أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب – الشتات الفلسطيني … إمكانيات ضائعة

السفير ملحم مسعود – اليونان 30.10.2020

عودة إلى الساحة الدولية والعمل الفلسطيتي هناك اكتب والحالة الفلسطينية أكثرتعقيدا مما كنا نتوقع او نحلم … لكن بلا قنوط أو ياس …

أكتب عن إمكانيات فلسطينية في الشتات حان الوقت لدورهم  والذي يشكل ركنا هاما في هذه الحالة التي وصلنا إليها بما يطبخ ويدور عربيا وإقليميا ودوليا … وربما الدور الاهم من البعثات الدبلوماسية  الفلسطينية …

علينا ( التنكيش … والتنبيش ) عنها , وإكتشافها وضرورة تجسير علاقاتها مع البعثات الدبلوماسية لهم ما لنا وعليهم ما علينا ( الأمر الذي عليهم أن يراجعوا مفهوم الدبلوماسية الفلسطينية … كمهمة … ربما الأمر الذي يحتاج إلى إعادة التاهيل  بما يلائم الظروف والمستجدات … ) نظرا للإندماج في مجتمعاتها في الشتات لسنوات طويلة , والعلاقات التي أستطاعت رموز هذه التجمعات إقامتها , تساعدها مرونة الحركة ونجاح الكثير من الشخصيات الفلسطينية من الوصول إلى مراكز مرموقة في هذه البلدان .

كُنا نراهم في بيروت وتونس يتوافدون  للإتصال بالقيادات  الفلسطينية , وتقديم كل خبراتهم ووضعها تحت تصرف القيادة  الفلسطينية , للمساهمة في ما يمكن من إنجازاتهم في المجالات المختلفة في الشتات … من علاقات  عامة إعلامية وسياسية وإجتماعية وثقافية وفنية …   وقدرات علمية في مجالات مختلفة في أكبر الجامعات ومراكز الأبحاث و كنا نراهم وفي صحبتهم شخصيات لامعة وفاعلة من مجتمعاتهم مهتمة بالإطلاع  , والإتصال بالقيادات الفلسطينية  ليس فقط للتعبير عن التضامن , إنما لتقديم خدماتهم ومساعداتهم عمليا في مجالات شتى دعما لتطوير مؤسسات فلسطينية واعدة في مرحلة التاسيس ..

كانوا يلقون الإحترام الكامل وتنتهي هذه اللقاءات بوعود التواصل .

يذكرني هذا حديث مع عضو اللجنة المركزية الأخ أبو السعيد (خالد الحسن ) رحمه الله , الذي كان أحد القيادات الفلسطينية القليلة الأكثر ثقافة وإطلاع  ووضوح الرؤية . حديث عن  قضايا عديدة , وتحدثنا عن الشتات الفلسطيني في المهجر , روى لي وباسلوبه المحبب في البساطة و بعيدا عن الفوقية … عن زيارة له قام بها إلى (هولندا ) في مطلع الستينياتكيف إلتقى فلسطينيين كانوا قد وصلوا من نابلس  في آخر الخمسينيات … وكان وصولهم إلى هولندا بهدف التدريب والعمل وإكتساب الخبرة في شركة هولندية متخصصة في صناعة منتجات الالبان , وكان عددهم يقارب 120 عامل سكنوا في بلدة فلاردينجن … وعلى الرغم من ظروف العمال وإنعزالهم إلى حد ما عن المجتمع الهولندي في البداية بسبب طبيعة عملهم والإنشغال المتواصل … إلا أنهم نجحوا في عام 1966 وبالتنسيق مع الطلاب في تاسيس رابطة للفلسطينيين في هولندا , التي عملت بنشاط لصالح القضية الفلسطينية , لا سيما في مجال الإعلام  ودعم منظمة التحرير الفلسطينية … إلا أن هذه الرابطة لم تعمر.

سالت أخونا ابو السعيدلماذا ؟؟

قال لي ببساطته وصراحته  المعهودة … غابت المتابعة … والتواصل معهم … وهذه مسؤوليتنا جميعا … رحم الله أبو السعيد .

وكانت لمثل هذه المبادرات من أبناء فلسطين في الشتات تنتهي بلا تواصل او إتصال … لعدم وجود ” جاهزية “ ومرجعية فلسطينية في المركز للقيام بهذهالمهمة او لعدم تقييمها وتقدير اهميتها  من قبل القيادات الفلسطينية مثل هذه النشاطات في ذلك الزمان  

شاءت الظروف أن اُكلف بالسفر في مهمة لأمريكا اللاتينية برفقة الأب المناضل إبراهيم عياد  ( رحمه الله ) بمناسبة إنتصار ثورة الساندينية بعد الإنتصار على الديكتاتور أناستازيو سوموزا وكانت لنا علاقات وتعاطف مع الثوار وكان لنا معهم علاقات وإتصالات ( وكان لنا إستقبال وترحيب خاص بحضورنا ) كما إلتقينا على هامش هذه الزيارة  برموز الثورة  دانيال اورتيجا ورفاقه… وقد شاركت دول ومنظمات في إعادة بناء نيكاراجوا تلك الدولة المستنفذة عقب الدكتاتورية التي عمرت حوالي 50 عاما … وهذه حكاية اخرى .

كذلك إلتقينا بابناء الجالية الفلسطينية , ورموزها الفاعلة في زيارة كانت ناجحة , وكالعادة دائما إتفقنا على  الإتصال والتواصل … وتركناهم في إنتظارالتواصل مع  مرجعية فلسطينية  … تتحدث معهم وبلغتهم وبناء على طلبهموعدناهم كالعادة بمواصلة الإتصال والتواصل ..

وحط بنا الرحال في هذه الرحلة إلى كوستاريكا وبنما وجاميكا على ما اذكر وكنا نلاقي من ابناء الجالية الفلسطينية كل ترحيب … وكانوا في إستقبالهموحرارة الترحيب بنا وكأننا هبطنا عليهم من السماء … كما كان يصف الحالة الاب إبرهيم عياد , الذي كان على معرفة واسعة بأبناء الجالية أينما ذهبنا , وكان بلا شك مرجعية هامة بمعرفته برموز أبناء الجالية الفلسطينية وخباياها في امريكا اللاتينية , وخصوصا  ” تشيلي ” الذي كان يقضي فيها شهور الشتاء في بلادنا ليعود حينما يحل الشتاء في بلادهم .

في بنما كانوا أبناء الجاليات بعلاقاتهم الواسعة …قد أمًنوا لنا لقاء مع الزعيمالتاريخي عُمر توريخوس … اللقاء كان في بيته البسيط , لم يكن هناك حراسات تذكر سوى شخص واحد … واستضافنا على تناول  الغذاء معه وكل شئ يتسم بالبساطة والترحيب  … قضينا ساعات معه يسال ويستفتسر عن احوالنا ومستقبل السلام والإستقرار في المنطقة ...

إنها إنجازات أبناء الجالية … التي لم نبني عليها … وتركناهم على امل الإتصال والتواصل.

وفي المناسبة لم يسم عمر توريخوس رسميا برئيس الجمهورية … وكانت ألقابه  مثل القائد الأعلى للثورة …  لم يعلن نفسه زعيما . كان هدفه هو إستقلال بلاده من الهيمنة الامريكية وفرض السيادة البنمية على قناة بنما ,دون إثارة نعرات او شعارات معادية للولايات المتحدة …  وقد إستطاع  إنجاز السيادة الكاملة على قناة  بنما   بماعرف بمعاهدات( توريخوس كارتر ) عام  1979 وربما كانت سياساته المستقلة وبعيدا عن الفساد ورفض الهيمنة الامريكية …سببا لتفجير طائرته عام 1981 ... وكان مصرع توريخوس  خسارة فلسطينية لا تقٌدر … وباقي القصة معروف .  

اردت من هذا السرد السريع , ان اقول هذه هي جالياتنا ونتاجها , وشعبنا في المنافي البعيدة … والقريبة … والخصوصية التي إستطاع الحضور الفلسطيني النجاح أكثر من مرة في الوصول إلى دوائر صنع القرار ,   قبل منظمة التحرير وبعدها , ولحسن الحظ لم يصيبها امراض الإتقسامات والإنشقاقات  في  السنوات الأخيرة التي إبتلينا بها وفتكت بنا  ونحن على أرض الوطن .

أصبح الشتات وبعد نكبات  جديدة  عام 1982 … وما بعدها تتزايد وتتوالى في الرحيل  والهجرة في إتجاهات مختلفة  لا سيما إلى أوروبا الأقرب والاسهل في ذلك الوقت , دون ان تخبوا الروح الوطنية في المنافي ولن تفقد تواصلها مع إصولها في المخيمات والوطن تعبر عن نفسها في المنافي بمتابعة التطورات و ما يدور في الوطن المازوم , رغم كل ما اصاب بعض هذه التجمعات لا سيما في أوروبا من آفة     و امراض الوطن  إنقسامات وغيرها لم تكن التجمعات والمنظمات والأشخاص التي عقدت المؤتمرات  … جرت بين الحين والآخر في عواصم اوروبية مختلفة كافية لإضفاء شئ من الشرعية على نفسها … وكانت بمثابة إجتهادات قام بها أصحابها لحساباتهم الخاصة , إن لم تكن حاجة في نفس يعقوب .

    وفي ظل غياب مرجعية فلسطينية  مركزية رسمية طال إنتظارهم  لهامستمرة وقادرة  على التنسيق والتعاونرغم كل المحاولات التي قامت بها منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية , لا سيما إنشاء دائرة المغرتبين …. وما آلت عليه الأوضاع أخيرا بهذه  الدائرة وتدويرها ..

لا تخفي ابناء الجاليات في أوروبا عدم الرضى للصيغة التي أآلت عليها ملف بهذا الحجم  (الشتات الفلسطيني) ضمن وزارة الخارجية … أي عودة الجالية الفلسطينية تحت كنف سعادة السفيرلا للتقليل من أحد   لكنهم  يرون أن وزارة  ونشاطات الخارجية الفلسطينية ومعظم سفرءها فيها ما يكفيها ... ولنا عودة إلى هذا الموضوع.

إن تراجع دور الوطن في الخارج عندما يتراجع دور المواطن في الداخل

لا نريد نكأ الجراح … وكيف حاولت التجمعات الفلسطينية تتوجه نحو إقامة الجاليات كمؤسسات إجتماعية ( رسمية ) في هذا البلد أو ذاك , تتمكن من النشاط الإجتماعي …  والتفاعل في هذا المجتمع ومؤسساته المدنية …في الإطار والخط الوطني , الذي تتفهمه شرائح المجتمع المحلي … وتكمل وتسهل الدور الدبلوماسي , بالتعاون والتفاهم وليس بإسلوب الوصاية …من سعادة السفير كذلك هي القادرة على إتخاذ مواقف تعبر عن قضايا معينة , ربما تكون أفضل أو ليس مرغوبا أو مطلوبا  من ”  الدبلوماسية ” الفلسطينية ان تدلو بدلوها … الخ .

لا نريد سرد الأمثلة للتجريح او التقليل من تجارب لنشر الغسيل … لكن من الضروري مراجعة  (حالات …  محزنة ومخزية )  كالعلاقات بين هذه التجمعات او الجاليات مع السفراء …  أ و رجال الأعمال الذين يريدون فرض حالهم وجماعاتهم بالحسنى … او بحشد موظفيهم وسياقهم وإجبارهم لرفع الأيدي لفرض الواقع الي يريدونه

والويل كل الويل لجالية فلسطينية تعتمد ماليا على رجال أعمال لفرض حالها ورموزها … والمصيبة أن تكون مثل حالة أراد رجال الأعمال فيها فرض انفسهم على رئاسة الجالية … لينتهي الحال بعد نجاح إلى إقفال مقر الجالية وما تبعه من تداعيات …

عندما أرادوا لعب دور سياسي في البلد  بالرهان على النظام ودعمه ا بالملايين (لعبة أكبر  من وضعهم وحجمهم مهما كان )    … في مشاريع إعلامية … ولكن لم تجري الرياح بما تشتهي سٌفنهم …   سقط النظام إياه في الإنتخابات … لا مشاريع إعلامية صارتولا من هم يحزنون …  بعد سقوط النظام  ودون المشاريع … طالب القوم بملايينهم … وإذ بالملايين قد تبخرت … وتصبح حكاية كل يوم في الصحافة المحلية وقنوات التلفزيون ... بالكلمة والصورة والأسماء

أخيرا كما شاهدنا وتابعنا وسمعنا … المهم .. إن طعم الغربة مالح  ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى