أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب المرأة … بين الحجاب والجلباب ( 4 )

السفير ملحم مسعود – اليونان 20.4.2021

من الثابت تاريخيا أن المسلمين الأوائل كانوا يتوضؤون معا رجالا ونساءا في وقت واحد ومن مكان واحد … فلا شعر المرأة ولا وجهها عورة ( حسب الباحث جمال البنا ) كما أن الإختلاط في كافة شؤون الحياة هو سمة المجتمعات الإسلامية الأولى … فقد كان الإختلاط في التعليم والقضاء والحج والطواف والسعي في كل مكان , كذلك في الأعياد والأعراس وكل شئ … حتى جاء الفصل بين الرجال والنساء في العصر العباسي … والجدير بالذكر لم يكن الفصل بين الجنسين موجودا زمن الرسول ولا زمن الخليفة الأول … وبأمر منه لزاما في الدين .

لا أريد من هذه الكتابة ان أدلو بدلوي لأن ثقافتي الدينية لاتساعدني على ذلك … إنما التذكير بمواقف مثبتة قديمة وحديثة حول ( الحجاب ) المقولة التي تمددت وتوسعت لتصبح ( اللحية والجلباب … والسبحة والحجاب ) او ما شابه ذلك … الحجاب … هذا الجدل الأبدي أردت إسترجاع مسيرة المرأة ومواقفها في مجتمعاتها , مع التأكيد بأن المرأة يمكن أن تمتلك الشخصية الحرة المستقلة وإن كانت محجبة… والتشجيع على خلعه قديم جديد … وقد يكون شعار دعم حق المرأة وعدم خضوعها , مطلوب اليوم أكثر وأكثر من أي وقت مضى لنهضة مجتمعاتنا.

في مقال لسهى الجنديقبل سنوات روت كيف خرجت في رحلة للطالبات في حافلة كان تضم 75 طالبة جميعهن مرتديات الحجاب , وحين وصلوا إلى  وجهتهن … نظرت وإذا بها لم ترى رأسا واحدا يغطيه حجاب ...

ما رأي القارئ … أو القارئة بهذه الظاهرة فسروها كما تشاؤون … لكن الواقعة لا تحتاج إلى إجتهادات كثيرة … الفتيات أرادوا التحرر …  ” في الطبيعة بعيدا عن شئ مالا يرغبون به وتصرفن على سجيتهن … إن إحترام إرادة المرأة وحمايتها وتوجيهها في نفس هو دليل حضارتنا وآفاقنا .

  والأمثلة  كثيرة ففي تاريخ مصر الحديث اقترن النضال النسائى في مصر دائماًبأسماء كثيرة وبشكل خاص باسم ( هدى شعراوي ) … وكان أكثر المواقف التي يتذكرها الناس لها كانت عقب عودتها من مؤتمر نسائى في أوروبا عام 1923 عندما نزلت هي وزميلاتها نبوية موسى وسيزا نبراوي من القطار في محطة مصر وخلعن حجابهن فتملكت حشود النساء اللاتى كن في انتظارهن الدهشةليسود بعدها الصمت للحظات قبل أن يدوى الجميع بالتصفيق، وأقدمت الكثير من السيدات على خلع حجابهن أيضا .

لم يكن خلع الحجاب هو القضية التي شغلت هدى شعراوي فكرست مجهودها في الدفاع عن حقوق المرأة خاصة الحقوق السياسية والتعليمية.

ولدت هدى ابنة محمد باشا سلطان، من أسرة ارستقراطية وتزوجت من زعيم وفدى مرموق هو على باشا شعراوى وناضلت من أجل قضايا المرأة كثيراً قبل واقعة خلع الحجاب ففى عام 1914 أسست الجمعية الفكرية للمرأة المصرية، وفي ثورة 1919 تقدمت صفوف النساء في المظاهرات التي تطالب بالإستقلال جنباً إلى جنب مع الرجال لأول مرة.

وعقب عودتها، في عام 1923، من المؤتمر الدولى لحقوق المرأة الذي عقد في روما أسست الاتحاد النسائي المصري، وأصبحت أول رئيسة له، وكان أهم أهدافه التأكيد على حق المرأة في التعليم والدعوة لتغيير بعض قوانين الأحوال الشخصية، وفي عام 1924 قادت وقفة نسائية اثناء انعقاد جلسة افتتاح البرلمان وقدمت عريضة تحوي بعض المطالب التي تجاهلها حزب الوفد مما دفعها للاستقالة من لجنته النسائية .

وفي عام 1938 نظمت هدى شعراوي مؤتمر نسائي للدفاع عن فلسطين، كما دعت إلى تنظيم الجهود النسوية من جمع للمواد واللباس والتطوع في التمريض والإسعاف، في 29 نوفمبر 1947، صدر قرار التقسيم في فلسطين من قبل الأمم المتحدة، أرسلت شعراوي خطابًا شديد اللهجة للاحتجاج إلى الأمم المتحدة، توفيت بعد ذلك بحوالي أسبوعين في 12 ديسمبر 1947 .

وفي مصر أيضا  كانت ”  صفية زغلول ” رمز ثورى عرفت بـ «أم المصريين»، سلكت صفية زغلول طريقاً غير تقليدياً في حياتها عندما تزوجت وهي ابنة مصطفى باشا فهمي، رئيس وزراء مصر وقتها رجلاً من عامة الشعبإسمه سعد زغلول … والذي أصبح زعيم الأمة ، وكانت قد فاجأت صفية زغلول الجميع عندما خلعت اليشمكسنة 1921 وتقدمت صفوف الثوار المصريين أثناء حياة زوجها وبعد وفاته

ومن تاريخ مصر ودور المرأة …

عندما قاد  أحمد عرابي الثورة على الخديوي المستبد فوقف إلى جانبه الإمام محمد عبده الذي قاد الثورة على الأزهر الشريف وطالب بتجديد الفكر الديني … ومن تعاليم محمد عبده ظهر قاسم أمين الذي قاد الثورة على نظام الحريم , وطالب بتحرير المرأة فمنعه الخديوي عباس حلمي من دخول قصره … لكن الثورة إشتعلت من جديد بقيادة سعد زغلول … وشاركت فيها المرأة وخرجت مع المتظاهرين تطالب بالإستقلال التام أو الموت الزؤام وتواجه جنود الإحتلال بوجه سافر هلل له حافظ إبراهيم شاعرالشعب أو شاعر النيل في قصيدته :

خَرَجَ الغوانى يحتججـن ورحت أرقب جمعهن
 فإذا بهن إتخذن من سود الثياب شعارهن
 وأخذن يجتزن الطريقَ، ودار سعد قصدهن
يمشين فى كنف الوقار وقد أبَنَّ شعورهن
 وإذا بجيش مقبل والخيلُ مطلقة الأعنة
وإذا الجنود سيوفُها قد صُوّبتْ لنحورهن
 وإذا المدافع والبنادقُ والصوارمُ والأسنه
والخيلُ والفرسانُ قـد ضَرَبَت نطاقًا حولهن
والوردُ والريحانُ فــــــى ذاك النهار سلاحهن
فتطاحن الجيشانِ ســـاعاتٍ تشيب لها الأجنه
 فتضعضع النسوانُ والـ نسوانُ ليس لهن مُنه
ثم انهزمن مشتتاتِ الشملِ نحو قصورهن
فليهنأ الجيش الفخور بنصره وبكسرهن
فكأنما الألمان قد لبسوا البراقع بينهن
وآتوا بهندبرج مختفيًا بمصر يقودهن
فلذاك خافوا بآسهن وأشفقوا من كيدهن

…وقد شجع زعيم الأمة السفور … حتى راح مشايخ الأزهر يصطحبون بناتهم سافرات وتظهر صورهم معهن  في الصحافة دون حرج , ولم يتردد الشيخ محمد الطنيخي في إستقبال بناته من دون حجاب يزرنه في معقله بالأزهر الشريف … وعُرف عن علماء الأزهر سعيهم لتحرر المجتمع وتطوره .

    فقد كانت مشاركة النساء في ثورة 1919 مع الرجال لأول مرة مطالبات باستقلال البلاد ملمح شهير لتلك الثورة التي كان الزعيم سعد زغلول ملهمها، وقادتها الجماهير عندما كان في المنفى .

وهناك أسماء نسوية كثيرة وكبيرة صنعت وصاغت نضال المرأة العربية اشهر من أن يقال لضيق المكان .  

حكاية الحجاب تذكرني بقصيدة الشاعر خليل مطران، التي مطلعها ::

سَجَدُوا لِكِسْرَى إِذْ بَدَا إِجْلاَلاَ   كَسُجُودِهِمْ لِلشَّمْسِ إِذْ تَتَلاَلاَ

وقصة القصيدة تدور حول غضب كسرى على وزيره (بزرجمهر) فحكم عليه بالموت، وفي يوم تنفيذ الحكم هبّ الناس من كل حدب وصوب، ليشهدوا مقتل المصلح الكبير، وأقبل كسرى ملوحاً للناس وهو يجلس على عرشه، وحوله قادته، ويؤتى بالوزير يسوقه جلاده الذي أخذ ينادي هل من شافع للوزير؟

فيأتيه جواب الجموع  : لا لا... لا

ويلتفت كسرى نحو الجموع، فيرى فتاة جميلة تشق الصفوف في هيئة ومظهر يعده الفرس عاراً... فيرسل إليها من يسألها عن سبب مجيئها على تلك الهيئة ، فيأتي جوابها حكمًا صارمًا يدين الحاكم المستبد الذي هو صورة أخرى لحسن نصر الشيطان .والشعب الخانع المستسلم، الذي تجرّد من رجولته .:

القصيدة تشرح بعد ذلك مشهد ساحة الإعدام المزدحمة عندما  تفاجئ فتاة حاسرة ( لاعار عندهم كخلع نسائهم  استارهن ولو فعلن ثكالا ) الناس وتنتهي القصيدة بهذا البيت :

مَا كَانِتِ الْحَسْنَاءُ تَرْفَعُ سِتْرَهَا  لَوْ أَنَّ فِي هَذِي الجُمُوعِ رجَالاَ

هذا النقاب عند الفرس لا المسلمين . اما عند العرب قبل الإسلام … ربما كل طالب ثانوي يذكر قصيدة التابغة الذبياني” المتجردة ” …. ذات يوم ، سقط خمار المتجردة زوجة ملك الحيرة النعمان بن المنذر في بلاطه ، فاتقت أعين الشعراء المتلصصة عنده بيد، وتناولته بالأخرى. ويعلم الله وحده إن كانت قد أسقطته عن عمد أم سقط من فوق رأسها عَرَضا. لكن المؤكد أنها كانت ذات حسن … أسالَ قريحة نابغة الشعر ” الذبياني،فخلد الحادثة في بيت شعر يقول:

سقط النصيفُ ولم تُرد  إسقاطهُ فتناولتهُ واتّقتنا باليدِ

والنابغة يتحدث عن الحجاب عند ملوك الغساسنة المسيحيين بعد إنتقاله إليهم بسبب ما ورد في قصيدته هذه عن وصف فاضحللمجردةوعلى إثرها اضطر الشاعر إلى الفرار مغضوبا عليه لينجو برأسه من سيف النعمان بن المنذر وأن يعيش مطاردا حتى آخر حدود الوفاق، ليحتمي من المناذرة بالغساسنة .

أما القصة القديمة تقول :

أن بدويا أضاع حمارا لأهله وأخذ يبحث عنه , وإلتقى  بالطريق بإمرأة …  بادلها الحديث حتى قام نوع من الإستلطاف بينهما … وعرض عليها أن تشرب ماء من زقُ معه فرفعت نقابها لتشرب , ووجد البدوي الكريم إن المراة فمها كبير وأسنانها سود … بعضها مكسور ومعووج    … فقال لها كلاما أصبح أمثال العرب :

أذَكرني قول حمار أهلي

وتركها ليكمل البحث عن الحمار وفي هذا المعنى قال شاعر قديم لم اععُد أذكر صاحبه :

ليت النقاب على النساء محرم    كي لا تغش مليحة بنقاب

في المقابل مدح الشاعر الأندلسي الأمير البربري , فلم يفهم كلامه ولم يًجزه وعاد إلى بيته … ليتبعه  مأمور ضرائب يهودي يطالبه بمال … فشكى قائلا تحكمت اليهود على الفروج , وطافت بالبغال وبالسروج وأن الحكم صار للعلوج … وإختتم قائلا :

فقل للأعور الدجال هذا  زمانك إن عزمت على الخروج

وللحديث بقية

ملحم مسعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى