أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – حروب المياه ( 6 ) “كشمير” .. والصراع الهندي الباكستاني

السفير ملحم مسعود – اليونان 15.5.2020

كشمير .. تحتل موقعا جغرافيا إستراتيجيا بين وسط وجنوب آسيا , حيث تشترك في الحدود مع أربع دول هي الهند وباكستان وافغانستان والصين .تبلغ مساحتها ” الكلية “ 86023 ميلا مربعا يقسمها خط وقف إطلاق النار  منذ عام 1949 ويعرف منذ إتفاقية ( شملا ) عام 1972 بخط الهدنة . كما تصل مساحة الجزء الهندي ( أو بالأحرى تحت الوصاية الهندية … إن صح التعبير ) إلى 53 665 ميلا مربعا , ويسمى ”  جامو وكشمير “ في كذلك باكستان على ما يعرف بإسم ” ولاية كشمير الحرة  “ ومساحته تبلغ 32358 ميلامربعا وهناك مساحة صغيرة خاضعة للصين منذ عام 1962وتسمى” إكساي تشين“.

كشمير هي حكاية المستعمٍر البريطاني بإمتياز , حكاية تحكى في كل مكان وزمان … وهناك امثلة عديدة ”  لمخلفات ” الإستعمار البريطاني سياسية وإجتماعية وعرقية وطائفية  أينما حلوقبل الرحيل ... كما حدث في فلسطين وباعوا  وإشتروا بحق شعبنا بالإستقلال وقد حلت بشعبنا ” النكبة “ والتي أصبحت نكبات … نتذكرها اليوم على وجه الخصوص … وكل يوم …و مشكلة قبرص معروفة …

وفي الهند حدٍث ولاحرج : اشرف المندوب السامي البريطاني ماوبنباتن المكلف من قبل بريطانيا  على شكل صيغة الإستقلال وتوزيع الحصص بين الهنود والمسلمين ووضع الشروط والمقاييس مع زعمائهم جواهر لال نهرو  ومحمد جناح … وكانت الخطوط الرئيسية بإقامة دولة الهند ( للهندوس ) من جهة ودولة باكستان ( للمسلمين )  من جهة أخرى , أما ما تبقى هنا وهناك من جماعات عرفت بالإمارات  يكون لها الحق بالإنضمام وقت ما شاؤو ويقرروا إلى الجانب التي تختاره من خلال إستفتاء شرعي … وبمعنى آخر ليس لهم حق الإستقلال .

كانت رائحة التآمر ووعود بريطانيا  السرية لبعض  زعماء هذه  الإمارات ” ألمهراجا ”  بالتحلي بالصبر وعدم التسرع بالإنضمام هنا أو هناك . هناادرك الزعيمان أن المستعمر يريد خلق الفتنة وإشعال حرب طائفية … مما دفعهم على العمل لطرد المستعمٍر البريطاني وعدم تقسيم شبه  القارة الهندية والتعايش في ظل الهند الموحدة … والباقي معروف بما حل بشبه القارة الهندية . ..

بعدما آلت إليه  الإمور أخيرا إلى تقسيم شبه القارة الهندية ( بالوصفة الإستعمارية ) والويلات التي حلت بشعوبها … أصبحت مشكلة ” الإمارات ” أو التجمعات البعيدة معقدة ومتداخلة وبدات الإصطفافات … وخصوصا البعيدة عن السند والبنجاب والبنغال , والتي فيها وجود إسلامي صغير ومتوسط ,مثل مناطق شمال الهند النائية مثل ما حدث في كشمير حيث 90% من السكان مسلمون وهي واقعة على حدود المناطق ذات الكثرة الإسلامية التي صارت ضمن باكستان الغربية … لكن المشكلة كانت أن حاكمها ( المهراجا ) الوراثي كان هندوسيا .. وقد إختار الجانب الهندي .

وإهتموا الهنود بالمنطقة ( كشمير ) وخصوصا كان لهم فيها ذكريات دينية ووطنية  خاصة قديمة هندوسية بوذية , ولذلك أصروا على أخذ كامل كشمير وأضافوا إليها مقاطعة جامو المجاورة ... وراحو بعيدا بإدخال الهندوس المهجًرين او النازحين من الأقاليم الإسلامية لزيادة عدد الهنود فيها .

كانت  باكستان دائما  تتمسك وتتطالب المنظمات الدولية بحق الإستفتاء المتفق عليه  … وبمعنى حق الشعوب في تقرير مصيرها بدون جدوى , وبعد التردد في إتخاذ القرار في الأمم المتحدة كما عمت أجواء التوتر ورفض الإجراءات الهندية على حساب سكان الأرض المسلمين إندلعت الإشتباكات بين الطائفتين … ورات باكستان أن الأوضاع … وكان حالهم يقول : بلغ السيل الزبى

وفي ظل عدم إتخاذ أي قرار أممي , قررت التدخل وتم إرسال الجيش  إلى كشمير , حيث إحتل نحو ثلث الإقليم . ولم يتأخر الجيش الهندي على الجانب الآخر وقام  بالرد وإندلع القتال  في أول حرب بينهما على كشمير وكانت حجة الجانب الهندي ان حاكم ( المهراجا ) إستغات بهم طالبا  الحماية  .

اخيرا تم الوصول إلى هدنة على خطوط القتال لتكون ” عمليا “ وهي مستقرة حتى الآن وبمثابة  الحدود بين الطرفين … وإلى ( حبن ) إقامة الإستفتاء عندما تسمح به الظروف او ما شابه ذلك .

إستقرت الإمور على الأرض 50% تحت السيطرة الهندية و35% تحت السيطرة الباكستانية , أما باقي الأراضي  الكشميرية وعلى الحدود بين باكستان والهند والصين حتى اليوم  كان من نصيب الأخيرة وهي اراضي وعرة خالية من السكان .

وكما هو معروف فإن التطورات التي عصفت لاحقا بشبه القارة الهندية خصوصا ما حل بالقسم الشرقي البنغالي ( باكستان الشرقية ) , وإضطرابات على الحدود بين باكستان الغربية وكشمير الهندية , وعدم الإستقرار السياسيفي باكستان بسبب مسلسل إنقلابات الجنرالات … كلها صبت في صالح السياسات الهندية  … وربما كانت رؤية حزب المؤتمر وسياساته المعتدلة حينذاك ( لم ترغب الصيد في الماء العكر ) ولم تكن ترغب في نزاعات مع العالم الإسلامي … ونتذكر كيف تم إختيار أو تعيين مسلم رئيسا لجمهورية الهند … وفي المناسبة كانت هذه الشخصية  الهندية مديرا للبرنامج النووي الهندي … وهذه ليست حكايتنا اليوم.

بعد هذه المقدمة السريعة نعود لمستجدات الأوضاع على الساحة الكشميرية عندما ألغت الحكومة الهندية أخيرا (خصوصية .. الإقليم التي تمنحه وضعا خاصا يخوله وضع قوانينه بمعزل عن الحكومة المركزية) لإقليم جامو وكشمير في شمال البلاد , وأعلنت أنه أصبح باطلا … وتبريرات لسيطرة الهند الكاملة على الإقليم , الامر الذي جاء خلافا على ما توافقت علية الطراف بعد الإستقلال الأمر الذي يخشىاه  المسلمون الكشميريون اليوم من أن يكون هدف حكومة رئيس الوزراء الحالي نار ييندار    مودي الهندوسية القومية من هذه الخطوة هوتغيير التركيبة السكانية لمنطقتهم على المدى الطويل ... الذي كفلها الدستور ( بالوضع الخاص للحفاظ على حقوق سكانها … وهو موروث من الشروط التي وضعتها إمارة كشمير للقبول بالإنضمام إلى الهند عند إستقلالها.

و حسب إحصاء عام 2011 بلغ عدد سكان جامو وكشمير قرابة 10 مليون نسمة وهي المنطقة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند التي يبلغ عدد سكانها حسب تقارير المم المتحدة لعام  2018 مليار و353 ملين نسمة ونسبة عدد المسلمين 13.5 % في عموم الهند .

ورغم توافت وجهات النظر بين باكستان والهند على أهمية كشمير لكل منهما … فالجانب الهندي يتمسك بها بشدة فهي تعتبرها عمقا أمنيا إستراتيجيا لها أمام الصين وباكستان , و تنظر إليها على أنها إمتداد جغرافي وحاجز طبيعي مهم أمام  فلسفة الحكم الباكستاني التي تعتبرها قائمة على أسس دينية مما يهدد الأوضاع الداخلية في الهند , وأخيرا وليس آخرا فهي ( الهند ) تخشى إذا سمحت لكشمير بالإستقلال ( اغلبية إسلامية ) على أسس دينية أو عرقية أن تفتح عليهم بابا لا تستطيع أن تغلقه أمام الكثير من الولايات الهندية  .

أما في باكستان لا تنتهي حكاية التوتر بينها وبين   الهند على كشمير وما كشمير سوى إلاً أحد فصول هذا التوتر والتصعيد بلا نهاية لبلدين اعضاء في النادي النووي … وما تمثله كشمير من أهمية لباكستان فتعتبر كشمير منطقة حيوية لأمنها وذلك لوجود طريقين رئيسيين وشبكة للسكك الحديدية في شرق البنجاب تجري بمحاذاة كشمير ضمن اشياء اخرى . 

كما أعلن الجيش الباكستاني  إستعداده ” الذهاب إلى أقصى حد ممكن للإيفاء بواجبه “ تجاه إقليم كشمير المتنازع  عليه عقب التطورات الأخيرة … ومعنى ذلك أن هناك ما يهدد بتفجير حرب رابعة بينهما ، وهي إن حدثت ستكون الأولى  بعد عضويتهم في النادي النووي.

والاهم ينبع و يجري في الأراضي الكشميرية ثلاثة أنهار رئيسية للزراعة في باكستان , مما يجعل إحتلال الهند لها تهديدا مباشرا للأمن المائي الباكستاني .. نحن اليوم لسنا في حاجة للسلاح النووي … ولكن صرامة  الدبلوماسية ومرونتها في معاركنا المائية القادمة .

وللحديث بقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى