#أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركزشؤون فلسطينية

السفير ملحم مسعود يكتب – ترشيد الخطاب الفلسطيني

السفير ملحم مسعود – 12/11/2020

ما زال العالم يعيش ”  إرتجاجات ”  الإنتخابات الامريكية التي ملأت المكان والزمان , وما زالت تتفاعل بنتائجها , وتداعيتها … كُتٍب الكثير … وسمعنا اكثر…  من تكهنات …تحليلات … وإستنتاجات … الخ وستظل هذه التجربة الإنتخابية في امريكا سببا لمناقشات وسجال حول النظام الإنتخابي الأمريكي وتفاصيله في الدستور الذي وضعه الاباء المؤسسين  وكان أخطر ما تمخضت عنه هذه الإنتخابات ( التشققات والإنشقاقات عموديا وأفقيا ) في المجتمع الأمريكي , وتنامي التخوفات من تصادم بين أنصار المرشحين … ويبدو أن الرئيس الخاسر  سيذهب بعيدا لدرجة التحريض على رفض نتائج الإنتخابات  وحشد انصاره         ( الشبيحة … المسلحين ) على التمردوالبلطجة والنزول إلى الشوارع إحتجاجا على نتائج الإنتخابات التي هُزم فيها من خلال عملية ” تزوير ” واسعة على حد قوله وبات يتصرف بإسلوب مغاير عن كل اسلافه في تاريخ امريكا , بعدم رغبته في نقل السلطة  … والأخطر و المؤكد انه يعاني من حالة إكتئاب نفسي واضحة من تصرفاته ,  الامر الذي اكدته إبنة شقيق الرئيس ترامب ماري ترامب ( طبيبة نفسية ) وحذًرت من تداعي وضعه الصحي , وربما إصاباته بإنهيارات عصبية وما يعني ذلك من خطورة إتخاذ قرارات سياسية واخرىعلى البلاد وربما العالم ... أما المعلومات الواردة من كبار الجمهوريين في ولاية ( بنسلفانيا )  تشير بقرب إعلان نهائي فوز بايدن في هذه الولاية …  وبدا أنصار ترامب العقلاء حث الرئيس المنتهية ولايته على الاعتراف بالهزيمة والبدء في استراتيجية جديدة.

وهنا يكون دور كبار القوم في الحزب الجمهوري لإنقاذ امريكا ومبادئها ومكانتها … لأن المؤسسة الرئاسية في الولايات المتحدة لها مكانتها المهمة، ومهما كانت الخلافات السياسية بين السياسيين فهي لا تهبط دون المستوى الأخلاقي المسموح به ورغم خسارتهم لا يمكن الإستهانة بهم …  

لا أحد يرغب بذكرى الحرب الأهلية الامريكية الحرب الاهلية … أو الحرب بين الولايات ويطلق عليها عدة أسماء أخرى، وهي حرب أهلية قامت في الولايات المتحدة الأمريكية ( 1861-1865 ) حيث أعلنت إحدى عشرة ولاية من ولايات الجنوب تحت قيادة جيفرسون ديفيس، الانفصال عن الولايات المتحدة وأسست الولايات الكونفدرالية الأمريكية. وأعلنت الحرب على اتحاد الولايات المتحدة، والتي كانت تساندها كل الولايات الحرة وولايات الرقيق الخمسة التي تقع على الحدود. كان يشار للاتحاد أحيانا بالشمال

قبل فترة، قرأت تصريحات أدلى بها الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي المعروف توماس فريدمان يتحدث فيها عن الاحتمالات القوية لاندلاع حرب أهلية في أمريكا. فريدمان قال في حديث لمحطة «سي إن إن» الأمريكية: «لقد بدأت مشواري كصحفي بتغطية الحرب الأهلية الثانية في تاريخ لبنان، وأنا الآن مذعور من اكتشاف أنني أنهي مشواري كصحفي أغطي الحرب الأهلية الثانية، الممكنة، في تاريخ أمريكا». وأمام إلحاح صحفي القناة، هل يعتقد توماس فريدمان فعلا بما يقول، أكد اقتناعه بأن اندلاع حرب أهلية في الولايات المتحدة الأمريكية أمر ممكن في ظل الأجواء والمؤشرات السائدة في الظرف الحالي.

وقبل سرد ما يمكن ان تحمله لنا الايام القادمة , إذا سارت الإمور على خير بالتأكيد في بلد مثل امريكا ( نتحدث عن بلد يتشكل من 50 ولاية … لكل منها نظامها وقوانينهاومجالسها المحلية … اقرب لأن تكون دولة في حد ذاتها داخل الإتحاد ) في المقام الأول ستمثل المرحلة القادمة للسياسة الأمريكية واولياتها … فبايدن هو رئيس منتخب لترميم البلاد، انتخب لإصلاح السفينة وإنقاذ النظام . إنه ليس وكيل تغيير بقدر ما هو وكيل إعادة الأمور إلى نصابها. فقد تم انتخابه لجعل أميركا مستقرة مجدداً. إنه لا يرى أن مهمته هي زعزعة الأمور، بل تهدئة الأمور , وقال في خطاب القاه يوم الجمعة عبًر فيه عن عزمه على العمل :

نحن لن ننتظر حتى انجاز الاعمال من تلقاء نفسها …

التحديات كثيرة وكبيرة … أمام ثاني رئيس  كثوليكي في الولايات بعد جون كنيدي …القيادة الناجحة ترتقي بشعبها بالقيم التي تتبناها وتطبِّقها، أو كما وصف ذلك ببلاغة الرئيس الأميركي الأسبق أبراهام لينكولن حينما قال «معظم الرجال يستطيعون مواجهة الصعاب، ولكن إذا رغبت وأردت اختبار معدن الرجال امنحهم السلطة» كما نقلها حسين شبكشي.

وهنا تبدو اولويات الرئيس في ولايته القادمة بعد إصلاح  ما يمكن إصلاحه مما خربه ترامب … من تمييز وعنصرية وكراهية وغيرها في المجتمع الأمريكي للحفاظ على وحدة الإتحاد والحفاظ على  لُحمة المجتمع داخليا :  الجائحة … الإقتصاد المتهاوي … الحقوق المدنية … الهجرة …  البيئة … حماية المستهلك … الخ .  ثم تاتي العلاقات الدولية باولوياتها   ” الأشقاءالأوروبيين … الصين … روسيا … الشرق الأوسطوربما يكون لنا فيها نصيب ... وهنا مربط الفرس من هذه المقدمة دون ان اكون خبيرا في دهاليز السياسة الأمريكية وكواليس دبلوماسيتها …

ومما لا شك فيه قد بدات رياح الامل تهب في شراع السفينة الفلسطينية … على أن لا نذهب بعيدا , حيث القضية الفلسطينية لن تكون في اوليات السياسة الأمريكية ( غدا ) ولو إلى حين ... وقد يكون هناك مجرد تغيير في  الإسلوب أكثر من كونه تغييرا في المضمون ... ويسأل اخونا نبيل عمر” في مقال له هل إدارة بايدن معنية بإطلاق جهد جدي وعادل يفتح ملف التسوية من جديد، على الأقل بما يقترب من زخم إدارة كلينتون في هذا الاتجاه، أو إدارة جورج بوش الابن أو إدارة أوباما ؟

وللتذكير بايدن مؤيدا قويا لإسرائيل ومدافعا عنها في برنامج السياسة الخارجية للحزب الديموقراطي … لكن من غير المتوقع أن يتبنى سياسات سلفه ترامب تجاه الضفة الغربية المحتل  … وكما يبدو فإن الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي الذي بات يتمتع بتحالف سياسي خارجي أكثر تطورا وحزما مما كان عليه في السنوات الماضية بإتخاذ إجراءات أكبر بشأن الحقوق الفلسطينية … ويقول مات دوس مستشار السياسة الخارجية لمنافس بايدن السابق بيرني ساندرز أنه كان مشاركة كبيرة وأكثر من قبل من قِبل المدافعين عن حقوق الفلسطينيين  …والأمريكيين من إصول فلسطينية كما من الأمريكيين انفسهم .

ويضيف  : أن عددا من الجماعات اليهودية الأمريكية التي تدرك أن إنهاء الإحتلال يجب أن تكون  مسالة أساسية في سياسة الولايات المتحدة  الخارجية … كان لها دور كبير في هذا المجال. وقال السناتور بيرني ساندرز نفسه الشهر الماضي للفريق التقدمي – النواب ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وإلهان عمر، وأيانا بريسلي، ورشيدة طليب – إن أول عمل للتقدميين كان هزيمة دونالد ترامب بانتخاب بايدن. لكنه قال إن الخطوة الثانية من العمل هي دفع بايدن ليصبح “الرئيس الأكثر تقدمية منذ فرانكلين روزفيلت”.

أن تشكيل بايدن لإدارته قد يصطدم بالجمهوريين … لكنه سوف يعمل على استرضاء التيارات السياسية داخل حزبه، وخصوصا التقدميين منهم الذي بدا يتناما … مؤشرات إيجابية  يبنى عليها …

وكان قد قال الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن في بداية إشتعال معركة الإنتخابات الرئاسية كلاماً جيداً عن الشعب الفلسطيني وقضيته التي هي قضية عربية وقضية إقليمية ودولية لكن ما يجب أخذه بعين الإعتبار:

أنّ: “حديث السرايايصبح: حديث قرايا  “ كما قال صالح قلاب في احد مقالاته اخيرا ...أما خضر الشافعي من الاردن قال على صفحته التواصلية في فيس بوك الخل اخو الخردل .

قد يكون جو بايدن رئيساً جيداً للشعب الأمريكي، وسيحدث الكثير من الإصلاحات الداخليةوسيجد المواطن الأمريكي فارقاً جوهرياً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على الصعيد الحياتي، ولذلك اندفع الشعب بقوة لاختيار حاكمه . ولكن السياسة الخارجية الأمريكية محكومة بالمؤسسةوالقضية الفلسطينية جزء من هذه السياسة التي ترى بإسرائيل حليفاً استراتيجياً، وترى بالفلسطينيين أقلية قومية لها حقوق إنسانية فقط.

كذلك جو بايدن أعلن عن مشاعره ( وربما سياسته ) قبل أن يصير رئيساً بزمن بعيد، حين قال: لو لم تكن هناك إسرائيل، لتوجب على أمريكا إيجاد إسرائيل، وحين قال: أنا صهيوني، وأبي قال لي: ليس شرطً أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً، وقال: إسرائيل ضرورة لأمن اليهود في جميع أنحاء العالم، فهذه اللغة تكشف عن عمق الترابط الروحي بين جو بايدن وفكرة قيام دولة إسرائيل وتوسعها على حساب العرب، وقد كان جو بايدن من بين المرحبين بالتطبيع العربي مع إسرائيل ، وبالتالي فمن المتوقع أن يستمر على نفس النهج السياسي الذي بدأه ترامب في الشرق الأوسط، بل سيسعى إلى توسيع دائرة الموقعين على الاتفاقيات لصالح إسرائيل من باب الاعتراف بالفضل لنسبة 77% من يهود أمريكا الذين أعطوه صوتهم  .

سيفرح بعض الفلسطينيين لفوز بايدن … وهذا مفهوم … وسيجدون فرصتهم للعودة إلى ما قبل بعد تجاهلهم من إدارة ترامب وويلاتها وما اصابنا من سياساته وما ادراك ما ترامب ….

إن حل الصراع وفق مفهوم بايدن الذي قال: إسرائيل هي القوة الأمريكية الأهم في الشرق الأوسط، وبادين صاحب فكرة تقسيم العراق وتمزيق سوريا، ولا يتحقق تدمير البلاد العربية إلا لصالح إسرائيل، وقد أخذ بايدن على نفسه عهداً بحماية إسرائيل، جاء ذلك أثناء حملته الانتخابية في ولاية بنسلفانيا، حين تعهد بمواجهة العداء للسامية بكل حزم … ونسى أننا ساميين ايضا …   نسعى للتسامح والتعايش .

انا لست متشائم اليوم مما سبق من أفكار بايدن ومعتقداته السياسية , وعلينا ان  لا نقفل الأبواب … وعلينا الحذر  من الغرق في الأوهام السياسية التي عبرت عنها السيناتور كامالا هاريس … واليوم نائب الرئيس وهي أول إمراة تتبوا هذا المنصب وقد سبقها محاولتان ( زوجها يهودي امريكي …. وهذا لا يُفسد للود قضية ) التي وعدت من خلال مقابلة صحفية بضمان تمتع الفلسطينيين والإسرائيليين بتدابير متساوية من الحرية والأمن والازدهار والديمقراطية، والالتزام بحل الدولتين، ومعارضة أي خطوات أحادية الجانب تقوض هذا الهدف، معارضة الضم والتوسع الاستيطاني، استعادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية للشعب الفلسطيني، معالجة الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة، إعادة المساعدات لوكالة “أونروا”، إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، إعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

لا شيء ثابت في السياسة. لا يمكنك أن تأخذ أي شيء كأمر مسلم به..

أخيرا :

هذه هي امريكا … اليوم … وغدا … هناك مناخ جديد للعمل على الساحة الأمريكية والأوروبية بالتأكيد … إن علينا أخذ زمام المبادرة بالتخطيط والعمل لإقتناص الفرص . والبناء على الإيجابيات . هناك طاقات وإمكانيات واعدة , إننا نشعر بالفخر بالنساء والرجال الفلسطينيين الذين نجحوا في العبور والوصول إلى  قلاع المؤسسات الأمريكية  ودوائر صنع القرارات .

كانوا فخورين بإصولهم وإنتمائهم الفلسطيني … كذلك امريكيين ليكونوا جسرا للتواصل والتعاون . لا تخلو أمريكا وأوروبا من الكفاءات الطاقات والإمكانيات الفلسطينية … معروفة بحضورها ونجاحاتها … موجودة ناشطة وفاعلة في مجالات مختلفة مثل   الجامعات  , ومؤسسات الأبحاث والدراسات … وغيرها . والأهم  ان هذه الرموز الفلسطينية لم تتوقف على العطاء الوطني في بلاد الشتات وكسبوا إحترام  مجتمعاتهم ... وتشكيل تيارات محلية متضامنة ومنسجمة مع تطلعاتهم الوطنية …

إننا نتمنى على القائِمونَ بِالأَمرِ فينا  :

عمللجنة من خبراء … يعرفون امريكا جيدا وما أكثرهم في الوطن وفي أمريكا … وطالما الشئ بالشئ يذكر فنحن إفتقدنا اخونا صائب عريقات ” أبو علي “رحمه الله في الليلة الظلماء ومما لا شك فيه  كان من القلائل  الذيين عرفوا امريكا ونجح في مهماته … لجنة بمثابة خلية ش   عهعمل مهمتها التقييم والتخطيط لمساعدة  القيادة الفلسطينية في سياستها القادمة في هذا الملف .

كذلك عمل  ” لجنة “ أخرى موازية من خبراء … متخصصة في الشأن الأوروبي وإعطائها اهمية خاصة لمتابعة ورصد التوجهات الأوروبية … ليس بما يتعلق بامريكا فقط … إنما في الساحة الأوروبية نفسها .

إن هذا يعني حالة إستنفار شامل لتجميع وإستدعاء كفاءات دبلوماسية فلسطينية ناجحة للمشاركة إضافة لشخصيات وكفاءات فلسطينية وعربية واجنبية صديقة .

القصد من ذلك بالتحديد لأننا في حاجة لبناء المؤسسات الفلسطينية التي تخطط لإسترتيجية العمل الفلسطيني في المرحلة القادمة بمعناه الواسع .

بعيداعن المطبلاتية …  وجوقة حسب الله … وتنابلة السلطان .

أخطر ما نراه اليوم في الساحة الفلسطينية … التصريحات … بما كل ما هب ودب .

إن برقية الأخ الرئيس ابو مازن لتهنئة الرئيس الأمريكي كانت كافية … وافية . فيها من الأمل … والتوازن … والرغبة للتعاون … ولزوم ما يلزم .

ما معنى التصريحات الجانبية الأخرى … لا مجال هنا للترقيع , وتصحيح التصريحات , وتفسير ما قيل وقال . والأمثلة كثيرة … اعضاء لجنة مركزية وغير مركزية … سفراء ومدراء .. الخ .

حان الوقت لحسم هذا النوع من التصريحات حتى تكون التصريحات الرسمية مركزية وصادرة فقط من دائرة صنع القرار الفلسطيني وبشكل حاسم ومحدد .

هناك جهات  تصطاد في المياه العكر … وتعيد صياغة وصناعة تصريحات فلسطينية على مقاسها للإساءة إلينا ومصداقيتنا .

بإختصار هناك ضرورة لترشيد … الخطاب الفلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى