#أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب – الدبلوماسية … ثقافة ورشاقة … 1

ملحم مسعود – اليونان 28.11.2020

عرًف علماء السياسة والعلاقات الدولية الدبلوماسية على انها إدارة العلاقات  الخارجية , او هي إسلوب رعاية مصالح الدولة ورعايتها في الخارج لدي الدول الأخرى  . وهي ضمن الأساليب التي تتبعها الدولة في تنظبم علاقاتها بالدول الأخرى … ومن هذا المنطلق نرى مفهوم الدبلوماسية على نحو مختصر هو علم ( العلاقات الدولية … وفن التعامل مع الغير ) .

لقد تطور مفهوم الدبلوماسية كعلم وفنون مهمة تطورا كبيرا خلال السنوات الماضية بحيث إنتقلت من الدبلوماسية المؤقتة… او العابرة لتوصيل الرسائل … والقيام بالمهمات … ألخ. إلى الدبلوماسية الدائمة أو المقيمة . بثبوت سيادة الدولة وقيام القومية الحديثة التي قضت على العزلة في عالم العلاقات الدوليةكما هي اليوم … ليصفها البعض بالقوة الناعمة التي توفرها الرياضة والفنون والثقافة والمصالح  كجسور تعبر عليها العلاقات بين الأمم    ( في الإتجاهين )على إختلاف ثقافاتها وتباين حضاراتها ولغاتها .

ومن ثم أصبح قيام التمثيل الدبلوماسي الدائم أساسا من أسس الإستقرار في هذه العلاقات وحمايتها بصفة رسمية وهي كثيرا ما تعتبر وسيلة أرادة هامة للقرار السياسي , وإن قيام العلاقات الدبلوماسية بين الدول عن طريق الممثليات الدبلوماسية  قد أصبح بمثابة الدائرة الحية للتعامل وتقييم العلاقاتالدولية بصورة صحيحة وسليمة  من جميع جوانبها السياسية والإقتصادية والعلمية والثقافية إلى غير ذلك من أسباب الإتصال بين الشعوب والدول مما يقتضي حماية ورعاية من جانب الممثل الدبلوماسي .

إذاً لم يعد مفهوم الممثل  الدبلوماسي الحديث , كما هو في القرن التاسع عشر … وهناك امثلة لتفهم الدول للدبلوماسية بوجه عام وإعطائها أهمية خاصة ففي إيطاليا على سبيل المثال لم تكن في القرنين الخامس عشر على ما هي عليها اليوم … حيث كانت منقسمة إلى خمسة ( دويلات ) صغيرة ومتحاربة فيما بينها ,   الحالة التي كانت سائدة في عموم أوروبا  في ذلك الزمان … وكانت إحداهما والأهم دولة ” فلورنسا ” ودون الدخول في هذه الحقبة المعقدة … لكن ما زاد الأمر تعقيدا تحالف بعضها مع القوى العظمى بين الحين والآخر مثل إسبانيا وفرنسا وما يعني ذلك من تدخلات وتداعيات … لتظهر أهمية ” الدبلوماسية ” في علاقات هذه الدويلات فيما بعضها … ومع القوى العظمى في اوروبا .

في ذلك الزمان جاء الفيلسوف والكاتب الإيطالي الكبير ( ماكيافيلي) الذي إعتبر راعي الأساليب الممكنة و المستندة إلى الخيانة والخداع والقسوة المفرطة , وغير الأخلاقية في عالم السياسة , حتى أن تلك الوسائل أخذت تسمى بالوسائل ( الميكفالية ) ويعتبر ميكيافيلي صاحب كتاب ” الأمير “ إياه … مؤسس علم السياسة … وبالتالي اصبحت أهمية (  الدبلوماسية ) كرافعة لمثل هذا النوع من السياسات في ذلك الزمان   … وربما كان هذا الإسلوب نراه احيانا في عالم السياسة في ايامنا هذه .

والجديربالذكر ان ماكيافيلي رغم ثقافته ونجاحه في مسيرته المهنية في اروقة العمل الحكومي , وتمكنه من التعرف ومقابلة أشهر رجال عصره من الملوك والأمراء , إذ سافر إلى عدة عواصم أوروبية , ومكث في البلاط الفرنسي طويلا وهو يتفاوض مع رجال البلاط … كان حلمه أن يكون  سفيرا هناك … إلاأن الحلم لم يتحقق … لأن السفراء كانوا يعينون من أبناء العائلات الثرية … الحاكمة .

هذا قليل من كثير عندما كانت تخلط المعايير والإعتبارات في ذلك الزمان . كما جاء في كُتب التاريخ وهي حكاية مسلية ليس هنا مكانها الآن وخصوصا  في مقال  ( لزيد خلدون جميل ) في القدس العربي أخيرا  وهو يتساءل : ماكيافيلي … فيلسوف شر أم واقع سياسي ؟

وهذه حكاية أخرى … لمفهوم الدبلوماسية في ذلك الزمان …والعودة إلى ذلك الرجل ( الدبلوماسي ) المخادع الذي يعمل في خدمة المصالح الطامعة .

ونعني هنا بالدبلوماسي الفرنسي … شارل موريس دي تاليران الملقب  : بالقبيح والأعرج والكهل آسر قلوب النساء … والذي وصفوه بأنهاقدرأو أبرع في مهاراته الدبلوماسية وأساليبه ومكره ودهائه ومسيرته … التي تبوأ خلالها مناصب متعددة في بلده , إلى أن أصبح سفيرا لفرنسا في لندن (1830-1834 ) وقام بدور مهم في المفاوضات مع إنجلترا التي أسفرت  عن إنشاء مملكة ” البلجيك ” المحايدة، وتوج عمله الدبلوماسي بتوقيع حلف بين فرنسا وإسبانيا والبرتغال في إبريل عام 1834. ليصبح هذا الرجل العامل من اجل السلام والساعي من أجل إستقرار العلاقات الدولية من خلال توطيد العلاقات والروابط بين الدول .

 أصبح المفهوم الدبلوماسي في زماننا  اليوم أن يعمل الدبلوماسي في ميادين شتى ولاغراض متنوعة ومختلفة    ( بريئة ) وان يكون متمكنا وعارفا , ومطلعا وعلى دراية وخبرة كبيرة ما امكن ذلك ليملك على  التكيف في شخصيته وإحساساته  وفقا لما تمليه عليه واجبات ” المهمة ” الدبلوماسية التي تكلف بها … من مبادئ وأساليب لتمثيل بلده على الوجه الكامل والمطلوب .

وكما يقول هارولد نيكولسونإن مجموعة الصفات والميزات التي تتوافر في الدبلوماسي هي فريدة  ومميزة . ولكن حتى ولو توافرت في الدبلوماسي هذه المميزات فإن مقياس نجاحه الذي يحققه في مضمار بناء النظام الدولي سيبقى معتمدا ولدرجة كبيرة على ظروف معقدة وقد منحت وتوفرتللدبلوماسي حصانات وإمتيازات لتسهيل مهمة أداء عمله في الدولة المضيفة بموجب إتفاقية فيينا المبرمة عام 1962  وهي حصانة شخصية وحصانة مدنية وحصانة عينية وأما الإمتيازات فهي مالية مثل الإعفاء الضريبي ….الخ .

وخلاصة القول إن الدبلوماسية ليست فقط الناحية الإجتماعية بما فيها من حفلات وزيارات وسهرات ودعوات … الخ . بل هي أيضا مسؤولية كبيرة على عاتق الممثل الدبلوماسي , الذي يدرك تماما أنه في مهمة ... وليس في مهنة .

وربما كانت التعاطي مع دوائر صنع القرار , من الصعوبة الأمر الذي يتطلب فهما جيدا لمكونات هذه ( الدوائر) وطبيعة عملها حتى يتمكن من ”  إختراقها ”  وهذا لن يكون سهلا بمجرد وصول رئيس بعثة لبلد ما …

وقلما يكون نجاح رئيس بعثة في ( عبور) الحواجز والوصول من دائرة صنع القرار … لمعرف ما يقولون … ويسمعوا له بما يقول …  ما لم تكن له شخصيةوحضور… وثقافة ولغة وأصدقاء … ومعرفة دواخل المجتمع الذي يعيش فيه … وهذا ما يعني الثقافة … والرشاقة .

وللحديث بقية .

في الصورة : السفير ملحم مسعود في حديث ( دبلوماسي ) مع رئيس الوزراء اليوناني أندرياس باباندريو … وفي الوسط وزير الخارجية كارلوس بابولياس الذي اصبح لاحقا رئيسا للجمهورية اليونانية طوال عشر سنوات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى