حديث .

من يسمع ردود الفعل على هذا اللقاء وما  تمخض عنه يدرك ما وصل إليه الحال الأوروبي و يجعلنا نتساءل هل بدأ التصدع يدب في ” القارة العجوز ” ومنها ضمن  ما قاله رئيس البنك المركزي الهولندي في كلمتين :

“المنزل يحترق” 

فيما حذر رئيس المفوضية الأسبق جاك دولور: (من ان  المناخ الذي يبدو سائدا بين رؤساء  الدول الأوروبية والحكومات وغياب التضامن الأوروبي يمثلان تهديدا قاتلا للإتحاد الأوروبي ) وخرج عن صمته محذرا … الجرثومة عادت من جديد”.

كذلك عبًر رئيس الوزراء الإيطالي بمرارة عن الأوضاع المأساوية التي تمر بها إيطاليا ودعوته الى الإتحاد الأوروبي : بان لا يرتكب أخطاء ماساوية .. وأضاف : “إن مشروع الاتحاد الأوروبي بأكملة سيفقد مضمونه والغرض من وجوده”.

أما الرئيس الفرنسي صرًح لن نتغلب على هذه الأزمة دون تضامن أوروبي قوي على مستوى الصحة والموازنة .

من جهتها قالت إيملي دي مونشالين وزيرة الشؤون الأوروبية في حكومة باريس لو كانت أوروبا تعني فقط سوقا موحدة في أوقات الرخاء فلا حاجة لها ”.

بات من الواضح أن هذه الأزمة درسا يجب تعلمه مما يحدث الآن وعلى مدى الأسابيع الأخيرة وكأنه في اوقات الأزمات والكوارث فعلى كل دولة أن تبقى على حالها وتدبر شؤونها بمفردها …

وكانت قد صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية ( وهي ألمانية ) وتلميذة السيدة ميركل ، وشغلت منصب وزير الدفاع في المانيا قبل شغلها هذا المنصب قبل شهور قليلة قائلة :”في المرحلة الحالية لاتستبعد أي خيارات ضمن حدود قواعد الإتحاد الأوروبي” !!!.

وكانت مجموعة من الدول الأعضاء ومن بينها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ( وهي الدول التي تضررت أكثر من غيرها) قد دعت إلى إتخاذ مزيد من الخطوات لمواجهة التداعيات الإقتصادية لتفشى الفيروس , ومنها إصدار سندات مشتركة يطلق عليها ” سندات كورونا “ ، تحفظت عليه ألمانيا ، وكان موقف السيدة فون دير لاين رئيسة المفوضية في بيان لها : ‘إن المفوضية سوف  تشارك في هذه المناقشات ، وهي مستعدة لتقديم المساعدة …. إذا دعمتها دول مجموعة اليورو” ... بمعنى آخر فهي ألقت الكرة في الملعب الألماتي بشكل مباشر .

بعد حوالي سبعة عقود من مشروع الوحدة الأوروبية , وامام الأزمات لم تعبر عن نفسها ووحدتها وحضورها وقوتها وثقلها الإقتصادي والسياسي والإجتماعي في ظل غياب المؤسسات الجاهزة و القادرة لمواجهة الأزمات سواء كانت وباءا  او حروبا أو كوارث طبيعية …الخ. والمفروض التعامل معها ضمن خطط الطوارئ  الموضوعة والمتفق عليها أوروبياسلفا , ولديها كل الإمكانيات و الصلاحيات الإستثنائية اللآزمة للتعاطي معها … لنرى اليوم ما وصلت عليه الإمور ( وإنكشف المستور ) :

العجز عن مواجهة الحالة و إيجاد الحلول وتامين حزمة دعم للدول الأعضاء الأكثر تضررا من  كورونا، وطالما بقت دول جنوب القارة تدين ” أنانية ” دول الشمال الأوروبي الذين يشعرون بالغضب من اضطرارهم لتحمل الأعباء المالية لمواطني دول الجنوب الأوروبي الأضعف ماليا واقتصاديا، ولو كان ذلك على حساب بقاء الاتحاد الأوروبي، و تهدد مستقبل اوروبا ، وما تحقق من إنجازات وصناعة المصير المشترك … هل ستكون هذه الأزمة المختلفة عن غيرها  مقدمة للعودة والإعتكاف داخل حدودها القديمة ومواجهة ما ينتظرها من ويلات وحروب… و…وباء . وتصبح الأحلام الاوروبية من الماضي الجميل.  

هناك من قال : كانوا سبب نكبة العالم مرتين … وماذا يريدون الآن ؟؟؟ .

وها نحن في إنتظار ما سوف يتمخض عنه إجتماع وزراء مجموعة اليورو  بعد أيام قليلة … وربما تكون الحلول الوسطية بين التضامن المالي والتفاهمات السياسية سيدة الموقف .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى