#أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب – الصراع على السودان (1) 

 السفير ملحم مسعود  – اليونان 28.10.2021

ما سر كل هذا الضجيج والضجة , على إنقلاب السودان وردود الفعل المتباينة , وإنشغال مجلس الأمن بالحدث والرغبة رغم عدم القدرة  على إتخاذ قرار … وأي قرار …  

كان الإنقلاب وتوابعه وتداعياته المستمرة , يفسر بوضوح حجم أهمية وموقع  هذا البلد الجغرافي  والإستراتيجي , والصراع على النفوذ وإيجاد موطئ قدم في ظل توفر الفوضى المتزايدة في هذا البلد فرصا مواتية لقوى مختلفة … تتسابق في البحر الأحمر و منطقة القرن الأفريقي . 

أما عن ثرواته الزراعية  فقط … نذكر منها المساحات الصالحة للزراعة تبلغ قرابة 100 مليون فدان … والمساحات الصالحة للرعي قرابة 180 مليون  فدان ( الفدان 4200 متر مربع ) بمعنى آخر السودان السلة الغذائية  للوطن العربي كله … او الأمن الغذائي العربي بكلمات قليلة .

 لم يفاجئ المعنيين والمهتمين في الشأن السوداني وتكويناته  … وهو ليس جديد … 

هنا العسكر , وهناك المدنيين تداولوا على الإنقلابات  من اجل السلطة والسلطان وكانت الغلبة دائما للعسكر بما يملكوه من ادوات القتل والقمع …  ربما الدعم الخارجي .

إستهدفوا هذه المرة كالعادة  إلى إزاحة الممثلين المدنيين للمرحلة الانتقالية، ولا سيما رئيس الحكومة … رغم أن مذكّرة اتفاق تقاسم السلطة الذي أبرم بعد الإطاحة بعمر البشير في شهر أغسطس عام 2019، أدارت الحكومة، برئاسة مجلس السيادة المؤلف من عسكريين ومدنيين، البلاد كجزء من عملية انتقالية.

إن مسألة نقل السلطة إلى المدنيين كانت تثير قلق عدد من الجنود الذين لم يرغبوا في فقدان السيطرة السياسية. فهم يخشون من أن يعود قطاع الأعمال بالكامل إلى حظيرة الحكومة .  لكن الجيش، الذي خدم معظم عناصره الرئيس السابق البشير، لم يعد يرغب في الوفاء بوعده، وطاب له المقام  بحجة أن قوى الحرية والتغيير (الحركة الثورية لعام 2019) منقسمة الآن.

كما أنهم قلقون من الملاحقات القضائية المحتملة على الفظائع التي ارتكبها الجيش والقوات المعاونة وهي القوات التي تأتمر اليوم من محمد حمدان دقلو ( يقال أنها أكثر من 30 ألف مسلح ) تاجر الإبل االذي أصبح الآن في صدارة المشهد  السياسي  في السودان ( دولة داخل الدولة ) ولأهمية هذه الشخصية ومستقبلها في مواجهة متوقعة بين طموحات الجنرالات  المختلفين مع عبد الفتاح البرهان وتاجر الإبل … في مسائل أخرى وجدنا في بعض ماينشر القليل عن هذه الشخصية :

من تاجر إبل إلى زعيم ميليشيا قوية

بدا مسار صعود حميدتي إلى مقدمة المشهد السياسي في السودان غريباً، إذ جاء من خارج المؤسسة العسكرية والأحزاب السياسية التقليدية

يعد حميدتي أحد العناصر الأساسية التي أطاحت بالرئيس السابق البشير، الذي كان قد قربه منه ودعمه وأضفى الشرعية على الميليشيا القبلية التي كان يقودها، ودمجها في المؤسسة العسكرية تحت اسم “قوات الدعم السريع”

ينحدر حميدتي من قبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية التي تقطن إقليم دارفور غربي السودان

وقد ترك الدراسة في عمر مبكر وعمل في العشرينات من عمره في تجارة الإبل بين ليبيا ومالي وتشاد بشكل رئيسي، فضلا عن حماية القوافل التجارية من قطاع الطرق في مناطق سيطرة قبيلته

جنى حميدتي ثروة كبيرة من عمله هذا في التسعينيات، مما مكنه من تشكيل ميليشيا قبلية خاصة به تنافست مع ميلشيات قبلية أخرى، وعند اكتشاف الذهب في جبل عامر سيطرت ميليشياته على مناجمه

تبدأ قصة حميدتي في عام 2003، عندما حشدت حكومة البشير قوات من الرعاة العرب لمحاربة المتمردين الأفارقة في دارفور، وكانت نواة هذه القوات، التي عرفت لاحقا باسم “الجنجويد” مؤلفة من رعاة إبل من عشيرتي المحاميد والماهرية، من قبائل الرزيقات في شمال دارفور والمناطق المتاخمة لها في تشاد

وخلال الحرب الضارية في دارفور بين عامي 2003-2005، كان قائد الجنجويد الأكثر شهرة والأسوأ سمعة هو موسى هلال، زعيم عشيرة المحاميد

وبرز حميدتي الذي كان يعمل إلى جانب هلال، عندما تمكن من توسيع الميليشيا التي يقودها من الماهرية وضم إليها قبائل أخرى، لينافس زعيمه السابق هلال وليستعين به البشير لاحقا إثر خلاف مع الأخير

قوات الدعم السريع في السودان

وأضفى البشير الشرعية على هذه الميليشيا بتسميتها “قوات الدعم السريع” وفق مرسوم رئاسي أصدره في عام 2013. وكان قوامها الأساسي مكونا من 5000 عنصر كانوا مسلحين ونشطين قبل ذلك بوقت طويل

لم يعجب ذلك رئيس أركان الجيش، إذ أراد أن يذهب المال لتعزيز القوات النظامية، لكن البشير كان متخوفا من وضع الكثير من السلطة في أيدي جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بعد أن كان قد طرد مديره للتو بتهمة التآمر ضده

لذا أصبحت قوات الدعم السريع مسؤولة أمام البشير نفسه، وقد أعطى البشير لحميدتي لقب “حمايتي”، بمعنى “الذي يحميني”

ويقال ان قواته شاركت قوات الدعم السريع  شاركت في عدد من النزاعات الإقليمية ومن أبرزها دورها في القتال ضمن قوات التحالف بقيادة السعودية في جنوب اليمن وعلى طول سهل تهامة – الذي يشمل مدينة الحديدة الساحلية. كما وفر حميدتي وحدات للمساعدة في حراسة الحدود السعودية مع اليمن

عودة قليلا إلى التاريخ …

 كم  كانت  ولادة الدولة السودانية  عسيرة , كما جاء في دائرة المعارف البريطانية حيث البداية تمثلت في الحكم المصري العثماني، ففي يوليو/تموز من عام 1820، أرسل محمد علي والي مصر في عهد الإمبراطورية العثمانية جيشا بقيادة ابنه إسماعيل لغزو السودان. … ويطول هنا السرد .. وخلال الوجود البريطاني في مصر والسودان وكما كان الحال في فلسطين والهند وقبرص … وغيرها , كانت السياسة المتبعة بشكل أو بآخر أن تضع السودان مباشرة، في مواجهة المصريين … لتصبح  الصيغة النهائية هي ما يطلق عليه “مشروع قانون الحكم الذاتي وتقرير المصير”… وفي 23 يوليو/تموز عام 1952 شهدت مصر حركة الجيش التي أطاحت بالنظام الملكي. ووقعت الحكومة المصرية الجديدة مع بريطانيا اتفاقية في 12 فبراير/شباط من عام 1953 تمنح بمقتضاها بريطانيا السودان الحكم الذاتي وحق تقرير المصير في غضون 3 سنوات…

  وهنا أهم و أبرز المحطات الزمنية في تاريخ السودان:

  • 1821 – احتلت الإمبراطورية العثمانية الجزء الشمالي من البلاد.
  • 1899-1955 – السودان تحت الحكم البريطاني المصري المشترك.
  • 1956 – استقلال السودان.
  • 1983 – الرئيس النميري يدخل الشريعة الإسلامية … وتأجيج الصراع مع الجنوب . 
  • 2003 – بدء الصراع في إقليم دارفور.
  • 2009 – المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تتعلق بالصراع الذي طال أمده في دارفور.
  • 2011 – جنوب السودان يحصل على الاستقلال بعد سنوات من الحرب مع الحكومة المركزية في الخرطوم.
  • 2019 – الجيش يطيح بالرئيس البشير بعد أشهر من الاحتجاجات ضد حكمه.

عود على بدء … 

كان إختفاء رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعدم معرفة مصيره … سببا للقلق في  الدوائر العالمية التي إسنكرت الإنقلاب وتوابعه , وبعد كل التكهنات عن مصير وإختفاء رئيس الوزراء ( الأمين العام السابق للجنة الإقتصادية لأفريقيا  ) لاسيما عندما أعلنت  وزارة الإعلام الإثنين أن عددا من المسؤولين المدنيين في الحكومة والمجلس الانتقالي من بينهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قد اعتقلوا … مما أدى إلى تزايد الضغوط العالمية لمعرفة مصير الرجل والطلب بإطلاق صراحه …

ومن اظرف ما سمعناه ( إذا كان  كان هناك ظرافة …  )  

طلع  علينا … عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني , زعيم الإنقلاب  الثلاثاء يصرح  إن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك :   ” موجود معه في منزله ” .. ونٍعم الضيافة السودانية … إذا لم يكن في أقبية بيته العامر … او كان في بيت خالته .

أو تفيد مصادر موثوقة أن رئيس الوزراء  وُضع أخيرا قيد الإقامة الجبرية في منزله تحت حراسة مشددة ،.وأكد حمدون على التزامه بأهداف الثورة المناهضة للرئيس السابق عمر البشير في 2019 و لا يزال ملتزما بالتحول المدني الديمقراطي , وحذًر من استخدام العنف ضد المحتجين … وجرى  معه إتصالات  هاتفية من  شخصيات عالمية للإطمئنان عليه وتداولوا معه في آخر التطورات والمستجدات بكل  ما جرى ويجري في السودان الشقيق الآن  .

وضمن الأحداث التاريخية  التي سوف نعود لها في الموقع تباعا إعلان اسماعيل الأزهري استقلال السودان في أواخر عام 1955:

وفي 19 ديسمبر/كانون الأول من عام 1955، اجتمع البرلمان السوداني ليعلن اسماعيل الأزهري زعيم الحزب الديمقراطي الاتحادي صاحب الأغلبية من داخل القبة استقلال السودان.

وفي الأول من يناير/كانون الثاني من عام 1956 رفع اسماعيل الأزهري مع زعيم المعارضة حينها محمد أحمد المحجوب زعيم حزب الأمة علم الاستقلال على سارية البرلمان.

ومنذ حصوله على الاستقلال في ذلك العام ، كان السودان مسرحا للعديد من الانقلابات العسكرية نجح بعضها فيما فشل البعض الآخر … ففي 17 نوفمبر 1958 قاد الفريق إبراهيم عبود أول محاولة انقلاب ناجحة ضد حكومة منتخبة مكونة من ائتلاف “حزب الأمة” و”الحزب الاتحادي الديمقراطي” (أكبر حزبين)، وحينها كان يرأس إسماعيل الأزهري مجلس السيادة وعبد الله خليل رئاسة مجلس الوزراء والحزب الاتحادي الديمقراطي” (أكبر حزبين) 

وكما جاء في الكتب ووثائق كثيرة … والتحليل السياسي أن الانقلاب وجد بيئة ملائمة تمثلت في الصعوبات الاقتصادية وانخفاض احتياطي العملة الصعبة واشتداد الصراعات السياسية بين الأحزاب … 

ليس معروفا إلى أين سيأخذ البلد كبار ضباط الجيش السوداني … الذين سبق لهم و إستجابوا لنداء الشعب   وحسموا أمر نظام عمر البشير …  وبنكهة عسكرية طاغية  تقاسموا السلطة من خلال مجلس سيادة مؤلف من عسكريين ومدنيين لحكم البلاد كجزء من عملية إنتقالية .

هل لا يزال الزمن لصالح  الإنقلاب  العسكري… أم أنّ السودان يبقى حالة شاذة في ضوء التجارب التي مرّ فيها منذ استقلاله في العام 1956 ؟ 

وللحديث بقية

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى