#أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب – الدبلوماسية … مساحة التعريف والتحديث (6)

السفير ملحم مسعود – اليونان 20.1.2021

لا يعلو في هذه الساعات صوتا على الحالة الامريكية , والخطاب المنتظر من الرئيس الأمريكي المنتخب والذي  يتطلع له وينتظره العالم كله هذه اللحظات ووصول الرئيس إلى مكتبه  

امريكاالحلم الأمريكي هل يستطيع الرئيس المنتخب بخطابه للأمة اليوم كاف ٍللعبور إلى شاطئ الوحدة والوئام التي اصابها العطب ... بعد كل ما شاهدناه من أحداث طوال الأسابيع الماضية , والتي ستبقى ندوبها لسنوات طويلة … وتداعياتها بلا نهاية .  يذكرنا هذا المناخ  وبعد 120 عاما على ذلك التمرد , في مدينة ويلمنغتون ( ولاية كارولينا الشمالية ) ولا زالت تشتبك مع ماضيها حينما حضر السياسيون حشدا عنيفا  بشدة ليندفع بجنون ويقتحم المدينة للإطاحة بالحكومة المنتخبة فيها , وكانتبإختصار إنتفاضة البيض على السود أول محاولة إنقلابية في التاريخ الأمريكي  “ومَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالبَارِحَةِ.ليتمكن الرئيس من مواجهة تحديات كورونا وإنعاش الإقتصاد والتعاطي مع الأولويات الخارجية  التي في إنتظاره كما كان قد صرح لصحيفة لوموند قبل ايام : 

” امريكا المستعدة لقيادة العالم وليس الإبتعاد عنه , وانها  مستعدة لمواجهة أعدائها , وليس رفض حلفائها , كما أنها مستعدة للدفاع عن قيمها “.

إننا في الإنتظار على هذه الإجابات وما تحمله لنا الأيام . وطالما مقالنا اليوم المقرر نشره ضمن مقالات الموقع عن ” الدبلوماسية ” وفي ظل التحولات والسياسات المنتظرة في امريكا نقول وحتي نعود بمزيد من التحليلات مع الإخوة والزملاء قريبا على الموقع, ان التوجهات السياسية الأمريكية المنتظرة  وما سمعناه في الأيام الأخيرة من كبار المسؤولين المرشحين للمواقع   ( الأمامية ) ستحاول إعادة الإعتبار … للدبلوماسية الأمريكية …  

وللحديث عن هذا أكثر من أن يُحاط به في هذا المقام .  

في اول مقال لي عن الدبلوماسية كانت الحلقة الاولي تحت عنوان ( الدبلوماسية … ثقافة ورشاقة )  بتاريخ 30.11.20 على هذا الموقع … إلى أن راجعت في إرشيفي الخاص مقال للكاتب  والإعلاميّ رجل الأعمال السعوديّ حسين شبكشي عضو مجلس ادارة شركة شبكشي للتّنميّة والتّجارة وعضو مجلس ادارة مؤسّسة عُكاظ للصّحافة والنّشرفي صحيفة الشرق الوسط بتاريخ  1.4.2020  تحت عنوانالفن والدبلوماسية : خلطة جميلة.

جاء فيها ضمن اشياء جميلة ومفيدة :

السياسة تفسد العلاقات بين الدول، وتؤزمها مواقف، ويوترها أشخاص، وتذهب ضحاياها الشعوب في معظم الأوقات. ولذلك تبقى المبادرات الجميلة التي تعتمد على القوى الناعمة التي توفرها الرياضة والفنون والثقافة جسورا عابرة لبناء أقوى العلاقات بين الأمم، مهما اختلفت ثقافاتها وتباينت حضاراتها. وهي جسور تقفز فوق كل مؤثر في الأجواء لأنها تعتمد على الذوق الرفيع الفطري والحس الإنساني النبيل  

جاءت العبارة لتكمل عنوان مقالي الأول ( الدبلوماسية … ثقافة ورشاقة ) لتبقى هذه المبادرات ( الدبلوماسية بالتأكيد ) تبحث عن اصحابها وأدواتها , لا تتوفر سوى في سفراء فوق العادة , وهذا ما سوف نكتب فيه قريبا ربما في الحلقة الفادمة .  

نتوقف قليلا في تعريف الدبلوماسية وما أكثرها , نذكر منها التعريف التالي لأهميتهاوأهمية الدور المناط بصاحبها في الإدارة الجديدة  ويلم بيرنز ( مرشح الرئيس الأمريكي المنتخب ) لرئاسة وكالة الإستخبارات الأمريكية  في أحد مقالاته بالاتي :

الاداة الرئيسية التي تُستخدم في إدارة العلاقات الخارجية , والحد منالتهديدات , وإغتنام الفرص لتعظيم الأمن والإستقرار , هي مسعى هادئ ودؤوب , تستخدم في ذلك القنوات الخلفية“.

إن القوى الناعمة التي اشار إليها اخونا حسين شبكشي أعلاه تعني هنا حسب تقديري خيارات الدول في تكليف الشخصية المتميزة القادرة على الحضور والتفاعل لدي الدولة التي يقوم بمهمة العمل بها … وتعني ايضا خلق القنوات الخلفية ( وغالبا … هادئة ) ولا تكون بالضرورة سرية , القنوات السالكة والقادرة على المفاوضات وتدوير الزوايا ( قريبة مما جاء من تعريف المخضرم الامريكي وليم بيرنز صاحب الخبرة الطويلة في الدبلوماسية … لا تنسوا هذا الإسم ) وعدم خوض الصراعات بصورة المواجهة … وتحاشي الحدية في التعاطي مع الاحداث .

إختيار مثل هذه الشخصية ونعني السفير فوق العادة التي تكلف بمثل هذا النوع من المهمات , لا تاتي من الملاك  الدبلوماسي ( الكلاسيكي ) عادة إلاَ فيما نذر … تكون هذه الشخصية مُلمة بمعرفة البلد الذي ستوكل له فيها المهمة  …  وفهم واع للبلد المضيف  تاريخه , وتراثه وخلفيته الحضارية والثقافية ولتطلعاته المستقبلية … كذلك ربما تكون له جذور او صلات ثقافية او دراسية  , أو مصاهرة و قبول وترحيب له معروف هناك لاسباب مختلفة … الخ.   إضافة  إلى هذه المواصفات الخاصة ,  للمرشح لمثل  هذه المهمة  يقدم المؤلفون للدبلوماسية رؤيتين كبيرتين:

الاولى تعتبرها عٍلما بينما تنظر إليها الثانية على أنها فن .  

ومن هنا تطورت الحاجة إلى هذا النوع من الرُسل والمبعوثين … حسب الظروف والحاجة إلى ما يعرف اليوم بسفراء فوق العادة , وما يتمتعون به من إمكانيات واسعة , ومواهب تؤهله للنجاح المتميز في مهمته .  

.وهذا لا يعني ان مفهوم الدبلوماسية ( الكلاسيكي ) المعروف لدينا  قد تضاءل  دورها امام الفن , والعلم وانه لم يبقى من العمل الدبلوماسي سوى وجهه ذي المظاهر البراقة والنشاط السطحي … ويقول ( رالف فلتام ) في كتابه عن الدبلوماسية  :بان الدبلوماسي لا يزال شخصا لا يمكن الإستغناء عنه وإن ما تغير إنما هو طريقة اداء مهمته وطبيعة هذه المهمة .

وإذا راينا وتعايشنا مع كل هذه التطورات في حياتنا اليومية والإتجاهات الأدبية والفنية …  ووسائل الإتصال والمواصلات … الخ . ونقبل به فالمهمة الدبلوماسية وأهدافها  تتطور ايضا … ولا سيما ان هذا التطور ليس إلا إستمرارا لتغييرات وتحولات كثيرة مرت بها مهنة الدبلوماسية أيضا منذ أن تشكلت المجتمعات البشرية الأولى وإذا كنا لا نعلم على وجه الدقة متى واين ولدت الدبلوماسية فإننا نستطيع ان نؤرخ ولادتها باليوم الذي ارادت في مجموعة من البشر إقامة إتصالات مع جيرانها …   واصبح زعيم القبيلة هو الذي يتعامل مباشرة مع زعماء القبائل المجاورة , ويتولى امر المحادثات معهم في شؤون إقتسام اراضي الرعي , او ينابيع المياه إلى ان تطورت هذه المجتمعات واصبح لها علاقات ومصالح مع مجتمعات اخرى  بعيدة , وأصبح  الزعماء والحكام يوفدون إليها رسلا ومبعوثين عنهم فبدأت مهمة هؤلاء الدبلوماسية تاخذ شكلها المستقر والدائم وتضع لنفسها أصولا وتقاليد … وضروريات … منطلقين في ذلك من الفرضية الأولى القائلة بأنها بدات ( فنا ) لكنها اخذت تتحول إلى (علم )مع تعاقب الأزمنة وتغير الأحوال وتنوع حقولها ومزاياها . فإذا قلنا إنها علم إفتراضيا أن يكون الدبلوماسي ملما  بالقانون الدولي العام والخاص ومطلعا على العادات والأعراف الدولية وعارفا بتقاليد الامم ومصالحها وخصائص مجتمعاتها والعلاقات التي يتعين إقامتها معها .

اما إذا إعتبرناها فنا فإن ذلك يفترض أن يكون الدبلوماسي يملك موهبة الملاحظة والتحليل والإستنتاج  وتركيز إستخلاصاته  , بالإضافة إلى الكياسة واللياقة وطيب المعشر .

وكما هو معروف عن مواصفات الدبلوماسي بشكل عام  , هنا وفي هذه الحالة الخاصة ثمة نقطة جوهرية للمرشح بهذ المهمة إضافة لما سبق و ذكرناه ,  يجب ان يعرفها هي التوازن بين المعرفة بالعالم  واوضاعه وتطوراته وقواه الدولية … وبين ضرورة معرفتة بدولته واوضاعها … فالذي يعلم كثيرا  حول بلده … لكنه ذو معلومات غامضة وضبابية حول ما يدور في العالم لن يقدر على الفهم العميق الذي يعزز قضية بلده والمهمة المكلف بها.    

( بالمناسبة يحدثنا التاريخ العربي أن الخليفة المأمون  كان يحرص على ان يرسل إلى الخارج مبعوثين خاصين ليتعاقدوا مع بعض العلماء والمفكرين كي ياتوا إلى بغداد وينضموا إلى علماء بلاطه وكانت هذه البعثات تسمى  سفارات ومن أشهر سفارت المأمون تلك التي أرسلها إلى الإمبراطور البيزنطي ليطلب منه إستعارة أستاذ شهير في الرياضيات ليستفيد من علمه في بغداد … هكذا كان العرب في أوج إزدهارهم العلمي يرسلون السفارات ويتحملون مشاق السفر وأخطاره في ذك ازمان من أجل الإفادة من خبرة ومعرفة أو إنجازات سمعوا عنها …  )

هكذا وحتى بلغت ذروة الإزدهار الدبلوماسي في القرن التاسع عشر الذي يعتبر بحق العصر الذهبي للدبلوماسية والدبلوماسيين .

وللحديث بقية

ملحم مسعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى