#أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – الحكاية الأوروبية ( 3 )

السفير ملحم مسعود – اليونان 25.7.2020 

بعد أربعة أيام ولياليها الطوال … ومواجهات عديدة ( كانت ضرورية وفرصة … لتسجيل المواقف ) توصل قادة الاتحاد الأوروبي الـ27 إلى خطة تاريخية لدعم اقتصادات دولهم التي تعاني من تفشي فيروس كورونا المستجد , تمول من الدول الأعضاء للمرة الأولى بواسطة دين مشترك , وتتالف هذه الخطة في صيغتها الأولى من قروض بقيمة 250 مليار يورو وإعانات بقيمة 500 مليار يورو مستندة إلى موازنة طويلة الأمد للإتحاد الأوروبي بقيمة 1074 مليار يورو. والتي تم تعديلها .

لا شك أنها كانت نهاية سعيدة , وأصبحت معروفة لكل خبير و متابع ومهتم … وسنحاول في هذا المقال إستنتاج العٍبر التي كانت ضرورية في نظر البعض … ( لتجليس .. ) – إن صح التعبير – آليات العمل في المنظومة الأوروبية ، وهي معروفة بطبيعة الحال على الورق … من تعاون وتعاضد … وتكاملللحفاظ على وحدة النظام والتطوير الدائم لهذه الآليات والإستمرار من خلا ل العنصر البشري القادرعلى الإدارة  والتسيير لمحاكات العصر ومتطلباته.

وكما هو معروف فإن لكل عضو حق الإعتراض ( الفيتو ) على أي مشروع او قرار … وهنا التوخي … مدى الصعوبة في دوران عجلة النظام وما يتطلب من جهد تصل أحيانا للمقايضات … والمتاعب تأتي احيانا من دول صغيرة معظمها حديث العهد في الركب الأوروبي … كما حدث في إجتماعات الإسبوع الماضي ,في محاولات التعالي من ظنوا ان كعوبهم عالية.  

وأورد هنا مثال بسيط : دولة مثل  ” صربيا تقرع ابواب الدخول إلى الإتحاد الأوروبي … وتحاول بكل السبل ان تراجع إمكانياتها ومؤهلاتها لقبولها في المنظومة الأوروبية  وهي تحمل إثم المجازر التي إرتكبها الصرب في  (سربرنيتسا ) قبل ربع قرن راح ضحيتها قرابة 8 آلاف إنسان وما آلت عليه ارضهم وبيوتهم …

هل سيكون لها أو غيرها حق الفيتو يوما في هذه المنظومة …كما هو الحال الآن  ؟؟؟

لا أريد نكأ الجراح ونترك هذا الموضوع الذي لم يتركنا إلى مناسبة أخرى .   

وعودة إلى أوروبا كما نعرفها الآن… كانت أزمة فيروس ( كوفيد 19) هي التحدي الاكبر الذي واجهته المنظومة الاوروبية لأول مرة منذ إنطلاقها عمليا بعد إتفاقية روما عام 1975 وإستطاعت مواجهتها … على امل تجاوزها والإنتصار عليها ، لأن الاضرار مستمرةوالحرب لم توضع اوزارها .

في المقالات السابقة حاولت بإختصار شديد التوقف امام عناوين تطورات القارة الأوروبية الذي إحتاجت إلى مئات السنينلعبور مراحل الحروب والإقتتال … وسياسات الهيمنة وما خلفته من كراهية واحقاد , الأمر الذي يحتاج إلى الوقت … الشعوب لا تنسى … إنما تتسامح  حتى تستطيع أن تتعايش و وهذا ما يحدث اليوم .  

إذا دققنا في المواقف … والنقاشات  … وتسديد ( اللكمات … ) والإصطفافات ما بين دول الشمال … ودول الجنوب … ودول سُميت ب ( المقتصدة ) …الخ. وبعض مما تسرب عما جرى في كواليس هذه الإجتماعات والمماحكات … والضرب على الطاولة من قبل زعامات ” من العيار الثقيل ” والطريقة التي إتبعتها ” سيدة ” أوروبا , وثقتها الواضحة وبما تعنيهعبارة ( …لا يصح إلا الصحيح  ) وكأنها تحمل مفتاح الإنفراجات في جيبها الصغير في ردائها البسيط  … وجاء تصرفها كانها تقول ” … إفتح يا سمسم … ”  في الحكاية التي إرتبطت بأذهاننا نستمد منها المعلومة والحكمة من خلال الشخصيات الحقيقية التي كانت تخاطب ” الدمي ” .

كانت الخطوط العريضة لهيكلة ( صندوق الإنقاذ ) وإنعاش الإقتصاد قد تبلور في كواليس القيادة الألمانية والفرنسية تامين مبلغ ( 750 مليا يورو للصندوق  ) وكان معروفا سلفا قبل بدا المفاوضات لسماع الاراء وأخذ المباركة الجماعية على مشروع الإنقاذ … وتشريع الاداء  والتفاصيل . وكما يقول المثل الإنجليزي المشهور (الشيطان يكمن في التفاصيل ).

أطلت براسها الدول الأربعة المتشددة في مواقفها : هولندا والنمسا والسويد والنمارك , وكان شيخ المجموعة رئيس الوزارء الهولندي مارك روتي أقدم رئيس أوروبي  في الحكم , وهنا بدأت الإصطفافات والدخول في ( البازار ) الكبير لتطرية المواقف والمساومات والتنازلات .

كان رئيس البرلمان الأوروبي ( البلجيكي ) شارل ميشال رئيس وزراء سابق . الذي ادار اللعبة بنشاط وذكاء بين كافة الأطراف … ورضى سيدة اوروبا الزعيمة الألمانية ميركل الحاضرة أبدا , والرئيس الفرنسي , حيث  قدم شارل ميشال  تعديل المشروع المقدم  الذي قدمته ميركل  وماكرون إلى  باقي    (الجوقة ) من الطرفين الدول “المقتصدة ” بزعامة الهولندي إياه ( مارك روتي ) من جهة وزعماء الدول المتضررة والتي طالما نادت في طلب العون من أوروبا … وهي إيطاليا بالدرجة الأولى يليها إسبانيا لتبدا التجاذبات … في عملية … شد الحبل … غير مسبوقة .

المندوب الإيطالي , مع المندوب الإسباني يتمادون بالشد , وبدرجات كبيرة … حتى لا ينقطع والعودة إلى بلادهم بخفي حنين … احسنوا الشد والتراجع خطوة او أكثر قليلا في اللحطة الأخيرة , لضمان الإستمرار في اللعبة … ويعود كل منهم وفي جعبته ما تيسر من كرم الكرماء , ليقولوا للناخبين ها هي مكتسبات الشعب الإيطالي حملناها لكم من الأشقاء في  بروكسل وقد إنتصرت إيطاليا بلعبة شد الحبل . والشئ ذاته سيقوله الزعيم الإسباني لأهله وربعه .

هذا ما جرى في الأيام القليلة الماضية , وربما يمكننا والقارئ الكريم  تلخيص هذه الجهود والأتعاب … وما تمخض عنها  طوال تلك الأيام … خروج الإتحاد اقوى مما كان عليه , ورضى كل الأطراف … ولاضرر ولا ضرار … على النحو التالي :

أولا قد يقول البعض إن الحديث عن مثل هذه  المليارات تستحق فعلا …  اكثر من  شد حبل واحد .  

وبدا (البازار ) الكبير , يذكرني حقا ما يحدث بالبازارات الشرقية …  

بدا المشروع حسب تفاهمات ( ميركل ماكرون ) بخطة بقيمة 750 مليار يورو تخصص على النحو التالي :

250 مليار يورو بمثابة قروض .

500 مليار يورو هبة أومساعدات لا يترتب على الدول المستفيدة إعادتها ( هذه الأموال تتشارك بتامينها كل الدول الأعضاء )

وبعد ( عراك )  شد الحبل … وذكاء من أداروا اللعبة  قدم رئيس البرلمان الأوروبي مشروعه المعدل عما هو مطروح وعمل ( خصومات ) في صالح تصورات ومطالبات مجموعة الدول ( المقتصدة ) على النحو الآتي :

350 مليار يورو   بمثابة قروض .

400 مليار يورو هبة ومساعدات .

وتمنح المساعدات للدول الأكثر تضررا جراء وباء كوفيد – 19. وهي تمثل دينا مشتركا يتعين على الدول الـ27 سداده بصورة جماعية. أما القروض، فيجب على الدول المستفيدة منها سدادها. . وفي كلتى الحالتين وبعد الموافقة النهائية على ( الأرقام ) تدخل العملية  في دهاليز ما بين الباب والدار.

وقال شارل ميشال: «للمرة الأولى في التاريخ الأوروبي، تُربط الميزانية بالأهداف المتعلقة بالمناخ، للمرة الأولى يصبح احترام دولة القانون شرطا لمنح الأموال». وكان هذا الشرط يصطدم بمعارضة قوية من بولندا والمجر( أصوات من الماضي ) وهما الدولتان اللتان تواجهان آلية باشرتها المفوضية الأوروبية بحقهما لاتهامهما بتقويض المعايير القضائية الأوروبية والقيم الديمقراطية للتكتل ..وطالب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي لوح باستخدام ( حق النقض في القمة) بوضع حد لهذه الآلية المعروفة بـ«المادة 7» بحق بلاده والتي يمكن نظريا أن تفضي إلى عقوبات..

وشهدت القمة الأوروبية نقاط توتر كثيرة، وصعّد ماكرون خلالها النبرة منددا بسوء نية الدول المقتصدة و«تناقضاتهاورأى ماكرون أنه «تغيير تاريخي لقارتنا الأوروبية ومنطقة اليورو»،
غير أن القمة شهدت في المقابل عودة لافتة لدور الثنائي الفرنسي الألماني بعد أشهر من الاستياء المتبادل، ما أنعش المشروع الأوروبي نفسه بعدما عانى من أزمة كوفيد – 19
فيما أعربت ميركل عن «ارتياحها الكبير» إذ أثبتت أوروبا بعد مفاوضات صعبة أنه «ما زال بالإمكان التحرك معاً». وبعد معركة شرسة بين الدول «المقتصدة» من جهة وفرنسا وألمانيا من جهة أخرى، تم التوصل أخيرا إلى تسوية خلال قمة استثنائية ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى