#أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب – عرفات … في زيارة تاريخية لليونان

بقلم : السفير ملحم مسعود – اليونان 14.12.2020

في مثل هذا اليوم الرابع عشر من شهر ديسمبر عام 1981 وصل عرفات يرافقه وفد كبير من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية لليونان , قادم من أبو ظبي  على متن طائرة خاصة وضعها تحت تصرفه الشيخ زايد رحمه الله … ايام الزمن الجميل , احسن الله حالنا … في زيارة رسمية لمدة ثلاثة أيام , اُستٌقبل عرفات إستقبالا  رسميا وشعبيا في ظاهرة لم يسبق ان إستقبلت اليونان زعيما بمثل هذه الحفاوة والترحيب … وبالتاكيد لم يُستقبَل عرفات في أي بلد آخر أوروبي او غيره بمثل ما أُستقبل فيه في هذا اليوم في العاصمة اليونانية اثينا .

( والشء بالشء يذكر … كان إستقبال باباندريو واركان الدولة اليونانية لياسر عرفات على رصيف الميناء التي وصلها  من بيروت عام 1982 على ظهر السفينة اليونانية اطلس من الأهمية البالغة … رغم الدولة اليونانية كانت منشغلة بالكامل بوصول الرئيس الفرنسي ميتران في نفس اليوم ).

تاتي أهمية  هذه الزيارة وما تمخض عنها ( فلسطينيا ) في أوروبا  … وإلى حد ما في امريكا أنها  دفعت زعامات أوروبية من العيار الثقيلأن يسرٍعوا حراكهم من أجل القضية الفلسطينية … ونعني هنا برونو كرايسكي مستشار النمسا بين عام 1970 حتى عام 1983 والذي يعتبر من أنجح قادة النمسا الإشتراكيين كان كرايسكي هو أول رئيس حكومة غربية يستقبل عرفات بصورة رسمية ويسمح لمنظمة التحرير الفلسطينية بفتح سفارة في فيينا في عام‏ 1977م

كان باباندريو قد صرح قبل الإنتخابات بأنه سوف يعترف بمنظمة التحربر …وحق تقربر المصير للشعب الفلسطيني … وسيدعو ياسر عرفات لزيارة اثينا ورفع التمثيل الفلسطيني إلى مستولى دبلوماسي  … بعد أيام قليلة كان قد  إستقبل   وفدا من أعضاء الكونجرس الأمريكي وسالوه عن هذه التصريحات … أكدها وقال لهم سوف يأتي قريبا دوركم للإعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وتعترفوا بمنظمة التحرير الفلسطيبية.

الأهم أن زيارة عرفات لأثينا في ذلك اليوم مما لاقاه من ترحيب شعبي كان لها الكثير من الدلائل ,  والظروف  التي خلطت الأوراق … وكان ثقل باباندريو السياسي أهم هذه المفارقات التي صنعت الحدث في ذلك المكان والزمان .

أما الزعيم الأوروبي الاخر فهو السويدي أولف بالمه الذي أصبح رئيسا للوزراء في بلده عام   1969 وكان رئيسا لأكبر حزب سويدي على مدى مئة عام . تم إغتياله مساء يوم 28 فبراير من عام 1986 وهو خارجا برفقة زوجته من إحدى صالات السينما متوجهين لأخذ قطار الأنفاق المحلي إلى منزلهما وبدون اي حراسة ولا من يحزنون , أطلق مجهول عدة عيارات نارية وقضى حتفه بالحال .

وفي مراجعة سريعة لمواقف هذه الزعامات الأوروبية المتقدمة و التي تمثل كل منها حالة خاصة مختلفة عن الأخرى , لكنها مكملة لبعضها البعض شكلت مفترقا هاما لوضع … و تثبيت ” فلسطين ” على رقعة الحياة السياسية.

عرفات وباباندريو بين الجماهير اليونانية ويبدو في الصورة السفير ملحم مسعود

الحالة اليونانية :

تمحورت السياسة في اليونان آخر الفترة الملكية في الستينيات حول الشخصيةالسياسية التاريخية كوستانتينوس كرمليس من جهة … وجورج باباندريو (والد اندرياس باباندريو ) من جهة أخرى , وبعد وقوع الإنقلاب العسكري في إبريل من عام 1967 خيًمت على البلاد أسوأ فترة في تاريخها من جراء الدكتاتورية ومماراساتها . حيث بدت ظواهر إقتراب مرحلة  السقوط الكبير للنظام الدكتاتوريإبتداء من إضراب  طلبة الحقوق في جامعة أثينا في فبراير 1973  والذي زاد من تطرف النظام بالمزيد منالبطش و القمع … ثم وقعت في نفس العام الإضطرابات الكبرى في كلية الهندسةوشارك فيها بجانب الطلبة مواطنين عاديين وعرف يوم  17 نوفمبر باليوم الدامي , حيثداهمت مبنى الكلية في وسط العاصمة وحدات من الجيش مستخدمة الدباباتوالأسلحة الثقيلة بإقتحام مباني الكلية وسقوط العشرات من القتلى , وتحتفل اليونان بذكرى هذا الحدث التاريخي كل عام ... أحداث عشتها عن قرب وشاهد لها .

ظلت الزمرة الحاكمة في اثينا تتآمر على نظام مكاريوس في قبرص لقلب نظام الحكم ,وحاولت مع رموزها في الجزيرة بتاريخ 15 يوليو من عام 1974 قلب النظام … وإستطاععملاء النظام اليوناني إستلام السلطة لأيام قليلة  (تمكن مكاريوس من الفرار خارج البلاد ) رغم إدعاء الإنقلابيين من راديو قبرص عن مصرعه…   وكان من تداعياتها المباشرة  ان حلت ( النكبة ) في قبرص واهلها  بالغزو التركي لشمال الجزيرة …

إنهار نظام الجنرالات في اليونان … وإضطروا لتسليم السلطة للمدنيين ودعوا الزعيم اليوناني التاريخي  كوستانتينوس كرامليس بالقدوم والعودة من باريس لإقامة الحكم المدني  … وفي الحال وضع الرئيس الفرنسي الراحل جيسكار ديستان طائرته الخاصة لعودة الزعيم اليوناني لبلده . والذي كان قد إختار باريس كمنفى إختاري له قبل إنقلاب 1967 تعبيرا عن عدم الرضى على ما آلت عليه الأوضاع السياسية في البلاد وتدخلات القصر الملكي في الحياة السياسية للبلد . وكانت الأولويات إجراء إنتخابات برلمانية حرة  … وأسس الزعيم العائد حزب الديوقراطية الجديدة ( الحزب الحاكم الآن ) وخاض الإنتخابات وفاز الحزب وتشكلت حكومة برئاسة كرمليس  وبدأت المسيرة الديموقراطية .

إستعادت اليونان الحياة السياسية والديموقراطية في ظروف أفضل مما كانت عليه في سنوات ما قبل الحكم العسكري ... مع إستمرار الماساة القبرصية وتداعيتها التي لم تنتهي أبدا …

عودة للزعامات اليونانية :

… جورج باباندريو توفى في اليونان , جرت له جنازة مهيبة رغم مضايقات العسكر , وكان إبنه اندرياس قد تمكن من مغادرة البلاد بعد شهور من وقوع الإنقلاب وظل يتنقل بين أمريكا وكندا والسويد  التي سبق وان عمل فيها محاضرا وله الكثير من الابحاث والدراسات الإقتصادية . وحين شعر بقرب سقوط النظام   إستقر في باريس اخيرا ليكون أقرب للوطن وشكل في المنفى تنظيم ( باك ) لمناهضة الحكم العسكري في بلاده ... وعاد للوطن بعد سقوط النظام بوقت قصير ليشكل حزب الحركة الإشتراكية .

إهتم أندرياس باباندريو مبكرا بالإتصال مع الثورة الفلسطينية , وارسل أكثر من مرة ممثلين عنه إلى قبرص وطلبوا من الدكتور ليساريدسزعيم الحزب الإشتراكي القبرصي مساعدتهم … وبحكم عملي أو مهمتي في قبرص واليونان , كنت قريبا جدا من  هذه الشخصية القبرصية وكوادر حزبه , وآخرين من فعاليات المجتمع القبرصي , وبطبيعة الحال كان يقدمني لهم لمساعدتهم بالإتصال بالفلسطينيين بالسفر إلى بيروت ولقاء قيادات فلسطينية … الخ . وبدات عمليا الإتصالات والتعاون بيننا وبين رموز يونانية عديدة على مختلف مشاربها السياسية  … وكانت من أهم هذه الشخصيات اليونانية التي أقمتُ معها في قبرص خلال الحكم العسكري علاقات قويةكارلوس بابولياس …علاقة شخصية إستمرت حتى يومنا هذكارلوس بابولياس الذي اصبح لاحقا ولسنوات طويلة وزيرا للخارجية … ثم رئيسا للجمهورية طوال عشر سنوات … أتمنى  له الصحة وطول العمر .  

ربما كانت هذه الخلفية المختصرة و التاريخية السريعة لمعرفة المناخ السياسي السائد في اليونان إلى حد ما في تلك الحقبة الصعبة في هذا البلد …

وهنا تاتي أهمية زيارة عرفات الرسمية التي دعاه إليها باباندريو … ( ياله من قدر … كان عرفات أول الزعماء الذين إلتقى بهم باباندريو … وآخرهم قبل رحيله بأيام ) وقد سبقتها احداث وتطورات ساعدت في تسريع وتفاعل العلاقات , جعلت الزعيم اليوناني قريبا من ( الحالة ) الفلسطينية وتفهمه لها أكثر من أي وقت آخر   عندما كان أندرياس باباندريو زعيما للمعارضة قبل نجاح حزبه الإشتراكي الكاسح في إنتخابات نوفمبر عام 1981 دعاه حافظ الأسد بإسم حزب البعث كرئيس حزب إشتراكي أوروبي لزيارة سوريا … دعاني باباندريو في أثينا وأخبرني عن موعد الزيارة وطلب مني ترتيب لقاء مع قائد الثورة الفلسطينية ياسرعرفات خلال زيارته لسوريا  ما امكن ذلكواكدت له ان هذا ممكن ومهم وسوف يساعد في تطوير العلاقات , ابلغت ابو عمار قبل أيام من موعد الزيارة , و قال لي بالحرف الواحد  خيرا إنشاء الله .

وصل باباندريو دمشق ووسط ترحيب كبير في سوريا و برنامج مزدحم كنت في دمشق على إتصال معه ومع مساعديه وجرى ترتيب اللقاء وتم في مكتب ابو عمار المعروف ب ال23  … في الوقت الذي كانت طائرة روسية خاصة في إنتظار  أبوعمار للسفر إلى موسكو … وبعد اللقاء أسر لي باباندريو باهمية اللقاء رغم ضيق الوقت وإقترحت عليه بإستكمال الحديث والحوار مع قيادات فلسطينية ورحب بكل سرور وتم اللقاء مع أبو جهاد وبحضور أبو الوليد ( سعد صايل ) رحمهما الله جميعا … ولدي مغادرة باباندريو منزل أبو جهاد ليلا سالني هل بإمكاننا متابعة الحديث في اليوم التالي وكان ذلك .

كان باباندريو شخصية أوروبية من العيار الثقيل , بما له من علاقات امريكية ( اللوبي اليوناني … وأعضاء في الكونجرس الأمريكي … واساتذة الجامعاتووصول سبيرو اغنيو اليوناني  إلى موقع  نائب الرئيس الأمريكي نيكسون ومرشحين لرئاسة امريكا دوكاكيس…الخز ) كذلك في كندا والسويد . كذلك زعامات أوروبية وكان  الآباء المؤسسين للمشروع الأوروبي إنطلاقا بالسوق الأوروبية المشتركة يكنُون له إحترام خاص , وكما هو معروف كان إنضمام اليونان المبكر للسوق المشتركة كان ( ضبابيا ) إن صح التعريف , وبكلمات أخرى غير مكتملة للشروط … لكن ”  الكبار … إياهم ”  ارادوا ان تكون اليونان مهد الديموقراطية معهم ضمن المشروع الاوروبي الكبير .

المشروع الأوروبي  : 

كان باباندريو يوصف السوق المشتركة ( إنضمت اليونان رسميا عام 1979 ) وحلف الناتو( بأقذع الأوصاف ) وقبل توليه السلطة وبعدها ظل يهدًد بالإنسحاب من الناتو لكن مداخلات أوروبية – امريكية  جعلته يتريث , ثم تهادن معهم وجاءت البرامج الاوروبية لليونان لتصب في دعم المشاريع الإنمائية التي كان وعد بها الجماهير , وحقق إصلاحات وتصحيحات , لصالح المزارعين ورجال الدين وفئات إجتماعية اخرى . وكما هو معروف فإن رئيس الوزراء السابق كوستانتينوس كرامليس سمح ( اخيرا ) بعد عودته من باريس بحرية العمل والنشاط للحزب الشيوعي اليوناني والذي كان محظورا في الماضي أما باباندريو فقد دعى لاحقا إلى المصالحة الوطنية وما تبقى من  ندوب الحرب الاهلية , بدعوة كل اللاجئين السياسيين في المنافي ( كانوا منتشرين في الدول الشرقية ) للعودة إلى الوطن وحفظ كل حقوقهم الوطنية

عربيا :

كان باباندريو  متفائلا بإنفتاحه وتوجهاته الشرق أوسطية والعربية بشكل خاص (لكن الرياح لا تاتي  دائما بما تشتهيه السفن … ) وتمكن بشخصيته السياسية وحضوره من جلب معمر القذافي إلى طاولة المفاوضات مع الرئيس الفرنسي ميتران في جزيرة كريت 15 نوفمبر 1984 لإنقاذه بالخروج من المستنقع ( التشادي ) لخلطه وجهله بالخطوط الحمراء ... وضم الوفد المرافق للقذافي 80 إمراة لحراسته وامنه كما ورد في الصحافة اليونانية.    

وبعد سنوات كان باباندريو خارج الحكم وفي لقاء معه , تحدثنا في مواضيع وذكريات مختلفة … سألته عن رايه في معمر القذافي الذي عرفه عن قرب ؟؟؟ وكانت إجابته قصيرة … ومفيدة : “هذا شخص مريض … مزاجي … عديم المصداقية … نهايته ستكون سيئة وتمنى الخير للشعب اليوناني” .

زعامات أوروبية :

برونو كرايسكي والقضية الفلسطينية .

سياسي نمساوي شغل مناصب متعددة في بلاده , وأصبح مستشار النمسا بين عام 1970 وعام 1983 ويعد أنجح قادة النمسا الإشتراكيين وأكثرهم تأثيرا إذ تحولت النمسا في فترة توليه منصب المستشار من دولة صغيرة محايدة إلى دولة ذات ثقل مؤثر في السياسة العالمية علاوة علي تحقيق نهضة إقتصادية كبيرة جعلت النمسا من أغني دول العالم حاليا وتكريما له فقد قامت مؤسسة برونو كرايسكي لحقوق الإنسان والتي تأُسست في شهر أكتوبر عام 1976م في مناسبة بلوغ المستشار النمساوي برونو كرايسكي سن الخامسة والستين , وكان أول مستشار يهودي للنمسا ليشغل هذا المنصب … وكانت إتجاهات كرايسكي العلنية الصادقة ومواهبه الفريدة الناجحة قد شكلت تيارا معاديا له في قارة أوروبا تقوده إسرائيل التي لم ترض أن ترى كرايسكي اليهودي معارضا للصهيونية .

ومن مواقف ومبادئ كرايسكي الشهيرة أنه كانت له أوثق العلاقات بالشخصيات الدولية في الغرب والشرق فقد دعم الزعماء الدوليين آنذاك في مواقفهم الوطنية ووقف مع مبادئ مؤتمر باندونج بإندونيسيا الذى عقد في عام 1955م وأرسي مبادئ عدم الإنحياز ومبدأ الحياد الإيجابي وكان بمثابة النواة الاولى لنشأة حركة عدم الإنحياز وتوثيق التعاون الدولي وشجب التمييز العنصري وتأكيد حق الشعوب بما فيها العربية في الإستقلال ونيل حقوقها الوطنية وكان على طول الخط مطالبا بإقامة دولة فلسطينية أسوة بقيام دولة إسرائيل التي تحارب قيام مثل هذه الدولة .

وكان كرايسكي هو أول رئيس حكومة غربية يستقبل عرفات بصورة رسمية ويسمح لمنظمة التحرير الفلسطينية بفتح سفارة في فيينا في عام‏ 1977م وفي العام التالي 1978م أجرى كل من كرايسكي وفيلي برانت زعيم الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني والرئيس المصرى أنور السادات وزعيم المعارضة الإسرائيلية شيمون بيريز مباحثات مكثفة حول حل سلمي في الشرق الأوسط في فيينا وفي يوم 7 يوليو عام 1979م

جاء في مذكرات كرايسكي حول الخلاف ما بينه وبين إسرائيل وبالنص :

إن إسرائيل تدعي بأن أصل اليهود كلهم في العالم هو من فلسطين وأنا لا أرى هناك خطأ أكبر من ذلك وإذا ما أردنا أن نحكم على المسألة اليهودية بعيدا عن مفهوم الصهيونية هنا سنكون قد وصلنا الى سر قيام دولة إسرائيل وإن أكثرية الشعب اليهودي في إسرائيل منذ قيامها هم من العرب وأن المؤسسين لدولة إسرائيل أصبحوا أقلية فيها بحكم أيديولوجيتهم الصهيونية وإذا ما عرفنا حجم التناقضات الموجودة بين الطرفين أدركنا حجم المشاكل المركزية داخل إسرائيل …. الخ .

وكان من مفارقات القدر أن يرحل كرايسكي عن الدنيا يوم 29 يوليو عام 1990م وأن ينهار الإتحاد السوفيتي وأن تسقط الشيوعية في العالم كله في نفس الوقت  … وإحتراما لذكراه لكونه كان من الحكام الوطنيين المخلصين الصادقين الذين كانوا يمتلكون كاريزما الزعامة عن جدارة وإستحقاقوالذين خدموا شعوبهم بكل ما كان لديهم من عزيمة وإصرار وتركوا الذكرى والأثر الطيب الذي يخلدهم الى أبد الآبدين وقد إحتفلت النمسا في يوم 22 يناير عام 2011م بمرور 100 عام علي مولد هذا الرجل العظيم وفي يوم 29 يوليو عام 2015م تم إحياء ذكرى وفاته الخامسة والعشرين وأقامت في هاتين المناسبتين مجالس البلديات في عموم النمسا والبرلمان النمساوي العديد من الإحتفالات والفعاليات كما تم إفتتاح معارض للصور الفوتوغرافية والكاريكاتورية عنه وأخرجت عنه المسرحيات المتعددة منها النبي الأحمر والماركسي المشبع بالأحاسيس والنمساوي الحقيقي أوالمستشار ذو الرؤيا البعيدة والعالمية أو ملك الشمس أو كرايسكي العملاق او مترنيخ النمسا اليوم أو الشيخ كرايسكي  … صديق فلسطين .

اولف بالمه والقضية الفلسطينية :

تولى بالمه وحزبه السلطة في انتخابات عام 1982 لتكون بداية المرحلة السياسية التي تكثفت فيها الاتصالات بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي ومنظمة التحرير الفلسطينية. ومباشرة بعد الانتهاء من مؤتمر الاشتراكية الدولية الذي عقد في مدينة بال السويسرية في عام 1982، المؤتمر الذي نادت فيه السويد والنمسا وألمانيا بحق الفلسطينيين في تقرير المصير وبناء دولتهم المستقلة .

كان يوم 13إبريل 1983 تاريخي فعلا بوصول ياسر عرفات للعاصمة السويدية ستوكهولم حيث التقى عرفات يومئذ بزعماء الاشتراكية في كل من الدانمارك (أنكر يورجينين، وشيلد أوليسن) والنرويج (السيدة جروهارليم برونتلاند، والسيد تورفالد تولتينباري)

وقال بالمه عن هذه الزيارة:

إن دعوة الأحزاب الاشتراكية في دول الشمال للسيد ياسر عرفات تشكل دفعاً خجولاً للجهود الرامية لعملية السلام… لقد مضى الزمن الطويل على دول الشمال لتعي قضية الشعب الفلسطيني وفينلندا (السيد اريكي ليكانين) والسويد (السيد أولوف بالمه، وستين أندرشون).

كانت زيارة ياسر عرفات، واقتراب منظمة التحرير الفلسطينية من أوروبا الشمالية وأوروبا الغربية، الأمر الذي سيؤدي مع مرور الزمن إلى فتح علاقات وحوارات بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية – وهذا ما حصل فعلاً بجهود وزير الخارجية السويدية وأبو الدبلوماسية الصامتة السيد ستين أندرشون عام 1988 وبذلك تكون دائرة المحرك السياسي قد اكتملت دولياً. فالمتتبع؛ يدرك مسيرة التحرك الدولي لمنظمة التحرير الفلسطينية للحصول على الاعتراف بها وبنضالاتها المشروعة وتحقيق أهدافها. فحصلت منظمة التحرير مثلاً على الاعتراف من التجمع العربي بها، ثم التجمع الإسلامي فالإفريقي، وتكتل وارسو للدول الشيوعية، ومجموعة دول عدم الانحياز، والآن جاء دور أوروبا الشمالية والغربية عبر الدخول من بوابة الاشتراكية الدولية بمساعدة، برونو كرايسكي وأولوف بالمه وويلي برانت وباباندريو وفرانسوا ميتران وغيرهم.

رحل بالمه بسرعة … ولم يبق على قيد الحياة ، وخرج من عالم السياسة وإلى الأبد بشكل عام. لقد تم التخطيط لقتله بتؤدة وروية. وخرج أحد الكتاب الكبار، يان جييو، ليشير إلى : “أن الموساد قد نفذ عدداً من الجرائم في السويد وبمساعدة جهاز المخابرات السويدية سابو. 

وكان تعليق الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على اغتيال صديقه أولوف بالمه أصدق القول. القول الذي تم نشره على صدر الصحيفة السويدية المسائية، جريدة المساء “آفتون بلاديت” في عددها الصادر بتاريخ 3 أيار (مايو) من عام 1987: (لقد مات أولوف بالمه بسببي).

إذاً فالمستفيد الأول من مقتل أولوف بالمه هو من قام بالاغتيال. لقد كان بالمه رجل الحياد والسلام والذي عمل وناضل من أجل الشعوب الفقيرة والمضطهدة، وناهض الاستعمار والإمبريالية والعنصرية والديكتاتوريات، وكان مكروها من جهاز المخابرات الإسرائيلية “الموساد” ومن جهاز المخابرات الأمريكية الـ: “سي آي إيه” ومن الصهاينة اليهود والمسيحيين على حد سواء.

كثيرٌ من الصفات الإنسانية للأمير السويدي فولكه برنادوت تنطبق على أولوف بالمه وكلاهما اقترباً من صنع السلام وإحقاق الحق والعدل للشعب الفلسطيني. وكلاهما كانا أحباء لإسرائيل وابتعدا عنها حين فهما الحق الفلسطيني وناضلا من أجله. وبرنادوت مات في ظروف غامضة على يد اليهود الصهاينة في القدس ليتم كشف القتلة بعد مرور حوالي أربعة عقود.

وأولوف بالمه مات أيضاً في ظروف غامضة قبل ثلاثة عقود. ويمكن القول اليوم بأن الفكر الذي حمله بالمه تجاه قضية فلسطين لم يمت بل بقي حياً من خلال أعضاء آخرين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي أمثال ستين اندرشون، وإيفرت سفنسون، وبيار شوري، وأنّا ليند وغيرهم كثر. وهؤلاء يعانون من ملاحقة اللوبي الصهيوني في السويد ..

إنجازات فلسطينية لم تبني عليها الدبلوماسية الفلسطينية .

وما يعلم جنود ربك إلا هو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى