أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – تونس … والطريق إلى فلسطين

السفير ملحم مسعود ، اليونان 18.10.2019 

قرانا وشاهدنا وتابعنا , كل ما جاء حول الإنتخابات التونسية ونتائجها واهميتها التي انارت سراج امل في مستقبل الديموقراطية في عالمنا العربي … ولا اريد التكرار أو المزيد عما  كُتب ونشر من تفاصيل هذه ( الحالة ) وما زالت مستمرة , وخيارات الشعب التونسي , وهنا أستذكر رحلة ياسر عرفات بعد العدوان الإسرائيلي وحصار بيروت 1982 والرحيل من لبنان … والوصول إلى تونس , التي إستضافت منظمة التحرير وقاداتها واجهزتها , لتكون المحطة الاهم في مسيرة العمل الفلسطيني الوطني الحديثفي الطريق إلى فلسطين .

وها نحن اليوم مرة اخرى مع تونس…  ورئيسها المنتخب  قيس سعيد الإسم العربي , استاذ القانون والدساتير الذي … لم يسانده حزب ولا لوبي ولا جماعات او تجمعات … جديد في كل شيء… المشروع واللغة … المكان والمكانة … وإجماع كل من عرفوه على نزاهته الشخصية وإستقامته الأخلاقية  …  ما حبب الناس فيه  واوصله إلى سدة الحكم , بهذا الإجماع  الذي ادهش العالم كله . 

هناك عوامل داخلية ربما تجعله من الناحية السياسية اكثر قدرة على الحركة والمبادرة أكثر من سابقيه بحكم أن حزب ( النهضة ) لن يتمتع هذه المرة في البرلمان المنتخب بنفس الثقل القديم وإن جاءفي المرتبة الأولى , مما يجعل الرئيس المنتخب يتعامل مع برلمان اكثر تنوعا واعسر إتفاقا …. ألخ.  

رئيس ليس له حزب سياسي , تنتظره داخليا تحديات غير مسبوقة منها إرتفاع معدل التضخم والبطالة , والفساد المستشري , وبوضع إقتصادي صعب للغاية ومطالب إجتماعية في أنحاء البلاد … كما لا تخلو الساحة من الإحتجاجات وقضايا اخرى  يطول شرحها .

كذلك فإن دستور البلاد يمنح صلاحيات , أوسع لرئيس الوزراء ,مقارنة مع صلاحيات الرئيس رغم التفويض الكبير الذي حصل عليه الرئيس من الشعب .

من جهة اخرى هناك اهمية للعامل الخارجي وخصوصا بعد تصريحاته التي عبرت عن توجهاته السياسية المستقبلية في تأمينأداء سليم للرئيس من عدمه لأن بعض شركاء تونس التقليديين وبعض القوى العربية المعروفة التي اصابتها

” إرتجاجات ” التحولات … لن تنظر بإرتياح لهذه ” الحالة ” وهذا النمط من التغيير , وستضع العصى في دواليب المسار التونسي الجديد ما أمكن , وبالتالي  ستكون الكرة في ملعب التونسيين ورفضهم اي توظيف لبعضهم لمثل هذه السياسات .

فلسطينيا كانت تصريحات الرئيس قبل الإنتخابات وبعد فوزهالموقف العلني  من القضية الفلسطينية و” تخوين ” التطبيع مع الدولة العبرية بوضوح وصراحة وإعتبرالقضية الفلسطينية من اولويات سياساته الوطنية , كانت كما أنها الصوت الحاسم في هذا الحصاد الإنتخابي , الغير مسبوق

ولا عجب في ذلك فإنه عبًر حقا عن نبض الشارع التونسيالتاريخي ومشاعره إتجاه شعبنا وتضامنه معنا …

شعبنا سيظل وفيا لتونس واهلها الذين إستضافوا الثورة الفلسطينية حينما ضاقت بنا الارض ... وبدأ خروج المقاتلين من بيروت  يوم21 اغسطس 1982 على سفن يونانية إلى أنحاء المعمورة ببزاتهم العسكرية , وكان آخرمن غادر بيروت القائد ياسر عرفات بعد معركة صمود إسطورية يوم 30 أغسطس 1982 متوجها إلى اثينا على الباخرة اليونانية   ” أتلانتيك ” والذي كان على ظهرها وفدا يونانيا رفيع المستوى لإستقباله ومرافقته إلى اليونان … وحينما سأله الصحفيون ووسائل الإعلام المحتشدة على رصيف الميناء :  

والآن إلى اين ايها القائد … أبوعمار ؟؟؟

اجابهم إلى فلسطين  … نحن ذاهبون …

حقا … بدات طريق العودة إلى فلسطين …

وصل ياسر عرفات إلى اثينا ورست السفينة على رصيف خاص بعيدا عن الميناء وحركة الملاحة وكان في إنتظاره رئيس الوزراءاندرياس باباندريو واركان الدولة اليونانية , والزعامات والفعاليات اليونانية بكاملها … وكُنت في الإنتظار بجانب رئيس الوزراء اليوناني على رصيف الميناء  , وتجاذبنا اطراف الحديث ( تصادف ذلك اليوم وصول الرئيس الفرنسي ميتران في زيارة رسمية لليونان ) وقلت له أتفهم زيارة الضيف الكبير الرئيس الفرنسي ميتران واهميتها , وإنشغالكم اليوم مع الضيف الكبير في هذا الوقت الذي تصادف وصول القائد ياسر عرفات  !!!

همس في أذني كل شئ مرتب ومنظم … هذه فرصة ممتازة حيث تطرح  قضية فلسطين على طاولة المفاوضات مع ضيفنا الرئيس ميتران .

وكان تعليقي : لا اشك في ذلك يا دولة الرئيس وانت اكثر الزعاماتالأوروبية تضامنا و فهما لقضيتنا العادلة …

قضى ابو عمار ليلته في أثينا في إستقبال وفود , وتوديع أخرى وفي اليوم التالي كانت طائرة تونسية خاصة جاهزة لنقله ومساعديه إلى تونس …

اكثر من عشر سنوات كانت منظمة التحرير واجهزتها في رحاب وضيافة الشعب التونسي … واصبحت تحركات واسفار ووصول وتنقلات القيادات الفلسطينية  دون أي تعقيدات ولا مراقب ولا حسيب … وتوفرت  لياسر عرفات كل إمكانيات الحركة وإستقبال ضيوفه وإحترام خصوصية نشاطاته و بعيدا عن أي نوع من الترقب والإنتظار … 

هذه الضيافة التونسية طوال هذه السنوات وحرية الحركة , فتحت آفاق عديدة للعمل الفلسطيني وكانت هناك إنجازات وطنية هامة على الساحة الدولية , والذي تكلل بالرحيل والعودة للوطن بعد كل هذا الشتات والتهجير.

عندما يُكتب تاريخ فلسطين الحديث  , ومرحلة الإغتراب والشتات ستُكتب سنوات تونس ومحبة اهلها وكرمهم على صفحات من ذهب … ألف سلام وسلام على تونس واهلها … ورئيسها  

ويأبى شعب تونس الحر إلا أن يعلمنا هذه الدروس :

إسمعوا بعض ما قال شاعر تونس الكبير ” ابو القاسم الشابي “

إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ — فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي — وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ — تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ — مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر

السفير ملحم مسعود من اسرة مركز الناطور للابحاث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى