أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب المرأة … مع نوال السعداوي ( 6 )

السفير ملحم مسعود اليونان 29.4.2021

الفرصة  … والصدفة وحدها …

جعلتني اتابع هذا الحراك الطويل الذي بدأ في حياتها بكل ما له وعليه … ولم ينتهي برحيل الكاتبة المصرية طبيبة الأمراض الصدرية و النفسية نوال السعداوي بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز 90 عاما … وحجم الجدل , الذي دار في مصر و غيرها  بعد الإعلان عن رحيلها .. قومٌ يترحّمون عليها وآخرون يلعنونها لعناً كبيراً .

عاصفةٌ من التقدير لها والشّماتة فيها فستيقظت الأصوات لتُدين أو تترحم ولكن لات ساعة مناص، ولا ينفع لا الدعاء ولا الشفاعة إلامن أذن له الرحمن ورضي له قولا،  فسبحان الملك الديّان، والذي له الحكم والأمربعيداً عن الإدانة أو التبرئة البشرية.

عجبا … من الذين شمتوا بموت نوال التي عرّت الكثير من أفكارهم البالية، ودخلت بيوتهم رغماً عنهم موجهة أصابع الإتهام في محلها الصحيح دون مواربة ولا تجميل بسقف حرية وشجاعة عالي , استمر حتى آخر عمرها. ولعجزهم عن محاربة الحجة بالحجة، والفكر بالفكر، جاء الرد في مماتها كما في حياتها تشويهاً لصورتها، وسخرية من شكلها، وشماتة حتى في الموت الذي كُتب علينا جميعاً.

كانت تكتب … كُتب تصادر وكُتب تُنشر  أربعون كتابا أعيد نشرها وترجمة كتاباتها لأكثر من 20 لغة وتدور الفكرة الأساسية لكتابات نوال السعداوي حول الربط بين تحرير المرأة والإنسان من ناحية وتحرير الوطن من ناحية أخرى , في نواحي ثقافية واجتماعية وسياسية كما ساعدت في تأسيس المؤسسة العربية لحقوق الإنسان , وحازت نوال على ثلاث درجات فخرية من ثلاث قارات. ففي عام 2004 حصلت على جائزة الشمال والجنوب من مجلس أوروبا، وفي عام 2005 فازت بجائزة ( إينانا ) الدولية من بلجيكا، وفي عام 2012 فازت بجائزة المكتب الدولي للسلام في سويسرا.  

رحلت المراة المثقفة الحرة الكاتبة والروائية التي أخافَ تحررُها المتزمتينالذين ينكرون على النساء أي حق في الحرية. وهي المفكرة الأصيلة والفيلسوفة الأمثولة التي رفضت التمييز بين الجنسين، ورأت أن التطرف والنبذ والتعصب والتشويه صفات تجرِّد المرأة من الحرية وترهنها بالضيق الفكري , بدل أن تعمل على دعم صورتها وتأكيد جدوى فاعليتها. وهي الكاتبة المناضلة والروائية الكبيرة التي لاقت بسبب كتاباتها النسوية وآرائها التنويرية والتحريضية حول الختان وتعدد الزوجات والمثلية والحجاب …. ألخ . كثيراً من الاذى والتصادي، فاتُهمت واعُتقلت وحوصرت ولوحقت ...و بسبب جرأتها في التعبير عن آرائها، تعرضت للانتقاد والتهديد بالقتل والاعتقال وعلى الرغم من كل ذلك، صمدتوواجهت … وانتفضتفلا هادنت ولا ساومت ولا تنازلت حتى استطاعت أن تصنع لها تاريخاً نسوياً فيه تتجلى قوة رسالتها، وقيمة أهدافها برجاحة منطقها وثبات مبادئها وبسالة روحها وجمالها .

وعلى مدار حياتها، ناضلت السعداوي ضد ختان الإناث، واصفة إياه بأنها أداة لقمع النساء وبفضل جهود “نوال السعداوي” تغيرت أراء ووجهات نظر ملايين الرجال والسيدات في العالم العربي للمرأة، ليس فقط فيما يخص العلاقة الحميمة الشرعية وإنما في المعاملات اليومية وفي الإطارات المختلفة وبعد عقود من السجال , تم تجريم ختان الإناث في مصر عام 2008 ولاحقا أصدر الأزهر و ” دار الإفتاء المصرية ” فتوى تحرم ختان البنات … وعلى إثرها صدرت الكثير من التشريعات والقوانين التي تجرم هذه الممارسة غير الإنسانية (على خلفية وفاة طفلة أثناء ختانها ) .  

ووفقًا لدراسة صادرة من منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف” عام 2017 تحتل مصر المركز الرابع عالميا والثالث على مستوى الدول العربية، من حيث عدد النساء اللاتي تعرضن لعمليات ختان .

وأشار تقرير اليونسيف حينها إلى أن نسبة إنتشار ختان الإناث في مصر عام 2000 كانت تصل إلى 97 بالمئة، وسجلت انخفاضا عام 2015 إلى 92 بالمئة، ثم إلى 87 بالمئة عام 2016، إلا أن انتشار تلك الممارسة عاد إلى الصعود إلى نسبة 91 % عام 2017

وكان هناك القرارات والتشريعات للحد من هذه الظاهرة … لكنها ضاعت في متاهات الممارسة المستمرة كعادات متأصلة في مصر وبعض المجتمعات الأفريقية

وبالصدفة سبحان الله 

وانا أجمع افكاري وترتيب كتاباتي حول هذا الموضوع المثير للجدل  قرأت أن يوم الأحد الماضي قد صدر قرارا نهائياً عن البرلمان المصري (أخيرا… ) وجاء  بمثابة قانون لتغليظ عقوبة ختان الإناث لتصل إلى السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات واعتبر القانون (  الذي أقره الأزهر ) أن الختان “انتهاك لحرمة الجسد” الذي لا يجوز المساس به، وهو ما يؤثر سلبا على المقومات الأساسية والأخلاقية التي يقوم بها المجتمع، وقد وافق البرلمان بأغلبية ( ثلثي ) أعضائه على مشروع قانون يغلظ عقوبة ختان الإناث لتصل إلى السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات

والسؤال هنا  ؟؟؟

هل يعني وصف  ثلث أعضاء البرلمان الذين لم يصوتوا لصالح القرار ( بالثلثالمعطٍل ) ؟؟؟ هذه حكاية أخرى ... 

لنعود إلى نوال ... التي كانت تقول في  حياتها وبشئ من المرارة  :

إنها نالت التكريم في جميع أنحاء العالم، لكنها لم تتلق أي تكريم في بلدهأ “

لا أدري لو كانت معنا اليوم ماذا كانت ستقول ؟؟ حول هذا القرار…

كما كانت كتاباتها وما أكثرها . تشكل صدمة في الأوساط المحافظة وجعلتها عرضة للاتهامات بازدراء الأديان، حتى أن بعض الإسلاميين رفعوا دعوى قضائية تطالب بتطليقها من زوجها...

و بسبب جرأتها في التعبير عن آرائها، تعرضت للإنتقاد والتهديد بالقتل والاعتقالقالوا لهاأنت امرأة متوحشة وخطيرة”.

فكتبت قائلة :

أنا أقول الحقيقة. والحقيقة متوحشة وخطيرة

وبعد رحيلها عبَر الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة عن حزنه لرحيل الكاتبة الدكتورة نوال السعداوى، مؤكدا أن الثقافة المصرية والعربية فقدت أديبة مناضلة بارزة، قلما يجود بها الزمان حيث وهبت الراحلة حياتها للدفاع عن قضايا المرأة، كما سطرت في مسيرتها الأدبية الممتدة ما يسمو بقيمة الإنسان بشكل عام، ليس فقط ما يمس بقضايا المرأة بشكل خاص، فتركت الراحلة عدة مؤلفات ثرية في مجال تحرير المرأة والإنسان بشكل عام، بجانب فكرة تحرير الوطن من جهة أخرى من خلال نواحٍ ثقافية واجتماعية وسياسية ..

وعودة إلى العنوان

مكان وزمان هذه... الفرصة والصدفة  

التي جمعتنا وتعرفت عليها في سنوات مبكرة فهي حكاية لا تنسى بالنسبة لي وكانت بداية بإهتمامي بكل ما تكتب وتقول حتى اصبح عندي ملفات كبيرة ورقية وإلكترونية تشمل الكثير من ” أدبياتنوال السعداوي ” استعين بها في كتاباتي .

كان ذلك في مطلع السبعينات من القرن الماضي قبل صدور كتابها , وأول أعمالها غير القصصية بعنوان  المرأة والجنس  في عام 1972 مثيرة بذلك عداء كلا السلطات السياسية والدينية... ( لأن هذا الكتاب أصبح أحد المراجع التي يتناقلها قراؤها بعد وفاتها، يبحثون فيها عن إقتباسات ملهمة للتذكير بجهودها في “ تصحيح المفاهيم الخاطئة حول المرأة وجسدها ” على حد قولهم هذا الكتاب كان من أسباب فصلها من وزارة الصحة قبل أن ينتهي بها المطاف في السجن خلال سبعينات القرن الماضي .

كُنت في ذلك الوقت في زيارة سريعة للقاهرة , وكان لي لقاء مع أخي ورفيق الدرب  في العمل الطلابي الفلسطيني ” سعيد كمال ”   قبل منظمة التحرير وبعدها … وقبل مغادرتي القاهرة … وكان حينها رحمه الله ممثل منظمة التحرير في القاهرة  , وكان من أنشط من قاموا بهذه المهمة السياسية والدبلوماسية … ولدي لقاؤه إقترح علي مرافقته لحضورندوة … ولو لبعض الوقت قبل خروجنا لتناول العشاء … لم اعد أذكر التفاصيل … وكل ما بقى في ذاكرتي أنني إستمعت كلمة نوال السعداوي بإنتباه بالغ كانت خلاف ما سمعته قبلها وبعدها من إمرأة في مصر الحبيبة … أو أي بلد عربي .

وقبل مغادرتنا المكان قال لي سعيددعنا نلقي السلام والتحية على الدكتورة قبل المغادرة  استقبلتنا الدكتورة … أو بالأحرى سعيد بحرارة وكان قادرا على المجاملات والاحاديث الإجتماعية يبدأ من حيث ينتهي … ولا تدري متى ينتهي … كانت نوال رحمها الله تسمع ممثل فلسطين ( بشبه ) إبتسامة … وتنظر لي … وأتفق معها  بالمقابل( بشبه ) إبتسامة وكأنها تريد أن تسأل من يكون هذاالرجل ؟

أدرك سعيد الموقف وقال لها  عفوا يا دكتورة … اقدم لك ممثل الثورة الفلسطينية في قبرص واليونان  أخي مسعود وكان تعليقها المباشر وبروح الفكاهة المصرية المحببة قائلة : “الله … سعيد ومسعود …”، ضحكنا جميعا … وبقت في ذاكرتي حتى يومنا هذا رد فعلها السريع وكأنها في الأمس القريب :

قبرص … يا خبر أبيض من يحكم هذا البلد , الأهم في المنطقة

اليونان بتعمل هناك إيه يا مسعود ؟؟؟ خلي بالك … قبرص واليونان كماندا إنت في عش الدبابير … يا إبني …     يا مسعود ربنا يكون معاك

امرأتان ... نوال السعداوي من مصروالدكتورة سلوى الشرفي من تونس استاذة الإعلام وعلوم الإجتماع  السياسي في الجامعة التونسية تعرفت عليهن … بالفرصة والصدفةكان يميزهما الميدان الفكري والإبداعي لا سيما حين أهدرت بعض الجماعات  المتشددة دماؤهنمع إشتداد نزعة التطرف والتكفير في مجتمعاتنا العربية .

رحم الله نوال السعداوي

ولنا عودة مع د. سلوى الشرفي … الأستاذة الجامعية , المثقفة الحرة الكاتبة والأكاديمية التي أخافَ تحررُها المتزمتينالذين ينكرون على النساء أي حق في الحرية .

وللحديث بقية

ملحم مسعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى