السفير ملحم مسعود يكتب – د. فاسوس ليساريدس مائة عام

السفير ملحم مسعود – اليونان 13.5.2020
اليوم 13 مايو وقد بلغ الدكتور القبرصي صديق فلسطين فاسوس ليساريدس المائة عام , وهو يعطي آخر معاركه على فراش المرض بصلابة وتصميم … وقد نالت منه الشيخوخة لكنه بقى واقفا صلبا … يتمتع بذاكرة جيدة , ويحاور زواره وعلى إتصال بمحيطه … أو هكذا كما رايته في آخر زيارة لي للجزيرة العام الماضي , ولم اتوقف عن زياراته ابدا طالما وطأت أقدامي هذا البلد …
وكم كانت سعادته بزياراتي ولقاءاتي دائما ... وكنت اود اليوم أن أكون بجواره لكن ال ( كارونا ) لم تسمح لي وللكثيرين ايضا من الوصول إلى قبرص .
إتصلت بمنزله صباح اليوم … وكل من حوله من أقرباء واصدقاء يؤكدون لي صعوبة وضعه … لكنني صممت على أن أسمع صوته … كلمات قليلة … غيرمفهومة , وصحوات بين الحين والآخر , لكن رسالتي قد وصلت كما فهمت ممن كانوا بجانبه وهي رسالة محبة ووفاء ليس من العبد الفقير إلى الله , إنما من فلسطين وشعبها التي احبها الزعيم القبرصي وتضامن معها طوال عقود بدات منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي … وبقيت على إتصال به دون إنقطاع وكان بالنسبة لي كممثل فلسطين سندا قويا بكل مفهوم هذه الكلمة … وبقت هذه العلاقة التي ساهم في صنعها ( القبرصية الفلسطينية ) حتى يومنا هذا .
كان الدكتور ليساريدس احد أبرز الشخصيات القبرصية الهامة , رئيسا لنقابة الأطباء بلا أي منافسة عشرات السنين , رساما … وشاعرا … وكاتبا وهذا مما لا يعرفه الكثيرون , فبل ان يؤسس الحزب الإشتراكي القبرصي كذلك الطبيب الخاص لمكاريوس حتى رحيله .
كنت في بدايات مهمتي على الساحة القبرصية في نهاية الستينيات وزياراتي الأولى ابحث عن رموز … او اي هيئات او منظمات للولوج في المجتمع القبرصي ومن أين أبدأ , وما أصعبها من أيام وما اقصاها من بدايات … سألت ؟؟؟
عن هذا الرجل والذي كان في حينها يراس جمعية الصداقة العربية القبرصية أو ما شابه ذلك … لعله وعسى … جاء من قال لي أنه متزوج من أمريكية !!! وكانت الإجابة تحمل في طياتها أكثر مما كنت أنتظر .
وظللت انحت بالصخر كما يقولون , وحتى عام 1973 تعرفت على الدكتور ليساريدس خلال إنعقاد المؤتمر الثالث لحزبه الإشتراكي في نيقوسيا وانفتحت لي أبواب كثيرة كنت أبحث عنها … مجموعات من الشباب مثقفة وواعية تقترب مني وتساعدني على شق الطريق بدعم الدكتور وتوجيهاته , بعد تفرغي الكامل للساحة القبرصية , وقد سبق لي أن قضيت زمنا في الساحة اليونانية , وكان الدعم الكامل للقضية الفلسطينية احد اوجه نشاطات الحزب القبرصية الهامة .
وإستمر الحال حتى وقعت كارثة الإنقلاب على الرئيس الشرعي مكاريوس نظمته حفنة ضالة من عملاء الحكم العسكري في اثينا … وقد عشت هذه التطورات وتداعياتها وبقيت في الجزيرة بلا إنقطاع لبضعة شهور … ناشطا وفاعلا بين الرموز السياسية والنقابية من مختلف المشارب الحزبية والتنظيمية للتخطيط والإعداد لليوم التالي … وتوثقت علاقاتي مع ليساريدس أكثر واكثر كذلك زعامات وفعاليات كان الوصول لها قبل ذلك صعبا . .. وهذه حكاية أخرى .
عاد مكاريوس وإنفتحت امامنا ابواب جديدة من العلاقات … تعرفت على مكاريوس , وتعددت اللقاءات وتعززت العلاقات الفلسطينية القبرصية , وزار مكاريوس سوريا وإلتقى بابو عمار ( كنت هناك .. أيضا ) وبدا موسم الحصاد …لتبدا العلاقات الدبلوماسية .
وهنا قررت ترك الساحة القبرصية و الذهاب لساحة أخرى , لكن قبرص لم تتركني … وإندلعت الحرب الأهلية في لبنان وعدت إلى قبرص … ممثلا للثورة الفلسطينية , وكان الدكتور ليساريدس اكثر واكبر من دعمنا في هذه المرحلة الصعبة أيضا …
هذا قليل من كثير … عن الدكتور ليساريدس …
كنت في آخر زياراتي له في منزله … قال لي ذات مرة وبشئ من المرارة : أنت الزائر الفلسطيبي الوحيد هنا !!!
فإذا كانت شيمتنا النسيان مع كوادرنا ومناضليننا …
هل أصبحت شيمتنا أيضا عدم الوفاء ونسيان الأصدقاء …
” قبرص حديقة ذكريات “
كتاب بدأت أكتبه ... للنشر ..
اللهم إن كان في العمر بقية