أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – الوحدة الأوروبية … في زمن كورونا

السفير ملحم مسعود، اليونان 23.3.2020

في تصريح لرئيسة المفوضية الأوروبيةأورسولا فون دير لاينقبل ايام قليلة بان المسؤولين السياسيين ” قللوا من أهمية ”  حجم الخطر الذي يشكله وباء كورونا المستجد , وأضافت : أعتقد أننا …. جميعا … ونحن لسنا (خبراء )  قللنا من أهمية فيروس كورونا . وتابعت سيدة الإتحاد الأوروبي قائلة : “مع الوقت تبين أنه فيروس سيشغلنا لفترة طويلة …

ضمن أشياء اخرى وردت  في مقابلة نشرتها صحيفةبيلدالألمانية، مما يجعلنا نفكر في هذا الشرح , وتحليل الأحداث بمثل هذه السذاجة أمام خطورة الفيروس ومواجهته بقدراته التي تهدد حتى في هدم بنية الإتحاد الأوروبي بعد عقود من الزمن , أمام أول تحدي جدي لها …. حتى وصلت الإمور إلى لجوء إيطاليا الدولة المؤسسة في هذه المنظومة الأوروبية للحصول على ألبسة خاصة وكمامات في المراحل الأولى لإنتشار المرض و بعض الأجهزة والمعدات الضرورية ,  مما دفعت بنقابة الأطباء الإيطاليين إلى الإعلان أنه لم يعد في إمكانياتها إنقاذ كل المرضى في الحالات الحرجة … لأنها لا تملك ما تقدمه لهم لفداحة النقص في المعدات .

هنا وبمثل هذا التصرف بدأت الماساة الحقيقية التي حلت في إيطاليا , ووصلت تداعيتها إلى كافة أنحاء القارة الأوربية ’ ليسأل المواطن الأوروبي العادي  في هذه البلاد الواسعة من القارة  أين هو الإتحاد الأوروبي , أين التضامن والتعاون المشترك ؟

والجدير بالذكر أن حال العاملين في هذه المؤسسة الأوروبية العريقة وصل الآن للعمل من بيوتهم  بسبب الحجر الصحي !!! بسبب الفيروس الذي وصل إلى عقر دارها و مقراتها في العاصمة البلجيكية ... في إنتظار الوقت ومايجود به ” خبراء … الست ” التي تحدثت عنهم الزعيمة الأوروبية .

والجدير بالذكر أيضا أن الصين كانت مبادرة وحاضرة في إرسال مساعدات من معدات وأجهزة ضرورية في مقاومة المرض لكل من إيطاليا وإيران … كذلك وصلت بالأمس طائرة محملة بالمساعدات الطبية إلى اليونان والمغرب أيضا . وكانت اليونان في الأيام السابقة تفرض منع التجول جزئيا مع إجراءات إحترازية اخرى … لكنها فرضت إبتداء من صباح  اليوم (الإثنين ) عدم التجول إلا في حالات خاصة, وإجراءات أخرى صارمة  للحد من إنتشار المرض  ,  حيث يزداد عدد الوفيات  والإصابات بإستمرار  ,  ومن المعروف ان حالات  الإصابة والوفاة في اليونان متواضعة جدا ( حتى  الآن ) بالمقارنة مع دول أوروبية أخرى، وسجلت اليونان، البالغ عدد سكانها 11 مليون، 15 حالة وفاة و624 إصابة بفيروس كورونا. ومنذ تسجيل أول وفاة بالفيروس في 12 اذار/مارس، فرضت البلاد تدريجا مجموعة اجراءات للحد من التجمعات والسفر غير الضرورية، كما أغلقت المدارس والمتاجر وأماكن الترفيه. 

وكانت منظمة الصحة العالمية قد وصفت الفيروس الذي تسبب في وفاة الآلاف  ب “عدو الإنسانية ” مع ملاحظة ترددها و تأخرها في تشخيص الحالة … كوباء.

وعلى أي حال فإن الأخبار الواردة من مصادر مراكز الأبحاث والمعلومات الأوروبية المتعلقة بإنتشار المرض لا تبشر بالخير والآتي أعظم بالتاكيد خلال الأسابيع القليلة القادمة بالحد الأدنى , حسب المعلومات الواردة   رغم صراعها وسباقها مع الزمن لإنجاز الحلول الطبية مثل اللقاحات الضرورية وغيرها لمواجهة وكبح جماح المرض … ليس على الساحة الأوروبية فقط وإنما في مناطق اخرى  لا سيما في بلاد تفتقر بالمعدات والتجهيزات … وغياب الشفافية والمعلومات ... أما على ضفاف الأطلنطي هناك ترامب يتعاطى مع المشكلة والأوروبيين  كصاحب دكان البقالة الذي يبيع ويشتري في حينا القديم. 

بدأت بهذه المقدمة من حالووحي ما يفكر به  المواطن الأوروبي العادي اليوم وما وصل به من حالة  القلق والخوف على اليوم التالي حيث بدأت شعوب أوروبا المنكوبة تسترجع ذكريات الأوبئة التي اصابتها في الماضي مثل الطاعون منتصف القرن الرابع عشر أو ما يعرف ب ( الموت الأسود ) حيث حصد الوباء نحو نصف سكان أوروبا , لتتاقلم   مع الحالة التي فرضتها عليهم متتطلبات هذه المرحلة الصعبة في ظل استمرار زحف الفيروس الأخطر , منذ إنتشار الإنفلونزا الإسبانية التي قتلت أكثر من 50 مليون من البشر عام 1918 في أعقاب الحرب العالمية الأولى وتداعياته الإقتصادية والإجتماعية والسياسية بكل أبعادها

اليوم دول أوروبية تغلق حدودها مع الدول (الشقيقة ) في الإتحاد وتمنع إلى حد كبير التجوال والتنقل وكل النشاطات والأعمالوأشياء  تجعل العالم مهددا بحالة كساد جديدة وربما غير مسبوقة و تصعيد وتعقيد أزمة النفط العالمية التي زادت الطين بلة، بسبب ضعف الطلب والنزاع المتصاعد بين كبار المنتجين …الخ. كما أدى الوباء إلى تراجع البورصات في العالم مما دفع السلطات إلى الإفراج عن مساعدات إقتصادية بالمليارات . وفي هذا الإطار اعلن البنك المركزي الأوروبي عن تخصيص 750 مليار أوروبي لإعادة شراء ديون عامة وخاصة، الأمر الذي لاقى ترحيبا وقبولا حيث قال الرئيس الفرنسي الذي سبق ووصف الأزمة في بلاده أنها حالة حرب ” من واجبنا نحن في الدول الأوروبية , أن نكون حاضرين عبر تدابير ميزانية وتضامن مالي أكبر في منطقة اليورو  مؤكدا أن شعوبنا وإقتصادياتنا بحاجة لذلك ” .

الشئ المؤكد أن ازمة كورونا , وبعد الخروج منها يوما  !!! سوف تكون  إنعكاساتها المباشرة  على الطبقة المتوسطة والفقراء , إن لم تكن قد فعلت فعلها  مما يجعلنا أمام أوضاع تمهد لخلق حراكات سياسية وإجتماعية تجعل ما نحن عليه اليوم من الماضي ( الجميل .. ) والله أعلم .   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى