أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – حروب المياه 3

ملحم مسعود – 23.4.2020

عود على بدء … نعود اليوم ربما إلى احد اكثر المناطق إختلاطا وتداخلا في البحيرات والانهار  والمصالح …  منابع ومصبات … وسدود الخ . وتعتبر واحدة من اخطر نقاط الإحتكاك والتوتر بسبب الصراع على المياه رغم كل المواثيق والإتفاقيات والتفاهمات , وأعني هنا سوريا والأردن وفلسطين … من جهة وإسرائيل من جهة أخرى  .

قد تكون الخلافات بين الدول العربية حول إقامة السدود , واحيانا حول توزيع الحصص المائية لكل طرف … فهي من القضايا التي توجد لها إخراجات وحلول , وسوف نعود إلى ذلك .

لقد سعت إسرائيل منذ نشأتها إلى السيطرة على مصادر المياه في فلسطين وحولها ، واتخذت لتحقيق ذلك وسائل مختلفة تتضافر في النهاية لتؤكد هيمنتها على المياه. وقد أنجزت إسرائيل العديد من المشاريع المائية، في حين اقتصرت أغلب المشاريع الفلسطينية على الترميم والصيانة . و ليس هناك شك في مواصلة السلطات الإسرائيلية في المحافظة على اقتصاد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة على ما هو عليه من تخلف بقدر استطاعتها، فهو يقلل من استهلاكهم للمياه إلى أدنى حد حتى تبقى مواردهم المائية في الضفة الغربية تحت تصرف إسرائيل .
إن الكارثة الحقيقية في أطماع إسرائيل وتحدياتها ” اليومية ” للسطو على مصادر المياه العربية , وبدأت زحمة المشاريع  والمخططات  للتهويد إبتداءا بالمشاريع البريطانية إبان مرحلة الإنتداب : 

بدأت بريطانيا منذ فترة الانتداب اهتمامها بالمياه في فلسطين بدفع من الجماعات اليهودية، إلى أن تم إرسال بعثة علمية بريطانية عرفت باسم “بعثة بيل” لدراسة الواقع المائي في فلسطين. وقد ترتب على تقرير البعثة مشاريع عديدة منها :

مشروع إيوانيديس

مشروع لاودر ميلك

إلى مشروع جونسون …

وصولا بالمشاريع الإسرائيلية منذ 1948

( ومن الجانب العربي كان هناك مشروع إستغلال مياه نهر الأردن وروافده 1954 )

لقد سمحت عدة عوامل الجانب الإسرائيلي على متابعة تصرفاتهم أحادية الجانب التي كان من الصعب إعاقتها نسبياً، فقوتهم العسكرية فاقت قوة الجانب العربي بمراحل، فتمكنوا من إملاء إرادتهم بالقوة ومن تحريك مبالغ مالية هائلة -خاصة وعامة- من الخارج لصالح تمويل مشروعاتهم المائية، وقاموا بحملات دعائية نجحت في إقناع الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة بصفة خاصة، بأن مشروعاتهم المائية يجب أن تلقى العناية الأولى”.

وقد قال زعيمهم هرتزل حينها :

“إن المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة -القديمة- هم مهندسو المياه، فعليهم يعتمد كل شيء من تجفيف المستنقعات إلى ري المساحات الجديدة وإنشاء محطات توليد الطاقة الكهرومائية”.

ومنذ أن شرع زعماء الحركة الصهيونية في إقامة الدولة العبرية التي كانوا يطمحون لإقامتها منذ ما ينوف على المئة عام، وهم يخططون من أجل الاستحواذ على مياه نهر الأردن والمياه العربية المحيطة بفلسطين. وقد بدأت المبادرة الأساسية من قبل الجمعية اليهودية البريطانية التي سارعت بإرسال عدد من أعضائها إلى فلسطين والنقب وسيناء لدراسة موضوع الأراضي والمياه فيه ..

وقد نجح اليهود في تأسيس أول مستوطنة في الجليل الأعلى عام 1878 والتي عرفت فيما بعد بمستوطنة ( روشبينا ) وتلاحقت بعد ذلك إقامة المستوطنات على الجانب الغربي لبحيرة الحولة عام 1883 بالإضافة إلى مستوطنة “مشمار هاي باروك” على الجانب الغربي قرب الحدود اللبنانية ضمن حوض نهر الأردن.

كما استمرت المحاولات المتلاحقة بعد قيام المؤتمر الصهيوني بزعامة هرتزل عام 1897 لإقناع الدول العظمى حينئذ بمساعدتهم في الاستيلاء على ما ليس لهم مقابل ترسيخ الإستراتيجية الإمبريالية هناك، فتمكنوا من إحداث هجرة جديدة عام 1907/1908 لتوطيد الاستيطان في فلسطين ضمن خطة إستراتيجية من الناحيتين السياسية والعسكرية، لإقامة شبكة من المستوطنات في مختلف أنحاء البلاد.

وكان الاستيلاء على مصادر المياه الخطوة الرئيسية لإرساء حجر الأساس لإسرائيل في بداية هذا القرن، فلم يكن الهم الصهيوني يقتصر على استيطان فلسطين فحسب، بل تعدى ذلك بكثير إلى استهداف البلاد الواقعة جنوبي مدينتي بيروت ودمشق ضمن “الوطن القومي اليهودي”، وذلك للسيطرة على المياه ومصادرها في المنطقة وأهمها مياه الليطاني حتى مصبه في البحر الأبيض.

فالحدود التي طالب بها الصهاينة في مذكرة عام 1919 المقدمة لمؤتمر فرساي في باريس للسلام بعد الحرب العالمية الأولى، كانت تشمل الليطاني ومدينة صيدا وضواحيها وبلدة القرعون. كما طالب الصهاينة بالسيطرة على مصادر المياه عند منابعها لتشمل جميع منابع نهر الأردن واليرموك، بالإضافة إلى السيطرة على مرتفعات الأردن الغربية .

وفي الفترة الواقعة بين عامي 1917 و1928 تركز اهتمام الوكالة الصهيونية على الاستحواذ على الأراضي الضرورية للري والزراعة والصناعة التي تضمن أيضا السيطرة الإستراتيجية على مداخل فلسطين الرئيسية.

ونتيجة لهذه السياسات و الاهتمام استطاعت الصهيونية عام 1934 شراء امتياز تجفيف الحولة، وجاءت السياسات البريطنية لتحقق جميع الأطماع الصهيونية الرامية إلى الاستيلاء على جميع المياه العربية والأراضي القريبة من مصادرها، فأوعزت الحكومة البريطانية عام 1938 بإنجاز أول دراسة هيدرولوجية لوادي الأردن لتحويل مياه نهر اليرموك -أحد روافد الأردن- لري أراض تمتد بين بحيرة طبريا والبحر الميت.

وجاء عام 1944 الذي تم فيه الاقتراح بالاستيلاء على مياه نهر الأردن وتحويلها إلى صحراء النقب، وهذه كانت المرحلة الأولى من السعي الحثيث وبشتى السبل والوسائل لمحاولة الحركة الصهيونية تحقيق أحلامها في قيام دولتها والسيطرة على منابع المياه الضرورية لها.

ثم جاءت المرحلة الثانية، فبعد عقد اتفاقيات الهدنة عام 1949 بين دولة إسرائيل التي أنشئت وبين لبنان والأردن وسوريا ومصر، كان هم إسرائيل الأول هو ضمان السيطرة على مياه نهر الأردن وروافده.

وفي عام 1951 بدأ أيضا العمل بمشروع تجفيف بحيرة الحولة واستصلاح 130 ألف دونم واستغلال 100 مليون متر مكعب من مياه نهر الأردن لريها، وبعد الانتهاء منها انتقلوا إلى بناء محطة كهربائية عند جسر بنات يعقوب إلى شمالي بحيرة طبريا، وبناء قناة تحويل من هذه المحطة إلى شمال البحيرة.

ودمجت حكومة إسرائيل مشاريع مائية ببعضها، وباشرت بأكبر مشاريعها المائية عام 1956 وهو المعروف باسم “مشروع المياه الوطني” الذي هدف إلى تحويل مياه نهر الأردن العلوي إلى المنطقة الساحلية ومنها إلى النقب.

وفي منتصف مايو/أيار 1964 أعلنت إسرائيل تدفق مياه نهر الأردن إلى منطقة النقب جنوب فلسطين بواسطة مضخات ضخمة ترفع المياه من 108م تحت سطح البحر إلى 238م فوق السطح وتستهلك ثلث إجمالي كمية الكهرباء التي تحتاجها إسرائيل، أي بتكاليف باهظة من الأموال التي تدفقت وما زالت تتدفق عليهم من دول الغرب وبخاصة أميركا.

كان معلوما سلفاً لدى إسرائيل أن تحويل مياه نهر الأردن إلى منطقة النقب جنوب فلسطين من شأنه زيادة ملوحة ما تبقى من مياه النهر الذي يتدفق داخل الأردن، مما تسبب في حرمان وادي الأردن من المياه الصالحة لري نحو 300 كلم3

وفي النهاية أدى تحويل إسرائيل لنهر الأردن إلى حرمان ما مجمله 40 ألف دونم أخرى بصورة كلية من المياه الصالحة للري، لأن ملوحة ما تبقى من مياه النهر ازدادت ازديادا ملموسا.

كما ضخت إسرائيل المياه العادمة وحولت مياه الينابيع المالحة الواقعة حول بحيرة طبريا إلى مجرى هذا النهر، ودمرت 140 مضخة على الضفة الغربية من النهر كان يروى بواسطتها 80 ألف دونم في منطقة الزور الغربية.

وتبلغ مساحة حوض نهر الأردن 18464كلم2، ويطلق على الجزء الذي يشمل بحيرة طبريا والحولة وروافده الشمالية (الحاصباني، بريغيت، والدان، وبانياس) حوض نهر الأردن الأعلى، كما يطلق حوض نهر الأردن الأسفل على باقي المساحة التي تقع جنوب بحيرة طبريا بما فيها حوض اليرموك والأحواض الجانبية على الطرفين الشرقي والغربي من نهر الأردن.

إن معدل تصريف روافد نهر الأردن الشمالية مجتمعة عند مصبها في بحيرة طبريا في الفترة الواقعة بين 1928/1929 و1953 هو 844 مليون متر مكعب (م.م3) سنويا، كما يصب في هذه البحيرة ما معدله 65 م.م3 سنويا من الينابيع الواقعة على محاذاة شواطئ طبريا.

وتوجد أرقام مختلفة ظهرت في دراسات متعددة ، وجاء هذا الخلاف نتيجة عدم توافر المعلومات التي بقيت طي الكتمان لدى الكيان الإسرائيلي حتى يومنا هذا.

أما بالنسبة لنهر اليرموك فقد ادعت إسرائيل لنفسها حقوقا مائية فيه للحصول على كميات إضافية  رغم كونه نهرا يجري كلية داخل الحدود العربية (الأردن وسوريا)، ويبلغ معدل جريانه السنوي في منطقة العدسية نحو 467 م.م3 سنويا حسب الدراسات القديمة، في حين تشير القياسات الحديثة إلى أن كمية الجريان فيه لا تزيد على 600 ألف متر مكعب سنويا  وذلك لوجود عدة سدود على الجانب السوري تبلغ سعتها مجتمعة نحو 209 م.م3 تُستغل لأغراض الزراعة.

وأما سعة بحيرة طبريا فتبلغ أربعة مليارات متر مكعب، وتتحكم إسرائيل بهذا الخزان الطبيعي لوحدها بعدما حرمت الأردن وسوريا وفلسطين من حقوقها في مياه هذه البحيرة بعد حرب 1967.

كما اغتصبت منذ تأسيسها ما يعادل 840 م.م3 سنويا من المياه العذبة لنهر الأردن التي لا تزيد ملوحتها على 20 ملغ/لتر، مما يجعلها قريبة من ملوحة الأمطار والثلوج لأنها تأتي أصلاً من جبل الشيخ الغربي والجنوبي من جبال لبنان الشرقية، بالإضافة إلى استيلائها على 450 م.م3 سنويا من مياه الضفة الغربية.

ونتيجة للاستيلاء على هذه المياه العذبة من قبل إسرائيل فقد أصبحت ملوحة المياه المنسابة في نهر الأردن جنوب بحيرة طبريا عالية، بحيث وصلت في بعض المواقع -كجسر الملك حسين- إلى عشرة آلاف ملغ/لتر، مما يجعلها في هذه الحالة غير صالحة للاستعمال البشري أو حتى للزراعة... وسوف ترى مناطق توتر وإحتكاك ما زالت مفتوحة …

وهناك أيضا الكثير من ألأسباب  لتكون مصدر التوتر و الإحتكاكات حول المصالح المائية والأطماع الإسرائيلية والتي لا تنتهي  … الأمر الذي يجعل توافر كل  عوامل التصعيد … والصدامات وإندلاع الحروب .

وهنا نقول : بين اليرموك وجبل الشيخ.. المياه سر الجولان .

وللحديث بقية

ملحم مسعود

—————————————————————————————————-بعض المراجع:

Water Resources of The Occupied Palestinian Territory
5- Roots of the Water Conflict in the Middle Eas

ومن كتابات محمد السلاق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى